من صحيفة تمثل الرأي الحكومي وتدافع عنه دفاع المستميت منذ تأسيسها عام 1971 ، إلى واحدة من الحمم البركانية التي ثارت ، مطالبة بعد ردح من الصمت بامتيازات لا أدري مدى شرعيتها ، ومدى استحقاق المطالبين بها لها ، ولكن العبرة في أن هؤلاء الذين كانوا يلاحقون الرئيس بكمراتهم، أصبحوا يطالبون برحيله ، لينظموا بذلك إلى طابور الثائرين الحاقدين ، ليس على الشخص في بعض الأحيان ، بل ربما على سياسته التي في نظر الكثيرين ، ما ساهمت إلا بإدخال البلاد إلى حالة من الفوضى السياسية التي تفضي بدورها إلى فوضى اجتماعية ، والعكس صحيح ، فالعلاقة بين الجانبين طردية .
النسور الذي كان يمسك الصحيفة بين يديه ليطالعها مع فنجان قهوة الصباح ، أخاله بدأ يرى في هذه الصحيفة قنبلة ستنفجر في وجهه إن هو اقترب منها ، وربما أنه ولنفس السبب قد أمر ، بإزالة كل الصحف القديمة التي صدرت عن الرأي ، والموجودة في منزله ومكتبه وسيارته ، فالرأي في معناها ، كلمة تؤرق الرجل ، الذي يبدو جليا بأنه من عشاق الأحكام العرفية ، والقبضة الحديدية . وإلا فما هو الذي غير موقفه من مناصر للرأي ومن فيها عندما كان نائبا في عام 2011 ، فزعة لها كصحيفة أردنية عريقة ، بناها وصفي التل ومحمود الكايد وسليمان عرار وجمعة حماد ونزار الرافعي ، إلى ثاني من تجرأ أن يقوم بإدخال قوات الدرك إلى حرمها ، فما أبقى للعقل والعقلاء من مجال .
ما يحدث في صحيفة الرأي اليوم ، هو بمثابة رسالة واضحة للنظام السياسي في الأردن ، للتوقف عن المراهنة على هدوء الشارع ، وعقلانية الأردنيين ووعيهم ، فالفئة التي تحركت من الرأي ، هي فئة نخبوية مثقفة واعية ، لا تستطيع الدولة التشكيك فيها ، فهؤولاء أنفسهم ، هم من عرفناهم بمصداقيتهم في نقل الخبر لنحو ما يقارب النصف قرن ، وبالتالي فإن انتقالهم مما كانوا عليه إلى حالة السخط والغضب التي هم عليها اليوم ، هو دليل واضح بأن حالات انتقال مشابهة ، لفئات أخرى واردة ، في حال إذا ما استمر النظام السياسي في الأردن في استخدام سياسة حل المشكلة بمحاولة طمرها ، وليس بواسطة ايجاد الحلول لها ، وهذا ما سيؤدي في حال تراكمه ، إلى انفجار لن يستطيع أحد الوقوف في وجهه ،،
إن عدم وجود سياسة واضحة للتعامل مع الأحداث ، والتناقض بين الأقطاب المختلفة للنظام ، بشكل مبرمج أو غير مبرمج ، ينبئ عن حالة فوضى عارمة ، فالملك يوجه في واد ، والتطبيق والواقع في واد آخر ، وهنا تظهر الحاجة إلى السؤال الذي كان عنوان المقال الأخير ، من يحاسب الرئيس ؟! ، فالقضية تتجاوز خطأ بسيط يمكن التغاضي عنه ، إنما هي سياسة دولة تنحرف عن المسار المعتاد ، وانحرافها سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ،
ختاما أقول ، الثورات الشعبية ، والاعتصامات ، والمسيرات الغاضبة ، أشبه ما تكون بالمرض الخبيث ، كلما تم اكتشافه والتعامل معه بشكل باكر ، كلما كان هناك فرصة أكبر لعلاجه ، وكلما تأخرت عملية اكتشافه أدى ذلك إلى انتشاره وتوغله في الجسد ، ليصبح الحديث عن أية حالة علاج هو ضرب من العبث ، فالمطلوب من الدولة الآن ، أن تتعامل بجدية مع كل المطالبات المنطقية والعقلانية ، مع التوقف عن المراهنة على حالة الصمت التي تعتري الموقف في أغلب الأحيان ، فالانتقال من حالة إلى الحالة المعاكسة هو أمر في غاية السهولة ، والرأي هي الدليل ..
بقلم : اشرف شهاب عضيبات
Abu_shihab82@hotmail.com