عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-09-2013, 06:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي بحث بعنوان ظاهرة الإســلاموفــوبيا




قـــراءة تحليليـــة
خالد سليمان*
تقديـــــم:
يعد مصطلح "الإسلاموفوبيا" من المصطلحات الحديثة التداول نسبياً في الفضاء المعرفي المعني بصورة خاصة بعلاقة الإسلام بالغرب. وقد تم نحت المصطلح الذي استعير في جزء منه من علم الاضطرابات النفسية للتعبير عن ظاهرة الرهاب أو الخوف المرضي من الإسلام. وهي في الواقع ظاهرة قديمة جديدة، قديمة قدم الدين الإسلامي نفسه، وإن كانت قد تصاعدت حدتها في عالم اليوم، وبخاصة في دول الغرب بعد التفجيرات الشهيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول عام 2001، التي أسندت إلى تنظيم القاعدة. وربما كان من الممكن القول إن تلك الظاهرة تضرب بجذورها عميقاً في تاريخ قديم حافل بمسلسل طويل من العلاقات المضطربة بين الغرب و الإسلام، استقر فيه هذا الأخير في الذهنية الغربية بوصفه تعبيراً عن خطر داهم محدق يتهدد كل ما هو غربي، ربما انطلاقاً من الاقتران المتكرر الذي يمكن ملاحظته في مسيرة التاريخ، الذي يوحي وكأن هناك نوعاً من العلاقة الحتمية بين صعود نجم الحضارة الإسلامية وانحدار نظيرتها الغربية!.
هذا، ولا تعد تلك الظاهرة حكراً على مجال العلاقات بين الإسلام والغرب كما قد يتبادر للذهن، بل إنها تمتد لتطال رقعة العالم الإسلامي نفسه أيضاً. إذ إن ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام قد نشأت في الأصل بين أوساط العرب واليهود في جزيرة العرب، وثمة من المؤشرات ما يؤكد استمرار حضورها على ساحة الأرض العربية والإسلامية حتى الآن!.
وانطلاقا من الزعم بأن الفهم الجدي والعميق لأي ظاهرة من الظواهر هو الخطوة الأولى الضرورية للتمكن من علاج ما يرتبط بها وينجم عنها من مشكلات؛ يأتي إجراء هذه الدراسة، ذات الطابع التحليلي، في محاولة لتناول تلك الظاهرة بالفحص والتشريح، بما يتضمن بيان أسبابها، وعوارضها المختلفة المتصلة بالعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي. إضافة إلى التوقف عند مسألة تفشي تلك الظاهرة إلى الوطن العربي، وتنامي مخاوف بعض الأطراف المنتمية إلى المجتمع العربي من تصاعد المد الإسلامي، وصولاً إلى اقتراح بعض المقاربات التي قد تسهم في معالجة تلك الظاهرة المقلقة، التي تجعل من العالم الإسلامي وآهليه عرضة لمسلسل مستمر من إساءة الفهم والإدراج ضمن صور نمطية سلبية شائهة، مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر وتحديات جسيمة، تعصف بإمكانات تبلور مفاهيم التسامح والتعايش السلمي والاحترام المتبادل، ليس على مستوى العلاقات بين العالم الإسلامي ودول الغرب فحسب، وإنما على مستوى العلاقات داخل المجال الإسلامي أيضاً.
الإسلاموفوبيا/ وقفة عند المفهوم:
كما سبقت الإشارة، فإن مصطلح "الفوبيا" أو الرهاب، مستمد في الأصل من علم الأمراض النفسية، ليتم التعبيربواسطته عن نوع من أنواع العصاب القهري، بحيث لا يملك المريض القدرة على التحكم في ردود أفعاله عند تعرضه لموضوع خوفه، فيضيق صدره ويجف ريقه وتتزايد ضربات قلبه ويشحب وجهه وترتعش أطرافه، ليدخل في حالة فعلية من الفزع غير المسيطر عليه.
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن مخاوف المريض بالرهاب لا تستند إلى تهديد جدي وفعلي في أغلب الحالات، كأن يخاف المرء من قطة صغيرة أليفة، أو من مكان مرتفع لا مجال لسقوطه منه، أو من وجوده في قاعة مكتظة بأشخاص ودودين لا يمكن أن يشكلوا خطراً عليه، ...الخ. وهذا يعني أن المرض يعبر في حقيقته عن اضطراب نفسي وإدراكي، لعل بالإمكان عزوه إلى أسباب متعددة، ربما كان من أبرزها معايشة خبرات مؤلمة تتعلق بموضوع الرهاب، وبخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تتسرب تلك الخبرات غير السارة إلى ما يعرف باللاوعي عند الإنسان، ليقوم عند مواجهته لموضوع خوفه، وبصورة غير إرادية يصعب السيطرة عليها، باستحضار مظاهر الاضطراب التي عايشها عند التعرض لتلك الخبرات للمرة الأولى، وبشكل قد يكون أكثر تضخماً وحدة.
في أسباب الظاهرة:
كأي ظاهرة أخرى تعصى على الانحصار ضمن إطار الأحادية السببية، فإن لظاهرة "الإسلاموفوبيا" أسباب متعددة تتفاوت في أهميتها وقوتها، بيد أنها تتضافر فيما بينها لتشكيل الظاهرة على النحو الذي تتراءى به. وفيما يلي محاولة لاستعراض أبرز الأسباب التي يمكن أن تكون مسؤولة عن إيجاد تلك الظاهرة:
أولاً ـ احتشاد التاريخ بالكثير من وقائع الصراع بين الإسلام والغرب:
قد يمكن القول إن الفتوحات الإسلامية التي بدأت منذ عهد الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وتوسعت حدودها وآفاقها على امتداد قرون طويلة لاحقة، قد شكلت بما ارتبط بها وتمخض عنها من دحر جحافل الروم وتهديم معاقل وجودهم في المناطق التي اكتسحتها راية الإسلام، أولى وأبرز الخبرات المؤلمة التي تعرض لها الغرب في علاقته بالعالم الإسلامي، تلك الخبرات التي غرست بذور الخوف من الإسلام في ذهنيته، وجعلته يطور نزوعاً مرضياً يحكم تفاعله مع ذلك الدين وأتباعه. فعلى سبيل المثال، وبعد الهزيمة المنكرة التي منيت بها جيوشه الجرارة في معركة اليرموك في السنة السادسة عشرة للهجرة، التي ترتب عنها جلاء الاحتلال الرومي عن المنطقة العربية حيناً من الدهر، أثر عن (هرقل) عظيم الروم قوله: "السلام عليك يا سوريا، سلاماً لا لقاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومي بعد الآن إلا خائفاً"(1).
ويزخر التاريخ بسلسلة لا تكاد تنتهي من الخبرات غير السارة التي اتخذت طابعاً دموياً في كثير من الحالات، التي كرست النظرة المرتابة، بل العدائية، من جانب الغرب ـ وهو الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية ـ حيال الإسلام وأهله. إذ لم تتوقف تلك الخبرات المؤلمة عند حدود معركة اليرموك المشار إليها بكل تأكيد، بل تعدتها إلى سلسلة طويلة من مواقف المجابهة العنيفة، التي سجلها التاريخ في العديد من المعارك الحاسمة، التي جسّد بعضها، أو كاد، تهديداً جدياً للعالم الغربي، كفتح الأندلس سنة 91 هـ، ومعركة بلاط الشهداء (لابواتيه) سنة 114هـ، التي لو انتصر المسلمون فيها لدخل الإسلام إلى باريس نفسها، وفتح القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 857 هـ ...الخ قائمة لا تكاد تنتهي من وقائع الصراع الدامي بين الجانبين.
ويبدو أن التفاعل المباشر لأبناء الغرب مع المسلمين لعقود طويلة، سواء في سياق احتلالهم بعض الديار الإسلامية إبان ما عرفت عند بعض المؤرخين بالحروب الصليبية، أو في إطار استفادتهم عن طريق رحّالتهم وطلابهم من النهضة العلمية والحضارية التي ازدهرت في كثير من مدائن العالم الإسلامي، يبدو أنه لم يكن كافياً للنجاح في تبييض الصورة القاتمة التي رسموها في أذهانهم تجاه الإسلام وأتباعه، بوصفه ديناً دموياً لا يمكن أن يقترن إلا بالعنف والتخلف والإرهاب!.

* باحث عربي في قضايا الاجتماع والسياسة، sulimankhy@yahoo.com

(1) تمام، أحمد. معركة اليرموك وانحسار دولة الروم، مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني (إسلام أون لاين) على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle22.shtml
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59