عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-12-2012, 08:34 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

قصيدة النثر : قصيدة بلا متلق ( 2 )

قبل ظهور قصيدة النثر بفترة وجيزة ظهر الشعر الحر في منتصف الأربيعينيات تقريبا ، وكان زلزالا في تربة الشعر العربي ـ أعاد تشكيل هذه التربة ، وجعلها أكثر خصوبة ، على الرغم من هذه الحرب الضروس التي ووجه بها ، ويعرف كثير من الناس تأشيرة العقاد الشهيرة حول الشعر الحر حين أشر على إحدى القصائد – وقد كان مقررا للجنة الشعر – بأن تحول إلى لجنة النثر ، وبعد استقرار التربة ظهر أن هذا الشكل من الشعر قادر على التكيف مع المذاق التراثي للشعر العربي ، وظهر في كثير من نماذجه المتألقة على أنه تطور طبيعي للشعر العربي ، برغم جذوره التي تمتد خارج هذا الشعر ، ولعل رصد ردود أفعال المتلقين في الأمسيات الشعرية ما يعزز هذا الرأي ، وهو ما لم يحدث حتى الآن مع قصائد النثر ، أما قصيدة النثر ، فلم تستطع أن تكون طرفا فاعلا في الأمسيات الشعرية ، وهذا موضوع لا يجب النظر إليه على أنه هامشي في إشكالية قصيدة النثر ، فالمزاج العربي حتى الآن ما يزال مزاجا شفاهيا ، يطرب للكلمة المسموعة ، ويتفاعل مع الإيقاع ذي النغمة العالية ، ومسألة المزاج الكتابي الذي يتفاعل مع الأشياء من خلال العين لا الأذن تتطلب شروطا حضارية في المتلقي العربي لا يبدو أنها قابلة للتحقيق في مدى قريب ، كما أنه ليس مطلوبا لهذه الشروط أن تتحقق ، فهذا المزاج الشفاهي للمتلقي العربي لم يتشكل في لحظة ، كي يمكن التخلي عنه في لحظة أخرى ، بل تشكل عبر مئات السنين ، ومن خلال تجارب في التلقي لا حصر لها ، وقد أثبت هذا المزاج قدرة على التكيف مع الشخصية العربية بحيث عد أحد العناصر المهمة في تركيب هذه الشخصية ، والنقلة التي يراد لها أن تتحقق من الشفاهية إلى الكتابية ليست نقلة نوعية في حقيقتها ، بل إنها ربما تكون شديدة الوطأة على الشخصية العربية .
وهذا أمر يصيب قصيدة النثر في مقتل ، فهذه القصيدة تنتمي إلي المزاج الكتابي ، بينما ينتمي المجتمع الذي تكتب فيه إلى المزاج الشفاهي ، هذا التعارض يجعلها قصيدة بلا متلق ، أو يحصر متلقيها في نطاق محدود ، ولا يفيد هنا اتهام المتلقي العربي بالقصور ، فهو اتهام عنصري على أي حال .
هناك شيء آخر يجعل هذه القصيدة بلا متلق ، وهو موضوع الغموض فيها ، وهو موضع يبدو وثيق الصلة بالطابع الكتابي لها ، إن غموض قصيدة النثر ليس من نوعية الغموض في الشعر القديم ، عند أبي تمام والمتنبي مثلا ، أو حتى في بعض أشعار الصوفية ، وهو غموض يكفي معه – في بعض الأحيان – تفكيك الدلالت بالمعنى البسيط لكلمة تفكيك كي تحصل على ما تريد ، وعملية التفكيك قد تقوم على المنطق أو التاريخ أو الأعراف أو الأديان ، وفي كل الأحوال ، فإن هناك معالم تهديك في الطريق ، أما غموض قصيدة النثر فهو من نوع مختلف ، غموض لا يخاطب العقل ولا يجابهه ، كما يفعل الشعر القديم في كثير من الأحيان ، بل يخاطب جوانب قارة في نفس المتلقي تحتاج إلى حساسية جديدة ، واستجابة من نوع آخر ، إن غموض قصيدة النثر جو عام فيها ، أو بنية بحسب تعبير جون كوين ، والمعنى فيها لا يختفي خلف الأكمة أو أمامها ، فقد لا يكون هناك معنى أبدا في القصيدة ، وهو عائق لا يمكن تجاهله أمام تحقيق استجابة صحيحة وطبيعية لقصيدة النثر في البيئة العربية .

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59