عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-27-2013, 09:48 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

و بخصوص الخمسة الأوائل ، فأولهم أي الأشتر كان رأس أهل الفتنة بالكوفة ،و هو مقدمهم عندما خرجوا إلى المدينة لقتل عثمان[1] رضي الله عنه - . و قد رُوي بإسناد حسن- أن الأشتر لما قدم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مع جماعة من الناس ، جعل ينظر إليه و يصرف بصره ، ثم قال عمر لهم : أمنكم هذا ؟ قالوا : نعم ، فقال عمر : (( ما له قاتله الله ، كفى الله أمة محمد شره ، و الله أني لأحسب أن للناس منه يوما عصيبا ))[2] ، و قوله هذا هو من باب الفراسة و التوسّم ،و الله أعلم .
و أما الثاني أي محمد بن أبي بكر [3] فقد كان عثمان قد ولاه الإمارة ، فدفعه الغضب و الحسد إلى عصيان الخليفة و الانضمام إلى دعاة الفتنة بمصر ، و أصبح من رؤوسهم الناقمين على عثمان[4] . و الثالث أي محمد بن أبي حذيفة فإنه لما اُستشهد والده أبو حذيفة رضي الله عنه ضمه عثمان إليه و رباه في حجره و أحسن إليه ، فلما أحس أنه كبُر طلب من عثمان أن يوليه عملا فاعتذر إليه بأنه ما يزال لم يصبح أهلا للإمارة ، و وعده بها عندما يصبح أهلا لها ، فعتب محمد و استأذنه في الخروج من المدينة ، فأذن له و التحق بمصر ، و هناك انقلب على عثمان ،و أصبح من أكبر المتألبين عليه ،و نسي جميله و فضله عليه[5] .
و الرابع أي عمير بن ضايئ فيُروى أن والده لما هجى قوما من الأنصار ،و عزّره عثمان و حبسه و وافته المنية بالسجن ، نقِم ابنه عمير على عثمان ،و شارك في الثورة عليه ،و انظم إلى الطائفة السبئية[6] . أما آخرهم أي عبد الله بن سبأ فهو رأس الطائفة السبئية ، التي كان لها دور كبير في الثورة على عثمان ، و سنفرد له و لطائفته المبحث الآتي بحول الله تعالى .
ثانيا : عبد الله بن سبأ و السبئية بين الوجود و العدم :
كان عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء يهوديا من اليمن ، ثم أظهر الإسلام ، و تنقّل في بعض الأمصار الإسلامية كدمشق و البصرة و مصر ، و إليه تُنسب الطائفة السبئية ، التي هي من الشيعة الرافضة للصحابة و الطاعنة فيهم ،و يُروى أنه هو أول من أظهر الطعن في الخليفة عثمان رضي الله عنه[7] .
و قد ذكرت كثير من المصادر التاريخية[8] أن ابن سبأ و أصحابه كان لهم دور كبير في نشر الأفكار الضالة و الأباطيل بين المسلمين و تحريضهم على عثمان و قتله ، لكن بعض الباحثين المعاصرين شككوا في ذلك ،و زعموا أن ابن سبأ شخصية مختلقة لا وجود لها ، و أن الأخباري سيف بن عمر التميمي ضعيف و هو الذي روى أخباره و انفرد بها عن غيره من الرواة ، و هي - أي أخباره من مفتريات أهل السنة افتروها للطعن بها في خصومهم الشيعة ،و التشنيع بها عليهم[9] ، فهل ما زعمه هؤلاء صحيح ؟ .

لقد تتبعتُ أخبار ابن سبأ و السبئية في مصنفات التاريخ و التراجم و علم الجرح و التعديل و غيرها من المصنفات ، فعثرت على شواهد كثيرة تؤكد وجود عبد الله بن سبأ و طائفته ، و أن سيف بن عمر لم ينفرد بذكره ، و أن ما زعمه هؤلاء ليس بصحيح ، و أنه مجرد ظنون و تخمينات و أهواء لا غير ؛ و أدلتي على ذلك طائفة من الشواهد المتنوعة ، أولها وجود روايات ذكرت عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر التميمي ، أذكر منها ست روايات صحيحة الأسانيد ، الأولى[10] مفادها أن الصحابي أبا الطفيل روى أنه رأى ابن السوداء جيء به إلى علي بن أبي طالب و هو على المنبر ، و قيل له عنه : إنه يكذب على الله و رسوله[11] .

و الثانية رواها عمرو بن مرزوق الباهلي عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب الجهني[12] ، مفادها أن عبد الله بن سبأ كان يقع أي يطعن- في أبي بكر و عمر فأنكر عليه علي بن أبي طالب[13] .

و الرواية الثالثة رواها أبو اسحاق الفزاري عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء هو حجية بن عُدي عن زيد بن وهب عن سويد بن غفلة[14] أنه قال لعلي بن أبي طالب أنه مرّ بنفر يذكرون أبا بكر و عمر أي يذكرونهما بسوء- و يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك ، و كان من بينهم عبد الله بن سبأ ، و هو أول من أظهر ذلك ، فقال علي : (( ما لي و لهذا الخبيث الأسود )) ،و في رواية أخرى (( ما لي و مال هذا الحميت[15] الأسود )) ، و يقصد عبد الله بن سبأ الذي كان يطعن في أبي بكر و عمر-رضي الله عنهما-[16] .

و أما الرواية الرابعة[17] ففيها أن عليا قال لعبد الله بن سبأ : و الله ما أفضى أي رسول الله - إليّ بشيء كتمه أحد من الناس ،و لقد سمعته يقول[18] : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا ،و إنك لأحدهم ))[19] . و واضح من الحديث أن المقصود بالكذابين ، كبار الكذابين الذين يتعمدون الكذب على الله و رسوله ، كالذين يدعون النبوة و الألوهية ،و ليس المقصود الكذابين العاديين ، فهم يٌعدون بالملايين ، كما أن الحديث لا يتضمن تحديدا نهائيا لعدد الكذابين ، و إنما هو من باب التمثيل لا غير ،و الله أعلم.


[1] ابن سعد : المصدر السابق، ج3 ص: 71 .

[2] أبو بكر الخلال : السنة ،حققه عطية الزهراني، الرياض ، دار الراية، 1410 ج3 ص: 517 .

[3] تُوفي والده أبو بكر ، و محمد هذا صغير ، فتربى في حجر علي بن أبي طالب الذي تزوّج بأمه . ابن العماد الجنبلي : شذرات الذهب ، دمشق ، دار ابن كثير ، ج1 ص: 218 .

[4] الطبري: المصدر السابق، ج 2 ص: 681 . و الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ، حققه جماعة من العلماء، بيروت ، مؤسسة الرسالة، ج 3 ص: 481 –482 .

[5] الطبري: نفس المصدر ، ج 2 ص: 680 . و ابن كثير : البداية ، ج 7 ص: 251 .

[6] ابن كثير : نفس المصدر ، ج 9 ص: 9 . و ابن الأثير : الكامل ، ج 3 ص: 72، 73 .

[7] الطبري: المصدر السابق ، ج 2 ص: 647 .و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج 29 ص: 3 ، ج 39 ص: 300 .و ابن تتيمية : مجموع الفتاوى ، حققه رشاد سالم، ط1، مؤسسة قرطبة، 1406،ج 7ص: 449 . و العقيلي: الضعفاء ،حققه أمين قلعجي، ط1 ، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404 ج 4 ص: 77 ، ج 9 ص: 158 .

[8] سيأتي ذكرها قريبا .

[9] من هؤلاء المنكرين : المستشرق برنارد لويس ، و من السنيين : سامي النشار ،و طه حسين ، و عبد العزيز الهلابي .و من الشيعة : مصطفى كامل الشيبة ،و مرتضى العسكري ،و عبد الله الفياض . محمد آمحزون : تحقيق مواقف الصحابة ط3، الرياض، دار طيبة، 1420ه، ج 1 ص: 313 –314 . و سلمان بن فهد العودة : الإنقاذ من دعاوي الإنقاذ ، ص: 11 . و حسين موسوي : لله ، ثم للتاريخ ، ص: 8 و ما بعدها .

[10] لا يوجد من بين رجالها سيف بن عمر ، و رجالها هم : أبو عبد الله يحي بن الحسن ، و أبو الحسين بن الأبنوسي ،و أحمد بن عبيد بن الفضل ،و أبو نعيم محمد بن عبد الواحد ،و علي بن محمد بن حزقة ،و محمد بن الحسن ،و احمد بن أبي خيثمة ،و محمد بن عباد ، سفيان الثوري، و عمار الدهني . و هؤلاء كلهم ثقات على ما حققه الباحث سلمان بن فهد العودة ، الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ ص: 23 .

[11] ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 29 ص: 7 .

[12] هؤلاء كلهم ثقات ، أنظر : الذهبي : تذكرة الحفاظ ، حققه حمدي السلفي، ط1، الرياض، 1415ه،ج 1 ص: 193 و ما بعدها .و السيّر ، ج4 ص: 196 ، ج 5ص: 298-299 . و الكاشف ، ط2 ، جدة ، دار الثقافة الإسلامية، 1413هج 2 ص: 88 . و ابن حجر : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة، ط1، سوريا، دار الرشيد ،1986 ج 1 ص: 426 .و

[13] ابن حجر : لسان الميزان ، ط3، بيروت، مؤسسة الأععلمي، 1986 ج 3ص : 289 .

[14] هؤلاء كلهم ثقات ، انظر : : الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 193 و ما بعدها .و السيّر ، ج4 ص: 196 ، ج 5ص: 298-299 .و ابن حجر: تهذيب التهذيب ، ط1، بيروت ، دار الفكر، 1984 ج 2ص: 190 .و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ،ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1952 ، ج 4ص: 234 .

[15] الحميت هو الزق ، و الزق هو وعاء من جلد يُجز شعره و لا يُنتف ،و يُستعمل كإناء . علي بن هادية : القاموس الجديد ، الجزائر ، المؤسسة الوطني للكتاب، 1991م ص: 427 .

[16] ابن حجر: السان ، ج 3 ص: 289 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 29 ص: 7-8 .

[17] رجالها ثقات ، على ما قاله الهيثمي . مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 333 .

[18] هذا الحديث إسناده صحيح . الهيثمي : نفس المصدر ، ج 7 ص: 332 . و ابن حجر : فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج 6 ص: 617 .

[19] الهيثمي : نفس المصدر ، ج 7ص: 337 .و ابن حجر : اللسان ، ج 3 ص: 289 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59