عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-30-2013, 10:03 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي ملامـح الطيف في الشعر الجاهلي


حمل المرجع كاملاً من المرفقات



د. حمدي منصور
د. أحمد زهير رحاحلة

ملخَّص

يقوم هذا البحث على دراسة ملامح الطيف في الشعر الجاهلي، ومحاولة تبين صوره، وكيفية توظيفه عند الشعراء الجاهليين في قصائدهم وأشعارهم، وما يُحَمِّلُونَهُ من لواعج قلوبهم ويبثونه من همومهم، وخلص إلى أن الشعراء في العصر الجاهلي أجادوا في استخدام الطيف وتوظيفه في التعبير عن أحوالهم النفسية والاجتماعية والعاطفية، كما ظهرت عندهم دلالات متعددة في توظيفه، واستطاعوا بوساطته خلق واقع خصب جديد يلوذون به، وكان هذا الواقع الجديد الذي يلجأون إليه يضادّ واقع اللوعة والحرمان الذي يعيشونه في نهارهم.

تمهيد
لم يكن الغزل في القصيدة الجاهلية شكلاً تقليدياً, أو كلمات تعبِّر عن الشوق واللوعة، أو تصف مغامرة، بل انعكاساً لنظام حياة عاشه العربي القديم بكل ما فيه من واقع وخيال، وعبّر بوساطته عن جزء من ذاته وتجاربه الوجدانية الخاصة، فكان "الطيف الزائر أو خيال المحبوبة موضعاً جديراً بالاهتمام البحثي, باعتداده زاوية للنظر فائقة الأهمية تلقي أضواءها على الشعر؛ لتستنطق دلالته التي نحسبها تعليلاً مناسباً لجمال الصورة " ([1]).
وفي هذا الإطار لابدَّ لنا من البحث عن " تلك المواقف التي تعكس ذاتية الفرد بكل حرارتها وصدقها تجاه المحبوبة، لنستطيع من خلالها أن نتبيَّن, شخصيته المتفرِّدة، وأن نستطلع نزوعه الذاتي المميز، وسنجد أن ذلك جليّ خاصة, في حديث الشاعر عن عواطفه تجاه المرأة مباشرة، وفي حديثه عن طيفها الذي يلازمه في حلِّه وترحاله([2])؛ بقصد الوقوف على حقيقة التوظيف الفني لعملية استدعاء الطَّيف في القصيدة الجاهلية، إذ لم يعد كافيا أن ننظر إلى حضور الطيف فيها على أنَّه شكل أو دلالة - بنية – تسهم في التكوين العام للمقدمة الغزلية, أو ترسم ملمحاً من ملامح علاقة الشاعر بمحبوبته فقط، إذ " لا ريب في أنّ الشاعر الجاهلي لم يكن دائما يتغزَّل بمحبوبة معينة، أو ينسب بفتاة معروفة، يمحّضها الودّ والصفاء، وإنَّما كان يجري، أحيانا، على تقليد فني سار عليه الشعراء من قبله "([3])، وهذا يدفعنا إلى القول: إنّ هناك ملامح عامّة للوحة من لوحات الشعر الجاهلي العضوية, قَّلما التفت إليها الباحثون نراها قائمة في حديث الشاعر الجاهلي عن الطَّيف، ونجرؤ على اعتبار الآتي تأثيلاً لما نصطلح على تسميته " بالمقدمة الطَّيفية ".
الطيف في اللغة والاصطلاح
عالج ابن منظور في اللسان كلمة الطّيف تحت مادة طوف وطيف، فقال: طيف: طاف الخيال: مجيئه في النوم، وأطاف لغة، والطَّيف والطِّيف: الخيال نفسه، والطيف: المسّ من الشيطان، وقال في طوف: طاف به الخيال طوفاً: ألمَّ به في النوم، والأصمعي يقول: طاف الخيال يطيف طيفاً([4])، وقال صاحب العباب الزاخر:" طاف حول الكعبة يطوف طوفاً وطَوَفاً وطَوَفاناً، والمطاف: الموضع، والطائف: العسس، والطائف: بلاد ثقيف، وقال ابن دريد: طيف: الخيال الطائف في المنام، يقال: طاف الخيال وطائف الخيال"([5])، وقال فيه صاحب التاج: "الطيف: الغضب، وبه فسّر ابن عباس قوله تعالى: "إذا مسَّهم طائف من الشيطان"، وهو قول مجاهد أيضاً، وقال الأزهري: الطيف في كلام العرب الجنون، وهكذا رواه أبو عبيد عن الأحمر"([6])، وتبدو دلالة الخيال وارتباطه بغياب العقل – سواء بالجنون أو الغضب أو النوم – هي الباعث لاشتقاق تعبير طيف المحبوبة في المعنى الاصطلاحي؛ لذا فإننا لا نكاد نجد فارقاً مع ما سبق بيانه لغوياً، ويظهر مفهوم المصطلح بجلاء وتفصيل, أكثر ما يظهر عند الشريف المرتضى في كتاب "طيف الخيال "، يقول: هو" زور ******ة من غير وعد يخشى مطله، ويخاف ليّه وفوته، واللذة فيه لم تحتسب، ولم ترتقب، يتضاعف بها الالتذاذ والاستمتاع، وإنه وصل من قاطع، وزيارة من هاجر وعطاء من مانع ضنين،... " ([7]).
تأسيس:
إنَّ الدارس المتأمل يستطيع أن يتبيَّن, أنَّ ذكر الطيف في النص الشعري الجاهلي, لم يكن خصوصية نصيَّة لشاعر بعينه، بل إنّ كثيراً من الشعراء تطرَّق للطَّيف، ووقف عنده وقفة جعلت من ذكره ركناً أساساً يحمل كثيراً من أبعاد التجربة الشعرية، و" يشغل طيف المحبوبة وجدان الشاعر الجاهلي, ليمتد على مساحة واسعة من الشعر، ونجرؤ على القول: إنَّ بإمكان الدارس اكتشاف مقدمات حلمية([8]), لا تقل أهمية عن المقدمات الطللية أو الخمرية، ونتساءل عن السبب الذي دعا كتب الحماسة, وهي تضجُّ بطيف ******ة إلى إهمال الطَّيف والنأي عن اعتداده باباً من أبواب الحماسة المعهودة " ([9])، ولعلَّ ذلك يعود إلى أن أصحابها وجدوا في أبواب الغزل ما يغني عن إفراد الطّيف في باب خاص.
وقد جاءت منهجية البحث استقرائية لمجموعة من النصوص الجاهلية، بقصد الوقوف على صورة الطيف في الشعر الجاهلي، وتحديد الملامح الأولية لها، وكافة ما يتَّصل بها. وبعد الوقوف على ملامح صورة الطَّيف في الشعر الجاهلي, عَبْرَ مجموعة نماذج شعرية مختلفة، وجدنا أنَّ الصورة التقليدية للطّيف لا تكاد تخرج عن الأبعاد الآتية التي تشكِّل قاسماً مشتركاً لدى كثير من الشعراء, الذين استدعوا الطَّيف في أشعارهم، وأبرزها الآتي:
1. وقت الزيارة، فقد ارتبط حضور الطّيف عند الشعراء الجاهليين – وعند سواهم – بالليل, إذ غالباً ما يكون استدعاؤه بعد الساعات الأولى منه، أو بعد أن ينام رفاق الشاعر، ويهجع من حوله، ويبقى الشاعر وحيداً يسامر شتّى الذكريات، وينظر صوب منازل المحبوبة التي خلّفها وراءه، ويظل الزمن ذاته من أكبر الإشكاليات التي يقف الشاعر الجاهلي أمامها عاجزاً.
2. ما يثيره الطَّيف في النفس من مشاعر وأحاسيس، والغالب أن يكون تفجيراً لبركان الشوق, الذي يضطرم في نفس الشاعر ويحرق فؤاده، وتهييجاً للبكاء، وترجيعا للهموم، وتذكيراً بالمحبوبة وأيامها الخالية، والشكوى من الغربة، والإحساس بالوحدة بعيداً عن الأهل والديار، وهذه العواطف المشتركة تجعلنا نطرح بشكل أوسع للنقاش قضية صدق العاطفة وأثرها في النص الشعري.
3. بيان بُعد الدار، وشحط المزار بين الشاعر والمحبوبة، ومنازلهما، وقد يعمد الشاعر إلى ذكر بعض الأماكن بأسمائها الصريحة، ومسالكها المخيفة، لبيان مدى البعد بينه وبين المحبوبة التي غالبا ما تترك ديارها، وتفارق ربعها الذي عاش الشاعر فيه لحظات حارَّة من الوصل والهيام.
4. التعجب من قدرة الطَّيف على الوصول إلى الشاعر مجتازاً كل الصعاب، والأخطار التي تكتنف الرحلة، مع وعورة الطرق، واشتباه السُّبل من غير دليل يرشده، أو معين ينصره، وذلك في الليل الذي يزيد من رحلته – الطيف- صعوبة ووعورة.
5. الارتداد إلى زمان الوصل الأوّل، وحديث الذكريات الجميلة، ثم وصف الطَّيف الذي يتحوَّل أحياناً إلى واقع في خيال الشاعر, يحاوره ويناجيه, كما لو كان حقيقة، فتشتبه عليه الأمور, وتظهر الحالة النفسية التي يعيشها بكلِّ وضوح.
مكان الصورة الطيفية في القصيدة الجاهلية

على الرغم من أنَّ جلّ دارسي الشعر الجاهلي المعاصرين, يرفضون فكرة تجزئة القصيدة الجاهلية, ويرون أنّها تتألف من مشاهد ولوحات تتساوق مع بعضها بانسجام, لتشكِّل وحدة عضوية وموضوعية تقوم عليها بنية النص([10]), إلا أنّ ما ذهب إليه ابن قتيبة من "أنَّ مقصد القصيد إنَّما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، فبكى وشكا، وخاطب الربع واستوقف؛ ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها... "([11]), قد يدفعنا إلى ألا ننكر أنّ للقصيدة الجاهلية تقليداً خاصَّاً, لعلَّه يشكّل سِمة أسلوبية, تجعلنا ننظر إليها على أنّ لها مخططاً ومراحل شبه ثابتة كالمقدمة الطَّللية، أو الغزلية، أو وصف الرحلة، أو الناقة أو الصيد،... إلخ، ولذا لم يكن مقبولاً من الشاعر الجاهلي أن يضع مقدمته الطللية في نهاية القصيدة مثلا، أو أن يبدأ بغرضه, ثم يعود إلى الوقوف على الديار، مع يقين تام بأنَّ هذه الوحدات العضوية المكونة للقصيدة الجاهلية، لا يمكن أن تكون منفصلة عن بعضها، مستقلة بذاتها.
والباحث في النصِّ الجاهلي, يتبيَّن له من استقرائه أنَّ صورة الطيف في القصيدة الجاهلية, كان لها مكان شبه محدد فيها، لعلَّها أكثر ما ترد في واحد من الأنماط الآتية:
1. غرض مستقلّ، ونجد الشاعر الجاهلي قد جعل من صورة الطيف معادلاً للمقدمة الغزلية أو الطللية، يعبّر من خلالها عن الحالة النفسية التي تعتريه، وقد تكون هذه المقدمة ذات دلالة تقليدية عامة، يطرقها الشاعر تماماً كما كان يقف على الأطلال جرياً على عادة الشعراء، أو قد تكون ذات دلالة خاصة تختفي خلف النص، وتحتاج إلى بصيرة نافذة وقدرة على الربط والتأويل السليم, للوقوف عليها.
2. جزء من المقدمة الغزلية، وهذا سبيل سلكه كثير من الشعراء الجاهليين حين جاءوا على ذكر الطيف في معرض القول الغزلي، والغالب في صورة الطيف التي تندرج ضمن المقدمة الغزلية أن تكون شكلاً عاماً، واضحة الدلالة، عميقة الصّلة بمجموعة الأبيات التي أدرجت ضمنها، متأثرة بالسياق الغزليّ العام.
3. رؤيا خاصة، وفق ما يتراءى للشاعر، فيضعها في أي مكان من القصيدة يراه مناسباً، فلا غرابة أن نراها في الأبيات التي يخصِّصها الشاعر لوصف الرِّحلة، أو حتَّى في أثناء وصفه للحروب والوقائع التي كان يخوضها، وهو يرى أنَّ كل شيء من حوله يذكَّره المحبوبة وطيفها.
أنماط الصورة الطيفية

إنَّ صدق التجربة الشعرية وقوتها هي التي تتحكم في نوع الصورة الطيفية في الشعر الجاهلي، ولمَّا كانت هذه الصورة مرتبطة أشدّ الارتباط بالشعور والحسّ، فإنّ تحديد نمط الصورة يجبرنا على محاولة حصر الأنماط الممكنة إلى أقصى حدٍ ممكن، ولهذا فإنَّ التقسيم الأمثل يبدو في واحدة من الصورتين الآتيتين:
1. الصورة الطيفية المستحضرة.
2. الصورة الطيفية الحاضرة.
ففي الصورة الأولى نجد أنَّ الشاعر هو الذي يستحضر الطَّيف ويطلبه، ويدعوه إلى الحضور، والشاعر في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى استذكار المحبوبة ليلاً، ففيها " يبقى الشاعر بوضوح كافٍ على وعيه بأنه يحلم لكي يسود على مهمة كتابة حلمه، وأيّ سمو وجودي هو ذلك الذي يحصل من تحويل حلم يقظة ما إلى عمل فني، ومن كون المرء منشئ حلمه اليقظ "([12])، فنجد الشاعر يجرد من ذكريات المحبوبة صورتها وعلاقته بها، ويبدأ بوصفها، وقد يجري معها حواره الخاصّ، أو يبكيها شوقاً ولوعة، وهو في كل هذا صاحب المبادرة في خلق الصور.
أمَّا في الصورة الثانية, فالملاحظ أن الطَّيف هو الذي يقضّ مضجع الشاعر على غفلة منه، فهو يزوره في نومه، فيثير فيه ما يثير من الوجد والشوق، ثم يغادره سريعاً، فينتبه الشاعر، ويقضي ليله في أرق وسهاد, والناس من حوله نيام، وهنا يمكن النظر مرة أخرى في صدق العاطفة، ويمكن أن نقول إنّ العاطفة تبدو أصدق منها في الصورة السابقة؛ لتجاوزها حدود وعي الشاعر وغياب التخطيط المسبق لها.
الروّاد في بناء الصور الفنية


([1]) الصائغ، عبد الإله.( 1997)،الخطاب الإبداعي الجاهلي والصورة الفنية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 29.

([2]) عبد الغني زيتوني، " النزعة الذاتية في الشعر الجاهلي "، مجلة مجمع اللغة العربيةالأردني، العدد 37، تموز 1989، ص 28.

([3]) زيتوني، النزعة الذاتية في الشعر الجاهلي، ص 28.

([4]) ابن منظور، جمال الدين بن مكرم ( ت 711 ﻫ- 1390 ﻡ ). لسان العرب،(مادة طوف) ط1، دار صادر، بيروت، ( د.ت ) م 9، ص225-228.

([5]) الصاغاني، الحسن بن محمد.(650 ﻫ - 1252م)،العباب الزاخر واللباب الفاخر، دار الرشيد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1981،حرف الفاء ص 398 – 404.

([6]) الزبيدي، محمد الحسيني.(1213 ﻫ 1798 م ).تاج العروس من جواهر القاموس،الناشر: دار ليبيا للنشر والتوزيع، طبع في دار صادر،1966، ج 6، ص 184-185.

([7]) الشريف المرتضى، علي بن الحسين ( 436 ﻫ /1115 م )، طيف الخيال، تحقيق: حسن الصيرفي، ط1، دار إحياء الكتب العربية،1962، ص 5 وما بعدها.

([8]) نقترح هنا مصطلح المقدمة الطيفية، ونراه أدق تعبيرا, وأكثر شمولاً من المقدمة الحلمية، نظراً للبون الشاسع بين الحلم والطيف من جهة، ولاستخدام الشعراء أنفسهم مصطلح الطيف أكثر من الحلم.

([9]) الصائغ، الخطاب الإبداعي الجاهلي والصورة الفنية، 34.

([10]) منهم على سبيل المثال لا الحصر: ناصر الدين الأسد، وإحسان عباس، وإبراهيم عبد الرحمن.

([11]) الدينوري، ابن قتيبة.( ت 276ھ). الشعر والشعراء، ط2، تحقيق: مفيد قميحة، مراجعة: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985، ص 27.

([12]) جاستون باشلار، مجلة الثقافة الأجنبية، إنشائية حلم اليقظة ( كوجيتو الحالم )، ترجمة: أبو يعرب المرزوقي، العدد (2) السنة (2)، بغداد، 1982.











المصدر: مجمع اللغة العربية الأردني

المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc 76-3.doc‏ (153.0 كيلوبايت, المشاهدات 6)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59