عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-30-2013, 08:56 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
29

سكنت لم لام يلقى....في الدنيا سكن
لا يُهمل صغيرا لصغره، ولا فقيرا لفقره. بل يعامل كل أحد بما يقتضيه حاله ظمنت منهج دعوي ثبت أركانه ورسم حدوده في قوله: (أنزلوا الناس منازلهم).
فطارت نحوه الأرواح حبًّا....فأضحت حوله مثل الفراش
حِمًى إن أَمَّه لاجٍ وراجٍ....يكونا آمنَيْن وغانَمْين
قابل الوفود، وتعامل مع كل وفد، بما يناسبه من رفد. لما قدم وفد عبد القيس أكرمهم وحياهم بأزكى التحايا: (مرحبا بالقوم غير خزايا ولا نداما).
فالمسك يعبق منها....قد فاح في كل حُلة
ثم أثنى على أشجهم: ( إن فيك ليخصلتين يحبهما الله). بل بلغ من اهتمامه أن شغلوه عن الركعتين التين بعد الظهر فقضاهما بعد العصر. وحال الوفد:
فلم نك نحتاج الدليل على الهدى.....فهذا لسان الحال والوجه شاهدُ
وإن الله أعلم حيث يُؤْتي.......رسالته وأعلم بالرجالِ
وحين دخل صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا جاءه أبو سفيان، وهو سيد قومه، ومثله يحب الفخر وأهل له، فثبت رسول الله إسلامه، أشبع مشاعره بقوله: (ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن).
فتضوَّعت في كل ناد....وبها ترنم كل شادِ
متى قرعت سمع ابن حرب....تَشُوقُهُ وتُغريه بالدين الذي كان يهجرُ
وهذا جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، سيد بجيلة، نعم الفتى ونعمت القبيلة، يقول: (لما دنوت من المدينة، أنخت راحلتي، وحللت عَيْبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحدق. فقلت لجليسي: ياعبد الله؟ هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر. بيُنَا هو يخطب إذ قال: (إنه سيدخل عليكم من هذا الفج رجل من خير ذي يَمَنْ، ألا إن على وجهه مِسحة ملك). وكان رضي الله عنه جميلا حتي قال عمر عنه: (جريرُ يوسف هذه الأمة). حمد الله جرير، وبها نطقت العين، وتبلَّجت الأسارير.
وللعيون أحاديث بلا كَلِمِ....وكم لها في الهوى شرح وتِبيانُ
ويدخل جرير بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وعنده جمع من الصحابة، فظن الناس بمجالسهم ولم يفسح له أحد، ولم يجد مكانا فعلى الباب قعد، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ثم ألقاه إليه ليجلس عليه، فأخذه جرير وألقاه على وجهه وجعل يقبله ويبكي ويقول: (ماكنت لأجلس على ثوبك! أكرمك الله كما أكرمتني يارسول الله).
والعين ما برحت من فيظ عبرتها....لسانها يختفي طورًا وينكشفُ

نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالاً ثم قال فيما رُوي، قولا ألذ من لذيذ الكرى، بعد مشقة السهر في السهر، وأحلى في السمع من هدي القُمرية أثناء *****: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه).
وهل فاز بالمسك إلا فتًى.....تيمم دارينَ أو داراه
يقول جرير رضي الله عنه: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي).
فذا قلبي يُسَ لِّمه زِمامه، لا طاب للمسك شذَى نفحة إن كان أذكى من ثنائي عليه
وكتن صلى الله عليه وسلم يُلاطف من يُرجى إسلامه من الأسرى، ويتألفه لعل يهديه ويهدي به قومَه ويُعز به دينه.
بتعامل فاق القلائد إذ غدت يوما.....على جيد المليحة تستهوي
يُطلِق ثمامة سيد اليمامة، مع قُدرته على قتله يوم وقع في أسره، فأسلم وحسن إسلامه، وقدم مكة، وأدى عمرته وجهر بتوحيده، ثم أعلن وقوفه في وجوه الكفار المعاندين بقوله: (ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فلست بهياب لمن لا يهابني....ولست أرى للمرئ ما لا يرى ليَ
ومن يدنو مني تدنو منه مودتي....ومن ينأى عني يُلفني عنه نائيا
وليس القصد معشر الإخوة من إكرام هؤلاء تمييزًا بين الناس ولا تفريقًا، حاش! فالناس سواسية والأكرم الأتقى. إنه إكرام لهدف نبيل، وتقدير لمصلحة ظاهرة، تُرجى للإسلام ظاهرة، مدارات لا مداهنة، وتألف لا رضًى بما هم فيه.
فذاك طيب هديه يفوق نشر الورد....تَغنَى به عن هندِ وعن مغاني دَعْدِ
لقد كان يذكر مواقف ذوي المروءة، ويُكافئ عليها بالتي هي أحسن، وزإن كانوا على شركهم، في حكمة لو وعاها ذو الضلال هُدي.
في ختام معركة بدر، وقد نصر الله المسلمين، وأسروا من عدوهم سبعين ، وحينما كان المؤمنون يتطلعون لإجراء أقصى العقوبة بمن آذوهم أيما أذى، يوم كانوا مستضعفين، إذ أعلن أن هاؤلاء الأسرى كانوا سينالون حريتهم لو كلمه رجل مشرك كان يتعامل معه بكريم الأخلاق قائلا: ( لو كان المطعم حيًّا ثم كلمني في هاؤلاء النتنى لتركتهم له).
تحلو لدى كل ذي سمع وذي صممِ.
لقد عاش المطعم مشركا، ومات مشركا، لكنه صاحب نجدة ومروءة، لما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف دخل مكة في جواره، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه: إنكم فعلتم في محمحد ما فعلتم، فكونوا أكَف الناس عنه. فحفظها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كريم لا يدانيه كريم.....يصيد بحس منطقه قلوبًا تحاذر أن تُصاد
معشر الإخوة:
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عن المطعم مخاطبا قرابته وأهل ملته، كلا! لقد كان يخاطب أصحابه ليؤصل فيهم شرف هذه الأخلاق، ومكانة من صدرت منه وإن كان مشركا.
على هديه فابنِ بيت الهدى، وهو توجيه من باب أولى، إلى لزوم الإنصاف مع إخواننا وأهل ملتنا، فإن سمعت من مسيئ خبرًا.
فالأصل في الأخبار أن تؤخرا....وشاع في ذا الباب إسقاطُ الخبر
وقد استوعب الدرس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحدث وبعده، فهذا حسان رضي الله عنه يذكر مآثر المطعم ويثني على خلقه بقوله:
فلو سئلت عنه معد بأسرها .....أو قحطان أو باق بقية جرهم
لقالوا هو المُوفي بخُفْرةِ جاره وذمَّــ....ـته يوما إذا ما تذممَ
فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم....على مثله منهم أعز وأكرمَ
ونحن بالدرس أولى، فلن يُصلحنا إلا ما أصلح أولنا.
كذاك تبلغ الذرى الفروع....بانتمائها إلى أكرم الأصول
ومن درى الأخبار والشمائل....لم يك عن صوْب الهدى بمائل
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة) صلى الله عليه ربنا، ما عاش شيخ وصبي.
كان صلى الله عليه وسلم أحكم الناس تعاملا.
بشرع الله جندل كل عات.....على رغم وجدَّل كل عاتِ
من لم يردعه القرآن، فطبه في السيف والسنان، لما نقض يهود بني قريظة العهد، حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به سعد، فسُبي النساتء والذراري وغُنمت الأموال وخُدت الخنادق وضُربت أعناق الرجال.
ولا عجبٌ أن قدَّت البيض هامهم....فتلك حروف اللين لاقت جوازمه
من لم يرتدع بالزواجر فلا يلومنَّ إلا نفسه، ولا يقلعن إلا ضِرسه، ولا يخمشن إلا وجهه، ولا يشقَّن إلا ثوبه، وإن غضب قلنا له:
غضبك غضبُ الخيل على اللجُمِ....فإن كنت غضبانا فلا زلت راغما
وإن كنت لم تغضب إلى اليوم فاغضبِ
لما عدى يهودي على جارية وأخذ ذهبها، ورضخ بالحجارة رأسها، رضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأس اليهودي بين حجرين كما فعل بها.
ولما أسلم العُرنيون ألحقهم بإبل الصدقة فشربوا من ألبانها، وتداووا بأبوالها، ثم ارتدوا وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل، فلما أُتي بهم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا.
فمن لم يقوِّمه الكتاب أَقامه.... حدود الظبى والسمهري المثقف
إنه معشر الإخوة رسالة، إلى أولئك المفتونين الذين إذا تحدثوا عن الإسلام، اختزلوه في صورة العفو والسماحة، فلا يتعرضون للعقوبات إلا على استحياء وانهزامية، لانبهارهم بمواد حقوق الإنسان الوضعية الوضيعة، يحاكمون الشريعة إليها، فما وافقها فرحوا وقالوا سبق الإسلام إليها، وما خالفها أخفوه أو تأولوه أو بحثوا له عن قول مهجور لا دليل عليه ليوافق قوانينهم، وماا علم المفتونون أنا لسنا مُلزمين بإقناعهم، إن آمنوا فلهم وإن كفروا فعليهم، (إن عليك إلا البلاغ)، لكننا ملزمون بتعظيم شرع ربنا وعدم الحرج مكن أحكامه، ولو خالف من بأقطارها، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، فليعلم كل مزور لشريعة الله قول الله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، فأولى له سلامة دينه من مراعات عدوه.
ولإن تمادى إن يعش فليُقرعن.... وليقرعن إن مات سِن النادمين
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة) صلى الله عليه ربنا، ما عاش شيخ وصبي.
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الخلق تعاملا.
سعى لأخلاقه المثلى ويممها....جهابذ الخلق من قاصٍ ومن دانِ
يُنزل أصحابه منزلتهم، ويثني عليهم، ويتسامح مع أهل الفضل والسابقة منهم.
بتعامل بين تالورى لم يُجحدِ....يُسقى بريا ريقه العطش الصدي
لما أرسل حاطب رضي الله عنه إلى قريش يخبرهم بغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة قال له: (ماحملك على ما صنعت) قال: (والله ما بأن لا أكون مؤمنا بالله ورسول، ولكني أردت أن تكون ليَ عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، فإن الضعف مني غير خاف، ومالي في قريش يد قوية). وعمر رضي الله عنه من غيرته على دولة الإسلام طلب الإذن بقتله، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينظر إليه من زاوية مخالفته وإن كانت كبيرة، لكنه نظر إلى رصيده الماضي في إعزاز دولة الإسلام، فوجده شهد بدرا ولم يشهدها إلا مؤمن صادق الإيمان، فصدقه وحماه من أن يسمع كلمة كلمة واحدة في نقده والإساءت إليه بقوله: (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا، ولعل الله اطلعه على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم).
فاليصنع الركب ما شاءوا بأنفسهم....هم أهل بدر فما يخشون من حرج
تتلى مواقفه هيعبق طيبها....وكذا الخلال الغاليات غوالي
ينزل كل أحد منزلته، ويذكر مزيَّته، وينصح له.
وما النصح إلا روضة ذات بهجة.....وما هو إلا وردها والأزاهر
شكا عبد الرحمن بن عوف خالدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ياخالد! لم تؤذي رجلا لو أنفقت مثل أحد ذهبًا لم تُدرك عمله).فبين خالد أنه إنما يرد عن نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار).
تحلى بها الأسماع....بل هي أنظر
ولو كان يرج للجمادات منطق....لفاه بذاك النصح كل الجماد
---------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59