عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-12-2017, 11:21 AM
الصورة الرمزية عبدو خليفة
عبدو خليفة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 721
افتراضي العلمانية و ترجمتها الصحيحة :


بسبب الغزو الفكري العلماني الكاسح لعقول الشعوب الإسلامية لم يعد الكثير من الناس يدرك الفرق بين شخص يرتكب المعاصي وهو يشعر بالذنب ويرغب في التوبة، وبين من هو حياته كلها معاصي لا يقيم وزنا لما شرعه الله، فالشخص الذي يرتكب المعصية مع الشعور بالذنب شخص مسلم لكنه مقصر يحتاج إلى التوبة، أما الذي فصل سلوكه عن أحكام الإسلام أي فصَل دينه عن حياته ــ وهو لايبالي، شخص علماني ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وحشى للإسلام أن يكون طقوس فقط.
(العلمانية SECULARISM و ترجمتها الصحيحة :
اللادينية أو الدنيوية، و هي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي و العقل (*) و مراعاة المصلحة بعيداً عن الدين (*). و تعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، و هي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم SCIENCE و قد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر و آنتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر و آنتقلت بشكل أساسي إلى مصر و تركيا و إيران و لبنان و سوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، و قد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.
و مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع و إبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه و بين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية و المراسم المتعلقة بالزواج و الوفاة و نحوهما.
تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة (*). وهذا واضح فيما يُنسب إلى السيد المسيح(*) من قوله: "إعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله". أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية و المسلم كله لله و حياته كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام : آية: 162].
التأسيس و أبرز الشخصيات :
• انتشرت هذه الدعوة في أوروبا و عمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي و التغلغل الشيوعي. و قد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة (*) الفرنسية سنة 1789م و بعدها إلى انتشارها الواسع و تبلور منهجها(*) و أفكارها و قد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:
- تحول رجال الدين إلى طواغيت (*) و محترفين سياسيين و مستبدين تحت ستار الإكليروس(*) و الرهبانية(*) و العشاء الرباني(*) و بيع صكوك الغفران.
- و قوف الكنيسة (*) ضد العلم وهيمنتها على الفكر و تشكيلها لمحاكم التفتيش و آتهام العلماء بالهرطقة، مثل:
1- كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية و قد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.
2- جرادانو: صنع التلسكوب فعُذب عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.
3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي و قد كان مصيره الموت مسلولاً.
4- جون لوك طالب بإخضاع الوحي(*) للعقل(*) عند التعارض.
ظهور مبدأ العقل و الطبيعة(*): فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل و إضفاء صفات الإله(*) على الطبيعة.
- الثورة(*) الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة(*) من جهة و بين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م و هي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب. و هناك من يرى أن الماسون آستغلوا أخطاء الكنيسة و الحكومة الفرنسية و ركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.
- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين، سبينوزا (يهودي) يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجاً(*) للحياة و السلوك و له رسالة في اللاهوت(*) و السياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين(*) في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية و دعوته فيه دعوة علمانية صريحة.
- ميرابو الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.
- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل و شعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى (الحرية(*) و المساواة و الإخاء) و هو شعار ماسوني و"لتسقط الرجعية" و هي كلمة ملتوية تعني الدين و قد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم و بين أجهزة الدولة و إذابة الفوارق الدينية و تحولت الثورة(*) من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.
- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي و بقاء الأنسب و قد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، و القرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها. و هذه النظرية أدت إلى انهيار العقيدة الدينية و نشر الإلحاد(*) و قد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء و خبث.
- ظهور نيتشة: و فلسفته التي تزعم بأن الإله(*) قد مات و أن الإنسان الأعلى (السوبر مان) ينبغي أن يحل محله.
- دور كايم (اليهودي) : جمع بين حيوانية الإنسان و ماديته بنظرية العقل الجمعي.
- فرويد (اليهودي) : اعتمد الدافع الجنسي مفسراً لكل الظواهر. و الإنسان في نظره حيوان جنسي.
- كارل ماركس (اليهودي): صاحب التفسير المادي للتاريخ(*) الذي يؤمن بالتطور الحتمي(*) و هو داعية الشيوعية و مؤسسها الأول الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.
- جان بول سارتر: في الوجودية و كولن ولسون في اللامنتمي : يدعوان إلى الوجودية و الإلحاد.
- الاتجاهات العلمانية في العالم العربي و الإسلامي نذكر نماذج منها:
1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت. و قد أشار إليها الجبرتي في تاريخه – الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر و أحداثها – بعبارات تدور حول معنى العلمانية و إن لم تذكر اللفظة صراحة. أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م. و أدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، و كان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، و كان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.
2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية(*) ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز و آنتهت تماماً في أواسط القرن التاسع عشر.
3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية(*) عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.
4- تونس : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.
5- المغرب : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.
6- تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة(*) و آستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، و إن كانت قد وجدت هناك إرهاصات و مقدمات سابقة.
7- العراق و الشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية و تم تثبيت أقدام الإنجليز و الفرنسيين فيهما.
8- معظم أفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار(*).
9- أندونيسيا و معظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.
10- انتشار الأحزاب(*) العلمانية و النزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية(*)، القومية العربية.
11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو ، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار "لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين"، د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة و قد اغتيل بالقاهرة مؤخراً، و غيرهم.
الأفكار و المعتقدات :
• بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً.
- و بعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله و بين حياة الإنسان.
• الحياة تقوم على أساس العلم المطلق و تحت سلطان العقل(*) و التجريبة.
• إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح و المادة(*)، و القيم الروحية لديهم قيم سلبية.
- فصل الدين(*) عن السياسة و إقامة الحياة على أساس مادي.
- تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة.
- اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم و السياسة و الأخلاق(*).
- نشر الإباحية و الفوضى الأخلاقية و تهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.
- أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي و العربي التي انتشرت بفضل الاستعمار(*) و التبشير فهي:
- الطعن في حقيقة الإسلام و القرآن و النبوة(*).
- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه و هو عبارة عن طقوس و شعائر روحية.
- الزعم بأن الفقه (*) الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة و يدعو إلى التخلف.
- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
- تشويه الحضارة الإسلامية و تضخيم حجم الحركات(*) الهدامة في التاريخ الإسلامي و الزعم بأنها حركات إصلاح.
- إحياء الحضارات القديمة.
- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
- تربية الأجيال تربية لا دينية.
• إذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي(*) لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً لأنه لا يعطل قانوناً فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله. و من ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائماً في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة و بقيت جيوشها من الرهبان(*) و الراهبات و المبشرين و المبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين(*) بغير سلطان يؤيده و لا قوة تسنده حيث لا بابوية له و لا كهنوت(*) و لا أكليروس(*)، و صدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".)
12 ذي الحجة 1438 هــ الثلاثاء 12 أيلول سبتمبر 2017 م
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59