عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-23-2012, 11:51 PM
عابر غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19
افتراضي مَن نُعزّي ، في غزوة مكتب الأمن القومي ؟؟


عندما يُرزَقُ المرء بمولود بعد عقم أو طول انتظار ، ويكون غلاماً سويّاً ، يبذل في تنشئته النفيس والغالي ، ويسهر لأجله الأيام والليالي ، يخاف عليه رموش العين ، ويحميه بكلتا اليدين ، ويذوق لأجله الأمرّين ..

وهكذا أبناء الوطن ، صنعهم الوطن على عينه ، وسقاهم من سلسبيله ، ليكونوا جنوداً أوفياء يذودون عن حياضه ، ويعمرون أرضه ، ويُعلون بين الأمم راياته .

والجندية شرف والعسكرية رجولة ، يلتحق بها ابن الوطن مجنّداً ، فعرّيفاً فرقيباً فمساعداً فملازماً فنقيباً فرائداً فمقدماً فعقيداً فعميداً فلواءً فعماداً ...

ولكم أن تتصوروا كم من السنوات تمضي بين الرتبة والتي تليها ، حتى يصل ابن الوطن إلى الرتب العليا ، كم من الوقت والمال والدورات والجهد والدعوات ، كم من الآمال والأمنيات والأحلام نعقدها على أبناء الوطن ليكونوا بعد كل هذا الانتظار في خدمته ، يحمون حدوده ويحفظون كرامة أبنائه ويصونون خيراته ...

فإن فقدناهم ، فمصيبتنا حجمها يليق بحجم الوطن .
وكم يكون الخطب عظيماً إن كان الولد عاقّاً ؟ أليست الحكمة تقول : ليس أشد إيلاماً من نابِ حيةٍ رقطاء غير ابنٍ جحود ؟!

أتذكرون قصة الراعي الذي رقّ لمولود الذئب فربّاه بين غنمه صغيراً ، يرعى معها ويشرب من لبنها ، حتى إذا اشتد عوده وصلبت أنيابه ، عدا عليها فمزقها شرّ ممزق !
وقف الراعي حينها يقول منتحباً :

بقرت شويهتي وفجعت قومي*** وأنت لشاتنـا ابـن ربيـب
غُذِيت بدرها ونشأت معهـا *** فمن أنباك أن أبـاك ذيـب ؟
إذا كان الطباعُ طباعَ سـوءٍ *** فـلا أدبٌ يفيـد ولا أديـب


قال إصلاحات قال !!

من ذا الذي يهون عليه أن يفقد وطنه خمسة - أو يزيدون – من كبار القادة العسكريين والأمنيين ، الذي صنعهم الوطن على عينه ، وأمضى الوطن في سبيل بلوغهم سن الرشد الوطني عشرات السنين !!

كم نحتاج من العمر لبديل لهم مخلِص يحمل خبرتهم ؟؟

أرأيتم كيف أن مصيبتنا بهم مضاعفة ؟ مصيبة الفقد ، ومصيبة الجحود !
أرأيتم كيف أن جريمتهم مضاعفة ؟ جريمة حنث اليمين ، وجريمة فجيعتنا بفقد الابن المفترض صلاحه !

عندما يعقّ الابن أباه ، يكون ظلم ذوي القربى أشد مرارة على النفس ، أعرفتم لماذا كان من المقرر عند جمهور الفقهاء أنه : لا يُقاد والد بولده ؟

أتذكرون مسلسل الجوارح ، كيف تغوّل البطل الشهم إلى دكتاتور ، فأراد والده ( ابن الوهّاج ) أن يضع حداً له ، فدعاه للمبارزة قائلاً : إن قتلتني ، أكون دفعت ثمن تربية غير صالحة ، وإن قتلتك ، فقد مات شرّ يجب ألا يعيش . ثم رماه بالحربة فقتله !

هكذا الحال ، برحيل خلية الأزمة ، مات شرّ يجب ألا يعيش .

حينما تساءل المعرّي عن علة قطع يد السارق بربع دينار ، مع أنها ديتها في الشرع خمسمئة دينار ، كان الجواب :
عزّ الأمانة أغلاها ، وأرخصها * * * ذلّ الخيانة ، فافهم حكمة الباري

حيثما تكون الرّتب العسكرية أمينة ، فهي علينا عزيزة ، لكنها لما خانت ، هانت .


كم كنت أرجو أن أقف أمام تلك الجثامين ، ثم أجثو على ركبتيّ ، لأقول للسادة العمداء مع اللواء :

شاهت وجوهكم مرتين : الأولى للأرواح التي باركتم إزهاقها والدماء التي أمرتم بسفكها والوطن الذي أجمعتم على ذبحه ، والآخرة لحليب الوطن الذي أرضعناكموه فخنتموه .

اللهم آجرنا في حليب الوطن ، واخلفنا من يكون بارّاً بالمرضعة .



سلسلة تأملات ثورية




.
المصدر: ملتقى شذرات


آخر تعديل بواسطة عابر ، 07-23-2012 الساعة 11:54 PM
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59