عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-01-2012, 11:54 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

القسم الأوَّل



الفصل الأول-

الأصالة والحداثة في الحرف العربي


تمهيد:حول الرابطة الفطرية بين الأصالة والحداثة:

إن الأصالة والحداثة في الحرف العربي، هما في الواقع أهم ماله من القضايا وأخطرها، إذا لم نقل وماللغة العربية والشخصية العربية أيضاً.
وهذه الأهمية والخطورة تنبعان من واقع الرابطة الفطرية بين الأصالة والحداثة بعامة جيلاً مثقفاً أصيلاً يبني على إثر جيل.
فلولا الأصالة لما كان ثمة حداثة، ولولا الحداثة لفقدت الأصالة معناها. فالأصالة بلا حداثة عُقم وجمود وموت والحداثة بلا أصالة ضياع وتفسخ وانحلال. رابطة أصيلة بين الأصالة والحداثة يمكن تلخيصها في مقولة: ((لا حداثة بلا أصالة، ولا أصالة بلا حداثة..)).
فلولا هذه الرابطة بينهما في صميم الإنسانية لما كان لها هذا القوام الثقافي المتماسك الجميل في بنيانها الجسدي والعقلي والنفسي وما إليها من مظاهر التكامل والتناسق بينهما في الشؤون الاجتماعية والثقافية والحضارية جيلاً مثقفاً متحضراً واعياً ينمو ويتفتح على هدي جيل.
وهكذا فالحداثة ليست قطعاً ظلاً للأصالة وإنما هي تجديد لها وعودة بها إلى أصول أصالتها، تحررها من الرتابة والتكرار والاجترار والعقم، ومن كدر القرائح وصدأ النفوس وشطط العقول وتبلُّد الأذهان، فتمنحها حيوية جديدة على نضارة وصفاء وازدهار.
ولكن ما هي أركان الأصالة في الحرف العربي؟
إن أصالة الحرف العربي تقوم على أربعة أركان هي:
1-البداءة:

فالحرف العربي كما جاء في ((الحرف العربي والشخصية العربية ص 45-53)) هو من إبداع الإنسان العربي وريث الشعوب العروبية التي نزحت عن الجزيرة العربية منذ الألف (9) ق.م ألف عام بعد ألف، لم يقتبسه من أحد ولم يُفرض عليه في جزيرته بفعل موجةٍ بشرية مجتاحة. فالحركة السكانية في المنطقة العربية منذ نهاية العصر الجليدي الأخير كانت تتجه من داخل الجزيرة إلى خارجها في كل الاتجاهات، وليس العكس، وفقاً لما أظهرته الآثار المكتشفة في المنطقة العربية (تاريخ العرب المطول)- ج(ص10-14) لمؤلفه فيليب حتي.
وهكذا فإن أصالة الحرف العربي تقوم على بداءته وبداءة الإنسان الذي أبدعه.
2-الفطرة:

لقد اقتبس الإنسان العربي خصائص حروفه (الهيجانية والإيمائية والإيحائية) من الطبيعة المادية والبشرية عبر المراحل الحياتية الثلاث. كما أشرنا إلى ذلك في المقدمة. ولا يزال الإنسان العربي حتى الآن يعتمد هذه الخصائص ذاتها في الكلمة العربية، وإنْ بشيء كثير من التهذيب بمعرض تعبيره عن معانيه كما أسلفنا.
وهكذا تقوم أصالة الحرف العربي أيضاً على خصائصه الفطرية.
3-التفاعل (الثقافي- الاجتماعي) بين الإنسان العربي والحرف العربي:

لما كان الإنسان العربي قد تعايش مع الحرف العربي في الجزيرة العربية طوال آلاف كثيرة من الأعوام مرحلة حياة متطورة بعد مرحلة، يبدع به كلماته ويهذِّبها، ويبتكر معانيه ويطورها تعبيراً عن أحاسيسه وحاجاته وانفعالاته ومشاعره، جيلاً مثقفاً متطوراً بعد جيل،
فقد كان لابد للحرف العربي أن يحمل من مقومات شخصية الإنسان العربي، حِسَّاً مرهفاً وشعوراً ونزعة فنية أخلاقية، على مثال ما تحمل أيُّ تحفة فنّية من شخصية مبدعها الفنان. لتتحول الحروف العربية بذلك من اهتزازات صوتية مجردة إلى نماذج إنسانية حّية متحضرة. لكل حرف وظائفه واختصاصاته وطبعه ومزاجه ومقوماته الشخصية، على مثال ما يتوزع الناس أنفسهم في أي مجتمع متحضر على شتى المهن والهوايات والاختصاصات والأمزجة وأنواع السلوك.
كما كان لابد للحرف العربي بالمقابل أن يطبع الإنسان العربي على مر العصور بطابعه الثقافيِّ الخاص: ترهيفاً لأحاسيسه الحسِّية وتأجيجاً لمشاعره الشعرية، وتهذيباً رفيعاً لذوقه الأدبيِّ، وتنمية راقية لملكاته العقلية ليتحول الإنسان العربي في صحرائه القاحلة من مجرد كائن حيِّ يُعنى بغرائزه إلى آلة ثقافية مفاتيح معانيها أصوات حروف قد تغلغلت أصداؤها في بنيته النفسية وتكوينه الذهني وخلاياه العصبية.
وهكذا قد تشابكت جذور الحرف العربي بجذور الشخصية العربية، فكان بذلك هو أعمق الجذور في شخصية الإنسان العربي وأحواها لمقوماته الثقافية والاجتماعية، بكل ما للمحتوى من معاني الشمول، وما للثقافة والحياة الاجتماعية من مظاهر التنوع.
فمازج الحرف العربي بذلك عادات الإنسان العربي وتقاليده وطراز حياته وقيمه الجمالية والأخلاقية ودينه وعقله وسحره. وكان فوق ذلك كلِّه واحداً من أرسخ أسلحته الذكورية الثقافية التي استعان بها على المرأة في نزاعه على زعامة الأسرة والمجتمع، منذ المرحلة الرعوية حتى الآن.
وهكذا فإن هذه الروابط (الثقافية- الاجتماعية) المتبادلة بين الحرف العربي والإنسان العربي على مرِّ الزمن هي أهمُّ أركان الأصالة في الحرف العربي وفي مقوِّمات (الشخصية العربية) أيضاً.
4-الجذور الفنية والأخلاقية في الحرف العربي:

آ-حول المضمون الفني في الحرف العربي:

لقد تسّرب المضمون الفني إلى الحرف العربي عفو الفطرة أولاً، ثمَّ إرادياً بفعل الإنسان العربي عبر مراحله الحياتية الثلاث.
ففي المرحلة الغابية كان الإنسان العربي (ابن الجزيرة العربية)، يعبِّر عن معانيه بالحركات الانفعالية والأصوات الهيجانية، بفطرة إنسانية مُشْربة أصلاً بنزعة فنية بدائية.
وهذه النزعة الفنية هي التي كانت تكفل التواصل بين أبناء تلك المرحلة، إذ لولاها لبقي التواصل بينهم غريزيّاً كما لدى الحيوان. فالظاهرة الفنية في الحركات الانفعالية والأصوات الهيجانية تتجلى بدلالاتها البصرية والسمعية عفو الفطرة، بعيداً عن كل رمز أو اصطلاح عقليِّ.
وفي المرحلة الزراعية كان التواصل بالحركات الإيمائية التمثيلية، يتم بتدخُّل الإرادة تحت رقابة نزعة فنية أصيلة أصبحت أنضج مما كانت عليه في المرحلة الغابية.
أما في المرحلة الرعوية فإنَّ التعبير الإرادي بالأصوات الموحية قد أخذ طابعاً فنياً خالصاً هو ألصق ما يكون بالموسيقى. فلجأ الإنسان العربي إلى تصوير الأشياء والأحداث والحالات بأصوات الحروف العربية وفقاً لمقولة ابن جني: ((سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد)). مما لا نظير له في أي لغة في العالم.
ب-حول المضمون الأخلاقي في الحرف العربي:

لو تأملنا بسمعنا ما للأحرف الغابية من الخصائص (الهيجانية- الانفعالية)، ولو أمعنا بنظرنا إلى ما في طريقة النطق بأصوات الأحرف الزراعية من الخصائص (الإيمائية- التمثيلية)، لما عثرنا فيهما على ما يشير إلى أي معنى أخلاقي، سلبياً كان أو إيجابياً. فدلالات حروف هاتين المرحلتين منحصرة في القطاع الحسِّي، ولا شيء فيهما للمشاعر الإنسانية.
ويفرض أن لهجة التواصل بين أبناء هاتين المرحلتين كانت تتضمن ما يعبِّر عن مشاعر الكُره أو الغضب أو النفور أو التحبب وما إليها مما يتماس مع بعض القيم الأخلاقية في صورها البدائية، فإن ذلك لا ينسحب قطعاً على مضمون حروفهما.
فبالرجوع إلى المصادر الجذور التي تبدأ بالأحرف الزراعية
(ذ-ث-م-ل-ف) عثرنا في المعجم الوسيط على (759) مصدراً جذرياً تبدأ بها كانت جميعاً لمعان محسوسة، باستثناء خمسة مصادر فقط لمشاعر إنسانية تتماس مع القيم الأخلاقية، بنسبة أقل من واحد في المئة.

أما في المرحلة الرعوية التي أخذ التواصل فيها يتحول عن الهيجاني والإيمائي إلى التواصل بالأصوات الإيحائية، بقيادة النزعة الفنية الموسيقية كما أسلفنا، فقد بدأ الإنسان العربي يتدرب على التحول أيضاً من النظر إلى العالم الخارجي، إلى النظر في عالمه الداخلي. فراح يستبطن صدى الأصوات في نفسه لمعرفة موحياتها الحسية، فيصوِّر بموسيقاها الأحداث والأشياء في الطبيعة بأصوات كانت تقتصر موحياتها في بدء هذه المرحلة على المحسوسات كما في أحرف (ب-ث-ق-ك-د-ز-س-ر-) التي يسهل النطق بأصواتها.
فباستعراض المصادر الجذور التي تبدأ بهذه الأحرف الثمانية في المعجم الوسيط، وقد بلغت (1891) مصدراً كانت معانيها جميعاً حِسِّية: (لمسيّة- ذوقيّة- شميّة-بصريّة- سمعيّة) باستثناء (20) مصدراً جذراً منها، كانت لمشاعر إنسانية غير محسوسة، تتماس مع القيم الأخلاقية، بما نسبتها قرابة واحد في المئة. نسبة ضئيلة لا تجرح حكمنا آنف الذكر.
وألف عام بعد ألف من مران الإنسان العربي على استبطان الأصوات في نفسه قد استكشف المزيد من مشاعره الإنسانية، فكان لابد له من التعبير عنها. ولطول ما استمر على ترويض جهاز نطقه على التلفظ بأصوات الحروف بالطريقة التي توحي بمعانيها، قد امتلك الإنسان العربي جهاز نطق مطواع في منتهى الحساسية للتعبير إيحاء بكفاءة عالية عن تلك المشاعر الإنسانية المكتشفة.
وهكذا استطاع الإنسان العربي أن يبدع عدداً من أصوات الحروف المشحونة بمختلف المشاعر الإنسانية وأن يستثمر الخصائص الصوتية الموحية في بعضها تعبيراً عن مشاعره.
فكان منها (الخاء والهاء) أوحى الحروف العربية بالمشاعر الإنسانية السلبية والمعاني الرديئة.
أما حرفا (الحاء والعين)، أعسر الحروف العربية نطقاً وآخر ما أبدع الإنسان العربي من الحروف الرعوية الأصيلة، فقد كان أوحى أصوات الحروف بالمشاعر الإنسانية الإيجابية والمعاني الجيدة.
وبالرجوع إلى المصادر الجذور التي تبدأ بهذه الحروف الأربعة في المعجم الوسيط عثرنا على (1148) مصدراً جذراً كان منها(283) مصدراً لمشاعر إنسانية وحالات نفسية وعقلية ووجدانية إيجابية وسلبية بعضها يجسد القيم الأخلاقية واللاأخلاقية. وبعضها الآخر يتماس معها. بما نسبتها قرابة
(25) في المئة. كما كان منها أيضاً (275) مصدراً جذرياً، معظمها للتشوهات والعيوب الجسدية والمعاني الرديئة، وبعضها للمعاني الجيدة، مما يتماسّ مع المشاعر الإنسانية والقيم الأخلاقية، بنسبة إجمالية تقارب (25) في المئة، بما مجموعه قرابة (50) في المئة.

وهكذا فإن المضمون الأخلاقي (الإيجابي والسلبي) قد تسرب إلى الحروف العربية من المشاعر الإنسانية بقيادة النزعة الفنية ذاتها في مرحلة مبكِّرة من مراحل الحضارة العربية تعود إلى مرحلة إبداع الإنسان العربي حرف (العين) الرعوي حوالي الألف (7-6) ق.م فهذا الحرف قد تسرب إلى مصر الفراعنة مع الموجات البشرية التي نزحت من الجزيرة العربية إلى وادي النيل قبل الألف (5) ق.م وذلك بدليل أن موحِّد مصر العليا ومصر السفلى حوالي /4500/ ق.م كان اسمه (نعرمر).
الحداثة في الحرف العربي على واقع التطبيق:

عود على بدء:

إن ما عرضناه عن مفهوم (الحداثة) يمكن تلخيصه بأنها: ((وعي متطور من نسيج الأصالة نوظِّفه فيما يلائم واقعنا ويسدُّ حاجاتِنا، تتصالح فيه متطلبات الحريّة مع شروط الالتزام، بما يحقِّق التوافق بين القيم الجمالية والقيم الإنسانية)).
أما (الحداثة) في الحرف العربي فهي: ((وعي جديد لخصائص الحروف العربية ومعانيها يصلح لتحديد المعاني التراثية الأصيلة للكلمة العربية- وأصول استعمالاتها)).
حول التعامل مع هذه الحداثة:

ولكن ما جدوى كل الجهود المضنية التي تجشمناها في الدراسات السابقة بمعرض ملاحقة الحروف العربية منذ نشأة أصولها الأولى في الجزيرة العربية مرحلة حياة بعد مرحلة، إلى نهاية مطافها في المعاجم اللغوية والمراجع الصرفية النحوية المتداولة، إذا لم نُفِدْ منها في استخراج المعاني الفطرية للكلمات التي تشارك في تراكيبها؟.
وبتعبير أدق: ما جدوى كل ذلك إذا لم نثبت أن المعاني التراثية الفطرية للكلمة العربية وأصول استعمالاتها هي محصلة الخصائص (الهيجانية والإيمائية والإيحائية) للحروف العربية التي تشارك في تراكيبها؟، وهذا المنهج هو الامتحان الحاسم لكل ما تناولته هذه الدراسة وما سبقها من الدراسات، من مقولات وافتراضات وتطورات.
فكان لابد من التطبيق على أمثلة من الكلمات. ولقد استعرضت في فصل واحد من الدراسة الأولى ((خصائص الحروف العربية ومعانيها)) معاني (56) كلمة بالرجوع إلى خصائص ومعاني الحروف التي تشارك في تراكيبها.
ولكن هذا النهج لم يكشف عن المعاني التراثية لكل كلمة منها فحسب، وإنما قد كشف أيضاً عن أسباب تنوع معانيها ومعاني مشتقاتها إلى حد التضاد أحياناً.
كما كشف هذا النهج أيضاً عن الأخطاء المعجمية في تحديد المعاني التراثية لبعض الكلمات، مما يقطع بأنه كان ثمة تصحيف سمعي عند التدوين، أو تصحيف بصِريٌّ (كتابيٌّ) قبل التنقيط، فأثبتت المعاجم في أمثال هذه الكلمات حرفاً مُصحَّفاً بدلاً من الحرف الأصيل الذي يقاربه إمَّا صوتاً أوْ رسماً.
ولكن بفرض أن تلك النماذج من الكلمات الآنفة الذكر قد توافقت معانيها وتطابقت مع خصائص- الحروف التي تشارك في تراكيبها، فما القيمة (العلمية) لذلك في دنيا الإحصاء بمعرض إثبات صحة هذا النهج على اللغة العربية وفيها عشرات الألوف من المصادر الجذور؟
لا بل قد لا نعدم أن نجد من يتهمنا بأن هذه النماذج على كثرتها قد تم اختيارها أيضاً بما يؤيد هذا النهج تأييداً مصطنعاً مشوباً بالتواطؤ.
ولو أننا ضاعفنا عدد هذه النماذج من الأمثلة مراراً أيضاً، لبقي للمحتج ذات الثغرة الإحصائية التي ينفذ منها إلى شتى التهم والافتراءات. ثغرة لا نستطيع سدها إلا أن نستخرج معاني المصادر الجذور جميعاً مما لا متسع له ولا طاقة لنا به.
لذلك رأينا أن ندعم دراساتنا جميعاً بتطبيق هذا النهج ذاته في قطاعات (صرفية-نحوية) محددة مما لا مجال معه لأي تهمة تواطؤ في الاختيار.
ولقد خصصنا القسم الثاني من هذه الدراسة لاستخراج معاني (119) مفردة من حروف المعاني والأسماء هي:
((حروف النداء والعطف والجر والجزم والنصب والمشبهة بالفعل والنفي، والتمني والعرض والتحضيض والتنديم والترجِّي والاستفهام وأسماء الكناية والضمائر والإشارة)).
ونحن إذ نلجأ إلى هذه القطاعات من حروف المعاني والأسماء الموازية لها للبرهان على صلاحية النهج الذي اتبعناه فإننا لم نختر الميدان الممهَّد الأسهل، وإنما الأشدّ وعورة ومخاطر ومزالق مما عداه من القطاعات اللغوية الأخرى، بما فيها المعجمية.
فلئن كان المصدر الجذر تقتصر معانيه الحسية الأصيلة في الغالب على واحد لا يتجاوزه إلى اثنين أو ثلاثة إلا نادراً، فإن معظم حروف المعاني له أضعاف ذلك مراراً عديدة، وقد يصل بعضها إلى (50) معنى وقسماً واستعمالاً. وما كان أعصى على الذهن ترويضاً وضبطها لاستخلاص كل هذه الأعداد من معانيها وأصول استعمالاتها، بما يتوافق مع خصائص حرف عربي واحد أو حرفين اثنين، هما قوام كثِير من حروف المعاني موضوع هذه الدراسة. فلقد كان لـ (الواو) العاطفة مثلاً (30) وجهاً وقسماً ومعنى واستعمالاً، ولـ(اللام) الجارة (40) ولكل من (لا) و (ما) (50) كما سيأتي
وهكذا إذا ما توافقت المعاني (الصرفية- النحوية) والاستعمالات التراثية لهذه القطاعات من حروف المعاني والأسماء مع الخصائص (الهيجانية والإيمائية والإيحائية) للحروف العربية التي تشارك في تراكيبها، فإنه لا يعود ثمة مجال لأي تهمة أو احتجاج أو شكّ في صحة خصائص الحروف العربية ومعانيها.
ومما يلفت الانتباه، أنَّ علماء اللغة العربية القدامى والمحدثين الذين نادوا عالياً بفطرة اللغة العربية، لم يقم أي منهم عامداً باستخلاص معاني أي من حروف المعاني بالرجوع إلى خصائص الأحرف العربية التي تشارك في تركيبه، بينما قد أقدموا على ذلك بصدد معاني كثير من الكلمات العربية، وذلك بغض النظر عن دقة وصحة ما توصلوا إليه من النتائج.
وهذا الإحجام يعود فيما نرى إلى أنهم لم يفطنوا إلى الخصائص الهيجانية والإيمائية لفئتي الأحرف التي أطلقنا عليها مصطلحي (الغابية والزراعية) التي تدخل في تراكيب معظم حروف المعاني كما سيأتي. وبحرمانهم من هذه الوسائل (المحدثة) من معاني هاتين الفئتين من الحروف العربية قد تعذَّر عليهم الاهتداء إلى أُصول معاني حروف المعاني بصورة خاصة. فكان أن اقتصرت أبحاثهم في تقصِّي معاني حروف المعاني وأصول استعمالاتها على التراث اللغوي حصراً.

حول تطبيق أصالة الحرف العربي وحداثته
على حروف المعاني:


نظراً لكثرة حروف المعاني والأسماء الموازية لها وتنوّع معانيها، وحذر الإطالة، فقد اكتفيت بدراسة أكثرها استعمالاً في اللغة العربية وأشدها تعقيداً، وأخطرها بالتالي على الفصحى العربية.
وكيما يسهل على القارئ اختيار المعنى الأصل لكل واحد من حروف المعاني والأسماء موضوع هذه الدراسة لاختيار الوجه الأصوب في استعماله، فقد اتبعت في ذلك النهج التالي:
1- أستخرج الخصائص الفطرية للأحرف العربية التي تشارك في تركيب كل واحد منها، فتكون محصلتها هي أصل معانيه الفطرية وضابط وجوه استعمالاته ولو بلغتا العشرات.
2- ثم أستعرض المعاني التراثية لهذا الحرف (المعنوي) أو الاسم واستعمالاته وفق ما جاء في المراجع اللغوية، فأوضِّح وجوه التوافق أو الخِلاف بين كل واحد من معانيه واستعمالاته وبين محصلة الخصائص الفطرية للأحرف التي تشارك في تركيبه.
وهكذا يستطيع القارئ اختيار المعنى الأصل والاستعمال الأصل لكل واحد من حروف المعاني والأسماء موضوع الدراسة، ولا يأبه لسواهما وإن كثُر ورودها في التراث. وبذلك يمكن اعتبار هذه الدراسة مرجعاً لغوياً تتوافر فيه شروط الأصالة والحداثة لكل ما تمَّت معالجته فيها من حروف المعاني والأسماء.
على أنه لا اعتراض لي على من يختار الاستعمالات التراثية التي لا تتوافق مع محصلة خصائص الحروف العربية المعنية احتراماً وإجلالاً للتراث، ولكنها تكون بذلك اصطلاحية غير أصيلة، لا يبرِّئها من هذه التهمة إلا أن يجد أحدُهم مخرجاً لها من علاقة أصليّة بينها وبين المعاني الفطرية للأحرف التي تشارك في تركيبها لم ألحظها في دراستي هذه. ((وفوق كل ذي علم عليم)).
وهكذا تتقلَّص معاني حروف المعاني وأصول استعمالاتها إلى أقصى الحدود، مما يجعل المثقَّف العربي غير المتخصِّص في مأمن من الخطأ دونما حاجة ملحَّة به إلى المزيد من التوسُّع والتقصِّي في متاهات هذا التراث اللغوي العريق. وإذا ما أراد التوسُّع فيه كانت خصائص الحروف العربية ومعانيها مصابيح تضيء له مسالكه في المسافة المعتمة بين تراثنا اللغوي وبين أصول أصالته الضاربة في أعماق التاريخ.
فلقد آن لهذا التراث اللغوي العظيم حبيس النصوص وأسير القواعد أن يتخلص من شباك سجنه وتحكُّم سُجّانه، وأنّ يتمتع بشبابه الغضِّ، عودة به إلى أحضان أصالته البكر. فيبدع العربي ما يلائم (حداثة) كل عصر لاحق من المعاني الرائدة والاستعمالات المبتكرة كما فعل في كل عصر سابق، بعيداً عن كل هجانه وتلوث وميوعة وانحلال ولكن شريطة الالتزام بخصائص الحروف العربية ومعانيها.


¡¡¡

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59