عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 05-05-2015, 07:45 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,192
ورقة نظرات في خلفية كتاب: "ما بعد السلفية"

نظرات في خلفية كتاب: "ما بعد السلفية"
ـــــــــــــــــــ

(أبو عبدالرحمن الباشا)
ــــــــــ

16 / 7 / 1436 هــ
5 / 5 / 2015 م
ـــــــــــ




هذا الكتاب لشيخين فاضلين لهما تاريخ علمي وإن كان قصيرًا، لكنه مشهود لهما بذلك، فلهما أبحاث وتحليلات وجهود يستفاد منها وتركن إليها النفس من جهة المادة العلمية وصورة طرحها المتميزة ..
لكن في الفترة الأخيرة صدر للكاتبيْن بعض الأبحاث والكتب، لم تكن على هذا المستوى المذكور بل ولا قريبًا منه ..
ككتاب "اختلاف الإسلاميين" للشيخ أحمد سالم وكتاب "الدرس العقدي المعاصر " للشيخ عمرو بسيوني، وأخيرًا كتاب ما بعد السلفية لهما معًا.. وجميع الكتب صادرة عن مركز نماء للدراسات!!
المشكلة في هذه الكتب - كما ذكرت - ليست في فقر المادة المعرفية أو ضعف اللغة التي استعرضا بها هذه المادة ...
المشكلة تكمن في أنها تبدو موظفة في إطار مشروع معين.
هذا المشروع أشار إليه أحمد سالم عندما ذكر في سياق رده على بعض الانتقادات أنه سيواصل مشروعه دون أن يلفت، ولم يذكر طبيعة هذا المشروع وملامحه ..
ويبدو من خلال تحليل هذه الكتابات أنها في إطار منظومة موجهة - بقصد من أصحابها أو بغير قصد- لإعادة تشكيل وهيكلة روافد الحقل المعرفي والثقافي لدى القارئ النخبوي، وإعادة تشكيل وعيه وطريقة تناوله للأصول والثوابت الشرعية والمنهجية ..فليست مجرد مادة معرفية فيها أخطاء ومغالطات .
وهذا متجسد بصورة واضحة في كتاب "ما بعد السلفية "، فالكتاب يعدو على ثوابت راسخة وأصول مستقرة، فيجعلها محل نقاش وأخذ ورد ..
فهل يحتاج أحمد بن حنبل لدى أي سلفي إلى إعادة تقييم لمنهجه ؟
وهل يشك سلفي في أنه إمام أهل السنة، وأن موقفه وثباته في محنة خلق القرآن هو ما رفعه الله به وأعلى به قدره ؟ بالطبع لا ..
فإن غاية أي عالم أو إمام بعده أن ينتسب إليه في المنهج و العقيدة، وموقف أبي الحسن الأشعري والباقلاني وغيرهم واضح !!
يأتي هذا الكتاب ليقول لنا: هذا الكلام محل نظر!!
وينبغي إعادة النظر إلى مشهد الإمام أحمد من جديد، فما حصل في محنة خلق القرآن ليس كما بدا لكم، فقد كان موقف الإمام يتسم بالشدة على المخالفين، بل وعلى أقرانه من الأئمة، ثم يصفه بالبغي ويُحمّله كل ما حدث بعده من فتن، فيربط بين موقفه من الكرابيسي، وبين موقف بعض أتباعه من الأشاعرة، فيقرر أن هذا البغي قد توارثه أتباعه البربهاري وابن الحنبلي والهروي !!
ولنا أن نتساءل : ما هي القيمة العلمية لحكاية هذا الموقف وتصوير هذا المشهد بهذه الصورة المزيفة ؟!
لقد سُئِل ابن معين الإمام عن أحمد الإمام، فقال : مثلي يُسأل عن أحمد؟ أحمد إمام الدنيا. فماذا يريد منا صاحبا ما بعد السلفية بعد هذا الكلام؟!
- هل هناك سلفي يشكك في سلفية مالك والشافعي وأحمد والبخاري والثوري وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم من الأئمة؟!
هؤلاء رموز وأعلام، وكلامهم من أهم الروافد العلمية لدى أي سلفي في أسلفة - إن صح التعبير - القول والعمل والمنهج ...
- كلمة قالها مالك في "الاستواء"، صيغت منهجًا لأهل السنّة جميعًا في أعظم أبواب التوحيد: "الاستواء معلوم والكيف مجهول" على اختلاف صيغها.. فهل تساوي إجماع الصحابة، وهل قال أحد أين دليلها، ومن سبقه بها؟!
بل ربما لا يعرف البعض عن مالك إلا هذه الكلمة، ولكنه لما رأى فحول الأئمة يتناقلونها ويحتجون بها على إثبات الصفات، يتولد في نفسه تعظيم هذا الإمام .
ولسنا بحاجة لأن نقول إنهم غير معصومين، فقد سبقنا مالك أيضًا بقوله: "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر" فصارت قاعدة سلفية ومنهجًا لمن بعده.
كلام هؤلاء الأئمة أصول منهجية وقواعد علمية ومنارات يُهتدى بها في ظلمات الغيّ والجهل، ويميز به بين طريق البدعة وطريق السنّة .. وما كان أغنانا عن ذكر هذا لولا أن الكتاب جاء ليشكك في تلك المسلمات، ويناقش - انتبه - صحة تحققهم السلفي ومدى مطابقته لما كان عليه الصحابة، وهل يصح اعتبارهم معيارًا سلفيًّا تقيم به التحققات السلفية التاريخية من بعدهم أم لا؟
الخطر ليس في النتيجة المزيفة التي وضعوها فحسب؛ الخطر يكمن في نفس "نقاش" هذه المسلمات، لأن مجرد نقاشها يخلخل ثبوتها واستقرارها والبناء عليها، فلماذا تناقش الآن وما الغاية من نقاشها؟!
تأملْ هذا المشهد العجيب الذي صوره شيخ الإسلام ..
قال رحمه الله: "ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود وكنت قد قلت: أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئًا مما ذكرته كانت له الحجة وفعلت وفعلت وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" في قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثَمّ وجه الله} فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي أن المراد قبلة الله فقال أحد كبرائهم - في المجلس الثاني - قد أحضرت نقلًا عن السلف بالتأويل فوقع في قلبي ما أعد فقلت: لعلك قد ذكرت ما روي في قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} قال: نعم. قلت: المراد بها قبلة الله فقال: قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف." اهـ. 6-16 من مجموع الفتاوى.
فتأملْ هذا المشهد العظيم، واستحضرْ جوّ المناظرة الرهيب وتحدي شيخ الإسلام العجيب، ثم انظر كيف فزع هؤلاء لكسر هذا التحدي بنقل كلام الشافعي ومجاهد وقولهم إنهم من السلف ؟!
انظر لما استقر في نفوس هؤلاء "الخصوم" تجاه هؤلاء الأئمة، وأن مجرد ذكر أقوالهم سيكسر هذا التحدي.
لم ينقلوا إجماع الصحابة ولا حتى قول صحابي واحد، بل قول مجاهد والشافعي فقط؛ وانظر كيف سلم لهم شيخ الإسلام بهذا، وكيف رد عليهم بعد ذلك .. ثم قارن بين هؤلاء الخصوم من أهل البدع، وبين قول صاحبَيِ الكتاب إن هؤلاء الأئمة قد ادعوا لأنفسهم ميراث المنهج السلفي؟!!
فخلفية هذا "الطرح" والمادة العلمية أو المعرفية التي يتبناها محل نظر وارتياب، فهل هو دعوة لمراجعة موقفنا من هؤلاء الأئمة، على غرار الدعوة إلى مراجعة النظر في المسائل العقدية التي صاغوها ؟!
فقد أوجبوا: "مراجعة بعض قضايا الاعتقاد التي تم تعظيمها وتبديع المخالف فيها في التحققات السلفية المتتالية منذ أحمد رحمه الله، والحال أنها مجرد نظر اجتهادي لا يمكن القطع بأن الصحابة كانوا سينظرون نظرًا مثله .."صـ 50.
وباختصار : لقد شككوا في اعتبار التابعين وأتباعهم داخلين في مسمى السلف الاحتجاجي وذلك بحصرهم المعيار الحجاجي في "إجماع الصحابة، ومنعوه فيمن سواهم، وأقحموا الخلاف الأصولي في الدرس العقدي؛ ثم جاؤوا على من بعدهم من الأئمة (الجيل الرابع) فمنعوه من ذلك ضرورة منعه ممن قبلهم، وأزالوا ما يعترض به من كلام أحمد وغيره من أن الفرقة الناجية هم أهل الحديث، وتوصلوا إلى نقضه، وأن الحديث في المجاهدين أصالة، ثم اختزلوا أهل الحديث على اختلاف مناهجهم ومذاهبهم وعلى مدار أربعة قرون وحتى ابن تيمية في "الحنابلة"، ثم حكموا على إمامهم بالبغي، وزعموا أن هذا البغي توارثه أتباعه من بعده، ومثَّلوا على هذا البغي بما حصل مع ابن جرير الطبري رحمه الله، وسلطوا الضوء على أقوال البربهاري وابن الحنبلي والهروي في تكفير الأشاعرة، تاركين وراءهم آلاف الأئمة في شتى المذاهب دون ذكر أو إشارة إلى حقيقة تمثيلهم للمنهج السلفي غير الباغي!! غاضين الطرف عن تكفير الأشاعرة للحنابلة وغيرهم، فهدموا البناء السلفي منذ أحمد وحتى ابن تيمية ...
- ثم جاء بعد الهدمِ البناءُ الفاسد ! فزعموا أن السلفية مرادفة للإيمان الكامل، يعني السلفية ليست مقصورة على هؤلاء فحسب؛ بل كل مسلم له حظ من السلفية، لأن السلفية بزعمهم لا تقتصر على الموافقة في العقيدة "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"، بل هي تساوي الإيمان المطلق، بما يتضمنه من عبادات ومعاملات وسلوك وأخلاق، فالرافضي سلفي بقدر ما يطبق من أحكام الإسلام، والخارجي سلفي بقدر ما يطبق من أحكام الإسلام، وهكذا ..
لقد وزعوا الحصص على الجميع، وأزالوا الفوارق المميزة بينهم، فعلام ننكر على مَن أدخل الأشاعرة في مسمى أهل السنّة؟
فأحمد مثل ازدحمد (عبد الجبار) في ميزان صاحبَيِ الكتاب!!

------------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59