عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-12-2013, 02:52 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

4- التكلفة والقيمة الجارية في الفقه الإسلامي:

تناولت الدراسة في النقطة السابقة. مفهوم التكلفة من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي. وتبين أنها تشمل جميع بنود التكلفة اللازمة لممارسة النشاط فكيف تقاس هذه التكلفة .."

مقياس القيمة –في الفقه الإسلامي- هو النقود. وهذه النقود هي الذهب والفضة. أما النقود الوضعية، فهذه تستمد قيمتها في التعامل. وتقوم بها الأشياء. حسب قانون إصدارها في المجتمع.

يقول السرخسي: "الأموال التي لها صفة المالية. أجناس باعتبار أعيانها. جنس واحد. باعتبار صفة المالية فيها. والذهب والفضة، خلقاً جوهرين للائتمان". (50)



ويقول ابن قدامة "الائتمان في الذهب والفضة. هي قيم الأموال ورأس مال التجارات".(51)

والتكلفة باعتبارها المقابل للخدمات. التي أسهمت في ممارسة النشاط، تقوم وتقاس بالنقود. حتى يتم تجانس التعبير عنها بلغة واحدة. هي النقود، فهل تقاس الكلفة على أساس ما يدل في سبيل الحصول على الخدمة. التي أسهمت في ممارسة النشاط. أم على أساس قيمتها الجارية..؟

أساس التقويم في الفكر المحاسبي الإسلامي بصدد ميزانيات الاستغلال، لتحديد قدر الزكاة الواجبة. هو القيمة الجارية. وهذا رأي جمهور الفقهاء.

يقول ابن مهران قال: "إذا حلت عليك الزكاة، فانظر ما كان عندك من نقد أو فرض (سلعة) للبيع. فقومه قيمة النقد. وما كان من دين في ملأة (على مدين موسر) احسبه ثم أطرح منه ما كان عليك من الدين. ثم زك ما بقي". (52)



وقال أيضاً في الثمن الذي يجب التقويم به. قومه بنحو من ثمنه يوم حلت فيه الزكاة. ثم أخرج منه زكاته". (52)



ومن ثم تقاس تكلفة الخدمات الفورية بتكلفة الحصول عليها. وتقاس تكلفة الخدمات قصيرة الأجل، على أساس القيمة الجارية للمستنفد منها في ممارسة النشاط. أما تكلفة الخدمات طويلة الأجل المستنفدة في ممارسة النشاط. فتقاس بالفرق بين القيمة الجارية للأصول الثابتة في بداية الفترة وقيمتها في نهايتها.



5- تغير الأسعار وقياس التكلفة في الفقه الإسلامي:

في دراسة تغير الأسعار. من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، سنجد أنهم فرقوا بين تغير الأسعار بسبب تغير عوامل العرض والطلب. وبين تغير الأسعار الذي يؤثر على القوة الشرائية للنقود بالزيادة والنقص.

وفيما يتعلق بدراسة تغير مستوى الأسعار بسبب تغير عوامل العرض والطلب. أو النقصان بها. فإنه لا يعتبر بها". (53)



وأما ما يعتري وحدات النقود من تغير قوتها الشرائية بسبب التغير في المستوى العامل للأسعار زيادة ونقصاً. فهذا هو الذي نتناوله بالدراسة، لأنه يؤثر على تحديد المراكز المالية لتحديد قدر الزكاة الواجبة. كما يؤثر على الوفاء بقيمة المبيعات الآجلة. وقيمة القروض. وأضيف أن له أثره على القياس السليم التي تتم المقابلة بينها وبين الإيرادات بهدف تحديد الربح.



وفيما يتعلق بالوفاء بقيمة المبيعات الآجلة والقروض. إذا تغيرت الأسعار وقت الوفاء، تغيراً مؤثراً على القوة الشرائية للنقود بالزيادة والنقص فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك. حيث يرى البعض التمسك بالقيمة التاريخية (الأصلية) بغض النظر عما حدث من تغير في القوة الشرائية للنقود، بينما يرى البعض الآخر. أن الوفاء يجب أن يتم على أساس القيمة الجارية لا التاريخية.

يقول برهان الدين محمود: "وإذا غلت بأن زادت قيمتها.. أو نقصت قيمتها ورخصت، فالبيع على حاله، ويطالب بالدراهم بذلك العيار الذي كان وقت البيع".(45)



ويقول ابن عابدين في الوفاء بقيمة القرض: "يأخذ منه عدد ما أعطى لا يزيد ولا ينقص"(55)

وجاء في مجمع الأنهر: "لو غلت قيمتها أو نقصت قبل القبض، فالبيع على حاله بالإجماع.. ويطالب بنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع". (56)

ومن هذه الآراء. يتضح أن هذا البعض من الفقهاء. يرى الاعتماد على القيمة التاريخية. لقيمة المبيعات الآجلة أو القرض. حين الوفاء بهما إذا تغير الأسعار.

بينما يرى البعض الآخر. الأخذ بالقيمة الجارية عند الوفاء. قال أبو يوسف: "عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع –في عقود البيع- ويوم وقع القبض- في عقود القرض". (57)

ويقول ابن عابدين: "أن المفتى به.. وجوب قيمتها يوم القرض"(58) أي يوم الوفاء بقيمة القرض.

على أن هذا التغير في القوة الشرائية للنقود. إنما يتعلق بالنقود الوضعية (الورقية والمعدنية الآن) . وليس بالنقود الخلقية (الذهب والفضة) .

يقول ابن عابدين: "والذي فهم من كلامهم (أي الفقهاء) أن الخلاف المذكور. إنما هو في الفلوس. والدراهم الغالبة الغش".(1)



ومما سبق يرى الباحث. أن النقود الخلقية (الذهب والفضة) يجب منها. ما تم التعاقد عليه عدداً، أو مقابله من النقد الآخر حسب سعر الصرف بينهما. أما النقود الوضعية فتجب قيمتها. حيث هي التي جرى بشأنها الخلاف السابق بين الفقهاء.



وتطبيقاً لذلك في قياس التكلفة. فإن تكلفة الجهود المستنفدة في ممارسة النشاط. يجب أن تتم على أساس قيمتها الجارية وقت الاستخدام ما دامت القوة الشرائية للنقود –مقياس القيمة- ليست ثابتة. يؤيدني في ذلك ما سبقت الإشارة إليه من أن العبرة في التقويم عند إعداد المراكز المالية بهدف ربط ضريبة الزكاة. هي القيمة السوقية. وبذلك يتم التعبير عن قوائم نتائج المنشأة. والمركز المالي لها بوحدات نقد ذات قوة شرائية واحدة.

ولقد سبق القول، أن ما تجدد عن عروض القنية –الأصول الثابتة- لا يعتبر ربحاً. بل فائدة تختلف في حكمها وصفتها من ربح النشاط. رغم أن كليهما يعتبر نماء للمال، بمفهوم أن النماء. هو الزيادة.

ومن ثم فإن الفرق بين قياس تكلفة الخدمات المستنفدة من الأصول على أساس قيمتها الجارية، وقيمتها التاريخية يسمى فائدة من وجهة نظر فقهاء المذهب المالكي. وأرى أن يفرد لها حساب مستقل ضمن الاحتياطات الرأسمالية حيث أنا لا تعتبر ربحاً قابلاً للتوزيع. ولا للخضوع للضرائب.

أما ما ينتج عن قياس تكلفة الخدمات المستنفدة قصيرة الأجل في ضوء قيمتها الجارية من أرباح. فإنها مثل الأرباح العادية قابلة للتوزيع وللخضوع لضريبة الزكاة باعتبارها ضريبة المال النامي ونمائه.



قياس الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي(59)

تتناول الدراسة النقاط التالية:-

1- مفهوم الإيراد.

2-قياس الإيراد.



1-مفهوم الإيراد:

نماء الأموال في الفقه الإسلامي –عدا الذهب والفضة- يحتاج إلى ممارسة نشاط استثماري. يتحقق من ممارسته إيرادات. تحصل منها على الربح بعد استنزال التكاليف المبذولة في سبيل الحصول عليها.

والإيراد بمفهوم أنه ناتج ممارسة النشاط. يمكن أن نستنبطه من حديث الفقهاء عن كيفية حدوث الربح في فقه المعاملات.

يقول ابن رشد: "الربح ليس بمتولد عن المال بنفسه كنتاج الماشية. وإنما يحصل لصاحب المال من بائعه بمبايعته إياه. ولو شاء لم يبايعه"(60)



وجاء في حاشية قليوبي وعميرة أن "الربح يكتسب بحسن التصرف" (61)

ويقول الزيلعي: "والمضاربة دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما شرطا. فيكون الربح لرب المال بسبب ماله، لأنه نماء ملكه. وللمضارب باعتبار أنه تسبب لوجود الربح". (62)

ويقول ابن قدامة: "قولهم أن الربح تابع للمال وحده ممنوع بل هو تابع لهما (المال والعمل) . كما أنه حاصل بهما". (63)



وهكذا فإن حدوث الربح يتطلب ممارسة نشاط، وحدوث عملية تبادل، وتفاعل رأس المال والعمل. وفضلاً عن ذلك يجب توافر حسن التصرف. ومن ثم يمكن القول بأن الإيراد الذي هو المقابل في عملية المبادلة. يستلزم تفاعل رأس المال والعمل. أي أنه ناتج ممارسة النشاط التشغيلي للمنشأة.

ولقد سبق القول عند دراسة مفهوم الربح في الفكر الإسلامي (64) بأن الربح يمثل نماء الأصول المتداولة. بينما نماء الأصول الثابتة يسمى فائدة باعتبارها أموالاً مستفادة دون بذل مجهودات مقابلها وإنما حدثت نتيجة الاحتفاظ بالأصول. ومن ثم فإننا نستطيع التمييز بين إيرادات ممارسة النشاط التشغيلي. وهي التي يمكن التعرف عليها –كما يرى الفقه الإسلامي- بدراسة التغيرات في صافي الأصول المتداولة بين نقطتين من الزمن. وبين إيرادات الاقتناء، وهي التي يحصل عليها المشروع نتيجة ممارسة نشاط الاحتفاظ بالأصول.



2-قياس الإيراد:



من خلال مراحل خلق الإيراد. يمكن التعرف عليه وقياسه من خلال ثلاث نقاط. تمثل كل منها تغيراً في صور الثروة المملوكة. فالإنتاج يمثل إتمام عملية التأليف بين الخدمات والجهود بغية الوصول إلى المنتج النهائي سلعة أم خدمة. والبيع يمثل عملية تسليم السلعة أو تقديم الخدمة واستلام المقابل، نقوداً أو مكافئها. وتسلم النقود يمثل الحصول على المقابل في عملية المبادلة على وجه اليقين. وهذه النقاط. قد تحقق كلها بدون فواصل زمنية. كما في المبيعات النقدية التي تحدث بمجرد إتمام مراحل الإنتاج. كما قد تتسع الفواصل الزمنية بين تحققها.



فكيف يمكن قياس الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي؟

سنحاول التعرف على كيفية قياس الإيراد في الفقه الإسلامي بالاستنتاج من آراء الفقهاء حول النماء الخاضع لزكاة المال. ومفهوم الاستبدال الذي يحقق ربما للبائع، وتوزيع الأرباح في شركات المضاربة الشرعية.

وفيما يتعلق بالنماء (64) الخاضع لزكاة المال. فلا يشترط تحقق هذا النماء في صورة نقدية. بل يكفي أن يكون قابلاً لتحقيق في صورة نقدية حتى يخضع لزكاة المال. رغم أنه ما زال في صورة سلع لم يتم بيعها بعد.

يقول ابن قدامة: "ولم تعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه. وعدم ضبطه. ولأن ما اعتبرت مظنته قيمته التقديرية) لم يلتفت إلى حقيقته"(65)

ويقول ابن حجر: "ويضم الربح الحاصل أثناء الحصول أو مع آخره.. إلى الأصل في الحول .. لأن الربح كامن غير متميز"(66) .

وهكذا يتضح أن النماء الخاضع لزكاة المال لا يشترط أن يكون محققا في صورة نقدية، بل يكفي أن يكون قابلاً للتحقيق، حتى يخضع لزكاة المال وبناء على ذلك يمكن القول، أن العبرة في التعرف على الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، هو وقوع الحدث المادي الذي يؤدي إلى إمكانية الحصول على الإيراد. أي إتمام الإنتاج في المنشآت الصناعية أو حدوث التقديم الفوري للخدمة في المنشآت التي تقوم بتقديم الخدمات إلى الأفراد.



لكن تحقق الإيراد في صورة نقود أو مكافئها، يعتبر ضرورة لتوزيع الأرباح من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي. حيث لا يجوز توزيع أية أرباح إلا ما تحقق منها في صورة نقدية.

يقول الزيلعي: "وإذا علم المضارب بالعزل، ومال المضاربة عروض (سلع) باع العروض. ولا ينعزل من ذلك لأن له حقاً في الربح، ولا يظهر إلا بالنض (التحول إلى نقود) فثبت له حق البيع ليظهر ذلك".(67)

كما أن أقسام الربح رهن بإرادة الشريكين، فلا يجوز لأحدهما الانفراد وأخذ جزء من الربح دون علم الآخر، كما لا يصح اقتسامه بمجرد ظهوره، وإنما لا بد من الانتظار حتى انتهاء نشاط الفترة المحاسبية حيث قد تحدث خسائر تمتص ما ظهر من أرباح.



يقول ابن قدامه: "وإذا ظهر في المضاربة ربح لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير إذن رب المال، لا نعلم في هذا خلافاً، وإنما لم يملك، لأن الربح وقاية لرأس المال، فلا يأمن الخسران، الذي يكون الربح له جابراً، فيخرج بذلك عن أن يكون ربحاً".(68)

وهكذا يتضح أن الأرباح القابلة للتوزيع من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، هي التي تتحقق في صورة نقدية نتيجة حدوث المبادلة وإتمام بيع السلع أو تقديم الخدمات.

وبناء على ذلك يمكن القول أن تحقق الإيراد نتيجة حدوث المبادلة وإتمام عملية البيع، ضرورة لتحديد الأرباح القابلة للتوزيع من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي.

وإذا كان الإيراد يتحقق نتيجة القيام بعملية مبادلة. فإن عملية المبادلة تتضمن استبدال شيء بشيء. أي تسلم المقابل للسلعة المباعة أو الخدمة المقدمة.

والاستبدال من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي. يتضمن معاوضة يقصد من ورائها الحصول على الربح.

جاء في تفسير المنار: "أن الاستبدال لا يكون شراء، إلا إذا كان فيه فائدة يقصدها المستبدل منه.. (فهو) معاوضة بين طرفين يقصد بها الربح".(69)

ويقول الطبري في تفسيره قول الله تبارك وتعالى "فما ربحت تجارتهم".(70)

"الرابح من التجارة: المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلاً هو أنفس منها أو من ثمنها الذي يبتاعها به، فهو الخاسر في تجارته"(71)

وبذا يتضح أن مفهوم الاستبدال من وجهة نظر الفقه الإسلامي يتضمن معاوضة يقصد من ورائها الحصول على الربح. ويتم باستلام المقابل للمنتجات المباعة ويجب أن يكون المقابل الذي يتم الحصول عليه أكثر من التكاليف التي بذلت في سبيله.

ومن كل ما تقدم فإن الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، يمكن التعرف عليه وقياسه عند نقطة الإنتاج بالقيمة التبادلية للمنتجات، وهو بهذا المفهوم يخضع لزكاة المال. أما تحقق الإيراد بالبيع فهذا –من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي- ضرورة لإمكانية توزيع الأرباح بين الشركاء.

ولقد سبق القول أثناء تناول مفهوم الربح في فقه الزكاة. أن نماء المال المقيس على أساس النماء التقديري أو التحقيقي ينقسم كما يرى فقهاء المذهب المالكي إلى ربح وغلة وفائدة.

أما الربح فهو زيادة المبيع على ثمنه الأول ذهباً أو فضةً، أو المتحقق نتيجة إعادة تأجير مكترى للتجارة لشبهه بما يسمى في الفكر المعاصر بتقديم وبيع الخدمات.

والغلة هي ما تجددت عن عروض التجارة بلا بيع لرقابها مثل ثمر شجر وإيجار عقارات مشتراة للتجارة.



أما الفائدة فهي نماء عروض القنية –الأصول الثابتة في المنشآت، والعروض المقتناة للاستعمال بالنسبة للأفراد- التي تنتج من ارتفاع قيمة هذه العروض أو جني الثمار التي تنتج من بعضها.

ولقد أوضحت آنذاك أن فقهاء المذهب المالكي رتبوا على ذلك اختلاف حكم كل نوع من الأنواع الثلاثة للنماء من حيث الخضوع لزكاة المال فالربح يخضع لزكاة المال تبعاً لحول أصله. أما الفائدة والغلة فيستقبل بقيمتها حول من يوم استفادتها إذا بلغت نصاب الزكاة. بينما ذهب فقهاء المذاهب الأخرى إلى اعتبار كل نماء في عروض التجارة ربحاً خاضعاً لزكاة المال بمجرد تولده بينما اعتبروا نماء عروض التجارة ربحاً خاضعاً لزكاة المال الخاصة وحكمه المختلف عن ربح عروض التجارة في الخضوع لزكاة المال. حيث إذا بلغ نصاب الزكاة يستأنف به حول من يوم استفادته، وبهذا يتفقون مع فقهاء المذهب المالكي في مفهوم وحكم نماء عروض القنية وان اختلفوا في تسميته حيث وصفه الإمام الشافعي بالغلة(72) . واعتبره البعض الآخر أموالاً مستفادة(73) أو فائدة(74) .



وإذا كان الفكر المحاسبي الحديث يحاول التمييز بين الربح الناتج من ممارسة النشاط التشغيلي للمنشأة. والربح الناتج عن اقتناء الأصول فإن الربح الناتج عن ممارسة النشاط التشغيلي يشمل ما ذهب فقهاء المالكية إلى تسميته بالربح والغلة معاً. أما أرباح حيازة الأصول فهذه تشبه نماء عروض القنية في الفكر الإسلامي. على أن التطبيق الضريبي المصري وفقاً للتشريع الضريبي يذهب إلى إخضاع الأرباح المحققة بالفعل في صورة نقود أو مكافئها للضريبة، سواء أكانت أرباحاً ناتجة عن ممارسة النشاط التشغيلي أو الاقتنائي للمنشأة. بينما يرى رجال الفقه الإسلامي أن أرباح العمليات (ربح عروض التجارة) تخضع لزكاة المال باعتبارها ضريبة على رأس المال المتداول والربح وتستقطع من الدخل. عدا المالكية الذين يرون أن الغلة –وهي المال ما تشبه الأرباح العرضية- يستقبل بها حول جديد إذا بلغت نصاب زكاة يوم استفادتها هذا بغض النظر عما إذا كانت هذه الأرباح محققة أو غير محققة لأن العبرة في الفقه الإسلامي، كما سبق، بالنماء التقديري.



أما نماء عروض القنية (أرباح حيازة الأصول) فلا تخضع لزكاة المال بمجرد تحققها كما يرى الفكر الضريبي المعاصر الذي يخضعها لضريبة الدخل بمجرد تحققها. وإنما يستأنف بها حول جديد –تخضع للزكاة في نهايته- من يوم استفادتها إذا بلغت نصاب الزكاة بغض النظر عما إذا كانت محققة أو غير محققة.

وإذا كان تحقق الأرباح في صورة نقود أو مكافئها ضرورة لكي يمكن توزيع الأرباح، فإن الفكر الإسلامي المحاسبي يرى في هذا الصدد بالإضافة إلى تحقق الأرباح، أن يكون التوزيع باتفاق إرادة الشركاء، وأن يكون الربح المحدد الذي تجري منه التوزيعات قد تم قياسه عن طريق مقابلة الإيرادات بتكاليف الخدمات المستنفدة في ممارسة النشاط المقيسة قيمتها في ضوء القيم السوقية لهذه الخدمات، حتى لا يتضخم الربح المحدد نتيجة زيادة الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يستبعد من الأرباح مقابل الخسائر التي قد تحدث. لأن الربح وقاية لرأس المال. ومن ثم يجب استبعاد أية خسائر قبل القول بوجود الأرباح.

يقول ابن قدامة: "وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة، أو الخسران في صفقة والربح في أخرى، أو إحداهما في سفرة والآخر في أخرى. لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال. وما لم يفضل فليس بربح.



وإذا ظهر في المضاربة ربح، لم يجز للمضارب، أخذ شيء منه بغير إذن رب المال، لا نعلم في هذا خلافاً وإنما يملك لأن الربح وقاية لرأس المال، فلا يأمن الخسران الذي يكون الربح جابراً له".(75)

ويقول الزيلعي: "والربح تابع ورأس المال أصل فلا يسلم الربح بدون سلامة الأصل، .. فإذا هلك ما في يده تبين أنه ليس برأس المال وان ما اقتساماه ليس بربح، إذ لا يتصور بقاء التبع بدون الأصل".(76)

وفي الفكر المحاسبي المعاصر، يقتضي القول بوحدة الأرباح خلال حياة المشروع، امتصاص خسارة إحدى السنوات من أرباح سنوات سابقة أو لاحقة والمشرع الضريبي المصري حينما نص على امتصاص خسارة إحدى السنوات من أرباح السنوات السابقة أو اللاحقة لسنة تحقق الخسارة. فإن هذا كان توفيقاً منه بين استغلال السنوات الضريبية، ومبدأ وحدة الأرباح السابق، وطبيعي أن الأساس الذي يقوم عليه جبر الخسران من الربح في الفكر الإسلامي وهو المحافظة على سلامة رأس المال أقوى وأوضح من الأساس المحاسبي أو الضريبي السابقين.



وتبقى نقطة أخيرة تتعلق بالوفاء بقيمة المبيعات الآجلة في ظل تغيرات الأسعار وهل يتم الوفاء بقيمتها في تاريخ البيع أو في تاريخ الوفاء (السداد) .

اختلف رجال الفقه الإسلامي في ذلك، حيث يرى البعض الوفاء بقيمتها في تاريخ البيع؛ أي قيمتها التاريخية. بينما يرى البعض الآخر الوفاء بقيمتها في تاريخ السداد. ونؤيد رأي القائلين بالوفاء بقيمة النقود في تاريخ السداد. وليس عددها في تاريخ التعاقد حيث أوضح آنذاك من الدراسة أن هذا الرأي هو المفتى به وهو رأي الجمهور.



ويترتب على الأخذ بهذا القول في ظل ارتفاع أو انخفاض الأسعار حدوث فروق بالزيادة والنقص بين قيمة المبيعات المحصلة وقيمتها المسجلة في الدفاتر وتعالج هذه الفروق في مخصص يكون ليعالج فيه أثر تغيرات الأسعار بالزيادة أو النقص يسمى مخصص تسوية التغيرات في قيمة العملة.

على أن الاعتماد على القيم السوقية في قياس الإيرادات والتكاليف من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي ليس مرده مراعاة أثر تغير الأسعار فقط، وإنما حتى في ظل افتراض ثبات قيمة النقود، فإن استخدام القيم السوقية في قياس الإيرادات والتكاليف من وجهة نظرهم ضرورة للمحافظة على الطاقة الإنتاجية للمشروع وعلى مقدرته الكسبية.

والربح المقيس على هذا الأساس يخضع لزكاة المال، لأن العبرة في الخضوع لزكاة المال بالنماء التقديري. أما قابلية الربح للتوزيع، فإن رجال الفقه الإسلامي اشترطوا ضرورة تحققه في صورة نقدية حتى يمكن القيام بتوزيعه.



========================================



(1) روح المعاني للآلوسي-الجزء الأول، سورة البقرة ص 136.

(2) مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي، الجزء الأول، البقرة ص 18.

(3) الكشاف للزمخشري، الجزء الأول، البقرة ص 146.

(4) مقدمة ابن خلدون، الفصل التاسع، في معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها، ص 331 طبعة 1930.

(5) رسالتنا للماجستير"نظام المحاسبة لضريبة الزكاة"، جامعة القاهرة، كلية التجارة، 1951.

(6) المقدمات لابن رشد، ص 206.

(7) شرح منهاج الطالبين لجلال الدين المحلى وحاشيتان للقليوبي وعميرة، الجزء الثاني، زكاة التجارة ص 29.

(8) المغنى لابن قدامة، الجزء الثاني ص 29.

(9) المبسوط للسرخسي، الجزء الثالث، ص 20.

(10) قاموس المصطلحات الضريبية والمالية، ملحق العدد الممتاز من مجلة رابطة، مأمورى الضرائب ص40.

(11) الجامع لاحكام القرآن للقرطبى، الجزء الخامس، سورة النساء ص 149.

(12) الامام الطبرى، جامع البيان في تفسير القرآن، الجزء الأول، سورة البقرة، ص 106.

(13) رسالتنا للماجستير في "نظام المحاسبة الضريبية للزكاة.

(14) الشيخ الصغير للدردير، باب زكاة العروض، ص 399.

(15) الشرح الكبير وحاشيته للدسوقي، الجزء الأول، نماء العين، ص 373.

(16) الاموال لابن سلام،ص 414-415.

(17) الحد الادنى لوعاء ضريبة الزكاة من الدنانير عشرون دينارا ومن الدراهم مائتا درهم ومن الابل خمس منها.

(18) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي، الجزء الأول، باب الزكاة.

(19) الاقتناع للخطيب الشربيني، فصل زكاة العروض، ص 208.

(20) شرح منهاج الطالبين لجلال الدين المحلى وحاشيته، الجزء الأول، زكاة التجارة، ص 29.

(21) الام للشافعي رواية الربيع ابن سليمان(الجزء الثاني) ، باب زكاة التجارة، ص 38.

(22) المغني لابن قدامة، الجزء الثاني، باب زكاة التجارة،ص 623.

(23) المرجع السابق ص 628.

(24) المرجع السابق ص 632.

(25) المرجع رقم (5) .

(26) دراسة مقارنة لمفهوم الربح في الإسلام، رسالة ماجستير في المحاسبة، محمود الفقي، كلية التجارة جامعة الازهر 1395 هـ -1975 م.

(27) رد المحتار لابن عابدين، الجزء الرابع، ص 71، 209.

(28) محمد علي ابن علي التهانوي، ص 178.

(29) ابن رشد، المقدمات الممهدات، ح 2، القاهرة، مطبعة السعادة، دون تاريخ ص 265.

(30) المرجع السابق، ص 265.

(31) المرجع السابق، ص 265.

(32) محمد ابن عرفة الدسوقي، ج 3، ص 103.

(33) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج 2 ص 334، القاهرة، مكتبة الكليات الازهرية، 1966.

(34) ابن نجيم، ج 2، ص 280.

وراجع: ابن قدامة، ج 5، ص 263.

الزيلعي، ج 5، ص 71.

(35) ابن عابدين، ج 4، ص 214.

(36) الإمام أحمد الشلبي على شرح كنز الدقائق، ط 1، ج 5، ص 57، القاهرة، المطبعة الاميرية،1315 هـ.

(37) ابن قدامة، ج 4.

(38) ابن قدامة، ج 5، ص 37،35.

(39) أبو جعفر الدمشقي، الاشارة إلى محاسن التجارة، ص 51، القاهرة، مطبعة المؤيد، 1318 هـ.

(40) راجع في ذلك:

د. شوقي شحاته،محاسبة زكاة المال علما وعملا، ج 1، ص 128، مكتبة الانجلو، 1970.

د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ج1، ط1، ص 314. دار الارشاد، بيروت، 1969.

(41) ابن حجر، ج 3، ص98، 99.

(42) الامام الشافعي، الام، ج 1، ص 244، 245 –دار الشعب، 1968، القاهرة.

(43) محمدى ابن عرفة الدسوقي، ج 1، ص 477، 479.

(44) ابن قدامة، ج 3، ص 36،37.

(45) المرجع السابق، ص 36.

(46) المرجع السابق، ج 3، ص 37.

(47) المرجع السابق،ج 5، ص 18.

(48) ابن رشد، ج 2، ص 193.

(49) الامام الشافعي،الام، ج 3،ص 383.

(50) السرخسي،ج 2، ص 193.

(51) ابن قدامة، ج 2، ص 625.

(52) أبو عبيد ابن سلام، ص 582.

(53) ابن رشد، ج 1، ص 246، 247.

(54) برهان الدين محمود، فتاوى الذخيرة البرهانية، محفوظ، ص 54.

(55) ابن عابدين، ج 1، ص234.

(56) عبد الرحمن محمود زاد، مجمع الانهر، شرح ملتقى الابحر، ج 2،ص 114.

(57) مرجع رقم(54) ، ص 54.

(58) ابن عابدين، تنبيه الرقود على مسائل النقود، الرسالة الثامنة، مجموعة رسائل ابن عابدين، سوريا، مطبعة مجلس المعارف، 1301 هـ.

(59) مرجع رقم(26) .

(60) ابن رشد، ج 1، ص 206.

(61) قليوبي وعميرة، مرجع سابق، ج 2، ص 29.

(62) الزيلعي، مرجع سابق،ج 5، ص 53.

(63) ابن قدامة، ج 5، ص 23، 24.

(64) راجع:

د.شوقي اسماعيل شحاته، محاسبة زكاة المال علما وعملا. ط 1، ص 98 وما بعدها

(65) ابن قدامة، ج 5،ص 522.

(66) ابن حجر، ج 3، ص 98، 99.

(67) الزيلعي، ج 5ص 67.

(68) ابن قدامة، ج 5ص 47، 38.

(69) محمد رشيد رضا-تفسير المنار، ط 2،ج 1 ص 165 القاهرة، دار المنار 1973.

(70) القرآن الكريم-سورة البقرة، الآية رقم 16.

(71) ابن جرير الطبرى، تفسير الطبرى، ج 1، ص 139.

القاهرة، مصطفى الحلبى وأولاده، 1373 هـ.

(72) الامام الشافعى، الام، ج 2، ص39.

(73) ابن قدامة، ج 2، ص 522.

(74) محمد ابن عرفة الدسوقي، ج 1، ص 465.

(75) ابن قدامة، ج 5، ص 47، 48.

(76) الزيلعي، ج 5،ص 68.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59