عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-12-2012, 08:35 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

قصيدة النثر : قصيدة بلا متلق ( 3 )

ارتبطت قصيدة النثر بالحداثة ، والحداثة كلمة يتحسس الناس مسدساتهم حين يسمعونها ، وعلى الرغم من ظهور إبداعات نسبت فيما بعد إلى قصيدة النثر أوائل القرن العشرين ، فإن من روجوا لمصطلح قصيدة النثر وإبداعاتها هم الذين روجوا لتيار الحداثة في البيئة العربية ، أصحاب مجلة " شعر " وكتابها بدءا من عام 1957 ، روجوا لها على أنها الحلقة الأكثر تطورا في تطور الكائنات الأدبية ، مثل الإنسان ، في الوقت الذي كانوا يروجون فيه للحداثة على أنها تحطيم للمقدسات والثوابت وكل الركائز التراثية التي يقوم عليها المجتمع ، لقد قدم هؤلاء الحداثة في أقبح صورة لها ، قدموها على أنها : إما أن تكون حداثيا أو متدينا ، وشاع ذلك في كتاباتهم شيوعا مخيفا ، ويمكن في هذا الصدد الاستشهاد بعشرات النصوص من كتاباتهم .
لا يمكن بالطبع محاكمة تيار الحداثة في هذه العجالة ، فالحداثة ليست تيارا أدبيا فقط ، وإنما هي توجه فكري ، أو موقف متمرد من الحياة يشمل كل ما يمكن تخيله من أنشطة يعنى بها الإنسان : سياسة اقتصاد ، اجتماع ، فن ، وهي في حاجة إلى إعادة تقديم إلى المجتمع العربي تقديما يكون مقبولا ، وهو تقديم يمكن تصوره ، مثلما فعل المجددون الأوائل حين نزعوا عن الرومانسية جانب الإلحاد فيها ، وقدموها للمتلقي العربي تقديما جميلا .
ارتبطت قصيدة النثر بهذه الصورة الكئيبة للحداثة ، والنتيجة ليست في حاجة إلى توقع ، فقد بدأ الناس يتحسسون مدافعهم وصواريخهم حين يسمعون كلمة " قصيدة النثر " ، وأنا أرجو من الشعراء أن يقدموا لنا إحصاءات عن عدد قرائهم من واقع أرقام التوزيع لدواوينهم مقارنة بدواوين الشعراء الآخرين ، ولن نطلب منهم الحديث عن طبيعة الاستجابة لقصائدهم في الندوات الشعرية ، فنحن نعرفها جيدا .
لا يحاول هذا الهجوم المبرر النيل من قصيدة النثر كتجربة في الإبداع ، بل يحاول وضعها في مكانها الصحيح ، وهو مكان هامشي في مسيرة الأدب العربي ، إن إشكاليتها الأساسية جاءت من التعامل معها على أنها أحد أطوار الشعر العربي ، وهي إشكالية أحدثها المصطلح ذاته ، هذا المصطلح الذي جعل كثيرين يشحذون أسلحتهم مستبعدين إياه من حظيرة الشعر ، لكني أظن أن هذه الإشكالية يمكن أن تحل تماما إذا عوملت قصيدة النثر على أنها نوع أدبي قائم بذاته يضاف إلى الأنواع الموجودة من قبل : الشعر والمسرح والرواية والقصة والمقال ...إلخ ، نوع يعتمد على تراسل الأنواع الأدبية وغير الأدبية ، يستفيد منها ، وقد يفيدها ، ووفق هذا المنظور ، فإنها تحتاج إلى موقف نقدي آخر غير الذي نقفه منها الآن ، موقف أكثر تسامحا وتقبلا لها ، ولا أستبعد – تبعا لذلك – أن ينحت لها مصطلح آخر ، فهذا المصطلح " قصيدة النثر " يغري بالخلاف ، بل يجعله ساخنا ، مصطلح يحوي في نفسه على ثنائية جدلية ، والجدل حوله يبدو أنه مما يناسب المزاج الشرقي ، وهو استمرار للثنائيات التي شاعت في معركنا القديمة أو الجديدة " الطبع والصنعة ، القدماء والمحدثون ، الأصالة والمعاصرة ، زمن الشعر أم زمن الرواية ، المحلية أو العالمية " إنك في هذه الحالة لن تفكر كثيرا ، لأنه لا اختيارات متعددة أمامك ، إنك في كل حالة إما أن تنتسب إلى هذا الطرف أو ذاك .
من أجل ذلك لا أتوقع للجدل حول قصيدة النثر أن ينتهي ، كما أتوقع أن يكون هذا الجدل دائما عودا على بدء .


__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59