الموضوع: نبـي الـرحمة
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 01-30-2012, 12:46 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

سادسًا : التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية :
فالأحكام الشرعية في الإسلام دائما تأخذ في الاعتبار مبدأ التخفيف عن صاحب الحرج، كالمسن .. نرى ذلك بوضوح في جل التشريعات الإسلامية .. فقد خفف الشرع عن المسن في الكفارات والفرائض والواجبات..
أما التخفيف عن المسن في الكفارات، فقصة المجادلة(خولة بنت ثعلبة) في القرآن خير دليل، عندما وقع زوجها (أوس بن الصامت) – وهو الشيخ المسن – في جريمة الظهار، ونزل الحكم الشرعي العام : " وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)" [ المجادلة ]..
وقال رسول الله r لخولة المجادلة: "مُريه فليعتق رقبة"، فسألت التخفيف عن زوجها .فقال: "فليصم شهرين متتابعين". فقالت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تَمر". فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده ! فقال نبي الرحمة : "فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر" ! ولم ينس الرسول الجليل والأب الرحيم أن يوصي المرأة الشابة بزوجها الشيخ فقال:"استوصي بابن عمك خيرًا".[1]
وفي الفرائض : أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان - ويطعم - إذا شق عليه الصيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه الجلوس .. وهكذا..
ولقد عنّف الرسول r معاذ بن جبل، ذات يوم، لما صلى إمامًا فأطال فشق على المأموم، قائلا :
"يَا مُعَاذُ ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ ! [ ثَلَاثَ مِرَارٍ] ! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ !"[2]
ورخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطى وسيلة النقل . فعَنْ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ لها النَّبِيُّ r :" فَحُجِّي عَنْهُ". [3].
المطلب الثاني : نماذج رحمته r للمسنين :
أولاً: إنصاته لعتبة وتلطفه معه :
جاء عتبة بن ربيعة - أحد شيوخ المشركين في مكة- يتحدث إلى النبي r، بحديث طويل يريد أن يثنيه عن دعوته، وكان من بين ما قال:
أنت خير أم عبد الله؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت النبي، تأدبًا وإعراضًا عن الجاهلين !
فواصل عتبة قائلاً : إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فقل يسمع لقولك، لقد أفضحتنا في العرب حتى طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، ما تريد إلا أن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى[4] .. فلما عاين عتبةُ هذا الأدب الجم من رسول الله، خفف من حدة الحديث، وقال : يا بن أخى، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيًا [ يعني جنون أو مس ] تراه لا تستطيع رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه.
و لا زال عتبة يتحدث إلى النبيr، بهذا الحديث الذي لا يخلوا من التعريض أو من التجريح، ورسول الله r في أنصات واستماع بكل احترام للشيخ ..
حتى إذا فرغ عتبة، قال له النبي r- في أدب ورفق -: " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال: نعم.
قال: "اسمع منى".
قال: أفعل.
فقرأ عليه النبي أول سورة فصلت[5].
ثانيًا: سعيه لفك أسر شيخ كبير:
فلما أُسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب، في معركة بدر، ووقع أسيرا في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقيل لأبي سفيان: افد عمرًا ابنك ! قال: أيجمع علي دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرًا، دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم.
فبينًا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله r إذ خرج شيخ كبير مسلم إلى مكة لأداء العمرة، وكان اسمه سعد بن النعمان بن أكال - أخو بني عمرو بن عوف- فخرج معتمرًا، رغم أن الظروف السياسية عصيبة لاسيما بعد بدر .. ولم يظن أنه يحبس بمكة، وقد كان عهد أن قريشًا لا يعرضون لأحد جاء حاجًا أو معتمرًا إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة، فحبسه بابنه عمرو ..
ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله r فأخبروا خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان، فيفكوا به الشيخ، ففعل رسول الله r ، وأفرج عن ابن أبي سفيان على الفور، دون فداء، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ[6].
ثالثًا:رفقه بأبي قحافة وتوقيره له :
لما دخل رسول الله r مكة فاتحًا (في رمضان 8هـ/ يناير 630 م)، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة النبي r، ليتعرف عليه، لعله أن يسلم . فلما رآه رسول الله r قال:
" هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ ! " .
قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه! !
فأجلسه النبيr بين يديه، وأكرمه، ثم مسح على صدره، ثم قال:" أسلم"
فأسلم.
ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة[7] بياضًا من شدة الشيب.
فقال رسول الله r- في تلطف جم وذوق رفيع -: " غيروا هذا من شعره ! "[8].
وأخيرًا، يمكن أن نلخص الهدي النبوي في التعامل مع المسنين في عدة نقاط هي :
1-مسؤولية المجتمع بكامله – خاصة الشباب - عن شويخه ومسنيه، علمًا بأن رعاية المسنين واجب عيني على الأنظمة والحكومات والشعوب . ويمتد الواجب إلى حشد الجهود الفردية والجماعية والرسمية وغير الرسمية لرعاية المسنين .
2- الرعاية الكاملة والشاملة للمسن، صحيًا نفسيًا وعقليًا واجتماعيًا، وغيرها من صور العناية وقد جمعها اللفظ النبوي في جملة " إكرام ذي الشيبة " ..
3-توقير المسنين في المعاملات الاجتماعية اليومية المختلفة .
4-تقديم المسنين في وجوه الإكرام عامة، كالإمامة والطعام والشراب .
5-التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية، ومراعاة الفتوى الشرعية لهم .

المبحث الخامس
رحمته للأموات

المطلب الأول : زيارته rلقبور الأموات :
وتمتد رحمته – صلوات ربي وسلامه عليه – إلى الأموات، باعتبار أنهم إخواننا في الإنسانية سبقونا إلى الدار الأخرة .. ولما كان الأموات إخواننا قد سبقونا إلى القبور، فحقاً لهم أن نبرهم ونرحمهم ونصلهم .. فسن النبيr سنة زيارة المقابر وإلقاء السلام على أهل القبور .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ :
" السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ.. وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا " .. قال أصحابه : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ! قَالَ : " أَنْتُمْ أَصْحَابِي. وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.."[9].
هذا وقد كان يزور سيدنا محمد r مقبرة البقيع من حين إلى آخر ..
وكانr يزور شهداء معركة أحد كل أسبوع[10] .
بهذه الأحاسيس المرهفة، يزور النبيr قبور إخوانه، حيث يدعو لهم، ويتذكر أيامهم، ويسترجع ذكرياته معهم، ويأمل أن يلقاهم في دار الخلد في ظلال الله .. عند الحوض الشريف يوم القيامة ..
ومن هنا احترم الإسلام شعيرة زيارة القبور حتى ولو كانت من غير مسلم، فالفتح الإسلامي – مثلاً – كما يقولكرامرز[11] " لم يمنع من زيارة القبر المقدس[12] أو يحول بين الأوربيين المسيحيين وبين إنجاز هذه الفريضة الدينية"[13] .
المطلب الثاني : مشاركته في دفن الأموات بنفسه r:
أولاً : جنازة عدو من أعدائه :
وتراه في ذوق رفيع وسمو، ورحمة، يشارك الناس في دفن الميت بنفسه، ويدخل في الحفرة فيستلم الميت على ركبته، ويهدي قميصه إلى الميت ليكفّن فيه، رحمة منه، وموساة لأهله، وإن كان الميت من ألد أعدائه ..
انظر كيف كانت أخلاقه مع عدو الدعوة الإسلامية في المدينة عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ، لما مات، وأرادوا دفنه:
قال جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ t:
"أَتَى رَسُولُ اللَّهِ r عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ..!"[14] .
ثانيًا: جنازة حبيب من أحبابه r:
قال عبدالله بن مسعود :
قُمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله r في غزوة تبوك(في رجب 9 هـ/ أكتوبر630) ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله r وأبو بكر وعمر، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله r في حفرته، وأبو بكر وعمر، يدليانه إليه وهو يقول :"أدنيا إلى أخاكما " فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه، قال اللهم : "إنى قد أمسيت راضياً عنه؛ فارض عنه" .قال عبدالله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة[15]. فقال أبو بكر : والله لوددت أني صاحب الحفرة[16]..
المطلب الثالث : حزنه r إذا فاتته جنازة وصلاته عليها :
فذات يوم مر سيدنا محمد r بالمقابر فوجد قبراً جديداً ومعه أبو بكر . فقال النبي : " قبر من هذا ؟ "[17] فقال أبو بكر: يا رسول الله هذه أم محجن، كانت مولعة بلقط القذي من المسجد. فقال : " أفلا آذنتموني !!" فقالوا :كنتَ نائمًا، فكرهنا أن نهيجك .
قال : "فلا تفعلوا ، فإن صلاتي على موتاكم نور لهم في قبورهم"[18] .
فصف أصحابه فصلى عليها ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنَّ أَسْوَدَ - رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً - كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (وكَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ) فَمَاتَ – أو ماتت - وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ r بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ :مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ ؟ قَالُوا : مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " أَفَلَا آذَنْتُمُونِي ؟ ! "فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ، قَالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ. قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ[19].
يقول : " أَفَلَا آذَنْتُمُونِي ": أَفَلَا أَعْلَمْتُمُونِي ؟ ! يلوم أصحابه أن فوته عليه هذا العمل الإنساني، وهو تشييع جنازة مسلم، ولو كان حقيراً في نظر الناس ..

المطلب الرابع :توقيرهr للجنائز والقبور ولو كانت لغير المسلمين :
أولاً : قيامه r إذا مرت الجنازة :
بينما الرسول r في مجلس علم مع أصحابه، إذ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ على الفور!
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ .فَقَالَ – في سماحة - : "أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟ ! "[20]
وقد كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، يقومون للجنازة.
وقال جابر بن عبد الله :
قَامَ النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ حَتَّى تَوَارَتْ[21]
وعن أبي أسَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ "[22]..
ثانيًا: وضعه r الجريد الأخضر على القبر :
فقد مَرَّ النَّبِيُّ r بمزرعة من مزارع الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ r : " يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ " ثُمَّ قَالَ : " بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه،ِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ (خَضْرَاء ) فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ..
فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟
قَالَ : " لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا - أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا"[23] .
وقَدْ رَوَى اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّهُ r مَرَّ بِقَبْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : اِئْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ ، فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْد رَأْسه وَالْأُخْرَى عِنْد رِجْلَيْهِ "[24]
وَقَدْ تَأَسَّى الصَّحَابِيّ الجليل بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب بِذَلِكَ، وتأثر بهذه المواقف من رسول الله، فَأَوْصَى أَنْ يُوضَع عَلَى قَبْره جَرِيدَتَانِ[25]، تبركًا بفعلهr ، ورجاء أن يخفف عنه[26].
ثالثًا : أمرهr بعدم إيذاء الميت:
فنهى عن التمثيل بالمقتول في الحرب، فقال : "وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا"[27]
ونهى عن المساس بعظام الموتى، فعَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"[28].
ونهى عن إيذاء الأموات بأي شكل من الأشكال، فعن ابن مسعود: قال: "أذى المؤمن في موته، كأذاه في حياته"[29] ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ"[30].
وعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ:" لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا"[31]
وعن عمارة بن حزم t قال رآني رسول الله r جالسًا على قبر، فقال:" يا صاحب القبر ! أنزل من على القبر، لا تؤذي صاحب القبر، ولا يؤذيك ! "[32]
المطلب الخامس: دعاؤه r للأموات :
يقول عَوْف بْنَ مَالِكٍ :
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ :" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَه،ُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَد،ِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ _ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ -" قَالَ : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ[33]
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا، وَمَاتَ الْآخَرُ بَعْدَهُ، فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ r : "مَا قُلْتُمْ ؟ " قَالُوا : دَعَوْنَا لَهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ r: فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَأَيْنَ عَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَلَمَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ[34].
وكان يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ – أيضًا -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا"[35] .
وكان يأمر أصحابه بالدعاء للميت فيقول : " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"[36].
المطلب السادس : بكاؤه r على الأموات وعند القبور:
أولاً : في وفاة عثمان بن مظعون :
فعندما أُخبر رسول الله r بوفاة عثمان بن مظعون t أسرع إلى بيته، فقد كان عثمان t من الصحابة القريبين إلى قلبه. فبكى النبي r عليه بكاء كثيراً[37].
ثانيًا: في وفاة سعد بن عبادة :
عن ابن عمر t قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي r يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا-، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: "قد قضى؟". قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي r ، فلما رأى القوم بكاء النبي r بكوا. فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذِّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا"، وأشار إلى لسانه[38].
ثالثًا : في وفاة طفله إبراهيم :
لما رُزق رَسُولُ اللَّهِ r بطفل من زوجته السيدة مارية المصرية، قال لأصحابه - في ابتهاج وسرور - : "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ" . قال أنس : ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدْ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ rَقُلْتُ يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ [ أي توقف]! جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَمْسَكَ!
فَدَعَا النَّبِيُّ r بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ..
فَقَالَ أَنَسٌ : لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ[أي يحتضر] بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ r، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ :
"تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ"[39].

رابعًا: بكاءه عند قبر أمه:
ومن المواقف المؤثرة الصعبة على نفوس الصحابة، موقفهم عندما شاهدوا قائدهم في عام الحديبية ( 6هـ) يبكي بحرقة عند قبر أمه آمنة بنت وهب.
فعن سفيان الثوري أن نبي الله r انتهى يوماً من عام الحديبية إلى رسم قبر فجلس، وتفجر ينبوع الرحمة في قلبه فبكى وقال – بعينين دامعتين -: "هذا قبر آمنة بنت وهب" وكان عمره إذ ذاك نحو السّتين[40].
وعن عبد الله بن مسعود :
أن النبي r خرج يومًا وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر ، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ، فجلس إليه فناجاه[41] طويلاً ، ثم ارتفع صوته ينتحب باكيًا ، فبكينا لبكاء رسول الله r ، ثم إن رسول الله r أقبل إلينا ، فتلقاه عمر بن الخطاب t ، فقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فقد أبكانا وأفزعنا ، فأخذ بيد عمر ، ثم أومأ[42] إلينا فأتيناه، فقال – في شفقة -: " أفزعكم بكائي ؟ " فقلنا : نعم، يا رسول الله فقال ذلك مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : " إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ، ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي .. فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة ، فذلك الذي أبكاني.."[43] .
قال أحد الصحابة : فما رأيت ساعة أكثر باكيًا من تلك الساعة[44] .
لقد تذكر r بهذه الزيارة لقبر أمه الذكريات ..
فراح يستعيد جروح الماضي في وجدانه ..
فخيم عليه شعور اليتم الرهيب !
فتأوه القلب الصديع !





الخــــــاتــمة

أولاً : ملخص البحث:
تناولت هذه الدراسة موضوع رحمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - للعالمين في مقدمة وسبعة فصول، وخاتمة، فكان ملخص البحث على النحو التالي :
الفصل الأول : من هو نبي الرحمة ؟
قام الباحث بعمل تعريف موجز بنبي الرحمة rيشتمل على مختصر لأهم الأحداث في حياة الرسول r ، وشهادات الأدبيات الغربية بصدق نبوتهr، وبحقيقة رحمته للعالمين. وبين الباحث في نهاية الفصل خصائص هذه الرحمة المتجسدة في شخص محمدr ، وذلك من حيث كونها رحمة ربانية وعالمية وعملية ومتزنة.
الفصل الثاني : رحمته للعالمين مجال التنوير والحضارة:
تناول الباحث في الفصل الثاني أهم مظاهر رحمته r للعالم في مجال التنوير والحضارة، ورحمته للبشر في ذلك كونه أخرجهم من الظلمات إلى النور، فحول العرب من قبائل عصبية متناحرة إلى أمة متماسكة متحضرة، ولا يخفى فضله r على الحضارة الأوربية أيضًا بشهادة علماء الغرب أنفسهم.
وفي هذا الفصل تناول الباحث رحمته للبشرية بتدعيمه لقيم العلم والمعرفة، والتحضر والتربية والتسامح الديني ، وخدمة الإنسانية ورعاية حقوق الإنسان فكلها قيم حضارية تمثل جانبًا عظيمًا من جوانب الرحمة قي شخصية النبي محمد r، ويغفل عنه الكثير من الباحثين.
الفصل الثالث: رحمته للعالمين في مجال الأخلاق:
في هذا الفصل تناول الباحث أهم مظاهر الرحمة في الجانب الأخلاقي والسلوكي لشخصية النبي r، فتناول البحث بعض من شمائله وأخلاقه، مثل رفقه rولين عريكته وذوقه مع الناس، وعفوه لا سيما مع أعدائه، وتخلقه r كحاكم بأخلاق العدل والمساواة بين الناس، وتحذيره من استعباد الناس ونهيهه عن التمييز العنصري .
ودوره rفي نشر الحب والإخاء بين العرب وبعضهم، وبين العرب وغيره، وبين المهاجرين وبعضهم، وبين فصائل المدينة وبعضها، حتى صار المسلمون قوة أخوية واحدة قد ألف الله بين قلوبهم بشكل معجز .
وتناول الباحث في هذا الفصل - أيضًا - مظهرًا سلوكيًا مهمًا يبين رحمتهr ألا وهو جانب المعاملات المالية وسماحته فيه .
الفصل الرابع: رحمته للعالمين في مجال التشريع :
تحدث الباحث في هذا الفصل عن رحمة النبيr بالناس كمشرع، فتناول مرونته ووسطيته واعتداله
وفي سياسته الشرعية في الأحكام التي تتسم بالتيسير .
ونماذج عملية للرخص الشرعية والتدرج في التشريع، والتي تبين رحمته للبشر كمشرِّع، أرسله الله ميِّسرًا سهلاًr ، يضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .
الفصل الخامس : رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية والعسكرية :
في هذا الفصل تناول الباحث رحمة النبي rبغير المسلمين في ميدان الصراعات والحروب، وكيف كان يقدم الحوار على الصدام، ويجنح للسلم، ويبرم المعاهدات والعقود حقنًا للدماء، ويرحم العدو إذا قُهر، ويوصي خيرًا بأهل الذمة، ويمنحهم الحق في حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، ويوصي بالأسرى خيرًا .
وتناولنا في هذا الفصل الرد على أهم الشبهات في ذلك، والتي منها فرية نشر الإسلام بالسيف والعنف ورد علماء الغرب أنفسهم في ذلك ..

الفصل السادس: رحمته للعالمين مجال المرأة والطفل:
في هذا الفصل تناول الباحث مظاهر رحمة النبي rفي مجال المراة والطفل،وكيف أنقذ سيدنا محمدr النساء من ظلام الجاهلية وظلم الوأد وهضم الحق، ومن ثم كيف حررهن التحرير الحقيقي الكريم، وجعل لهن مميزات متفردة، في وقت كانت فيه المرأة – الأورببية - تعامل كجرثومة فوق الحيوان ودون الإنسان !
وتناول البحث الرد على الإفتراءات المتعلقة بهذا الموضوع، لاسيما في مسائل مثل تعدد الزوجات، وزواج النبي r وضرب الزوج لزوجته، وحجاب المرأة، والرد على ذلك من خلال أدبيات الغرب أنفسهم .
وتناول الفصل نماذج عملية لرحمة النبي r بالأطفال عامة وبالبنات خاصة، ورحمته بالأيتام والأرامل.
الفصل السابع: رحمتهr للضعفاء
في هذا الفصل تناول الباحث رحمة محمد r للضعفاء، فبين كيف كانت رحمته للفقراء ، في كل زمان حتى قيام الساعة .
وكيف تعامل النبي r مع مشكلة الفقر ومشكلة البطالة .
ورحمتهr للخدم وللعبيد وكيف جعل لهم حقوقًا وساهم في تحريرهم .
ورحمتهr لذوي الاحتياجات الخاصة وكيف كانت سنته معهم ورفقه بهم في الأحكام والمعاملات .
ورحمتهr للمسنين، وكيف كانت سنته ورعايته للمسن .
ورحمتهr للأموات، وكيف سن هذا الكم الضخم من الآداب المتعلقة بالجنائز والأموات، والتي تبين رحمته وتكريمه r للإنسان حيًا وميتًا. ونماذج عملية في كل ذلك .
ثانيًا : النتائج :
وبعد هذه الجولة، في هذه الدراسة،نستطيع نجمل أهم النتائج التي توصل إليها الباحث على النحو التالي :
1- كان محمد r رحمة حقيقة وعملية للبشرية منذ بعثته وحتى وقتنا هذا، بشهادة علماء الغرب، أمثال جان ليك، وتوماس كارلايل، و لين بول، ولوبون وغيرهم..
2- تبين للباحث عظم رحمة النبيr للبشرية في ميدان التنوير والمعرفة والعلم، فظهر دوره r في نقل الجزيرة العربية من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم، ومن عصر الظلام إلى عصر النور، وبان دروه كذلك في تحضر العالم كله، خاصة الغرب، وتحدث في ذلك علماء غربيين أمثال رودي بارت، وولز، واشنجتون ايرفنج، وغيرهم .
3- عاش أصحاب الديانات والعقائد المختلفة في ظل حكم النبي r حياة آمنة ، قد حفظ النبيr لهم فيها حق حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر، وحفظ لهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم من السوء كالمسلمين سواء بسواء .
4- في مجال الأخلاق، تبين للباحث ذلك الكم الضخم من القيم الأخلاقية والسلوكية المجتمعة في شخصية سيدنا محمد r، كالرفق واللين والعدالة والمساواة والحب والإخاء، والتي تمثل بعض تجليات الرحمة في شخصيته r ..وقد ركز العلامة توماس أرنولد كثيرًا على الجانب الخلقي في شخصية النبي r.
5- تجلت مظاهر الرحمة – كذلك - في شخصية النبي r كمشرِّع لتنظيم حياة المجتمعات البشرية، فظهرت في سياسته التشريعية مظاهر عدة على رأسها المرونة والوسطية والاعتدال والتيسير والرخص الشرعية والتدرج في التشريع..
6- في ميادين الصراعات السياسية والعسكرية، تجلت بوضوح مظاهر رحمته r، فقدم الحوار على الصدام، و الحل السلمي على الحل العسكري، وطبق مبدأ الحوار بين الحضارات بنجاح وراسل لذلك قادة وملوك العالم وأرسل إليهم الرسل والسفراء . وشهد أعداؤه وخصومه، بعظم أخلاقه، وسمو عفوه، لاسيما مع الأسرى.وقد أطنب الباحثون الغربيون في تجلية هذه المظاهر، أمثال إميل درمنغم، والعلامة لويس سيديو ، والدكتورة كارين أرمسترونج ، وغيرهم .
7- حرر النبي r المرأة من رق الجاهلية ، وأنقذها من مأساة الوأد، ورد لها اعتباراتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وظهرت لهr النماذج الفذه في رحمته بالأطفال عامة وبالبنات خاصة، إضافة إلى الأيتام والأرامل .
8- لقد ضرب نبينا محمد r المثل الأعلى في الرحمة بالضعفاء، فظهرت رحمته الجلية البينة بالفقراء وكيف ساندهم، والعبيد وكيف حررهم، والخدم وكيف أكرمهم، وذوي الاحتياجات الخاصة وكيف واساهم، والمسنين وكيف وقرهم.. وامتدت رحمتهr بالإنسان حتى في بطن الأرض ميتًا !

ثالثًا : التـوصيـات
1- : اقتراح عقد مؤتمر في موضوع تحت عنوان " تجليات الرحمة النبوية" :
وهو مؤتمر يهدف إلى تجلية جوانب الرحمة في شخصية النبي r، ودفع الإفتراءات القديمة والحديثة ، ويتم تناول هذا الموضوع في سبعة محاور هي :
المحور الأول: خصائص رحمة النبي r
- تأصيل لغوي وشرعي لصفة الرحمة
- الرحمة صفة الخالق
- الرحمة صفة الرسالة
- الرحمة صفة الأمة
- عالمية الرحمة
- عملية الرحمة
- حول الرحمة المتزنة
المحور الثاني: من تجليات رحمة النبيr في مجال التنوير والحضارة :
- التوحيد
- التحضر
- التسامح
- المعرفة
المحور الثالث : من تجليات رحمة النبيr في مجال الأخلاق:
- الرفق
- العفو
- العدل
- الإخاء
المحور الرابع : من تجليات رحمة النبيr في مجال التشريع
- المرونة
- الوسطية
- التيسير
- نموذج : الرخص الشرعية
المحور الخامس: من تجليات رحمة النبيr في مجال الحرب والسلام
- معاهدات السلام النبوية
- رسائل الملوك
- أخلاقيات الحرب
- حقوق الأسرى
- ردع الطغاة والمجرمين
المحور السادس : من تجليات رحمة النبيr في مجال المرأة والطفل
- التحرير الإسلامي للمرأة
- حقوق المرأة في الإسلام
- حقوق الطفل في الإسلام
المحور السابع : من تجليات رحمة النبيr للضعفاء :
- مكافحة الفقر
- رعاية المسنين
- رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة
الفترة التحضيرية :
مدة سنة، ويتم دعوة الباحثين والمفكرين والكتاب في جميع أنحاء العالم، للمشاركة في المؤتمر بإعداد الدراسات والبحوث المحكمة حول محاور المؤتمر، من خلال مسابقة عالمية لخدمة المؤتمر .
ويتم توزيع نتائج المؤتمر وتوصياته – مترجمة - على أصحاب القرار والساسة والمثقفين والتربويين والإعلاميين البارزين في أوربا وأمريكا.
2- اقتراح مشروع تحت عنوان " ترجمة مائة كتاب في السيرة " :
يتم تشكيل لجنة من كبار الباحثين والكتاب والمترجمين الذين أسهموا بكتابات أو بحوث في مجال سيرة النبي r، لاختيار مائة دراسة عربية حول سيرة النبيr تصلح ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية بالأساس ثم الفرنسية، وتركيز نشر هذه الكتب – بعد ترجمتها - في أوربا وأمريكا. ويتم استنهاض الداعمين لهذا المشروع من الحكومات العربية والإسلامية ورجال الأعمال .
3- اقتراح إنشاء مركز بحثي علمي للتعريف بنبي الرحمة r
وتكون مهمة هذا المركز إنتاج البحوث والدراسات والدوريات والوسائط المتعددة للتعريف بنبي الرحمة r باللغات الحية .
4- اقتراح تدريس السيرة النبوية في المراحل التعليمية :
فتقوم وزارات التربية والتعليم العالي في البلدان الإسلامية، بتشكيل لجان متخصصة لبحث إمكانية تدريس السيرة النبوية في الصفوف الدراسية والجامعية..
5: اقتراح إنشاء قناة فضائية للتعريف بنبي الرحمة r
فتقوم هذه القناة بعرض كل ما يتعلق بسيرة النبي r والتعريف به، من ندوات ومحاضرات، وأفلام، ورسوم متحركة، وكتابات .
6- اقتراح فيلم سينمائي عالمي :
بحيث يوجه الفيلم إلى عامة الشعوب الغربية، بهدف تعريفهم بنبي الإسلام، ويتم عرضه في كبرى دور العرض الأوربية والأمريكية .. ويشترط في هذا العمل السينمائي أربعة شروط:
الشرط الأول : أن ينضبط بالضوابط الشرعية .
الشرط الثاني : الاستعانة بالكفاءات العالمية من ممثلين ومخرجين .
الشرط الثالث: أن ينال الدعم المالي السخي من رجال الأعمال المسلمين .
الشرط الرابع : ألا تحتكر حقوق نشره شركة معين أو شخص محدد، بل تكون حقوقه ممنوحة لأي إنسان ينشر الفيلم .
7- فقرة إعلانية للتعريف بنبي الرحمة :
مدة هذه الفقرة الإعلانية دقيقة واحدة، يتم بثها من خلال كبرى القنوات الأوربية والغربية .. وهي بلا شك تحتاج إلى دعم مالي كبير.
إضافة إلى استئجار عدد من الساعات من مساحة البث في بعض القنوات وتقديم من خلالها برامج تعريفية بنبي الرحمة .
8 – المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية :
على القادة والساسة العرب والمسلمين قطع أية علاقات دبلوماسية أو تجارية أو أية شراكات أو اتفاقات مع أي دولة تسىء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم -.
عليهم أن يمحو العار الذي لحق بهم جراء تعاملهم مع من سب نبيهم .
9- اقتراح " مهرجان محمد للجميع " :
وهو مهرجان عالمي سنوي يعقد في عاصمة كبرى من عواصم العالم، يشتمل هذا المهرجان على مجموعة فعاليات تعريفية بنبي الرحمة، ومن ضمن تلك الفعاليات محاضرات وندوات ومعارض وأفلام وأناشيد ومسابقات وجوائز تصب في موضوع النصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم - .
وهو مشروع يحتاج إلى دعم الحكومات والجماعات ورجال الأعمال، أو يكون على الأقل تحت رعاية أحد زعماء العرب ...
10- أن يحمل كل مسلم ومسلمة أمانة الدفاع عن نبي الرحمة، والزود عن حياضه، ونشر منهجه الإصلاحي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، ومن ثم العمل على إعداد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة.

رابعًا : أفكار عملية لنصرة نبي الرحمة :
وهذه أفكار عملية - لكل مسلم - لنصرة نبي الرحمة :
1-الكتابة إلى الصحف والمجلات وتعقب أية تصريحات تسيء بنبي الرحمة – عليه الصلاة والسلام -
2-عمل مدارسة مسجدية أو حلقة أسبوعية بالمسجد لمدارسة كتاب نبي الرحمة أو كتاب مفيد في السيرة، إضافة إلى العلوم الشرعية الأخرى ( كالحديث والتفسير والفقه والعقيدة)
3- إرسال 10 رسائل إلكترونية على الأقل إلى مواقع عالمية، بهدف التعريف بنبي الرحمة. وذلك بشكل أسبوعي على الأقل.
4- إرسال ثلاثة رسائل نصية sms بالمحمول للأصحاب والإخوان بهدف التذكير بقضية النصرة. وذلك بشكل أسبوعي على الأقل .
5- تعليق بوسترات ولوحات – تشتمل على أحاديث نبوية وتوصيات عملية- في الأماكن العامة – بشكل لائق – بهدف نصرة نبي الرحمة .
6- عمل مسابقة ثقافية وأخرى بحثية عن " نبي الرحمه وأخلاقه وسيرته ومنهجه " بشكل دوري وجوائز مجزية.
7- إنشاء جمعية خيرية لتحفيظ القرآن وتعليم السيرة النبوية .
8- توزيع ونشر الكتب التي تعرف بنبي الرحمة .
9- إنشاء مدونات مواقع دعوية ومجموعات بريدية للتعريف بنبي الرحمة – بكل اللغات - ومن السهل جدًا إنشاء مدونة مجانية على موقع مثل blogspot.com
10 – عمل كروت شخصية .. الوجه الأول يشتمل على بيناتك والوجه الثاني يشتمل على شعار " معًا لنصرة نبي الرحمة " أو نحو ذلك من النصائح العملية المفيدة .
11- حث الخطباء على تناول القيم الحضارية في السيرة النبوية وعدم الإغراق في الجزئيات .
12- حث المعلمين والتربويين على نشر القضية بين جموع الطلاب .
13- العمل على إقامة المعارض الفنية والدعوية في المدارس والجامعات للتعريف والنصرة .
14- إقامة مخيمات ومعسكرات صيفية تتناول فعاليات ومحاضرات للنصرة والتعريف بنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم -
15- عقد الدورات العلمية التي تتعلق بمنهج السيرة وكيفية الاستفادة منها .
15- نشر فتاوى العلماء في حكم سب النبي أو التعريض بجنابه – صلوات الله وسلامه عليه - .
16- على كل مسلم حر شريف أن يقاطع منتجات الأعداء " الصهاينة والأمريكان" والدول التي تسيء لنبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم - . عار على المسلم أن يُدخل بيته هذه المنتجات أو يطعم منها بطون أولاده !






[1] تفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 36)

[2] صحيح البخاري، كِتَاب الْأَذَانِ، بَاب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ ، ح: (664)

[3] صحيح مسلم، كتاب الحج ، باب الحج عن العاجز، ح: (2376)

[4] السيرة الحلبية 1/456

[5] انظر: ابن كثير : السيرة النبوية 1/504

[6] محمد بن يوسف الصالحي الشامي : سبل الهدى والرشاد - (ج 4 / ص 70)

[7] واحدة الثغام، وهو نبت أبيض، أو كالسحابة البيضاء دلالة على شدة بياض شعره .

[8]انظر: ابن كثير : السيرة النبوية (ج 3 / ص 558)

[9] صحيح – رواه مسلم، برقم 367

[10] صحيح – رواه البخاري، في المغازي 27، و مسلم في الفضائل 30 .

[11] البروفيسور جي. م. ج كرامرز: ولد بهولندة، سنة 1891، وكان أستاذًا للتركية والفارسية في جامعة ليدن حتى سنة 1939، اشتغل من 1915 حتى 1921 مترجمًا للسفارة الهولندية في الأستانة. كان أحد المساهمين في كتابة كثير من الموضوعات في دائرة المعارف الإسلامية، وألف كتاب: (فن التاريخ عند الأتراك العثمانيين) (1944).

[12] في فلسطين . رغم أن العقيدة الإسلامية لا تعترف بهذا القبر!

[13] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام،129

[14] صحيح – رواه البخاري، برقم 1263

[15] ابن سيد الناس : عيون الأثر (ج 2 / ص 261)

[16] المعجم الأوسط للطبراني، برقم 11165، والقصة مموجودة في كتب السيرة، أحداث غزوة تبوك .

[17] لك الله يا رسول الله ! كنتَ تسأل حتى عن الأموات !

[18] رواه البيهقي في السنن الكبرى (ج 4 / ص 48)

[19] صحيح – رواه البخاري ، برقم 1251

[20] صحيح – رواه البخاري، باب من قام لجنازة يهودي، عن سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، برقم 1229، ومسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1596

[21] صحيح – رواه مسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1595

[22] صحيح - رواه مسلم، باب القيام للجنازة، برقم 1592

[23] صحيح – رواه البخاري، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، برقم 209

[24] ابن حجر : فتح الباري (ج 1 / ص 341)

[25]ابن حجر : فتح الباري (ج 1 / ص 341)

[26] ابن بطال : شرح البخاري (ج 5 / ص 385)

[27] صحيح – رواه مسلم، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَبرقم 3261

[28] رواه أبو داود، بَاب فِي الْحَفَّارِ يَجِدُ الْعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ ذَلِكَ الْمَكَانَ،برقم 2792

[29] مصنف ابن أبي شيبة 3\ 245

[30] صحيح – رواه مسلم، بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، برقم 1612

[31] صحيح- رواه مسلم، بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، برقم 1614

[32] صحيح لغيره - رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة، وهو في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 3 / ص 221)، برقم 3566 .

[33] صحيح – رواه مسلم، باب الدعاء للميت في الصلاة، برقم 1600

[34] رواه النسائي ، باب الدعاء، برقم 1959، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود، رقم 2524

[35] رواه النسائي ، باب الدعاء، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، برقم 1960، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي رقم 1986

[36] حسن – حسنه الألباني في إرواء الغليل برقم 732

[37] صحيح – رواه البخاري، كتاب الجنائز، 3

[38] صحيح – رواه البخاري، في كتاب الجنائز، 45؛ ورواه مسلم، في كتاب الجنائز، 12

[39] صحيح – رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، برقم 4279

[40] انظر : حسين محمد يوسف : سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم، القاهرة: 44

[41] المناجاة : الحديث بصوت منخفض سرا

[42] الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه

[43]صحيح – رواه وصحيح ابن حبان برقم 986 ، وفي أخبار مكة للأزرقي - (ج 3 / ص 212)، برقم 985، رواه البهيقي في دلائل النبوة برقم 102، ، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية 23.

[44] دلائل النبوة للبيهقي - (ج 1 / ص 117)، برقم 101
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59