عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-12-2013, 02:56 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

والعولمة الاقتصادية أخذت أبعادها في المرحلة الراهنة بانتصار القوى الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وانهيار الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، فاستعاد النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي هيمنته وانتشاره بدينامية جديدة مؤسسة على اقتصاد السوق والموجة الثالثة (ثورة المعلوماتية) وإدماج القسم الأعظم من الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية، بحيث أصبحت هذه الاقتصادات أسيرة لمفاهيم السوق والمنافسة الاحتكارية التي تتحكم فيها القمم الاقتصادية العملاقة، متخطية الحدود والقيود، مستندة إلى قوى السوق وبأشراف مؤسسات العولمة الاقتصادية الثلاث، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمنظمة العالمية للتجارة خليفة (الغات).
وتبدو ملامح العولمة في الاقتصاد من خلال المظاهر التالية:
ــ الاتجاه المتزايد نحو التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة.
ــ تنامي دور الشركات متعددة الجنسية (عبر القومية) وتزايد أرباحها واتساع أسواقها وتعاظم نفوذها في التجارة الدولية.
ــ تزايد دور المؤسسات المالية الدولية بشكل مباشر وبخاصة في تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات التثبيت والتكيف الهيكلي في الدول النامية (التحول إلى اقتصاد السوق).
ــ تدويل بعض المشكلات الاقتصادية مثل الفقر، التنمية المستدامة، السكان والتنمية، التنمية البشرية، التلوث وحماية البيئة، والتوجه العالمين لتنسيق عمليات معالجة هذه المشكلات والتعاون في حلها.
ــ تعاظم دور الثورة التقنية الثالثة وتأثيرها في الاقتصاد العالمي (التغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتج).
ــ بروز ظاهرة القرية العالمية، وتقليص المسافات نتيجة لتطور وسائل النقل والمواصلات وزيادة الاحتكاك بين الشعوب.
ــ تطور وسائل الإعلام وتأثيرها على طبيعة البشر وتطلعاتهم وسلوكهم، واثر ذلك على اختلاط الحضارات والثقافات.
ــ تعاظم دور المعلوماتية، والإدارة، والمراقبة من إدارة نظم المعلومات.
والجدير بالملاحظة أن تجد (العولمة) جوانبها التطبيقية في كافة المجالات باستثناء ما يتعلق بانتقال قوة العمل، ففي الوقت الذي تمارس فيه المراكز الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها مختلف أنواع الضغوط لتأمين حرية انتقال السلع والخدمات والرساميل، فإننا نجدها تضع مختلف القيود والعراقيل لمنع انتقال أو هجرة قوة العمل وبخاصة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. في حين اتصف القرنان الثامن عشر والتاسع عشر بدرجة أكبر بكثير من حرية الهجرة، فمن المعلوم أن هجرة الأوروبيين إلى الأمريكيتين والى نيوزيلندا واستراليا وجنوب أفريقيا والى الكثير من أقطار العالم الثالث المستعمرة آنذاك مثلت صمام أمان للرأسمالية الأوروبية وساهمت في الحيلولة دون حدوث تغييرات اجتماعية كبيرة فيها بسبب البطالة المتفشية وانتشار الفقر والبؤس في تلك المرحلة(11).
عقب ما سببته الحرب العالمية الثانية من دمار، برز الاقتصاد الأمريكي كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي وقد استعلمت الولايات المتحدة موقعها القوي هذا بعد الحرب لخلق حلف دولي سياسي واقتصادي على أساس مساعدة ألمانيا واليابان وفي محاولة لإحداث نمو سريع في أوروبا الغربية وفي شرق وجنوب شرق آسيا لمواجهة التهديدات السوفيتية والصينية وتحققت منذ الخمسينات مستويات عالية من النمو في تلك المناطق. وقابلتها مستويات عالية أيضاً من النمو في الاتحاد السوفيتي. ومع بداية تراجع الأداء الاقتصادي السوفيتي في أواخر الستينات، أخذ تحد اقتصادي جديد يذر بقرنيه في شرق وجنوب آسيا على شكل سلع تصديرية رخيصة الثمن ورفيعة الجودة أخذت تغرق السوق الأمريكية، وتهدد بخلق عجز جدي في الميزان التجاري. وازدادت مشكلة الولايات المتحدة هذه بسبب ارتفاع أسعار النفط عامي 1973 و 1974 وبالصعوبات التي رافقت التحول من اقتصاد صناعي إلى آخر قائم على الخدمات والتقنية في حقل الإعلام والمعلومات. وقد استطاعت الولايات المتحدة، على الرغم من المشاكل الجدية التي واجهت اقتصادها في السبعينات والثمانينات من أن تتحمل عجزا ضخما في ميزانها التجاري وأجرت إعادة بنيان لاقتصادها، واستعادت في أوائل التسعينات المبادرة في القوة الاقتصادية. وفيما ظلت أوروبا الغربية تقاوم ارتفاع كلفة الانتاج فيها وارتفاع البطالة وعوائق أخرى، وفيما ظلت اليابان تتخبط في ركود اقتصادي منذ العام 1990 نهضت الولايات المتحدة واستعادت تفوق حصتها في الأسواق في صناعتي السيارات والكومبيوتر المهمتين وأعادت تأكيد موقعها على أنها اكبر سوق واكبر دولة مصدرة في العالم ولعل الأهم أنها بانفاقاتها وبتفوقها في الأبحاث في حقل التقنية الرفيعة والتطور وضعت نفسها في موقع جيد يخولها الاستمرار في السيطرة على الأسواق العالمية لبرامج الحاسوب وشبكة الاتصالات العالمية (إنترنت) في مطلع القرن الحادي والعشرين(12).
يقول توم فريدمان الأمريكي(13): نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الامركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق. إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة.
ولكن العولمة بالمفهوم المعاصر (الامركة) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية الوطنية، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة (غربية أمريكية) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال في مناخ الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية: إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي(14).
وعلينا نحن في أرجاء أخرى من العالم تحديد موقفنا من هذه الهيمنة الأمريكية ومواجهتها وعلينا نحن في الأقطار الإسلامية أن نقرر كيف سنواجه هذا التحدي ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين بأساليب يؤمل أن تكون أكثر نجاحاً من تلك التي واجهنا بها حملة نابليون على مصر في عام 1798، أو تلك التي قابلنا بها انهيار الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى(15).
مع ذلك فان موقع الولايات المتحدة القوى في الاقتصاد العالمي ليس مطلقاً لأن الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب فمجمل اقتصاد أوروبا الغربية اضخم من الاقتصاد الأمريكي، وكذلك اقتصاد منطقة شرق وجنوب شرق آسيا بوجه عام. كما أن الاقتصاد الأمريكي ما زال يواجه مشاكل جدية قد تهدد نموه في المستقبل ومن هذه المشاكل العجز في الميزان التجاري، وعلى الأخص مع شرق آسيا البالغ قرابة 160 مليار دولار في السنة وديون دولية متراكمة تربو على الألف مليار دولار وكانت الولايات المتحدة قد اعتمدت التسامح تجاه العجز التجاري على انه جزء من استراتيجيتها الرامية إلى تقوية حلفائها الرأسماليين عقب الحرب العالمية الثانية ولكن حجم العجز وثباته ابقيا الضغط على الدولار الأمريكي وبقي الخطر ينطوي على التسبب في انخفاض مفرط في قيمة الدولار لقد استطاع الدولار الحفاظ على مركز قوي نظرا إلى ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأمريكي والى غياب عملة بديلة قادرة على الاستمرار ولان اقتصاديات شرق آسيا يهمها بقاء الدولار قويا لتنشيط صادراتها الا أن استمرار العجز مشفوعا بنمو الاقتصاد الصيني نموا سريعاً علماً بان الصين تصدر سلعا كثيرة إلى الولايات المتحدة. لقد أدى العجز في الميزان التجاري إلى توسع الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً اليابانية منها في الولايات المتحدة وكذلك إلى شراء قطاعات كبيرة من الاقتصاد الأمريكي ومنها العقارات والمؤسسات الصناعية والخدماتية كما أن الدين الخارجي البالغ ألف مليار دولار والمتوجب في أكثره لليابان يفرض نزفا مستمرا على الميزانية العامة ويحول دون توظيف موارد مهمة في الاقتصاد وفي الأنشطة الإنتاجية ولئن كان بالإمكان تحمل هذا الدين نظرا إلى الناتج القومي الأمريكي الذي يربو على السبعة آلاف مليون دولار فان هذا الدين يبقي معيقا للنمو السريع(16).




يتبع ...
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59