عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-03-2012, 12:47 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

الاتجاه الإسلامي في روايات علي أحمد باكثير التاريخية:
أشرنا فيما سبق إلى نشأة باكثير الإسلاميَّة وتأثُّره بالفكر الإسلامي، وجعله فلسفة لأدبه ومنهجًا لحياته، كما أشرنا إلى أنَّه في آثاره صاحِب فكرة وصاحب رسالة يدعو إليها ويسعى إلى خِدمتها دُون أنْ يخل َّبفنيَّة آثاره.

والذي يهمُّنا هاهنا هو إبراز رؤيته الإسلاميَّة في رواياته، ومَدَى توفيقه في إبراز الفكر الإسلامي والقيم الإسلاميَّة في صورة فنيَّة ممتعة.

وقد بدا لي خِلال دراسة آثاره الروائيَّة حشدٌ من المظاهر الإسلاميَّة تتحدَّد من خِلالها رؤيته الإسلاميَّة وثقافته الدينيَّة، وتتمثَّل هذه المظاهر فيما يلي:
1- تصدير رواياته بالآيات القرآنية، حيث صدَّر كثيرًا من رواياته بآيةٍ قرآنيَّةٍ تتناسب مع الفكرة التي يتبنَّاها الكاتب في أثره، وتدور الأحداث حولها.

فقد صدَّر مثلاً رواية "سلاَّمة القس" بقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 24]، حيث تحكي الرواية قصَّة حب عذري بين عبدالرحمن القس والمغنية سلامة، ويدور الصراع فيها بين الهوى والتقوى وتنتصر التقوى.

وصدَّر رواية "واإسلاماه" بقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، حيث تدورُ حوادث الرواية حول جهاد المسلمين ومقاومتهم بقيادة قطز أمام الغزو الصليبي القادم من الغرب، والغزو التتري القادم من الشرق، وانتصارهم في النهاية في معركة عين جالوت الشهيرة.

وصدَّر رواية "الثائر الأحمر" بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، حيث تتحدَّث الراوية عن فساد القرامطة المنحرِفين عن منهج العدل الإسلامي، وانهيارهم بسبب انحرافاتهم الفكريَّة والسلوكيَّة.

ولم يَكتَفِ بذلك باكثير، بل استشهد بآياتٍ قرآنية وأحاديث نبويَّة كثيرة من خِلال أحداث رواياته، خاصَّةً في روايات "سلاَّمة القس"، و"واإسلاماه"، و"الثائر الأحمر".

2- تصويرُه للحبِّ العذري العفيف دون أنْ يسترسل في وصف المغامرات الجنسيَّة وكشف عورات النساء، بل يكتفي في ذلك بالإشارة إلى الموقف ووصفه بما يقتضيه الموضوع والفن؛ ففي رواية "سلاَّمة القس" التي بنيت على علاقة حب بين الجارية المغنية "سلامة" والزاهد الناسك "عبدالرحمن القس"، يُلقِي باكثير الضوء على المواقف الرائعة التي ينتصر فيها عبدالرحمن على نفسه وعلى الشيطان، فيُصوِّر في الحوار التالي ما دار بين ******يين عندما خلا بهما المجلسُ في دار ابن سهيل، وكانت سلامة تنظر إلى وجه عبدالرحمن نظرةً فيها كلُّ معاني الاستسلام والغزل، وينظُر إليها عبدالرحمن فيخفض طرفها، "وهي تقول: يا ابن عمَّار إني أحبك.
فقال عبدالرحمن وهو يضطرب: وأنا والله يا سلامة أحبُّك!
فقالت وهي تنظر إليه مائلة الرأس: وأحبُّ أنْ أضع فمي على فمك.
فقال لها وبصره إلى الأرض: وأنا والله أحبُّ ذلك.

فقامت سلامة ودنت منه وأخذت بيده قائلة: إذًا فما يمنعك؟ فوالله إنَّ الموضع لخالٍ.

فذهل عبدالرحمن، وخُيِّل إليه أنه يرى طيفًا في حلم، وبقي صامتًا يدير طرفه في أنحاء المشربة، فقالت سلامة: ليس عندنا من أحدٍ غيري وغيرك"[10].

وهنا لا يسمح باكثير أنْ يتبدَّل القول بالفعل، ويزلَّ بهما الشيطان ويرتكبا الجريمة، بل يُصوِّر في نهاية هذا الموقف الخطير وقبل أنْ ينتصر الهوى والشيطان، موقف الإيمان والعفة، وموقف انتصار التقوى والفضيلة:
"فانتفض عبدالرحمن فجأة، ونظر إليها نظرةً هائلة وقال: أنسيت الله يا سلامة؟"[11].
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59