لا تقلق على مبدئك
قصة يرويها الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله تعالى
عقب أحد الدروس التقيت مع إنسان شاب ، قال لي : أنا مهندس خُيوط درست في رومانيا ، وأنا موظف في معمل كبير في دمشق ، لكنني أُصاب بالصرع ، إما في مركبتي ، وهذا خطر كبير ، أو في السيارة العامة ، أو في الطريق ، أو في مكتبي ، أو في البيت ، وفي اليوم ، أو في الأسبوع عدة مرات ، من ثلاث مرات إلى خمس مرات ، قال لي : أنا أكاد أسحق ، لماذا أنا كذلك ؟ طبعاً استقر في ذهني أن الصرع أذية في الدماغ ، ومرض عضال ، لكنه أراد جواباً غير هذا الجواب ، لماذا أنا كذلك ؟ لماذا يفعل الله بنا هذا ؟
فالتقيت به في البيت ، وشرحت له
فأصغى إلي إصغاء يفوق حد الخيال ، قال : ما معنى هذا الكلام ؟ قلت : مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله لعبد شيئاً يزعجه ، أو يؤلمه ، ما دام مستقيماً على أمره ، والدليل هذه الآية :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
لذلك بعد هذا الكلام اهتم اهتماماً كبيراً ، وأخرج من جيبه ورقة ، وبدأ يكتب ، قال لي : ماذا تأمرني أن أفعل ؟ ذكرت له أداء الصلوات بأوقاتها ، غض البصر ، ضبط اللسان ، ضبط العين ، ضبط الأذن ، ذكرت له فيما أذكر قريبا من أربعين بندا ، كتبها كلها ، من شدة ألمه من هذا المرض ، هذا المرض كاد يحطمه ، والله بعد أن خرج شعرت أنني تورطت ، كيف تورطت ؟ لعلها أذية لا تُشفى ، أنا وعدته أنه إذا استقام على أمر الله تزول هذه الأذية
وكان لي درس يوم الجمعة ، وفي أول جمعة له يأتي ويقول لي : الحمد لله ، هذا أول أسبوع في حياتي لم أُصَب بأية نوبة ، والله كأنني ملكت الدنيا ،
قلت : يا رب إن شاء تسلم منه ، جاء الأسبوع الثاني وقال لي : أيضاً هذا الأسبوع لم أصب بأية نوبة ، أذكر أنه جاء في أسبوع رابع ، وأنا لا أصدق ذلك من الفرح ؛ أن الذي ذكرته له مؤيد بكلام الله ، الله عز وجل صدق هذا الكلام ، وأبعد عنه هذه النوبات ، في الأسبوع السادس لم يأتِ إلى الدرس ، قلت : لعله جاءته نوبة ، والله قلقت أشد القلق ،
لكن في الأسبوع السابع جاء ، قال لي بالضبط : لا تقلق على مبدئك ، أنا أخطأت مع الله ، في هذا الأسبوع أخطأت ، فجائي نوبة في الطريق .
__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل "
|