عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-19-2012, 11:16 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

مفهوم الاستشراق:




لقد تباين مفهوم الاستشراق واختلف بين المستشرقين الذين لهم باع طويل في هذا الحقل المعرفي، وبين المفكرين العرب الذين أبدوا اهتماماً واسعاً بالاستشراق خاصة بعد صدور كتاب أدوار سعيد (الاستشراق) بطبعته العربية عام 1981، وإن كان اهتمام الباحثين العرب بالاستشراق لا يعود في بداياته إلى كتاب إدوارد سعيد وإنما سبق ذلك مقالة أنور عبد الملك (الاستشراق في أزمة)، والتي نشرت في مجلة ديوجين عام 1963، ومن ثم في (الجدلية الاجتماعية) في باريس عام 1971 ثم في مجلة الفكر العربي عام 1983، ودائماً قُدَّمَ الاستشراق، وهنا لم يتم الحديث إلا عن الاستشراق الأوروبي الغربي، على أنه انتاج النظرة الأوروبية العنصرية تجاه الشرق، هذه النظرة التي تفترض حق الهيمنة والسيطرة على الشرق بداعي التفوق الأوروبي في الوقت الذي كان يعاني فيه من العجز نتيجة الاستعمار الأوروبي الغربي له، فقام المستعمِر بتوصيف المستعمرَ وإنشائه حسب مايحلو له ويخدم مصالحه، وكرس هذا الوصف في وعي الإنسان الأوروبي الغربي لأجيال عديدة.
يرى إدوارد سعيد الاستشراق أنه (أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودي (أنطولوجي) ومعرفي (أبستمولوجي) بين الشرق ((وفي معظم الأحيان)) و((الغرب)) وبإيجاز، الاستشراق، كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق واستبنائه وامتلاك السيادة عليه)([1]).
ويعزو أنور عبد الملك ازدهار الدراسات الشرقية إلى ارتباطها بالاستعمار الأوروبي وسيطرته على بلدان الشرق الأقصى والعالم العربي فيقول: (إن الازدهار الحقيقي للدراسات الشرقية في القطاعين الرئيسيين اللذين هما الشرق الأقصى والعالم العربي يعود تاريخه بالدرجة الاولى إلى عصر التمركز الاستعماري، وبشكل خاص إلى السيطرة الأوروبية على "القارات المنسية" في أواسط القرن التاسع عشر، ثم في ثلثه الأخير)([2]).
أما المستشرقون أنفسهم، فيرون أن الاستشراق تم بدافع الفضول المعرفي للشعوب الأخرى، فيرى مكسيم رودنسون أن الاستشراق كان يعبرعن الرغبة (في توسيع الفلسفة الإنسية (هيومانيزم) لعصر النهضة، ففي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، أرادوا أن يضيفوا إلى الحضارات النموذجية الكلاسيكية التي تستلهمها أوروبا حضارات أخرى)([3]). وهكذا أضافوا نماذج من الحضارات الشرقية، ولما أرادوا التوصل إلى معرفة تلك الحضارات معرفة علمية، نما الاستشراق وازدهر، ولكن إرادة المعرفة العلمية هذه بالحضارات الشرقية تمت عندما استطاع الغرب أن يغدو أقوى من الشرق، وبالتالي أصبح هذا الأخير موضوعاً مدروساً والغرب ذاتاً دارسة بعد أن أدرك الغرب تفوقه واختلفت العلاقات بين الشرق والغرب عما كانت عليه عندما كان الشرق مزدهراً والغرب يعاني من الضعف والانحطاط. وبالتالي فإن الاستشراق الغربي، ارتبط بالمشروع الاستعماري الفرنسي ـ البريطاني، والذي أصبح الاستشراق وجهه الثقافي.
وعادة يؤرخ لهذا الاستشراق منذ القرن التاسع عشر، وعلى أبعد حد نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، لذلك نرى أن مصطلح (استشراق) ظهر لأول مرة في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام (1838م)، وظهرت كلمة (مستشرق) باللغة الإنكليزية حوالي عام (1779)م.([4])
ومن منطلق الهيمنة والوصاية التي نشأ في ظلها الاستشراق، من حيث هو الوجه الثقافي للمشروع الأوروبي الغربي الاستعماري فإن مهمة المستشرق الأوروبي كانت تكمن في (حجب الخطابات الشرقية ذاتها وإحلال خطاباتهم محلها، فهي وحدها المكلفة بتقديم صورة عن الشرق).([5]).
وبعد أن أدى الاستشراق الأوروبي الغربي مهامه، فإن مكسيم رودونسون يقترح التخلي عن استخدام مصطلحي ((استشراق)) و((مستشرقين)) بعد أن أصبحا أسطوريين، (ولذلك فسوف ندعوهما بالدراسات العالمة أو العلمية المتركزة حول تاريخ مجتمعات الشعوب المتموضعة شرقي أوروبا)([6]).
أما المستعرب الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي
(1883 ـ 1951)، مؤسس الاستعراب الروسي الجديد فيتخلى عن مصطلح الاستشراق منذ البداية، ويسمى (الاستشراق الروسي)، بـ(الاستعراب الروسي).

فيقول (العصر الجديد في تاريخ الاستعراب الروسي، يبدأ من المرسوم الجامعي سنة 1804 لأن هذا المرسوم أدخل تدريس اللغات الشرقية في برنامج المدارس العليا وأسس الأقسام الخاصة لهذه اللغات، وأما اللغات الشرقية في أوروبا الغربية في ذلك الزمان، فقد كانت المكانة الأولى بين اللغات السامية اللغة العبرية، أما عندنا في روسيا، فاللغات الشرقية في مفهوم الروس، كانت لغات الشرق الإسلامي، وشغلت اللغة العربية المكانة الأولى وقد أُنشأ قسم اللغة العربية في جامعة خاركوف بعد صدور المرسوم في عام 1804 م مباشرة)([7]).
هذا في حين أن أتش. أي. أر. جب. العالم بالدراسات العربية الإسلامية المعروف كان يفضل أن يسمي نفسه (مستشرقاً) على أن يسمي نفسه مستعرباً.
وجغرافياً كان الشرق يمتد ليشمل، الهند، وجزر الهند الشرقية، والصين واليابان، وكل مايقع شرق الخط الذي يقسم العالم جغرافياً إلى قسمين شرق وغرب، ولكن في النهاية، كان يتم الحديث دائماً في الاستشراق عن الشرق العربي المسلم، الذي كان موضوع دراسة المستشرقين، وهذا هو الشرق الذي يعنينا في هذه الدراسة، وبالتالي، فإنه يصح لدينا استخدام مصطلح (الاستعراب)، لهذا الحقل من الدراسات التي تناولت الشرق العربي الإسلامي وتصح تسمية (المستعربين) للذين درسوا الشرق العربي ـ الإسلامي من النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية، لأن (المستشرقين) كافة في نهاية المطاف، قد اختزلوا الشرق، بالعرب ـ المسلمين، الذين شكلت حضارتهم تحدياً وتهديداً للغرب الأوروبي الذي يُؤرخ لبدء الاستعراب الرسمي فيه بصدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام (1312م) والقاضي بتأسيس عدد من كراسي الأستاذية للغات (العربية واليونانية والعبرية والسريانية) في جامعات (باريس وأوكسفورد وبولونيا وأفنيون وسلامنكا) أي أن الاستعراب كان رسمياً بقرار كنسي، ومن أعلى سلطة دينية مسيحية في الغرب، وقد كان ذلك بعد الحروب الصليبية. كما نرى أن اللغات التي تقرر تدريسها، هي لغات الكتب السماوية الثلاث، إضافة إلى لغة الحضارة اليونانية التي تعتبر أوروبا نفسها الوارث الشرعي لها.
ولكن تنفيذ هذا القرار عملياً، لم يتم إلا بعد قرن من الزمان تقريباً (إذ لم تتوفر العناصر البشرية المنفذة، كما لم يتوفر المال اللازم لتحقيق الحلم)([8]). فحتى عام (1453م) لم يكن هناك مسيحي أوروبي واحد يعرف اللغة العربية.
إن دراسة الشرق العربي ـ المسلم، جاءت بقرار كنسي، ونتيجة من نتائج الحروب الصليبية، التي كانت أيضاً بقرار ديني ولئن كانت دوافع الدراسات العربية الإسلامية، في حقيقتها دوافع استعمارية، فإن هذه الدوافع انبثقت من رحم الحروب الصليبية، التي كانت أول تجربة استعمارية خاضتها أوروبا خارج حدودها، حيث أسقط الغرب الأوروبي ضعفه على الشرق العربي الإسلامي، وحاول إيجاد حل لمشاكله المتفاقمة دينياً واجتماعياً واقتصادياً في هذه الحروب التي اجتاحت جيوشها الشرق العربي المسلم، فبعد أن تفشى الفساد في الكنيسة والمجتمع، رأى البابا أربان الثاني (1088 ـ 1099م)، أن من الضروري القيام بمغامرة مثيرة تضع العالم المسيحي بأجمعه أمام عمل وهدف مشترك، وكان خطابه في المجمع الكنسي في كليرمونت والذي دعاه لجلسة استثنائية في تشرين الثاني (1095م)، تعبيراً صريحاً عن الواقع المتصدع الذي يعيشه الغرب المسيحي، والرغبة الواضحة في وضع هذا الغرب أمام هدف عام واحد، فقد قال في خطابه أمام المجمع المذكور (انهضوا وأديروا أسلحتكم التي كنتم تستعملونها ضد إخوانكم، ووجهوها ضد أعدائكم، أعداء المسيحية، إنكم تظلمون اليتامى والأرامل، وأنتم تتورطون في القتل والاغتصاب، وتنهبون الشعب في الطرق العامة، وتقبلون الرشاوى لقتل إخوانكم المسيحيين، وتريقون دماءهم، دونما خوف أو وجل أوخجل، فأنتم كالطيور الجوارح آكلة الجيف، التي تنجذب لرائحة الجيف الإنسانية النتنة، ضحايا جشعكم، انهضوا إذن، ولا تقاتلوا إخوانكم المسيحيين بل قاتلوا أعداءكم الذين استولوا على مدينة القدس، حاربوا تحت راية المسيح، قائدكم الوحيد، افتدوا أنفسكم، أنتم المذنبون المقترفون أحط أنواع الآثام وهذه ((مشيئة الله))([9]). وأربان الثاني هو خليفة البابا غريغوريوس السابع اليهودي الأصل، والذي هو صاحب فكرة الحملة الصليبية لتحرير القدس، والتي حدد فيما بعد البابا أربان الثاني موعدها يوم(15 آب 1096)، والنص السابق يعكس لنا مدى التفسخ الذي أصاب المجتمع الأوروبي والذي جعل من المسيح محارباً.
لقد كانت الحروب الصليبية حلاً للمشاكل التي عانت منها الكنيسة الغربية، في صراع البابا غريغوريوس السادس، والبابا غريغوريوس السابع مع الإمبراطورين هنري الثالث وهنري الرابع في ألمانيا وما تبع ذلك من نزاع وقتال عانت منهما الكنيسة والمجتمع معاً إضافة للدافع الأساسي الآخر لهذه الحروب وهو (رغبة البابوية في إخضاع الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية لزعامتها)([10]). وذلك بعد الانشقاق الديني سنة
(1054م)، بين الكنيسة اللاتينية والكنيسة اليونانية، واستحكام النزاع بين الأباطرة البيزنطيين والبابوية في روما، يقول أرنست باركر ((وكان من الطبيعي أن يضحي الاستيلاء على بيت المقدس هدفاً لتحقيق أطماع المسيحية الغربية، ومن الطبيعي أن تتعلق به الكنيسة وتحاول أن تسير به قدماً، وذلك لحرصها على تحقيق حلمها بقيام كنيسة عالمية تخضع لسلطانها)([11])

إذن، تسيير الحملات الصليبية باتجاه الشرق العربي ـ الإسلامي، تحت ستار ديني، كانت غايته عمليّاً، البحث عن حل لمشاكل المجتمع الغربي المسيحي، وكذلك، إقامة كنيسة عالمية، بإخضاع الكنيسة الشرقية لسلطة روما، من خلال إيجاد هدف عام مشترك هو قتال المسلمين وتحرير بيت المقدس، وبالتالي فإن الحروب الصليبية في دوافعها وكذلك في أدواتها كانت أوروبية غربية، إذ تشكلت معظم جيوش تلك الحروب من فرنسا وإيطاليا واسكتلندا وألمانيا، بينما نرى أن أوروبا الشرقية قد عانت من هذه الحملات وهي تجتاح أراضيها متجهة إلى الشرق الإسلامي، فعندما زحفت فرقها خلال سهول هنغاريا، كانت تعمل السلب والنهب والاغتصاب، غير مبالية بديانة أصحاب البلاد، لقد كانت هذه الحروب هي التجربة الاستعمارية الأولى، التي خاضها الغرب لتحقيق المكاسب الآنفة الذكر، ومن هذه التجربة وهذه الحروب الاستعمارية انبثق الاستشراق الأوروبي الغربي، في الوقت الذي كانت فيه روسيا بعيدة عن هذه الحروب، وعن هذا السعي الاستعماري في الشرق العربي الإسلامي. لقد فوجئت الكنيسة الشرقية نفسها بهذا الزحف الغربي، إذ أن إمبراطور القسطنطينية (الكسي كومينين)، كان قد طلب إمدادات لمواجهة السلاجقة، ولكنه فوجئ بهذه الجيوش الجرارة، إذ أنه في الأساس لم تكن هناك مشكلة بين الكنيسة الشرقية والإسلام وكان الإسلام راعياً وحامياً للمسيحيين في دولة الإسلام، ولكن النزعة الأوروبية المركزية في السيطرة على الشرق العربي الإسلامي قد بدأت بالتشكل منذ ذلك الحين، إن المركزية الأوروبية التي نما في حضنها الاستشراق الأوروبي الغربي بنيت على الفكرة الأساسية الصليبية، إذ سعت المسيحية الغربية إلى جعل نفسها مركز العالم، بإخضاع المسيحية الشرقية، وتوحيد الكنيستين ولو بالقوة، وبالتالي تحقيق عالمية الكنيسة، بإخضاع العالم كله لسلطة روما، يقول ريتشارد سوذرن (نحن في الواقع جزء صغير من المسيحية في العالم، لكننا نزعم أن العالم كله مرغم على اتباع آرائنا، ونزعم أيضاً، أن هذا العالم يرتعد تحت وطأة توجيهاتنا)([12]). لم تكن هناك مشكلة بين المسيحيين والمسلمين في دولة الإسلام، إذ كان (المسيحيون في بلاد الشرق يرون أن حكم المسلمين أخف وطأة من حكم بيزنطة وكنيستها).([13])
ولم تكن هناك مشكلة بين المسلمين والكنيسة الشرقية (البيزنطيين) في نفس الوقت، ولكن بعد الحروب الصليبية الأولى ميز العرب المسلمون بين المسيحية الشرقية التي كانوا يتعاملون معها، ولم تكن لهم معها مشكلة، وبين المسيحية الغربية التي جاءت غازية بجيوش جرارة، وبعد أن أدركوا غاياتها، وأن المسيحية الشرقية ليست سوى تبرير للحملات الصليبية الغربية أصبحوا يطلقون اسم (الافرنج) على المسيحية الغربية، تمييزاً لها عن (الروم)، هذه التسمية التي كانت تطلق على المسيحية الشرقية المجاورة جغرافياً، لتعم جميع المسيحية. إلا أن الوضع اختلف بعد الحملات الصليبية، وأدرك العرب المسلمون، أن المشكلة ليست مع (الروم) المسيحية الشرقية، وإنما مع (الإفرنج) المسيحية الغربية، وسوف نرى أن المستعرب كراتشكوفسكي فيما بعد، قد استخدم هذه المصطلح (الإفرنج) في حديثه عن أوروبا الغربية.
إن معرفة الغرب للشرق العربي الإسلامي تمت بأوسع صورها من خلال الحملات الصليبية، وبالتالي فإن الاستعراب الأوروبي الغربي، كان نتيجة من نتائج هذه الحروب، ولذلك نرى أنه من الضروري التمييز بين استعراب نشأ هذه النشأة الاستعمارية وبين استعراب لم يكن كذلك بالنسبة لروسيا وغيرها، حيث تختلف الدوافع والغايات، ولأن هذا التمييز هو الذي يحدد موقفنا من الاستعراب بجانبيه الشرقي والغربي خاصة وأن بعض المؤرخين يعتقدون بأن النزاع الذي كان موجوداً بين القوتين الأعظم الكتلة الشرقية والكتلة الغربية له جذوره العميقة في النزاع بين الكنيستين في القرن الحادي عشر، ففي هذا القرن بدأ نشوء العالمين الشرقي والغربي (فلو نجحت الكنيسة اللاتينية في الإبقاء على كنيسة موحدة كاثوليكية حقيقية ومقبولة لدى الجميع، لكانت بلدان البلقان وروسيا الآن جزءاً من العالم الغربي فإن الانفصال بين روما والقسطنطينية لم يكن حدثاً محلياً، أو مجرد تاريخ من تواريخ الكنيسة، ولكنه كان حدثاً عالمياً هزَّ أركان العالم)([14]).
ونستطيع القول أن هدف الكنيسة الغربية، كان تحقيق عالمية العالم، ولو بالقوة من خلال الحروب الصليبية، ولعل العولمة الآن هي وجه آخر من وجوه هذا المشروع الموغل في القدم. .
إن إنشاء الشرق في ذهن الغرب، كان من خلال النتاج الفكري (الأدبي والتاريخي) الذي أعقب هذه الحروب، والذي امتزج فيه الواقعي بالوصف التاريخي الأسطوري لهذه الحروب، وبالتالي من الطبيعي، أن الاستشراق الأوروبي الغربي الذي ضربت جذوره في هذا النتاج الفكري، أن يكون محشواً بالمغالطات التي كرست فكرة التمايز بين الشرق والغرب فيما بعد.
لقد حث المبشر ريموند raymondas lulus (مجمع فيينا سنة 1311 على أن يتخذ قراراً كنسياً بإنشاء ست مدارس للغات الشرقية في أوروبة)([15]).
وكانت روسيا خارج هذا القرار الكنسي، لأن الحلفاء الممكنين للكنيسة الغربية (المغول والأرثوذكسية الشرقية)، أصبحوا أعداء قائمين من خلال إقبال المغول على الإسلام الذين ظن الغرب في البداية أنهم مسيحيون اجتاحوا الشرق العربي الإسلامي للقضاء على الإسلام فاستبشروا بهم خيراً، ومن خلال تعميق العداء بين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الغربية.
وبالتالي، فإننا عندما نتحدث عن الاستعراب الروسي فلن نتحدث عنه بوصفه نتيجة من نتائج الحروب الصليبية ولا كونه ممثلاً (للمركزية الأوروبية) وعقدة التفوق والهيمنة ولا من باب رؤية غابريللي، أن هذا الاستشراق (يرفع رسمياً الرايات المضادة للاستعمار من أجل إرضاء أبناء العالم الثالث)([16]).
وإنما لأن الاستعراب الروسي نما في ظروف مختلفة عن تلك التي ترعرع فيها الاستشراق الغربي، وكذلك لاختلاف دوافعه وغاياته في مرحلتي روسيا القيصرية ومابعد ثورة أكتوبر.
البدايات والدوافع:

لم تعرف روسيا الدين المسيحي قبل القرن العاشر الميلادي، عندما أرسل القيصر فلاديمير المقدس رسله إلى البلاد مستفسراً عن الأديان ليكون أحدها ديناً للدولة، وحسب المستعربة فرالوفا (إن سبب عدم اختيار الإسلام ديناً للدولة كان بسبب تحريم الخمر)، وقد ابتدأت معرفة روسيا بالشرق العربي المسلم، من خلال رحلات الحجاج المسيحيين إلى الديار المقدسة ومن خلال الرحالة والتجار، وكانت هذه المعرفة وصفية، ولم تختلف عن وصف الرحالة والتجار الغربيين الأوائل للشرق الإسلامي، ولعل من أوائل التجار الذين زاروا بلاد الشرق ومكثوا فيها فترة، التاجر الروسي أفاناس نيكتين، الذي امتدت رحلته إلى الشرق مابين (1466-1474م)، وزار فيها البلاد العربية ومكث فترة في بلاد فارس والهند، كما زار مسقط والصومال وتركيا، وألف كتاباً عن هذه الرحلة سماه (الرحلة إلى الأراضي الواقعة وراء ثلاثة بحور) كما شكلت الشعوب المسلمة المجاورة لروسيا مصدراً هاماً من مصادر معرفة الروس بالعالم الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، هذا وإن صلات روسيا مع بلدان الجوار الإسلامي، ولدت فضولاً لمعرفة الإسلام وتجليات الثقافة الإسلامية وفيما بعد، عندما أصبحت بعض هذه الشعوب الإسلامية ضمن الدولة الروسية فإن هذه المعرفة أصبحت ضرورية. وعلى الرغم من الحروب التي كانت بين روسيا وتركيا، فإن العداء لم يكن موجهاً ضد الإسلام كدين وإنما تجاه الدولة التركية، وتجاه التتار، وقد تم استغلال المسيحية من قبل الدولة الروسية والإسلام من قبل الأتراك لاستخدامهما كغطاء أيديولوجي لسياسة كل من الطرفين تجاه الآخر، وتعبئة شعب كل منهما ضد الآخر لتبرير الحروب القائمة بين الطرفين. وقد كان للجهل المسيطر في روسيا تسهيلاً لمهمة السلطة في تسخير العامل الديني في الحرب مع الأتراك، إذ لم تتجاوز نسبة المثقفين والفئة المسيطرة في روسيا آنذاك 3%، من سكان البلاد، وأن أغلبية الروس حتى عام (1860) كانوا عبيداً لا يقرأون ولا يفهمون سوى تعاليم الكنيسة وكلام القساوسة.([17])
وحقيقة الأمر أن الصراع بين روسيا وتركيا كان صراعاً سياسياً حول شبه جزيرة القرم وتوسيع النفوذ السياسي على البحر الأسود ولكن هذا الصراع لم يكن يوماً بدافع ديني أي من منطلق العداء بين المسيحية الشرقية والإسلام ولطالما اعتبر الروس أنفسهم شرقيين. وفي هذا نرى أن العالم العربي، الإسلامي، كان خارج دائرة هذا الصراع وبالتالي لم يكن هناك صدام بين روسيا والعرب المسلمين، ولم تتواجد الجيوش الروسية في أي زمان على أراضي العالم العربي الإسلامي، وإذا تواجدت فكان ذلك بدافع تقديم المعونة لبعض الحكومات القائمة (ففي أيام محمد علي، عندما أرادت إنكلترا أن تحتل الشواطئ المصرية، أرسلت الحكومة القيصرية الأسطول البحري الروسي، الذي اعترض محاولة إنزال مشاة البحرية الإنكليزية في الإسكندرية).([18])
وقد يبدو هذا الموقف مفهوماً في إطار العداء بين روسيا وإنكلترا وبين روسيا وتركيا حول شبه جزيرة القرم، ولكن المهم أيضاً، أنه لم يكن هناك عداء بين البلاد العربية الإسلامية وبين الروس، ولذلك فإنه يمكننا القول بأن من أسباب تميُّز الاستعراب الروسي عن الاستعراب الأوروبي الغربي، إنه لم يصدر عن مثل أرضية العداء بين الغرب والشرق الإسلامي، وإنما كان هذا الاستعراب بدافع الفضول المعرفي الإنساني، لأن المستعربين الروس أنفسهم يرون أن التراث الشرقي الإسلامي هو جزء من تراثهم. فيقول المستعرب بلوندين (نحن الروس، وجميع الذين في الساحة الروسية القيصرية السابقة، نحن شرقيون بأنفسنا، وجزء من أراضينا موجود في آسيا، وثلثي حدودنا مع دول آسيوية مثل تركيا والصين، وكذلك المناطق الإسلامية التي كانت قديماً ولايات للخلافة العربية)([19]).
لذلك فإن الدراسات الشرقية ليست دراسات لعالم بعيد أو غريب (وليست دراسات مرتبطة كثيراً بالسياسة الاستعمارية، في روسيا الحضارة الإسلامية جزء من تراثنا، أغلبية الناس في روسيا مسيحيون أرثوذكس، والدين الثاني في روسيا هو الإسلام لذلك نحن ندرس تراثنا لأن الحضارة الإسلامية جزء من تراثنا)([20]).
وإلى جانب الدوافع المعرفية للاستعراب الروسي، كان هناك اتجاه سياسي للدراسات العربية ـ الإسلامية، ارتبط بوزارة الخارجية والكنيسة وقد برز في وقت من الأوقات في بعض المناطق، مثل قازان، تعصب ديني من قبل الكنيسة وحملات التبشير الغربية، ترافق أحياناً بحملات التنصير بالقوة، والتي جاءت القيصرة ايكاترينا الثانية، لتترك للمسلمين التتار حرية اعتناق المسيحية أو الإبقاء على دينهم الإسلامي، وقد رافق هذا التعصب الذي عبرت عنه مجلة (التبشير المناهض للإسلام) مواقف مضادة من علماء مستعربين مثل بارتولد وروزن اللذين وقفا ضد الحركات العصبوية الدينية، وهذا الموقف من المستعربين الروس ضد التيار المتعصب لم نلمح له مثيلاً في استعراب الغرب الأوروبي، وهذا الموقف يعني أيضاً، أن الموقف والموقف المضاد ماكان ليسمح ببقاء صورة العربي المسلم في ذهن الروسي صورة أحادية الجانب، فتكون هي الطاغية والفاعلة، وبالتالي من الممكن القول أن التعصب الديني والعداء الديني لم يحكما نظرة وفعل الاستعراب الروسي، وبالتالي فإن دور الكنيسة الأرثوذكسية كان أقل بكثير من دور الكنيسة الكاثوليكية في الاستعراب وفي إنشاء صورة الشرقي المسلم بشكل مشوه لأنه بوجه عام (لم يكن الإسلام بالنسبة للكنيسة الروسية عدواً، وإنما كانت الدعاية ضد الإسلام ضرورية للكنيسة من أجل إقناع الناس بالمسيحية، وهذا غير مرتبط بتعصب شديد أو بأغراض سياسية واضحة، وبالتالي نستطيع القول عن هذا الصراع أنه كان مباراة ولم يكن كفاحاً).([21])
إذن، إذا كانت معرفة العالم العربي الإسلامي قد تمت بدافع كنسي في أوروبة الغربية وأحدثت معاهد الاستشراق بناء على قرار كنسي، باعتبار أن الإسلام يمثل خطراً أو تحدياً للآخر، المسيحي الغربي، بحيث بات (ضرورياً التعرف على الإسلام بشكل واقعي، وماكان ذلك سهلاً، هكذا نشأت مسألة تاريخية ماكانت معالجتها ممكنة بغير معرفة لغوية وثقافية واسعة لم تكن متاحة بادئ ذي بدء)([22]). فإنه لم تكن هناك مواجهة حقيقية تحمل هذا الطابع، طابع العداء والتحدي بين الكنيسة الشرقية في روسيا وبين الإسلام، لم يكن هناك إحساس بالخطر من الإسلام، فقد كانت بلاد وسط آسيا المسلمة تقع ضمن روسيا القيصرية، وبالتالي فقد درس الاستعراب الروسي الثقافة الإسلامية على أنها جزء من تراثهم وتعامل مع الواقع الإسلامي ككيان اجتماعي وواقع إنساني قائم، وبالتالي لم يتم الحديث عن عالم شرقي إسلامي غرائبي، لقد كان هذا الشرق الإسلامي مجاوراً وتم التعايش والاحتكاك معه والإفادة منه. وبالتالي فإن الإسلام مثل عنصراً تنافسياً وليس عدائياً للمسيحية الأرثوذكسية في روسيا، وهذا مختلف تماماً عن الموقف الذي صدر عن الكنيسة الأوروبية الغربية تجاه الإسلام والذي جاء بالحملات الصليبية، لقد تعايش الإسلام والمسيحية جنباً إلى جنب في روسيا، وبالتالي فإن نشأة الاستعراب الروسي لم تتم في حضن العداء الديني ولا من ضرورة دراسة الإسلام كعدو قائم يمثل خطراً واجتياحاً، ومن ثم لم يكن ضرورياً إنشاء صورة الشرق العربي الإسلامي كعدو كما هو الحال في الاستشراق الأوروبي، وإن كانت بعض المعلومات التي كانت ترد من خلال الرحالة والتجار لا تخلو من بعض الأسطرة للشرق العربي المسلم.
لقد شجعت الحكومات الروسية في العهود المختلفة دراسة التراث العربي الإسلامي وخاصة ذلك الذي يتعلق بالأقاليم الإسلامية الواقعة ضمن الدولة الروسية، وذلك لتوسيع المعرفة بالشعوب الإسلامية، وكانت المصادر الثقافية العربية تشكل ركناً أساسياً من مصادر معرفة شعوب القوقاز وآسيا الوسطى وحتى الروس، هذه المعرفة التي انعكست بشكل إيجابي لمصلحة روسيا كما يعترف بذلك المستعربون أنفسهم (كنا نعيش جنباً إلى جنب مع شعوب آسيا الوسطى لمدة طويلة وكانت معارفنا تزداد بهذا التعايش كنا نتطور تحت تأثير الشعوب الإسلامية وأظن الشعوب الإسلامية في بلادنا كانت تتطور تحت تأثيرنا).
لقد كان للاستعراب الروسي منذ البداية مدرستان متمايزتان، ارتبطت إحداهما بوزارة الخارجية الروسية، وقد ساهمت هذه المدرسة في خدمة القرار السياسي والمصالح الروسية الخارجية (كان هناك أيضاً في روسيا اتجاه للدراسات الشرقية لأغراض سياسية، مع تعصب ديني، ولكن في نفس الوقت. كان هناك من هو ضد هذه التيارات المتعصبة وضد الدراسات الشرقية الكنيسية غير الممتدة إلى وقائع تاريخية ثابتة، ونحن لا نرى هذا في أي دراسات شرقية خارج روسيا)([23]) والمدرسة الأخرى حملت الطابع المعرفي العلمي البحت، وحرص المستعربون فيها على استقلالية عملها وقد نشأت هذه المدرسة وما زالت في بطرسبورغ، حيث (بذلت جهود كبيرة من قبل العلماء في بطرسبورغ لتحقيق درجة من الاستقلال المهني ونشر الدراسات بعيداً عن التوجه السياسي).([24])
وفي بداية الاستعراب الروسي، تمت الاستعانة بعلماء من الغرب، كما كان الشأن بالنسبة للمجالات الأخرى المختلفة، فعندما بدأ القيصر بطرس الأول الإصلاحات في السياسة والعلوم والجيش ومختلف أوجه الحياة في روسيا، استعان بالخبرات الأوروبية من فرنسا وألمانيا وإنكلترا، ولكن الاستعراب الروسي مالبث أن أخذ بتكوين نفسه معتمداً على المصادر الشرقية الإسلامية مباشرة، بداية من خلال التبادل الثقافي الذي جرى والمعايشة المباشرة للموظفين والعسكريين الروس في مناطق الفولغا والبحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى، ووصف هؤلاء هذه البلاد في الكتب والصحف شعراً ونثرا،ً إضافة إلى توافد أبناء هذه المناطق إلى بطرسبورغ وموسكو وتعلمهم في جامعاتها ومعاهدها، وقد كان هؤلاء الوافدين يعكسون قوة تأثير الثقافة العربية الإسلامية (فإن قوة تيار التراث العربي القديم في القوقاز استطاعت أن تحمل حتى أيامنا، اللغة العربية الفصحى التي لا تستخدم في التخاطب العام في موطنها في البلاد العربية، أما في شمال القوقاز فقد عاشت اللغة العربية حياة كاملة لا في الكتابة فحسب، بل وفي الحديث أيضاً)([25]). لقد كان للشعوب الإسلامية في وسط آسيا واحتكاكها المباشر مع الروس دوراً كبيراً في الاستعراب الروسي، إذ ساهمت في نقل الثقافة العربية الإسلامية مباشرة إلى الاستعراب الروسي دون المرور بالمصفاة الأوروبية الغربية، لقد صب التراث العربي الإسلامي مباشرة في مجرى الاستعراب الروسي دون تشويه أو إنشاء أو أسطرة صور وهمية عن الشرق العربي المسلم، وقد ساهم وجود المستعربين من العسكريين في القوقاز في ترجمة العديد من الآثار الأدبية العربية الإسلامية، إذ قام الجنرال بوغوسلافسكي بترجمة القرآن الكريم من العربية إلى الروسية مباشرة.
مصادر الاستعراب الروسي:

لقد استقى الاستعراب الروسي معرفته من خلال مصادر عديدة، تفاوتت في أهميتها وزمنها، بالنسبة لهذا الاستعراب ويمكن القول بأن هذه المصادر كانت:
أ ـ التجار والرحالة والحجاج المسيحيين الوافدين إلى بيت المقدس.
ب ـ المعرفة المباشرة للشعوب الإسلامية الواقعة ضمن الدولة الروسية.
ج ـ العلماء الباحثين من الروس والعرب على حد سواء، الذين رحلوا إلى البلاد العربية أو العرب الذين قدموا إلى روسيا لأسباب مختلفة منها السياسة ومنها العلمية.
د ـ المخطوطات التي انتقلت إلى خزائن المكتبات في روسيا، والتي كانت تمثل التاريخ الحضاري للثقافة العربية الإسلامية.
هـ- العلاقات بين الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مع الكنائس الأرثوذكسية في الشرق العربي، فلسطين، لبنان، وغيرها، ووجود بعض المدارس الروسية المرتبطة مع هذه الكنائس، وإن كان ذلك بنسبة قليلة قياساً للحضور الأوروبي الغربي التبشيري في البلاد العربية الإسلامية.
إن بدء العمل الرسمي والمنظم في الدراسات العربية ـ الإسلامية، كان قد بدأ مع عهد القيصر بطرس الأكبر عندما تمت أول ترجمة للقرآن الكريم عام (1716) إلى اللغة الروسية، وقد قام بها الدكتور بيوتر بوستينكوف عن الترجمة الفرنسية للمستشرق الفرنسي ديوري عام (1643م)، تلا ذلك ترجمة أخرى عام (1776م)، ولكن أول ترجمة للقرآن من اللغة العربية مباشرة إلى اللغة الروسية كانت في عام (1878م)، والتي قام بها المستعرب سابلوكوف (1854 ـ 1880م)، والذي كان يتقن العربية إتقاناً جيداً، وقد تكررت طباعة هذه الترجمة في أعوام (1879-1898)، كما قام الجنرال المستعرب بوغوسلافسكي، المراقب الملازم للزعيم الأواري شامل، والذي عمل فيما بعد في السفارة الروسية في تركيا، قام بترجمة للقرآن من العربية إلى الروسية مباشرة في نهاية العقد العاشر من القرن التاسع عشر، وهي الترجمة الثانية للقرآن من العربية إلى الروسية مباشرة خلال القرن التاسع عشر، كما قام المستعرب أغناطيوس كراتشكوفسكي بترجمة أخرى للقرآن من العربية مباشرة إلى الروسية عام (1963م).
وقام المستعرب موخلينسكي (1808 ـ 1877م)([26]) بترجمة وتفسير القرآن إلى اللغة البيلاروسية والبولندية من أجل التتار المسلمين الذين كانوا على حدود بيلا روسيا وبولندا وليتوانيا.
تمت أول طباعة للقرآن باللغة العربية، في عهد القيصرة ايكاترينا الثانية في القرن الثامن عشر عام (1787م)، إذ برز في هذه الفترة اتجاه لتنصير المسلمين بالقوة من قبل المبشرين من إنكلترا واسكوتلندا، فتركت ايكاترينا أمر التنصير إرادياً لمن يشاء من المسلمين، وقامت بطباعة القرآن لتقديمه للشعوب الإسلامية الواقعة ضمن الإمبراطورية الروسية وتمت إعادة هذه الطبعة في أعوام (1793، 1790م). وكان المستشرق كانتمير (1673ـ1723م)، قد أدخل أول مطبعة ذات حروف عربية إلى روسيا، تم بواسطتها طباعة أول بيان رسمي للقيصر في عام (1722م). ومن الجدير ذكره، أن القيصرة ايكاترينا الثانية، كانت تحظى باحترام الشعوب المسلمة ضمن الإمبراطورية الروسية وقد اتصلت هذه الإمبراطورة بعلماء من دول مختلفة، كان منهم جمال الدين الأفغاني (1838 ، 1897م)، الذي قضى عدة سنوات في بطرسبورغ، قبل أن يذهب إلى إنكلترا وقد كان يعرف اللغة الروسية. وفي عهد القيصرة بُدئ بتدريس اللغة العربية في المدارس المختصة بتعليم اللغات الشرقية، إلى جانب البخارية والتترية والفارسية، وذلك بعد قرارها الصادر عام
(1772م) القاضي بتدريس اللغة العربية، وهنا نلاحظ أن قرار تدريس اللغة العربية في المدارس المختصة، كان قراراً حكومياً ولم يكن قراراً كنسياً، كالذي حدث في مجمع فيينا.

ومفهوم اللغات الشرقية في الاستعراب الروسي يختلف عنه في الاستعراب الأوروبي الغربي فاللغات الشرقية في أوروبا، كانت اللغات السامية والمكانة الأولى بين هذه اللغات كانت للغة العبرية كونها لغة الكتاب المقدس، أما في روسيا، فاللغات الشرقية تعني لغات الشرق المسلم الواقع ضمن الامبراطورية الروسية أو المتاخمة لها، وشغلت اللغة العربية المكانة الأولى بين هذه اللغات. أما (العصر الجديد للاستعراب الروسي فيبتدأ من المرسوم الجامعي سنة (1804م)، لأن هذا المرسوم أدخل تدريس اللغات الشرقية في برامج المدارس العليا وأسس الأقسام الخاصة لهذه اللغات)([27])، وأنشئ أول قسم للغة العربية في جامعة خاركوف بعد صدور المرسوم مباشرة، وكان أول أستاذ يدرس اللغة العربية في هذا القسم سنة (1805م). هو الأستاذ (بيرندت)، (وكان يمثل التقاليد السامية الأوروبية الغربية، وهو من رجال الدين المسيحي).([28]) وتبع ذلك إنشاء قسم اللغة العربية في جامعة قازان في تتارستان، وقد قام بتدريس اللغة العربية فيما بعد في هذه الجامعة عدد من الأساتذة العرب، فقد درّس فيها، أحمد ابن حسين المكي، منذ (1852ـ 1854م)، ثم جاء بعد ذلك العربي الفلسطيني بندلي بن صليبا جوزي منذ (1871 ـ 1942م)، وهو من القدس، ولد وتعلم بها وكان هذا الأستاذ قد تعلم في مدينة قازان وحصل على دبلوم الدراسات العليا منها وحصل على رسالة الدكتوراة سنة (1899م) في (فكر المعتزلة)، وكتب مقالة (القرآن الكريم)، لموسوعة دينية أرثوذكسية، كما ألف كتاباً مدرسياً لتعليم اللغة الروسية للعرب، وألف كذلك قاموس (روسي ـ عربي)، كما كتب (أبحاثاً قيمة في مصادر عربية مهمة لتاريخ القوقاز، ومنها حركة بابك الخرَّمي، وحلل أخباراً في غزو الروس لمدينة (بردعة) في جنوب أذربيجان وترجم إلى اللغة الروسية ((مقتطفات من تاريخ أذربيجان)) من كتب اليعقوبي والبلاذري).([29])
ولـه من الكتب أيضاً (من الحركات الفكرية في الإسلام) و(تاج العروس في معرفة لغة الروس) و(أصل الكتابة عند العرب) و(جبل لبنان، تاريخه وحالته الحاضرة). وقد عاش جوزي طوال حياته في روسيا، وأهميته تنبع من كونه ألف عدداً كبيراً من المقالات وترجم مقتطفات من مصادر عربية مهمة لتاريخ القوقاز.
في عام (1819م)، تأسست جامعة بطرسبورغ، والتي ابتدأ تدريس اللغة العربية فيها منذ ذلك الوقت، وكان الشيخ المصري محمد عياد الطنطاوي، أول عربي يشغل كرسي اللغة العربية في هذه الجامعة بين أعوام (1847 ـ
1861م)، وقد شغله قبله الفرنسي ديمانج (1819 ـ 1822م)، والبولندي سنكوفسكي (1822 ـ 1847م)، لقد تفتحت شخصية الطنطاوي العلمية في القاهرة في الأزهر، إذ يقول في رسالة بعث بها إلى المستعرب فرين (فكان مكثي في مصر من سعادتي فحينئذٍ حضرت في النحو والفقه وغيرها ولاشك أن تعلم الثلاث سنين في طنطا أكسب لي بعض فهم، فكنت أفهم خصوصاً النحو وغيره أكثر من الفقه، فحضرت الأجرومية وشرح الشيخ خالد، وشرح القطر وشرح الألفية لابن عقيل وشرحها للأشموني، وشرح مختصر السعد في علم المعاني والبيان والبديع وشرح مطوله كذلك، وشرح جمع الجوامع في علم أصول الفقه وشرح السنوسية في علم التوحيد وشرح الجوهرة فيه الخ، وغالب حضوري على الشيخ إبراهيم الباجوري وهو اعلم أهل الأزهر الآن بلا نزاع))..

ثم عبرت هذه الشخصية إلى بطرسبورغ عاصمة روسيا القيصرية، لتقدم عصارة العلم والجهد في تعليم الآداب العربية الإسلامية وليتم على يدي الشيخ محمد عياد الطنطاوي تخريج عدد من المستعربين الروس، كانوا الأساس في تكوين مدرسة الاستعراب الكلاسيكية، فقد تتلمذ على الطنطاوي المستعرب (نقولا موخن) وغيره، وقد احتفل الأعلام الروسي بالطنطاوي عندما قدم إلى بطرسبورغ وكتبت عنه مقالة عرَّفَت به في صحيفة (أخبار سانت بطرسبورغ) في 22 آب عام 1840م، وَرَدَ فيها (تسألني عن هذا الرجل الوسيم في حلته الشرقية وعمامته البيضاء ولحيته السوداء كالقطران، وعيونه الحية المتقدة شرراً ووجهه المعبر الذكي المحترق لا بشمسنا الشمالية الباهتة الآن تستطيعون تماماً أن تتعلموا التحدث بالعربية دون أن تسافروا من بطرسبورغ)([30])، وبيَّن كاتب المقال أن هذا الرجل هو الشيخ محمد عياد طنطاوي الذي رحل من (شاطئ النيل) ليشغل الكرسي الخالي للغة العربية في معهد اللغات الشرقية التابع لوزارة الخارجية وقد وصفه كراتشكوفسكي بقوله: (فيا لها من زهرة نادرة تلك الشخصية التي تلألأت في روسيا القديمة)([31]). وقد جمع الطنطاوي خلال فترة عمله مجموعة من المخطوطات تقارب المائة وخمسين مخطوطة آلت إلى مكتبة جامعة بطرسبورغ، وحلَّ جزء منها في نطاق الاستخدام العلمي، كما اهتمت الأوساط الاستعرابية الغربية بالطنطاوي، ففي عام 1944 كتب محرر الطبعة العالمية المشهورة لدائرة المعارف الإسلامية التي تجدد صدورها بعد الحرب العالمية الأولى طالباً من كراتشكوفسكي أن يكتب له مقالاً عن الطنطاوي.([32])
وللطنطاوي العديد من المؤلفات المحفوظة في مكتبة المخطوطات في جامعة بطرسبورغ، بعضها كتبه لغايات تعليمية مثل (نظم تصريف الزنجاني)، و(تقييدات على شرح الأزهرية)، و(حاشية الكافي في العروض والقوافي)، و(نبذة عن تاريخ العرب)، و(حال في الأعياد والمواسم في مصر) و(فهرس الخلفاء والسلاطين) و(القاموس التتري العربي)، وكان البعض الآخر من مؤلفاته تأريخاً لأحداث مختلفة عايشها خلال فترة وجوده في روسيا مثل (تاريخ خمس وعشرين سنة من تتويج أبهة قيصر الروسيا نيقولا الأول)، و(تاريخ جلوس أبهة القيصر اسكندر الثاني على تخت روسيا)، وغير ذلك، ولعلنا نستطيع القول بأن أول دراسة في الاستغراب قام بها عالم عربي نستطيع أن نردها للطنطاوي، وذلك من خلال مؤلفه الذي كتبه في وصف روسيا وأهداه إلى السلطان عبد المجيد، وأسماه (تحفة أولي الألباب في أخبار بلاد روسيا)، وقد كتبه في عام (1850 مـ 1266 هـ)، ويتناول في الكتاب وصفاً تفصيلياً لرحلته من القاهرة إلى بطرسبورغ، ومتحدثاً عن انطباعاته خلال العشرة أعوام الأولى التي قضاها في روسيا، علماً بأنه سبق مؤلف الطنطاوي هذا مؤلف أقدم منه في وصف روسيا، هو كتاب (وصف الروسيا) للبطريرك مكاريوس الإنطاكي، يصف رحلته من سوريا إلى روسيا، والعودة منها والإقامة فيها، وكتبه ابنه بولصي الحلبي عام (1700م)، الذي كان مرافقاً له في هذه الرحلة.
وتعود أهمية كتاب الطنطاوي إلى طول إقامته في روسيا ومعايشته اليومية للروس واهتمامه بالتفاصيل والحوادث المختلفة التي استمرت عشرة أعوام كاملة، مكنته من دراسة الحياة في روسيا دراسة دقيقة، إضافة، إلى أن هذا الكتاب يصدر عن عالم شغل مناصب هامة في البيئة العلمية الروسية فإذا نظرنا إلى بعض عناوين مؤلفاته عن روسيا.
غير ذلك الكتاب لوجدناه يصف ويؤرخ حوادث مثل (تاريخ قدوم سعادة ولي عهد روسيا الأمير اسكندر مع خطيبته الأميرة ماريا وتزوجها)، و(تاريخ رجوع الدوق مكسميليان لهستنبرغ من مصر إلى بتربورغ) مما يعطينا فكرة عن الاهتمام الدقيق بتفاصيل ماكان يجري في روسيا آنذاك.
إن أهمية الطنطاوي تنبع من أنه كان معلماً ومتعلماً، فاعلاً ومتأثراً، ولعله أهم شخصية علمية عربية تواجدت في روسيا في القرن التاسع عشر وأثرت تأثيراً فعالاً في الاستعراب الروسي، وبنفس الوقت درست ووصفت الحياة في روسيا من خلال مؤلفاته المختلفة، وقد منحته الحكومة القيصرية وسام القديسة (حنة) تقديراً لجهوده العلمية في الاستعراب الروسي وقد علق الطنطاوي بعد تقليده الوسام، الذي يبدو على صدره في صورة رسمها لـه الفنان (مارتينوف) علق قائلاً:

إني رأيت عجباً في بطرسبورغ وأنه




شيخ من المسلمين يضم في الصدرحنّة([33])





وقد عانى الطنطاوي في نهاية حياته من الشلل في أطرافه السفلية، وتوفي عام (1861م)، ودفن في المقبرة التتارية الإسلامية قرب قرية فولكفو من ضواحي بطرسبورغ وله من العمر 50 عاماً.
وتعاقب بعد الطنطاوي عدد من الأساتذة العرب لتدريس اللغة العربية وآدابها في جامعة بطرسبورغ، فكان هناك سليم نوفل (1828 ـ 1902م)، وهو من طرابلس الشام وقد كان في الجامعة اعتباراً من عام (1860م)، وألف بعض الكتب التي لقيت نجاحاً وفي نفس الفترة درس العربية أحمد بن حسين المكي من (1856 ـ 1858م)، ثم عبد الله كلزي
(1819 ـ 1912م)، وهو من حلب قام بالتدريس أولاً في مدينة أوديسا فترة قصيرة، ثم أمضى بقية حياته في بطرسبورغ، وقد قام بترجمة بعض أشعار الشاعر الروسي كريلوف من الروسية إلى العربية، وله (كتاب لتدريس اللغة العربية ((المحادثة الروسية ـ العربية طبع عام 1868م)([34]). وإضافة إلى هؤلاء الأساتذة العرب المدرسين في الجامعة، تواجدت أحياناً بعض الشخصيات العربية الإسلامية التي لعبت دوراً في وسط الاستعراب الروسي فلأسباب سياسية تواجد مثلاً جمال الدين الأفغاني (1838 ـ 1897م)، والذي اتصل بالقيصرة ايكاترينا، ومكث في روسيا مدة أربعة أعوام ثم غادرها إلى إنكلترا، ثم ولنفس الأسباب قدم الأديب والصحفي والسياسي العربي رزق الله حسون (1825 ـ 1880م)، هرباً من الاضطهاد التركي واصلاً روسيا عام (1868م)، أملاً في مساعدة قيصر روسيا السكندر نيقولا ييفتش في إقامة دولة عربية، وقد مكث حسون في روسيا عدة سنوات، وعندما يئس من مساعدة القيصر الروسي غادر إلى إنكلترا، وفي فترة وجوده في بطرسبورغ، نظم حسون العديد من الأشعار التي حفظت في ديوان كما قام بنسخ بعض المخطوطات العربية الموجودة في مكتبات بطرسبورغ فقد نسخ لنفسه في عام
(1867م)، نسخة من مخطوط ديوان الأخطل الأموي، وتمت الاستفادة فيما بعد من هذه النسخة في تحقيق ديوان الأخطل وطباعته في بيروت، في إطار التعاون بين العلماء الروس والعرب، كما ترجم حسون أشعار (كريلوف) في الحكمة إلى اللغة العربية، وقد تحدث كراتشكوفسكي عن حسون([35])وقد تحدث كراتشكوفسكي عن حسون قائلاً:

(كان خطاطاً وسياسياً وشاعراً ومغامراً، وقد كان قومياً عربياً، فخاف على حياته وهرب من تركيا إلى روسيا عبر بلاد القوقاز، ولم يكن ذلك على ما يبدو بدون مساعدة ديبلوماسي روسي في القسطنطينية هو الجنرال يوغوسلافسكي، وكان حسون قد قضى عدة أعوام في بطرسبورغ حاول أثناءها في بساطة أو سذاجة أن يحصل على مساعدة القيصر الكسندر الثاني في تأسيس دولة عربية مستقلة، وعندما دبّ إليه اليأس والقنوط في محاولته تلك، رحل حسون إلى إنكلترا، وهناك استخدم الهجاء اللاذع وكلماته الملتهبة في الكفاح ضد السلطان التركي وحزب تركيا الفتاة، وتوني حسون في انكلترا في ظروف غامضة، ويقال أنه مات مسموماً عن طريق جاسوس للسلطان التركي. وقد كان حسون محباً للأدب وعالماً به، وقد زينت الكتب التي كتبها بخطه الجميل خزائن المحفوظات المختلفة، وكذلك قام حسون بترجمة أصيلة جداً لبعض أشعار الحكمة التي تظمها كريلوف الشاعر الروسي ونقلها من الروسية إلى العربية)([36]).
وفي بداية القرن العشرين حرر المصري محمد طلعت، جريدة عربية باسم (التلميذ)، في بطرسبورغ، ونشر كتاباً صغيراً يصف فيه انطباعاته عن روسيا.
وفي عام (1818م)، تأسس في بطرسبورغ المتحف الأسيوي التابع لأكاديمية العلوم، ولم يكن متحفاً بالمعنى المعروف، فقد كان لا يخزن إلا الكتب والمخطوطات الشرقية، وقد أصبح هذا المتحف اعتباراً من سنة (1938م)، يعرف باسم معهدالاستشراق، وكان أول أمين لهذا المتحف المستشرق خ.د.فرين. الذي يدين له الاستعراب الروسي بإرساء أسسه الأولى.
وقد تم في المتحف الآسيوي طبع أول فهرس للمخطوطات العربية، للمستعرب الألماني برنارد دورن
(1805 ـ 1881م)، الذي كان يتقن اللغة العربية ولغات شرقية أخرى ولد وتعلم في ألمانيا واستقدمته الحكومة القيصرية للتدريس في خاركوف عام (1829م)، ثم انتقل إلى بطرسبورغ وتولى الإشراف على مكتبة المتحف الآسيوي والمكتبة القيصرية. وفهرس دورن، أسبق من فهارس بروكلمان، ولم يكن حاجي خليفة قد أكمل فهارسه بعد عن المخطوطات العربية عندما ظهر فهرس دورن وكان الفهرس بعنوان (فهرس المخطوطات الشرقية في المكتبة القيصرية العامة في سانت بطرسبورغ)([37])، وصدر عام (1865م)، وله (فهرس الكتب العربية والفارسية والتركية المطبوعة في الأستانة وفي مصر وفي العجم الموجودة في دار الآثار الأسيوية).([38]) عام 1825م.

كما أعد المستعربان ف.ر. روزن وسالمان، فهرساً للمخطوطات العربية والفارسية والتركية في جامعة بطرسبورغ عام 1879م وقد بلغ عدد المخطوطات المفهرسة وقتئذٍ 300 مخطوطة.
أما في مدرسة استعراب موسكو، فإن اتجاه الدراسات العربية في منتصف القرن التاسع عشر، لم يكن بنفس المستوى الذي كان عليه في بطرسبورغ، وفي تلك الفترة، انتقل تعليم اللغة العربية إلى الصفوف الخاصة مثل معهد لازاريف، الأرمني الذي قام بتأسيس المعهد عام (1872م) ، وتم فيه تدريس اللغة العربية واللغة الأرمنية وكان الغرض من تدريس اللغة العربية، تأهيل الأشخاص الذين سيوفدون إلى الشرق لمهمات مختلفة والغاية إتقان المحادثة العادية، ولكن هذا المعهد وغيره، لعب دوراً هاماً فيما بعد بالنسبة للاستعراب العلمي. وكان أول مدرِّس للغة العربية في معهد لازرايف الأستاذ العربي مرقص الدمشقي (1846ـ1911م)، الذي تعلم في المدرسة اليونانية الدينية بالقرب من القسطنطينية، وأتم دراسته العليا في كلية اللغات الشرقية في بطرسبورغ (وعندما كان في السنة الرابعة في جامعة بطرسبورغ سنة (1867- 1868م) حصل على الميدالية الفضية من أجل البحث الذي قدمه عن الخليفة علي بن أبي طالب)([39]) وعندما تخرج من الجامعة كان مشروع معهد لازارييف قد خرج إلى الوجود، فكان مدرساً في المعهد، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية في نفس المعهد، وهو أول عربي يصبح رئيساً لقسم اللغة العربية في موسكو، والثاني بعد الشيخ الطنطاوي على مستوى روسيا. وقد بقي رقص في معهد لازاريف منذ (1872- 1900)، إذ غادر بعدها إلى سورية بسبب اعتلال صحته وتوفي هناك.
إن أهم عمل قام به مرقص الدمشقي هو ترجمته لمخطوطة (رحلة مكاريوس الأنطاكي إلى روسيا)، من اللغة العربية إلى الروسية وقد طبعت هذه الترجمة عام (1900م)، وكانت المخطوطة تحوي أكثر من (555) صفحة، وهذه أول ترجمة للمخطوطة تتم من اللغة العربية مباشرة إلى اللغة الروسية، إذ سبقها ترجمة من العربية إلى الإنكليزية، وبالتالي فإن الروس لم يتعرفوا إلىهذا الكتاب باللغة الروسية إلا بعد الترجمة التي قام بها مرقص الدمشقي، وكان بدأ العمل في هذه الترجمة سنة (1881م) (وقدم جزءاً منها للتقييم إلى كلية اللغات الشرقية وقام بهذا التقييم المستعرب كركاس)([40]). وقد بُدئ بنشر ترجمة مرقص منذ عام (1896م)، وانتهى نشر المجلد الخامس سنة (1900م)، (وقد ساعده في هذا العمل أنه كان يعرف جيداً اللغة العربية الفصحى واللهجة السورية التي كانت المخطوطة مكتوبة بها).([41])، وأهمية هذا العمل بالنسبة للروس، أنه يقدم لهم صورة عن التاريخ الداخلي لروسيا في تلك الفترة التي قدم بها مكاريوس الحلبي إلى روسيا عام
(1700م).

وبعد مرقص الدمشقي تولى التدريس في معهد لازارييف م. عطايا (1852 ـ 1924م)، الدمشقي الأصل، والذي كان مساعداً لمرقص في تدريس اللغة العربية منذ عام (1873م)، واستمر بالتدريس في المعهد المذكور أكثر من خمسين عاماً وله كتاب مدرسي لتعليم اللغة العربية أعيد طبعه ثلاث مرات، في قازان عام (1884م)، وفي موسكو عامي (1910 ـ 1900م)، و لـه كتاب دراسي باللهجة السورية طبع عام
(1923م)، وكذلك قاموس (عربي ـ روسي)، وقد كان عطايا مشهوراً جداً في بيئة الاستعراب في موسكو.

وهكذا مارس الأساتذة والعلماء العرب دوراً مهماً في الاستعراب الروسي، من خلال تواجدهم لتدريس اللغة العربية وآدابها في الجامعات والمعاهد الروسية المختلفة، ومن خلال المؤلفات التعليمية وغير التعليمية التي قاموا بنشرها في بيئة الاستعراب الروسي وكذلك من خلال الترجمات التي قاموا بها من العربية إلى الروسية وبالعكس وكذلك مارس بعض هؤلاء العلماء الاستعراب، لأول مرة كعرب ومسلمين ودارسين للآخر وواصفين لـه، وذلك عندما قاموا بتأليف الكتب عن البلاد التي عاشوا فيها، ليس وصفاً جغرافياً، وإنما وصفاً حياتياً يومياً، فكان العربي ذاتاً دارسة ومحللة لما حولها في البيئة الأجنبية، وبالتالي تركوا بصمات هامة فكان لمساهماتهم في الاستعراب الروسي دوراً كبيراً في تكريس صورة الشرقي المسلم في وعي الروسي، بأقل ما يمكن من الأخطاء والتشويهات والصور المغلوطة التي تمت في الاستعراب الغربي، عندما مارس هذا الاستعراب دوره بصورة أحادية في إنشاء صورة الشرقي المسلم في ذهن الأوروبي الغربي.
وقد ساهم أبضاً في تكريس هذه الصورة الإيجابية للشرقي المسلم في الاستعراب الروسي وبالتالي الثقافة الروسية، ارتحال العديد من المستعربين الروس إلى البلدان العربية في أزمنة مختلفة طالبين للعلم ودارسين للحضارة والمجتمعات العربية الإسلامية، من خلال المعايشة المباشرة، ثم عادوا إلى جامعات بلادهم لتدريس الأوجه المختلفة للآداب العربية الإسلامية، والحضارة الإسلامية. وكثيراً ما عقد هؤلاء صلات وصداقات استمرت أمداً طويلاً مع العلماء والمثقفين العرب، الذين تتلمذوا على أيديهم أو تعرفوا عليهم، وتم إنجاز العديد من أشكال التعاون العلمي بين هؤلاء وأولئك.
فقد ارتحل إلى مصر سنة (1835)، المستعرب انطوني موخلينسكي(1808- 1877م)، وتتلمذ على يد العالم والشاعر عبد الرحمن الصفتي، وأهدى هذا الأخير ديوانه الشعري لموخلينسكي والمحفوظ في خزانة محفوظات مكتبة جامعة بطرسبورغ، وكتب موخلينسكي عن هذا الديوان، "هذا أثر مدرسي في اللغة العربية في القاهرة المصرية الأستاذ عبد الرحمن الصفتي، وهو الأستاذ في الأزهر، وكذلك محرر في مطبعة يولاق الموجودة بالقرب من القاهرة- وهذا الأثر مقدم هدية لتلميذه انطوني مورخلينسكي سنة 1835 في شهر يناير".
لـ كما عقد موخلينسكي، أثناء وجوده في مصر صداقة مع الشيخ محمد عياد طنطاوي ولعلها كانت سبباً في استقدام الطنطاوي إلى روسيا واستمرت هذه الصداقة أثناء وجود الطنطاوي وتدريسه في بطرسبورغ.
- كما ارتحل في بداية العقد السابع من القرن التاسع عشر إلى سوريا ومصر ولبنان، المستعرب فلاديمير كركاس، وهو من بيلاروسيا (1835- 1887م)، وقد أبدى اهتماماً باللهجة العامية، وجمع في فترة وجوده في سوريا ولبنان أكثر من (500) مثل شعبي، وكان سباقاً بين المستشرقين الروس والغربيين على حد سواء إلى الاهتمام بلغة التخاطب اليومي. كما أنه بدأ بطباعة مخطوط (تاريخ أبي حنيفة الدينوري)، وكان المخطوط قد وصل إلى مجموعة القسم التعليمي في وزارة الخارجية، ومن ثم إلى مكتبة معهد الاستشراق، من خلال السفير الروسي (ايتالينسكي) في استانبول، والذي تعلم اللغة العربية في تركيا، وأصبح مولعاً بجميع المخطوطات. وقد تمت مقابلة هذا المخطوط قبل طباعته مع صورة أخرى له موجودة في مكتبة ليدن بخط المؤرخ ابن العديم الحلبي.
وقدم أقام كركاس في البلاد العربية ثلاث سنوات. كذلك ارتحل المستعرب كراتشكوفسكي وغيرهم كثير...
إن هذا التفاعل بين البيئة العلمية الروسية والبيئة العلمية العربية، انعكس بشكل إيجابي على الاستعراب الروسي، وجعل تعلم اللغة العربية وآدابها والثقافة العربية الإسلامية من قبل دارسيها الروس أقل صعوبة عندما أخذوا كل ذلك مباشرة من أبناء الثقافة الإسلامية وكذلك فقد عايش المستعرب الروسي شخصية العربي المسلم عالماً ومثقفاً وإنساناً عادياً مباشرة وكان هذا من أسباب عدم تشويه صورة الشرق العربي الإسلامي، فانتفت الأساطير والصور الوهمية، وكان فكان أن تجلى الاستعراب في أطره المعرفية الإنسانية.
لقد اعتبر المستعرب الروسي الكبير كراتشكوفسكي أن أهم شخصيتين أثرتا في الاستعراب الروسي هما الشيخ محمد عياد الطنطاوي ومرقص الدمشقي، يقول: (وإلى جانب عمالقة عملنا الاستعرابي أمثال فرين وروزن، وإلى جانب الروس، يقف عربيان عملاً في روسيا، أولهما الشيخ الطنطاوي المصري، وثانيهما مرقص الدمشقي)([42]).
وكما أثمر التعاون العلمي بين العلماء الروس والعرب في تقديم الصورة الحقيقية الموضوعية عن الشرق العربي الإسلامي، فقد ساهم أبناء العربية أنفسهم في إخراج تراثهم المخطوط إلى حيز النور، فكانت المراسلات ورحلات التحقيق العلمي قائمة باستمرار بين المستعربين الروس والعلماء العرب، فمن خلال التعاون بين العلماء والروس في بطرسبورغ والعلماء في العرب في بيروت خرج مخطوط ديوان الأخطل الأموي إلى النور في القرن التاسع عشر، يقول كراتشوفسكي عن هذا العمل (على أن الصعوبات لم تكن بالقليلة، ولاسيما الصعوبات الفنية، فقد كان من غير الممكن في ذلك الوقت أن يرسل مخطوطنا إلى بيروت، والصور الشمسية لم تكن شائعة آنذاك. وهنا أقترح روزن حلاً للخروج من هذه المسألة، وبناء على هذا أعدّ الصالحاني([43])، طبعة المخطوط حسب نسخة حسون، وأرسل مسودة الطبع إلى بطرسبورغ، حيث قام روزن بمقارنتها مقارنة كاملة مع أصل المخطوط، وأضاف إليها جميع الملاحظات والتعليقات التكميلية وخرجت الطبعة بسرعة في بيروت، وكان قد بُدئ بطبعها عام 1891، وبعد عام انتهى طبع أربعة أجزاء تضمنت كل مخطوطنا مع تعليقات تفصيلية دقيقة وبدأ العمل في إعداد الفهارس وتصحيح النص الإضافي وقد نشرهما الصالحاني كليهما في عام 1905 و1907 مستفيداً من خدمات الطباعة الفوتوغرافية)([44])
إن هذا النص يعكس بوضوح التعاون الذي كان يتم بين العلماء العرب والعلماء الروس في تحقيق وطبع المخطوطات العربية في البلاد العربية. إن تطلب الأمر ذلك وأن التراث العربي من خلال مخطوطاته كان الاطلاع عليه والعمل فيه متاحاً للعلماء العرب كما هو متاح للمستعربين الروس، وهذا جعل كما قلت سابقاً، الخطأ في أقل حدود ممكنة فأبناء العربية ساهموا في تحقيق تراثهم ونشره، علماً بأن المستعرب روزن بالنسبة لمخطوط الأخطل، كان قد بذل خمسة عشرعاماً من الجهد في دراسة مخطوط الأخطل ولكنه لم يجد غضاضة، ولم يكن محكوماً بعقدة التفوق الأوروبي في التعامل والتعاون مع عالم عربي، وأن تسود بينهما علاقة الاحترام (وقد اتفق ظهور هاتين الطبعتين مع بداية دراستي عند روزن، فأراد أن يرجع من جديد إلى الشاعر الذي أهداه منذ 15 عشر عاماً ليس بالقليل من الوقت والعمل وقد كان الصالحاني يحب روزن ويحترمه).([45])
إضافة إلى أن الاستعراب الروسي، لم يكن انتقائياً في تعامله مع المصادر والمخطوطات العربية، وبما يوظف هذه الانتقائية لخدمة أهداف استعمارية، كتلك التي كانت للاستعراب الأوروبي الغربي في تعامله مع التراث العربي الإسلامي، والعالم العربي الإسلامي في نفس الفترة، يقول كراتشكوفسكي (وأخذنا عاماً كاملاً ندرس باجتهاد القصائد البدوية الأصيلة.. التي تعكس بوضوح حياة الخلافة في القرن السابع والثامن وتعرِّف جيداً بتقاليد الجاهلية برمتها)([46]).
ونستطيع القول أن الاستعراب الروسي قد اختط لنفس نهجاً مغايراً، لما كان يحدث في الاستعراب الأوروبي الغربي، وأن التواصل بين العلماء العرب والمستعربين الروس بقي مستمراً وفعالاً وكان أحد تجلياته الإفادة من المكتبات العربية العامة والخاصة، التي كانت تفتح ذراعيها للباحثين والعلماء والمستعربين الروس للإفادة منها، وإظهار التراث العربي الإسلامي والتجليات المختلفة للحضارة العربية الإسلامية وكان أمناء هذه المكتبات وأصحابها يقدمون خدماتهم عن طيب خاطر.
وقد أظهر هذه الصورة الإيجابية عن العربي المسلم وطريقة تعامله مع العلماء والدارسين الأجانب، المستعرب كراتشكوفسكي فيتحدث إبان رحلته إلى الشرق عن هذه المكتبات قائلاً: ((وكل مكتبة سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، غنية أم متواضعة، كان لها طابعها الخاص، إلا أنها جميعها كانت تقابل بترحيب زوارها الجدد، وتكشف لهم كنوزها بسعادة وطيب خاطر)([47])
وإلى جانب هذا العمل الإيجابي في الاستعراب الروسي، المنفتح بوعي وفهم إنساني للحضارة والتراث الإسلامي والعربي، فقد برز بين الحين والآخر في بيئة هذا الاستعراب من كانت لهم مواقف معادية للإسلام، سواء بين العلماء الروس أو الأساتذة العرب، فمن العرب الذين كان لهم موقف سلبي من الإسلام وكانوا في الجامعات الروسية سليم نوفل (الذي سمح مراراً لنفسه في كتبه بالنيل من الرسول محمد ومن الإسلام، وقد احتج السفير التركي على ذلك وطلب مصادرة كتبه)([48]) وكراتشكوفسكي نفسه لا يخفي امتعاضه من سليم نوفل، الذي يراه موظفاً في الخارجية الروسية أكثر منه عالماً، على الرغم من دوره التعليمي في تدريس اللغة العربية فيقول عنه (وقد حقق لنفسه في وزارة الخارجية الروسية درجة كبيرة من الوظيفة وتسلم كثيراً من الرتب والأوسمة.. وصار روسياً لدرجة أن أولاده نسوا اللغة العربية، وهو نفسه انصرف عن الاشتغال بالأدب، ولكنه نشر بعض الكتب في الفقه الإسلامي باللغة الفرنسية، لكنها لم تكن كتباً علمية، بل اقرب إلى الكتب السياسية التي تحمل ظله)([49])
وقد مثلت المواقف المتعصبة المناوئة للإسلام مجلة (التبشير المناهض للإسلام)، وقد تصدى للرد على هذه المواقف المتعصبة التي برزت في هذه المجلة ، المستعرب بارتولد (1869 ـ 1930م)، فيقول: (إن الحضارة الإسلامية هي ظاهرة تاريخية ليس من البساطة بمكان، لكي يتناولها المرء بمقالة أو بحث صغير)([50])، هذا على الرغم من أن هناك فئة وجهت الاتهام لبارتولد نفسه، في زعمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألف القرآن مع مسليمة الكذاب، وأن المستعرب بيلايف، قد ردد هذه المزاعم، وينفي هذه التهمة عن بارتولد عدد من المستعربين، منهم المستعرب المعاصر أنس خاليدوف، فيرى أن هذه المزاعم ترجع إلى سوء فهم لبارتولد في بحثه (مسيلمة)، فيقول: (إن بارتولد كان مفكراً حديثاً وباحثاً، وغير مسلم، فكان أن قام بالمقارنة بين الديانات، ومحاولة فهم كل شيء ضمن أصوله التاريخية والموضوعية، وأما ما ردده يفغيني بيلايف المستعرب من موسكو فقد كان في إطار تقديم وجهة نظره تجاه الإسلام في إطار حركة انتقاد الأديان التي برزت في العشرينات والثلاثينيات فكان أن أخذ ما كتبه بارتولد، وقدمه من وجهة النظر اللادينية هذه، وكأن بارتولد هو الذي قالها، وأظن أنه لم يكن منصفاً لبارتولد لم يكن بارتولد معادياً للإسلام، لقد كان باحثاً موضوعياً).([51])
لقد درس بارتولد (تاريخ الشرق)، في جامعة بطرسبورغ عام (1892م)، وكان (عضواً في أكاديميات مختلفة مثل تركمانيا، باكو، أذربيجان، عشق أباد، قازان، وله مؤلفات في تاريخ الإسلام والخلافة العربية)([52]). وجمعت أكاديمية العلوم في روسيا الأعمال الكاملة لبارتولد في عشر مجلدات والحادي عشر للفهارس ومنها كتاب (الإسلام)، الذي طبع عام 1918م، وكتاب (الحضارة الإسلامية)، و(العالم الإسلامي)، وغيرها.
أما في إطار المؤتمرات فقد عقدت عدد من مؤتمرات الاستعراب العالمية في روسيا، وأولها كان المؤتمر الثاني لمؤسسة المستشرقين العالميين في بطرسبورغ عام (1876م)، وكان المستعرب روزن رئيساً لهذا المؤتمر، كما عقد المؤتمر مرة ثانية في طشقند عام (1957م).
إن الاستعراب الروسي، في دراسته للشرق العربي الإسلامي كان ذا طابع موضوعي، فنظر إلى ثقافات الشعوب الأخرى نظرة مساواة، ومن منطلق المعرفة الإنسانية، ومن ميزاته أنه لم يعامل بازدراء ثقافات الشعوب الشرقية المسلمة، ولم يمارس عليها الوصاية أو الهيمنة.
وكان من الطبيعي أن ينعكس الانفتاح على ثقافات الشعوب الإسلامية، العربية وغير العربية والتي عبرت عنها الحضارة الإسلامية في التراث والنتاج الأدبي والفكري للمثقفين والأدباء الروس عبر المراحل الزمنية المختلفة، وبدءاً من معرفة الروس للقرآن الكريم من خلال الترجمات الأوروبية بادئ الأمر، وشكل تأثر المثقفين الروس بالتراث الإسلامي الشرقي ونظرتهم الموضوعية في التعامل مع شعوب الشرق المسلم، دوراً هاماً في رؤية الإنسان الروسي للشرق الإسلامي وتعامله معه كما شكل ذلك الأسس الراسخة للتقاليد الاستعرابية الروسية، التي يعتبر الاستعراب القائم حالياً في جامعات ومعاهد روسيا امتداداً لها لاسيما أن عدداً من المفكرين والأدباء الذين تأثروا بالحضارة الإسلامية كانوا أعلاماً ورموزاً قومية بالنسبة لروسيا مثل الشاعر بوشكين والمستعرب أغناطيوس كراتشكوفسكي.



([1]) ص 38 الاستشراق ـ إدوارد سعيد.

([2]) ص 71 الاستشراق في أزمة ـ أنور عبد الملك.

([3]) ص86 مقالة مكسيم رودنون في (الاستشراق بين دعاته ومعارضيه)، هاشم صالح.

([4]) ص 88 مكسيم رودنسون.

([5]) ص 203 ـ الاستشراق بين دعاته ومعارضيه.

([6]) ص113 ـ المصدر السابق.

([7]) تاريخ الاستعراب الروسي ـ كراتشكوفسكي فرالوفا.

([8]) ص 119 سوذرون ـ صورة الإسلام في أوروبا .

([9]) ص 244 بابوات من الحي اليهودي.

([10]) ص 22 تاريخ العلاقات بين المشرق والمغرب ـ عاشور.

([11]) ص 16 الحروب الصليبية ـ أرنست باركر.

([12]) ص 126 سوذرن.

([13]) قصة الحضارة ـ ول ديورانت.

([14]) ص 177 باباوات من الحي اليهودي.

([15]) ص 150 الحروب الصليبية ـ باركر.

([16]) أوردها سوذرن ص 19.

([17]) فرالوفا.

([18])بلوندين.

([19]) بلوندين.

([20]) بتروفسكي.

([21]) بتروفسكي.

([22]) ص 37 صورة الإسلام في أوروبة وسوذرن.

([23]) بتروفسكي

([24]) بتروفسكي.

([25]) ص 196 مع المحفوظات العربية ـ كراتشكوفسكي.

([26]) فرالوفا.

([27]) تاريخ الاستعراب الروسي ـ كراتشكوفسكي ـ ترجمة فرالونا.

([28]) نفس المصدر.

([29]) تاريخ الاستعراب الروسي- ترتشكوفسكي.

([30]) ص 143 مع المخطوطات.

([31]) ص 144 نفس المصدر.

([32]) ص 147 مع المحفوظات.

([33]) ص 144 مع المخطوطات العربية.

([34]) تاريخ الاستعراب الروسي.

([35]) ص 21 مع المخطوطات العربية.

([36]) ص 144 مع المخطوطات.

([37]) ص 114 المجلد الخامس ـ مقتطفات من المؤلفات الكاملة لكراتشكوفسكي.

([38]) ص 65 تاريخ التراث العربي فؤاد سزكين.

([39]) ص162 مقتطفات من المؤلفات الكاملة- كسراتشكوفسكي.

([40]) ص 114 المجلد الخامس ـ مقتطفات من المؤلفات الكاملة لكراتشكوفسكي.

([41]) ص 114 نفس المصدر.

([42]) ص 222 مع المخطوطات.

([43]) أنطوان الصالحاني ـ أستاذ في جامعة القديس يوسف.- رزق الله حسون ـ الآنف الذكر.

([44]) ص 216 مع المخطوطات.

([45]) ص 216 مع المخطوطات.

([46]) ص 216 نفس المصدر.

([47]) ص 38 مع المخطوطات.

([48]) ص 187 مع المخطوطات.

([49]) ص 187 المصدر السابق.

([50]) مجلة الفكر العربي- بارتولد والحضارة العربية الإسلامية عدد 31.

([51]) لقاء خاليدوف.

([52]) ص 63 موسوعة المستشرقين موسكو 1977 ترجمة فرالوفا.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59