عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2012, 12:25 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
23 النظريتان الشكلية والخلقية في النقد العربي


بسم الله الرحمن الرحيم

النظريتان الشكلية والخلقية في النقد العربي


عرف النقد العربيّ القديم – كما يعرف النقد الأدبيّ الحديث اليوم- اتجاهين كبيرين أساسين شكلا صورته العامة، وقد أطلق عليهما بعض النقاد المعاصرين مصطلحيْ: النظرية الشكلية، والنظرية والخلقية. وقد تفرعت في النقد الحديث عن هاتين النظريتين اتجاهات ومناهج أدبية ونقدية كثيرة، حملت مسميات مختلفة، ولكنها لا تخرج في صورتها العامة عن مفهوم هاتين النظريتين.

وقد عُرفت في نقدنا العربي القديم هاتان النظريتان: الشكلية والخلقية، وعاشتا مترافقتين، وبقدرٍ من التوازن إلى حدٍ كبير.

وُجد في التراث العربي أدباء ونقاد عُنُوا بالشكل عنايةً كبرى، وربما تطرفوا حتى أسقِطوا من قيمة المعاني كما نعرف عن قدامة بن جعفر مثلاً، أو ربما لم يهتموا كثيرا بدور الأدب وأثره في الدين والأخلاق والتربية والمجتمع. وهم فئةٌ قليلة، لا تمثل اللوحة الكبرى للنقد العربي القديم. ومن أسف أن يعتمد بعض الباحثين العرب المعاصرين على أقوال هؤلاء وحدها في تعميم الحكم على النقد العربي التراثي بأنه نقدٌ جماليٌ شكليٌ، عُني بطبيعة الأدب، ولم يعن بوظيفته أو دوره الخلقيّ والاجتماعيّ. أي إنّ هذا النقد كان ينطلق من النظرية الشكلية وحدها، ويتشكّل في ضوء مفاهيمها.

ومن الأقوال الزاعمة هذا الزعم:
قال رئيف الخوري: "طغى على أدبنا القديم جانب (الإستاطيق) أو علم الجمال، ولا سيما في العبارة، فكان نقادنا القدامى ينظرون إلى الأثر الأدبي - في الأعم الأغلب – من حيث هو مبنى، فيلتمسون وجهَ الجمال في لفظةٍ معبرةٍ وقعت موقعها، أو في تركيبٍ بليغٍ، أو قافيةٍ محكمة التركيز، أو التفاتةٍ بارعةٍ، أو تشبيهٍ أو مجازٍ مبتكر. وإذا أعاروا جانبَ المعنى اهتمامهم فلينقدوه من حيث موافقته لمقتضى الحال. يقرؤون قصيدة شاعرٍ فيحكمون عليها من حيث قُصِدَ إلى المدح والإطراء، لا من حيث هي صدقٌ وصوابٌ وحقٌ بالقياس إلى الموضوع.. "[1]

وقال محمود الربيعي: "الناظر في النقد العربي القديم لا يجد فيه ما يُشير إلى اعتناق النقاد لذلك المذهب التعليمي الذي يربط الشعر بغايات أخلاقية محددة، ولكنه يجد فيه ما يشير إلى عكس ذلك. والحق أن المقاييس التي كان يقوم عليها نقد الشعر عند العرب مقاييس فنية خالصة في عمومها، أما الأخلاق – التي كانت تعني في نظرهم التعاليم الدينية والأهداف التعليمية – فقد كانت خارجة عن مهمة الشعر.. "[2]

وقال عز الدين إسماعيل: "الملاحظة التي وقف عندها النقد العربي – وأصر في كل حالة على موقفه – هي أن الفن لا يمكن أن يعيش في كنفِ الدين أو الأخلاق، وكأن الأهداف الدينية والأخلاقية لا تأتلف وطبيعته، وكأن استهداف أوجه الخير يُضعفُهُ كما قال الأصمعي.."[3]

وقال في موضع آخر: "من الظواهر الغريبة في عهد بني أمية أن يُصبح الأخطل- وهو نصراني – شاعر الخلافة في فترةٍ من الفترات. وقد يكون لذلك تفسيراتٌ مختلفة، ولكن التفسير اللازم هو أن هذا الموقف لم يكن غريباً في أمةٍ تفصل فصلاً تاماً بين الشعر والدين، أو تجعل النزعة الدينية من معطلات الشعر.."[4]

وقال في موضع ثالث: "انتهى مفهوم الأدب عند العرب إلى أنه صناعة.. وإن الاتجاه العام إلى اعتبار الجمال في الشكل دون المحتوى.. ولم يدخل الناقد الموضوعي محتوى العمل الأدبي، على أساس أن المحتوى يتَّصل بشيءٍ آخر سوى الجمال.. "[5]

وقال عز الدين إسماعيل كذلك: "لم يكن النقاد منعزلين عن الشعراء، فوقفوا بجانبهم في موقفهم، ولم يتخذوا من الدين أو الأخلاق أساساً يرفعون به شاعراً ويخفضون آخر، واستبعدوا الخيرية من ميدان الحكم النقدي، وربما رأوا منزع الشر أقرب إلى طبيعة الشعر، أو أنه على الأقل مما يَحسُنُ بهِ قول الشعر.."[6]

وقال كذلك: "إن المؤثر الديني- سواءٌ في الجاهلية أو الإسلام- لم يستجب له الشعراء، وكأن فترة ظهور الإسلام كانت فترة عارضةً في حياة هذا الشعر ما لبث أن تحول بعدها إلى مجراه الأول واتجاهه القديم، فترك الدين، وترك الأخلاق؛ ترك لهما ميدانهما، ووقف بعيداً لا يكاد يتأثر بهما، بل لعله كان يتأثر بهما تأثراً سلبياً.."[7]

بل إن عزّ الدين إسماعيل يذهب إلى أبعد من ذلك ؛ إذ يجعل النقد العربيّ منتميا إلى نظرية "الفن للفن " الغربية بكل ما ترتبط به هذه النظرية من مرجعية فلسفية هي أبعد ما تكون عن طبيعة الفكر العربيّ في تلك الحقبة من تاريخه. يقول: "إن نظرية الفن للفن أساسية وطبيعية في الفن العربيّ، لا في الفن التصويريّ فحسب، بل في الفن القوليّ كذلك.." [8]

وجعل محمود الربيعي ارتباط الأدب بالأخلاق تياراً جديداً لم يعرفه التراث ا لعربيّ، وإنما هو نزعة دخلت النقد العربيّ عن طريق الفكر الأوروبيّ. يقول: "ينبغي أن يكون واضحا منذ البداية أن الذين دعوا إلى أن يكون الأدب هادفا في النقد العربيّ الحديث يدينون بأفكارهم هذه – دون أن يكون في ذلك ما يعيبهم – للفكر الأوروبيّ، سواء منهم من يلتزم بفكر مذهبيّ بعينه كسلامة موسى، أم من كان – ولا يزال – يصدر عن مذهب خاصّ هو المذهب اليساريّ في الفكر عموما، وفي الفكر النقديّ بصفة خاصّة، مثل محمود أمين العالم.."[9]

وكان موقف بعض الدارسين – على خطئه كذلك – أكثر اعتدالا من هذه الأقوال التي سقنا بعضا منها؛ إذ لم ينكر وجود هذا التيار الهادف في التراث النقديّ العربيّ، ولكنه ربطه بطائفة من رجال الدين والأخلاق والحكام، ونفى أن يكون هذا الاتجاه موجودا " عند نقدة الأدب الخالص الذين يزنون الشعر بميزان الفنّ الخالص.."[10]
المصدر: ملتقى شذرات

__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59