عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 06-13-2013, 01:24 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

(الجزء الثالث)
أطماع إسرائيل في مياه لبنان وسوريا والأردن

إن ما يثير القلق هو ذلك الضجيج الذي يثار حول الحروب المقبلة من أجل الذهب الأبيض في الشرق الأوسط, وحول الإدعاء بأن السنوات العشرين القادمة, ستكون سنوات الماء بعدمـا كانت السـنوات السابـقة سنوات النفط مع ما يستبطن ذلك من ترويج لمنطق القوة والاحتلال.
وعلى ذلك فان خريطة المنطقة في نظامها الإقليمي الجديد, سترسم وفقاً للخريطة المائية, وإن الأمن القومي العربي الشامل لن يكون ممكناً بمعزل عن الأمن المائي.
فالمعطيات الجغرافية والمناخية والسكانية للبنان أولاً في فصل الأمطار يقتصر على خمسة أشهر في السنة وعلى ما مجموعه نحو 90 يوماً ماطراً, بينما يسود الجفاف الفترة المتبقية.
و كذلك المصادر المائية السطحية والجوفية تقتصر على التساقطات السنوية فوق الأحواض المائية الداخلية, وبالتالي فإن متوسط ميزان الأمطار السنوي يقدر بـ8.6 م3, يتبخّر منها النصف, ويسيل الربع نحو البحر ونحو البلدين المجاورين سوريا وإسرائيل.
يعتبر نهر الليطاني من أهم الأنهر اللبنانية الذي تبلغ مساحة حوضه 2168 كلم2 وطول مجراه 170 كلم، وتصريفه الوسطي عند المصب 793 مليون م3/سنة.
ويشكل هذا النهر العصب المائي للبنان وترتكز عليه مخططات الإنماء المائي ¬ الزراعي المتكامل لمناطق البقاع الجنوبي وجنوب لبنان لري مساحة 54 ألف هكتار ولتزويد 264 بلدة وقرية يبلغ مجموع سكانها الحالي 794 ألف نسمة, أي نحو خمس سكان لبنان.
ولقد جرى تجهيز واستثمار القسم العادي من هذا النهر بإنشاء سد القرعون "220 مليون م3" ومجموعة مساقط الطاقة الكهربائية الثلاثية المرتبطة به منذ الستينات.
ويتابع لبنان تنفيذ مشروعات الري ومياه الشرب المخططة من مصادر الليطاني العليا هذه, لينفذ تجهيز القسم الأوسط بإنشاء سد الخردلة "128 مليون م3" ومشروع الري التابع له.
ظلت النزاعات القائمة حول مسألة المياه بين إسرائيل وكلاً من سوريا ولبنان, تتمحور حول مصادر مياه الجنوب اللبناني والجولان وعلى نهر الأردن, وكانت في صلب أسباب الحروب والتعديات منذ قيام دولة إسرائيل.
والآن أصبحت إسرائيل تؤمن حالياً الجزء الأكبر من احتياجات المياه من خارج حدود حرب حزيران 1967, وتتأتى مصادر المياه هذه من التغذية الجوفية من جنوب لبنان والجولان. وهكذا, فإن معادلة الأرض مقابل السلام وعمق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة, يحكمها شرط استراتيجي إسرائيلي هو الحفاظ على السيطرة على منابع نهر الأردن.
وعلى ذلك فان الأمن المائي الإسرائيلي, ضمن تنامي العجز, مرتبط بالاحتفاظ بالسيطرة على مصادر مياه الأردن العليا.
وعليه فإن الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية أبعد من أن تكون ظرفية بل هي في صلب الإستراتيجية الإسرائيلية التي جرّت خلال نصف القرن المنصرم وحتى اليوم الكثير من الحروب والاعتداءات على لبنان.
في الواقع إن إسرائيل تستأثر بكامل كمية تصريف نهر الحاصباني- الوزاني، ومن ضمنها حصة لبنان القانونية, وقد سيطرت بفعل الواقع الأمني الذي فرضته على القسم الأوسط من مجرى نهر الليطاني، مما منع لبنان من تنفيذ مشروعه للتخزين والري على هذا القسم.
ادعت إسرائيل أن الترابط الجوفي بين حوضي الحاصباني (نهر دولي) والليطاني (نهر داخلي لبناني بالكامل) تدعيماً لأطماعها في مياه الليطاني, ولقد دحض لبنان هذه المقولة بالاسنادات الجيولوجية والهيدرولوجية.
وكان على لبنان التصدي للمخططات الإسرائيلية, لأن مصادر المياه المتاحة لديها محدودة وآفاق العجز المائي مرتقبـة في المنظــور القريب, وعليه يجب تقـف السلطــات اللبــنانية موقفـاً قانـونياً حازماً لجـهة الحفاظ على الثروة المائية الوطنية ولجهة إزالة الاحتلال الإسرائيلي أرضاً ومـياهـاً, إلى جانب استمرارها في مخططــات تنمية مصادر المياه والتربة في حوضي نهـري الليطاني الأوسـط والأسـفل والحاصبـاني والوزاني.
وعلينا أن نعرف أن احتياجات إسرائيل المائية الحالية والمستقبلية وحاجتها الماسة لمياه الأنهار الموجودة في لبنان والجولان لأغراض التوسع والاستيطان و*** المزيد من المهاجرين الجدد، قد بلغت بحدود 2.1 مليار متر مكعب - ضمنها 80 مليون م3 للفلسطينيين و 50 مليون م3 للأردن، ومن المتوقع حسب معطيات شركة مكوروت، (أكبر شركة مياه في إسرائيل) أن تصل هذه الكميه إلى 2.8 مليار متر مكعب عام 2020. وتتزود إسرائيل باحتياجاتها المائية من ثلاث مصادر:
1- مياه من مصادر طبيعيه وتقدر بـ 1550 مليون متر مكعب.
2- معالجة مياه الصرف التي تبلغ 400 مليون متر مكعب وتستغل للري الزراعي.
3- تحلية المياه بطاقة قدرها 130 مليون متر مكعب.
أما المياه الطبيعية فتحصل إسـرائيل عليها من ثلاثة مصادر رئيسية وهي:
-الخزان الجوفي الغربي "الساحل".
2- الخزان الجوفي الشرقي، المرتفعات الجبلية الشرقية بالضفة الغربية لنهر الأردن.
3- بحيرة طبريا.
إن كل من هذه المصادر تزوّد إسرائيل بما يقارب الثلث من احتياجاتها المائية، ولكن بما أن البحث يدور حول الجولان المحتل بطاقته المائية ومكانته في إستراتيجية مفهوم "الأمن القومي"، سيتم التركيز على أهم مصادر إسرائيل المائية، ألا وهو بحيرة طبريا.
- بحيرة طبريا
تبلغ مساحة بحيرة طبريا 170 كم مربع، أما سعتها المائية فتبلغ 4.30 مليار متر مكعب في أعلى مستوياتها، (وهو ما تسميه سلطات المياه الاسرائيليه "الخط العالي" ويقع على ارتفاع 208- م عن سطح البحر)، وفي أدنى مستوياتها عند "الخط الأحمر، (وتقع على ارتفاع 213- م عن سطح البحر ) تبلغ سعة البحيرة 3.60 مليار م3، وبناء على هذا التعريف " الخط الأحمر"، تحدد السلطات الإسرائيلية قدرة بحيرة طبريا على التخزين الفعلي بـ 700 مليون م3 ، الفارق بين "الخط الأعلى" و" الخط الأحمر"- فقط.
تتجدد الثروة المائية في البحيرة من المصادر المائية التي تصب فيها، وأهم هذه المصادر:
1-نهر الأردن الأعلى: والذي يصب في البحيرة من الطرف الشمالي حاملاً إليها ما يقارب 600 مليون متراً مكعباً من المياه سنوياً، تغذي ينابيع الجولان وجبل الشيخ روافد نهر الأردن الأساسية، وأهم هذه الروافد في حوضه الأعلى:
-الحاصباني: ينبع من لبنان عند بلدة حاصبيا، ويمتد بمقدار 21 كم في الأراضي اللبنانية ثم يخرج منها إلى فلسطين/ إسرائيل ليتصل بعدها بنهر الأردن، يبلغ معدل التصريف السنوي لنهر الحاصباني نحو 150 مليون متراً مكعباً، أما مساحة حوضه فتبلغ 526 كم مربع وتساوي 38% من مساحة حوض نهر الأردن الأعلى ( 1380 كم مربع)، وتشكل المنحدرات الغربية لجبل الشيخ مصادره الرئيسية لتغذيته بالماء.
-نهر بانياس: وينبع من قرية بانياس السورية في الجولان المحتل ويبلغ طول مجراه نحو 9كم، منها 2 كم في سوريا، ويبلغ تصريفه السنوي 120 مليون متراً مكعباً، أما مساحة حوضه فتبلغ 158 كم مربع.
-نهر اللدان (دان): هو أحد روافد نهر الأردن الرئيسة وينبع من سفوح جبل الشيخ, إلى الغرب من قرية بانياس السورية من منطقة تل قاضي، ويبلغ معدل تصريفه السنوي من المياه 270 مليون متراً مكعباً، يلتقي اللدان مع نهر بانياس بعد 4كم من قرية منصورة الفلسطينية (المدمرة) ثم يتحد بعد ذلك مع نهر الحاصباني ليشكلوا الثلاثة بداية نهر الأردن.
بالإضافة إلى ذالك، يتغذى نهر الأردن في جزئه الشمالي بـ 20 مليون متر مكعب من الوديان و 50 مليون متر مكعب من الينابيع، وتتغذى بحيرة طبريا مباشرة بـ 67 مليون متر مكعب من الأمطار المباشرة فوق البحيرة، 6مليون متر مكعب من الينابيع المالحة(بعد التحويل) وما يقارب الـ 100 مليون متر مكعب من سيول الجولان والجليل.
2-الحوض الأوسط للنهر: ويشمل أساساً بحيرة طبريا ونحو 3 كم من مجرى النهر الخارج منها حتى قبيل التقائه بنهر اليرموك، ويرفد البحيرة 800مليون م3 سنويا من الأنهار التي سبق أن ذكرها إضافة للوديان ومياه السيول التي تصب فيها وأكثرها من هضبة الجولان، بالإضافة للينابيع المنتشرة حولها أيضا والتي تستقبل المياه المنحدرة من الهضبة.
3-الحوض الأدنى للنهر: ويشمل 200 كم من مجرى النهر، ويبدأ من التقاء اليرموك مع مجرى النهر بعد خروجه من بحيرة طبريا، وينتهي بمصبه في البحر الميت، وفي هذه المنطقة يتلقى النهر القسم الأعظم من إيراداته السنوية المائية من نهر اليرموك الذي يغذي نهر الأردن بـ 475 مليون م3 سنويا من المياه، وتقع ينابيعه العليا في سوريا (الجولان وحوران)، وتصب فيه أودية مهمة من سوريا مثل وادي الرقاد الصغير الذي ينبع ويسير في الجولان ليصب في واد آخر ليشكلان وادي الرقاد الكبير.
يبلغ طول مجرى نهر اليرموك 57كم منها 47 كم في سوريا، ويشكل جزءا منه الحدود السورية الأردنية إلى أن يدخل (فلسطين المحتلة- إسرائيل)، قبل التقائه نهر الأردن بقليل.
بعد احتلال الجولان أصبحت إسرائيل تسيطر على 50% من مجرى نهر اليرموك، مقارنة بـ 10% قبل الاحتلال.
-حوض بحيرة طبريا (حوض التصريف):
تمتد حدود حوض بحيرة طبريا إلى الشمال حتى حوض نهر الليطاني، وإلى الجنوب حوض اليرموك وإلى الشرق حوض الرقاد، أما جبل الجرمق (ميرون) فيشكل حدوده الغربية.
يمتاز هذا الحوض عن حوض الساحل وحوض الجبال، باستغلال مياهه السطحية بالأساس والتي تصب على مدار السنة في نهر الأردن، بالإضافة إلى جودة مياهه - ملوحة منخفضة، أما مياه الحوض الجوفية فلم يتم استغلالها إلا بكميات قليله: 20 مليون م3 من الجليل الأعلى الشرقي، 13 مليون م3 من الجولان و 30 مليون م3 من غرب بحيرة طبريا.
تبلغ مساحة هذا الحوض 2,730 كم مربع، منها 660 كم مربع يقع داخل الحدود اللبنانية، وإذا أضفنا مساحة الجولان المحتل ( 1158كم مربع )، يتبين لنا أن ما كان يخضع للسيطرة الإسرائيلية من مساحة هذا الحوض قبل احتلال الجولان (عام 1967)، هو ما يقارب 900 كم مربع أي ثلث المساحة الكلية فقط.
تشكل بحيرة طبريا ما يقارب 6% من مساحة الحوض الذي يزودها بمعدل مليار م3 في السنة، يتبخر من هذه الكميه 270 مليون م3، ويتم استغلال 250 مليون م3 في الشمال فيما يتم سحب 450 مليون م3
لم تحتل مسألة المياه أولوية في العقل الرسمي العربي، رغم أنها مسألة حياة أو موت، بالنسبة للدول العربية إلا بعد ظهور خطر سرقة المياه العربية سواء من قبل إسرائيل أو إيران وتركيا، وأصبحت مسألة المياه لا تخلوا منها كل المؤتمرات الرسمية وخصوصا مؤتمرات القمة.
الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن المائي العربي:
1- هو التعامل مع قضية المياه على أساس أنها قضية قطرية، فالأنهار والمنابع والأعداء مشتركون.
2- كما أنه لا يجب التعامل مع قضية المياه على أساس أنها قضية عادية، ولهذا تخضع شروط اختيار إدارتها لمقاييس الجهوية والفئوية والعشائرية والطائفية والولاء السياسي قبل شروط المعرفة والوعي والانتماء للوطن.
أما بالنسبة للأخطار الخارجية تبدأ من كون منابع الأنهار الهامة موجودة خارج البلاد، تحت سلطة خارجية، مثل تركيا وإيران، ودول أعالي النيل، وحتى لبنان والأردن وفلسطين، فإن وجود إسرائيل يشكل الخطر الأكبر بسبب اعتبارها المياه عنصرا ضروريا من عناصر ديمومته.. وهو يشكل خطرا أكبر من خطر دول المنابع الخارجية.
فلا يمكن أن تتوصل إسرائيل إلى اتفاق في الجولات بسبب المياه، لأن إسرائيل لا توجد لها أي نوع من الضمانات أن تبقي المياه لها لو انسحبت من الجولان.
تعتبر محدودية مصادر المياه والقيود المرتبطة بها، واحدة من المعوقات الأساسية في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث من المحتمل أَنْ يَكُونَ لتلك الظاهرة تأثير هامّ على مجريات التنمية الاقتصادية لدى منظومة بلدان الشرق الأوسط.
وتعد أزمة المياه من أهم الأزمات التي تفتح على الكثير من التساؤلات حول مصير العلاقات الدولية البينية، على اعتبار أن أزمة المياه ربما تشكل سببا مباشرا أو غير مباشر للحروب في المستقبل، وهو ما تحدث عنه بن غوريون في عام 1955 بقوله "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل".
ونظراً لأن الماء يعتبر من أهم أجزاء الأمن القومي، فإن معرفة واقع الثروة المائية من حيث مخزونها وإمكانية تجددها، وتنوع مصادرها واستثمارها وكيفية تحسين نوعيتها وضمان توافرها بالقدر الذي يلبي حاجة الاستهلاك البشري، يعتبر المدخل الرئيسي للوقوف على الحجم الحقيقي لأبعاد أزمة المياه في الشرق الأوسط، خاصة وأن تناقص كمية المياه المتاحة من الثروة المائية، وبالأخص مياه الأنهار المشتركة والأحواض الضخمة التي تتأثر بها، انعكس سلبا على الزراعة، وبخاصة على المحاصيل الإستراتيجية المهمة مما يرفع عوامل عدم الاستقرار ويعرض إنتاجها إلى المخاطر.
وحسب تقرير علمي نشرته أخيراً مجلة "دير شبيغل" الألمانية، فإن المنطقة التي تشمل بلدان العراق وسورية والأردن وفلسطين المحتلة إلى تركيا وحتى إيران، قد تتعرض إلى تحولات مناخية خطيرة، تؤدي بدورها إلى جفاف الأنهار بتأثير ارتفاع الحرارة في العالم، وتتحول الأراضي الزراعية بحلول منتصف القرن الحالي إلى صحراء قاحلة، هذا التقرير المتشائم، بات الآن محل بحث ودراسة معمقة في الأمم المتحدة ومنظمات أخرى معنية، لتقديم الحلول العاجلة قبل فوات الأوان.
وتعود ندرة المياه إلى النمو السكاني المتزايد، وعمليات التنمية الصناعية، والاتجاهات العمرانية التوسعية، وسوء الاستغلال للموارد المائية في ظل الثبات النسبي للمياه، كما تحذر كافة الدراسات من المخطط الإسرائيلي لسرقة المياه السورية واللبنانية والأردنية وكذلك محاولاتها للسيطرة على منابع الأنهار.
ويعتبر تقاسم المياه مع دول الجوار واحدة من المشكلات التي تواجه تلك الدول، فهناك مشكلة تقاسم مياه اليرموك، والفرات ودجلة، عدا احتلال إسرائيل للجولان، وحرمان سوريا من واحد من أهم خزانات المياه في المنطقة، إذ يعتبر الجولان المحتل من المناطق الغزيرة المطر، وتمتد فيه فترة الأمطار من شهر أيلول إلى شهر أيار، بمعدل يتراوح بين 1000مم و 450 مم، كما تغطي الثلوج جبل الشيخ، طيلة فصلي الشتاء والربيع، وتقدر كميه مياه المطر التي تتساقط على الجولان بـ1200 مليون متر مكعب سنوياً، يتبخر ما بين 40-50% ويتسرب إلى باطن الأرض حوالي 35%، ويجري الباقي على شكل سيول باتجاه نهر الأردن، وبحيرة طبريا، ونهر اليرموك، ومسعدة.
ولقد قامت إسرائيل بتنفيذ مشاريع لاستغلال المياه في الجولان المحتل لتأمين مياه للمستوطنات وللأراضي المحتلة.
أما عن الكمية المهدورة من المياه، فان «هناك 4 مليارات متر مكعّب تهدر سنويا تتوزّع بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى جزء من الكمية التي تتسرّب من جوف الأرض إلى البحر المتوسّط» من خلال الينابيع تحت البحرية المنتشرة على طول الساحل السوري واللبناني من الاسكندرون وحتى شمال فلسطين.

أهمية المياه في منطقة الشرق الأوسط:
1- أهمية المسألة المائية في إقامة الدولة "الإسرائيلية.
2- المياه وقوة الدولة.
3- فشل الحلول التقليدية لمعالجة مشكلة النقص في المياه وضرورة التكامل.
4- تحتاج مختلف بلدان المشرق لكميات كبيرة من المياه تترافق مع النمو السكاني المتزايد.
5- المياه في منطقة المشرق هي عنصر أساسي للتنمية الصناعية.
6- المياه في هذه المنطقة، كما في مختلف مناطق العالم, تشكل الحجر الأساس للتنمية الزراعية وبالتالي فهي العمود الفقري الذي لا بد منه لقيام "الأمن الغذائي" وللمحافظة عليه.
إن تأمين المياه اللازمة للتنمية البشرية والاقتصادية مرتبط بالأمن الغذائي المرافق للاستقلال السياسي, تشكل الهاجس الأساسي لمعظم دول المشرق، لهذا السبب, نجد أن المياه تشكل عنصراً من عناصر النزاع السياسي والعسكري بين هذه الدول.
إن الصراع على المياه في هذه المنطقة هو صراع بين المستهلك في أسفل النهر والمسيطر على المنبع في أعلاه.
إن فكرة "السيطرة على المنبع" تلغي بشكل أساسي أي دور للقانون الدولي في توزيع مياه أي نهر من المفترض أن يسمى دولياً، بسبب عبوره لبلدان عدة.
إن إلغاء دور القانون الدولي في التوزيع العادل للمياه, يعطي لهذا المورد الطبيعي دوراً جيوستراتيجياً كبيراً كعنصر من عناصر قوة الدولة, لاسيما الاقتصادية والسياسية منها وحتى كعامل أساسي لإقامة أي دولة.

إدارة أزمة المياه بين سوريا ولبنان:
من المعروف أن موارد المياه مشتركة بين لبنان وسورية، من الحدود الشمالية إلى جبل الشيخ، بحوالي 385 كلم، تعكس الوضع القائم على امتداد الحدود من النواحي الطبيعية والاجتماعية، يؤلف نهرا العاصي والكبير أهم المياه السطحية، ولكن الصخور الكامنة للمياه الجوفية والمشتركة على امتداد تلك الحدود، تعتبر ذات أهمية عالية أيضاً، وتبين الدراسة بأن هذه الموارد تتعرض لضغوطات متزايدة إضافة إلى ما هو قائم حاليًا، وذلك بسبب التغيرات المناخية التي تلف الأرض قاطبة، وتدعو للاستفادة القصوى من هذه الموارد.
إن وقوع لبنان وسورية في منطقة الشرق الأوسط حيث ندرة المياه، وحيث الضغوطات والطلب على المياه يتزايدان، تتطلب إدارة صحيحة وحديثة لتلك الموارد، كما أن المقتضيات السابقة في استخدام المياه وآليات ضبطها الضعيفة، وتأثرها بالنواحي البيئية قد زادت بشكل أثَر سلباً على توفرها، مما يجبر المسئولين على ضرورة مراعاة ذلك الوضع، عليه تقود الدراسة إلى التشديد على أن تلك الإدارة لا تصح سوى بإتباع المشاركة التكاملية بين البلدين، على أن تستوي المنافع والغايات للمجتمع المحلي، كما أن المتطلبات الحديثة بمراعاة الشأن البيئي ونوعية المياه، وما يتطلب ذلك من قدرات كبيرة، يزيدان بضرورة اعتماد التوجه البيئي كأساس في الإدارة المشتركة الصحيحة.
إن المواضيع المتعلقة بالمشاكل البيئية، مظهرة الدوافع، والاستجابات، والراهن، والآثار، ويأتي من ضمنها الأولويات، والتغيرات المناخية، واحتياجات التنمية، والتلوث، والمعايير، والأنظمة الايكولوجية...الخ .
تُظهر أهمية توفر القدرات لتنفيذ المنحى التكاملي، وتدعو بهذا الشأن لإيجاد إطار تنظيمي لقدرات البلدين ليستتب قيام الإدارة البيئية للموارد المشتركة، ويقوم على المؤسسات/القوانين/ التقانات/ والتمويل.
إن تباين أبعاد وآليات الإدارة البيئية المشتركة، وتعدد مراحلها ومستوياتها، داعية للاشتراك في التقويم، والتشخيص، ومعرفة المناحي، والاستراتيجيات، وتحديد الأدوات العملانية المشتركة للوصول إلى التثبت الأخير من خدمة المجتمع في البلدين.

التوصيات الرئيسة التالية:
1- إيجاد إطار مؤسساتي مشترك ودائم لتنظيم إدارة ومتطلبات العمل في مواجهة المشاكل ووضع الحلول لموارد ومصادر المياه المشتركة.
2- تغطية هذا الإطار لكل النواحي المشتركة الهامة: مؤسساتية، وقانونية، وتقنية، ومالية.
3- تركيز التوجه التنظيمي عبر تلك النواحي على شؤون التحديث، المعلوماتية، إدارة الطلب على المياه، التغيرات المناخية، والحفاظ على نوعية المياه.
4- تحديد أولويات الإدارة المشتركة، بخاصة لناحية المخاطر الطبيعية وتأمين معطياتها، ونوعية المياه، واحتياجات المجتمع.
5- تحديد آليات عمل متناغمة لتلك الإدارة بالتشديد على التنسيق بالإستراتيجية، وسياسات العمل والتنفيذ، عبر المشاركة في تقويم المصادر والموارد المشتركة، وتشخيص متطلبات المجتمع، ومعرفة المناحي المستقبلية، واختيار الأنسب للتنمية الاجتماعية المستدامة.

إدارة أزمة المياه بيت سوريا والعراق:
1-تمتين الروابط الاقتصادية بين سوريا والعراق ودول المشرق الأخرى عبر زيادة التبادل التجاري والتعاون في مشاريع الطاقة كتطوير خط أنابيب النفط بين كركوك وبانياس وطرابلس.
2-إنشاء مجلس أعلى للمياه بين البلدين للإشراف على وضع الخطط وتنفيذها والتفاوض مع تركيا كجسم واحد. هذا المجلس يمكن أن يشمل عدة لجان تقنية تضع الدراسات القانونية والبيئية والتاريخية والإعلامية التي تدعم القضية.
3-السعي لحل الأزمة العرقية في كركوك بين الأكراد والعرب والتركمان، والتوصل إلى اتفاق على قسمة المياه والموارد الطبيعية الأخرى داخل العراق، إن معظم روافد دجلة (الزاب الأكبر والزاب الأصغر وديالة) تمر في شمال شرق العراق، وبناء إقليم كردستان السدود العملاقة كسد بخمة قبل التوصل إلى قانون لتوزيع المياه قد يؤدي إلى صراع عرقي طويل على الفُتات. قد يكون التوصل إلى اتفاق صعب المنال لكثرة التدخلات الخارجية، لكن ربما يُكتب له النجاح إذا أدرك الجميع وخاصة الأكراد إن البترول والغاز سينضبان خلال 50 سنة والصراع العرقي إذا حصل سيستنزف الجميع وبدون المياه لن يدوم شيء.
4-عرض تمويل مشاريع تركية لاستعمال الطاقة المتجددة مكان السدود المائية لتوليد الكهرباء، إن الطاقة الشمسية الفوتو- فولتية مثلا تستطيع أن تنتج طاقة سد أليسو باستعمال 7% فقط من مساحة بحيرة السد.
5- الاستثمار بالطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية داخليا والابتعاد تدريجيا عن استعمال السدود لتوليد الطاقة واستعمال المياه للري والحاجات الإنسانية فقط، توليد الطاقة يتطلب إطلاق مياه السد في مواعيد لا تتناسب بالضرورة مع متطلبات الري وقد يؤدي ذلك إلى هدر للمياه، دول الخليج وإسرائيل بدأت تستثمر في الطاقة الشمسية الآن، وسوريا والعراق يمكن أن يفعلا الشيء ذاته، فالمساحات الشاسعة والمناخ الحار يجعلان هذه الطاقة بديلاً عمليا للمياه واستثمار مربح على المدى البعيد.
6- السعي عبر جامعة الدول العربية لقيام جبهة عربية فعالة للدفاع عن المياه العربية في العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين ووادي النيل، وذلك بربط أي تعاون اقتصادي عربي مع دول المصدر بحل مشكلة المياه.
7-تحذير ومقاطعة الشركات الهندسية والبنوك الدولية إذا شاركت بأي من المشاريع المائية غير المتفق عليها بين الدول المتشاطئة حسب القانون الدولي.
المياه أزمة مصادر ومصدر أزمات في الشرق الأوسط:
تعتبر محدودية مصادر المياه والقيود المرتبطة بها، واحدة من المعوقات الأساسية في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث من المحتمل أَنْ يَكُونَ لتلك الظاهرة تأثير هامّ على مجريات التنمية الاقتصادية لدى منظومة بلدان الشرق الأوسط.
ففي ظل النمو السكاني المتزايد وتقدم الصناعات وظهور التكنولوجيا المتقدمة، أصبح الماء كالنفط، من حيث أهميته كمقوم أساسي للتنمية لكونه مورد حيوي للبشر، ونظراً لأن توزيعه متفاوت نسبياً ما بين الوفرة المحدودة والتناقص إلى حد الكفاف والندرة نتيجة شدة الجفاف والشحٍ في توافره، ظهر الكثير من التحديات التي يطرحها هذا المورد الحيوي، وأضحى بالتالي لدى حكومات العديد من الدول هاجساً بان تجعل المياه أساسية في تقويم العلاقات الدولية المعاصرة تجاه بلدانها ومع بعضها البعض .
تعد أزمة المياه من أهم الأزمات التي أطلت على عالمنا المعاصر، وفتحت الكثير من التساؤلات حول مصير العلاقات الدولية البينية، على اعتبار أن أزمة المياه ربما تشكل سببا مباشرا أو غير مباشر للحروب في المستقبل، لهذا يذهب الباحثون الإستراتيجيون إلى اعتبار أن حرب النفط قد انتهت في المنطقة بعد الهيمنة الأميركية، وقد تجلى ذلك بوضوح بعد حرب الخليج الثالثة، وأن الصراع على المياه في الشرق الأوسط سيكون المدخل لمعظم حروب هذا القرن.
إن أزمة المياه باتت تعد مشكلة تضاف إلى جدول أعمال الدول، بغرض العمل على إيجاد أرضية قانونية للمساعدة في حلها وذلك خوفا من أن يشكل عالم الغد ما يعرف بالحرب الزرقاء أو حرب المياه، حيث باتت قضية الماء تعتبر من أخطر القضايا، إن لم تكن بالفعل أخطر قضايانا الداخلية كلها، التي تفرض نفسها بقوة على كثير من خطط حاضرنا ومستقبلنا . فمن المحتمل أن يَكُونَ لقضايا مصدرِ وموارد مياه الشرق الأدنى، الكثير من التأثير الهامّ والجذري على الأطر السياسيِة المستقبليِة للمنطقة.
حيث أن ندرة الماءِ والكلفةِ العاليةِ لتطوير ِمصادره في مناطق ما يُعْرَفُ بالجافة وشبه الجافة كَانَ الشغل الشاغل مُنذُ أمدٍ طويل، خصوصاً في بلدانِ الخليج العربي، حيث لا تتوفر مياه سطحية ولا مياه جوفيّة قابلة للتجديد.
ومع تواصل ازدياد الطلب على الماءِ لخِدْمَة تَوَسُّع السكان، في ظل محدودية موارد المياه العذبة، التي تتجه لأن تغدو من الصعوبة بمكان تَطوير الأحواض المائية القابلة للتجدد.
فتقريباً نجد أن كُلّ المياه المتجددة والقابلة للتجدد مثل الأنهارِ، الجداول، البحيرات، والمياه جوفيّة، والتي تتصف بأنها مصادر المياه التقليدية قد استغلت، والتي بات من الواجب دراسة إمكانية تطويرها بالكامل.
ونظراً لأن المياه بشكلٍ عام والنهرية والجوفية بشكل خاصِ في الشرق الأوسط، قد غدت محور النزاع والصراع المهيمن على كلٍ من السياسات المحلية والخارجية لكافة الكيانات المؤلفة للشرق الأوسط، حيث بات " الماء أكثر أهميَّةً مِنْ النفطِ أَو السياسةِ"؛ وحيث لم يعد بمقدور السياسة القيام بما بتوجب للحد من تلك المشكلة الإستراتيجية، كان لا بد من القيام بدراسة معمقة تبحث بالحلول الجذرية بعيدة الرؤية.
نظراً لأن الماء يعتبر من أهم أجزاء الأمن القومي، فإن معرفة واقع الثروة المائية، من حيث مخزونها وإمكانية تجددها، وتنوع مصادرها واستثمارها وكيفية تحسين نوعيتها وضمان توافرها بالقدر الذي يلبي حاجة الاستهلاك البشري يعتبر المدخل الرئيسي للوقوف على الحجم الحقيقي لأبعاد أزمة المياه في الشرق الأوسط.
خاصة وأن تناقص كمية المياه المتاحة من الثروة المائية، وبالأخص مياه الأنهار المشتركة والأحواض الضخمة التي تتأثر بها، انعكس سلبا على الزراعة، وبخاصة على المحاصيل الإستراتيجية المهمة مما يرفع عوامل عدم الاستقرار ويعرض إنتاجها إلى المخاطر، حيث أن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التي باتت تقع تحت ظروف الطقس الدافئ شتاءً، مما لا يعتبر مناسبا لإنتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والشعير والذرة الشامية، حيث نجد أن معظم الأراضي الزراعية في كل من العراق وسوريا (اللذين يعتبران المصدر الأساسي للثروة الزراعية، تتعرض إلى عوامل تعرية وانجراف التربة بفعل ضعف الغطاء النباتي الناجم عن التغيرات المناخية.
كما تسبب الزراعة المروية في العراق وسوريا إلى تملح كبير في الأراضي الجديدة المستصلحة بسبب سوء إدارة المياه، وعدم وجود نظام صرف جيد، والتي تعاني من تزايد اثر الملوحة نتيجة الري الجائر، مما يؤدي ارتفاع نسبة الملوحة في المياه الأرضية، كما هو الحال في حوض نهري دجلة والفرات، والذي يمتد على معظم مساحات بلدانِ تركيا، سوريا، والعراق .
فضلا عما تقدم نجد أن هنالك مشكلة ناجمة عن تلوث المياه المشتركة من جانب بلدان المنشأ، وكذلك المشاكل المتفاقمة عن ظاهرة التدهور البيئي الذي يؤدي إلى تصحر الأراضي الزراعية وندرة الإمطار.
ويلعب التدهور البيئي دوراً فاعلاً تفاقم المشكلة، فهذا التدهور, بقصد أو من دونه، في مجمله بفعل الإنسان الذي ارتكب جرماً بيئياً كبيراً يصعب محوه أو علاجه.
أهم أسباب التدهور البيئي:
1-بناء السدود وتغيير أنظمة التصريف السطحي: حيث أقامت تركيا وسورية منذ أوائل الخمسينات, ومن بعدهما إيران والعراق, عدداً من السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات, لا سيما بالقرب من المنبع, بغرض التحكم في سريان وكميات المياه الجارية في النهرين.
ويقدر عدد السدود التي تم بناؤها خلال هذه الفترة بما لا يقل عن 60 سداً, في ما يعتبره البعض أكبر حركة بناء سدود عرفتها البشرية وبادرة غير مسبوقة لقدرة الإنسان على التحكم في طاقة الأنظمة النهرية. وللدلالة على مدى تأثير هذه السدود, كان معدل سريان المياه في نهر الفرات بين عامي 1938 و1973 يقدر بنحو 2600 متر مكعب في الثانية, فتدنى إلى أقل من 830 متراً مكعباً بين 1973 و1998 ، وهي الفترة التي تعرف بعصر السدود.
ولم تقتصر عواقب بناء السدود على حجز المياه ومنع تدفقها، بل امتدت إلى جوانب سلبية أخرى شملت تملح التربة وانخفاض جودة المياه وتغير طبيعتها وافتقارها،على قلتها، للطمي والعناصر الغذائية الأساسية التي كانت تعطي التربة خصوبة كبيرة.
2- التجفيف المتعمد: ولأسباب سياسية، ومن خلال تغيير أنظمة التصريف في المنطقة بغرض حجب المياه عنها وتجفيفها. وكانت مشاريع التنمية الزراعية غير المدروسة قد جففت مساحات كبيرة خلال السنوات الثلاثين الماضية. هذا التلاعب بالأنظمة الطبيعية كان له أفدح الأثر على التدهور البيئي.
3-تصريف النفايات والملوثات في مجاري الأنهار: ساهمت العادات الخاطئة وأساليب الإدارة البيئية غير الرشيدة المتبعة في المنطقة مثل تصريف المخلفات الآدمية والنفايات الصناعية والأسمدة الزراعية دون معالجة في تفاقم الوضع نظراً للضغوط التي تسببها تلك الملوثات على النظام البيئي.
إدارة أزمة المياه وتغير المناخ في لبنان:
إن التغيّر المناخي بات يهدد لبنان بشحٍ للمياه، فعلى الرغم من أن لبنان من الدول الغنية بالمياه في الشرق الأدنى، إلا أنه يجب النظر إلى هذه الثروة المائية من ناحية الشح الذي يصيب لبنان في فصل الصيف، مما قد يعني أنّ لبنان يظل بحاجة إلى إقامة خطط للحفاظ على هذه الثروة، إذ أنه لم يستطع الاستفادة من هذه الطاقة الحيوية لري الأراضي الزراعية من جهة، و*** مياه الشفة من جهة أخرى.
إن تغيّر المناخ سيؤدي إلى فقدان عنصر المياه من شح المصادر، سواء أكانت جوفية أو أنهاراً وغيرها، هذا بالإضافة إلى التطور السريع في بناء المدن، والتزايد السكاني حيث الحاجة أكثر إلى المياه، وأن "مسألة المياه بدأت تأخذ حيّزاً اقتصادياً، إذ من الممكن أن يصبح سعر ليتر المياه أغلى ثمناً من ليتر النفط في المستقبل، وهذا ما تؤكده المؤتمرات العلمية، إذ من الممكن أن تحتل المياه مكانة مهمة، إلى جانب النفط على الصعيد الجيوسياسي، فمسألة المياه لم تعد مسألة تقنية فحسب، إنما هي مسألة تستحق الاهتمام والأولوية من الناحية السياسية.
كما أنّ "ظاهرة الاحتباس الحراري أدت وستؤدي إلى مزيد من تغير في قوانين وعادات الطبيعة، حيث تغيرت مواسم الأمطار، ولم يعد يشهد لبنان المطر الخفيف الذي يسمح للأرض بابتلاعه والاحتفاظ به، بل إن المطر المتوسط وثقيل الكثافة يهطل بسرعة مشكلا السيول الجارفة، فيؤدي ذلك إلى انجراف التربة الزراعية وتحويلها إلى تربة فقيرة، بالإضافة إلى ذهاب معظم المياه إلى الأنهار، ومنها إلى البحر، حيث للا يتاحن لم يعد للأرض ابتلاع كميات المياه الهائلة، وبالتالي تعجز عن إمداد الخزانات الجوفية بالمياه.
وبالفعل فإنّ عوارض التغير المناخي بدأت تصيب لبنان الذي أصبح يفتقر إلى فصوله الأربعة التي تميزه عن غيره من دول وتتوقع الدراسات حول التغير المناخي في لبنان أنه سيحدث تغييراً في الأمطار وارتفاع الحرارة بمعدل من 2 - 4 درجات، ذلك إذا ما استمر ارتفاع معدل ثاني اوكسيد الكربون.
ولعل أهم الانعكاسات نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في لبنان، هي على الثلوج ومدى تأثير ذلك على تغذية الينابيع والأنهار، فعندما ترتفع درجات الحرارة في الربيع والصيف، وفي وقت الحاجة إلى المياه ، تذوب الثلوج ويغذي ذوبان الثلوج الجريان السطحي لأكثرية الأنهار بما فيها الليطاني والعاصي، وذلك على حساب تغذية الأحواض الجوفية المائية، مما يجعل فيضانات الأنهر اكبر مشكلة لا يستهان بها.
إن المخزون السطحي الثلجي لدى سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية وجبل الشيخ، هذا المخزون السطحي يلعب الدور الرئيسي في تغذية أحواض المياه الجوفية على طرفيه، ولهذا فإننا نرى أحد الآثار العديدة لتغير المناخ، والتي بدأت تظهر هي محدودية فعل الغطاء الثلجي نتيجة الاحترار العالمي، فالثلج يلعب دورا كبيرا في الأثر الناجم عن فعل التخزين الجوفي، حيث أنّ "ما يجعل الثلج أساسيا هو أن الذوبان البطيء للثلوج مما يمنح التربة الوقت الكافي لامتصاص المياه ، وتخزينها في الأحواض الجوفية لكلٍ من جبال لبنان، وأحواض المياه الجوفية الممتدة على طول جناح السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الشرقية.
وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن معدل درجات الحرارة في لبنان قد ارتفع عبر السنين بشكل ملحوظ، ويبدو أنّ الفصول قد تغيرت، فأصبح فصل الشتاء أقصر، وإن ترافق مع الثلوج، فالغطاء الأبيض على الجبال يأتي ضعيفا وقصير الأمد، وإذا كانت نسبة المتساقطات قد وصلت إلى المستوى المطلوب فان طريقة هطولها قد تغيرت، حيث أنها تأتي بوتيرة اقل، ولكن أكثر غزارة، فتغير المناخ بات أكثر وضوحا عبر الأنماط المتنوعة لهطول الأمطار الغزيرة وطول الفترات الجافة، وبنتيجة ذلك خسر لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية حوالي ألف وستمائة مليون متر مكعب، أي ما يعادل ٥٠٠ مليون متر مكعب في السنة الواحدة، معظمها بسبب التغيرات المناخية.
وينعكس ذلك بشكل مباشر على مصادر المياه المختلفة خصوصا المياه الجوفية التي اخذ منسوبها العام يتدنى بمعدل ثلاثة أمتار في الخزان الجوفي السنومانيان و١.٢ متر في الخزان الجوفي التابع للتكوين الجوراسي، ما اثر سلبا من حيث التلوث في المياه الجوفية، وكذلك في ازدياد ظاهرة تداخل المياه المالحة في الخزانات الجوفية الساحلية، وعليه بات اليوم ضروريا جدا الاستعداد الفعلي على كافة المستويات الوطنية المركزية والمحلية، لمواجهة هذه المشكلة، والتركيز على الإدارة المتكاملة للموارد المائية والأرضية، لترشيد استثمار المياه والموارد الأرضية وتشجيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الصادرة عن الماء والشمس.
من هنا فإنّ المشكلة المائية هي إحدى أهم المشكلات البيئية من حيث حجمها وأسبابها وأبعادها وكيفية مواجهتها، خصوصا أن كميات استهلاك المياه تزداد يوميا، الذي يعتبر من المواضيع الحيوية التي تشغل الرأي العام العالمي، ولا ينبغي تجاهلها لأنها مسؤولية الجميع في سبيل الحفاظ على الموارد الطبيعية وممارسة الأساليب الحضارية في التعامل مع المياه، وتكييف عاداتنا اليومية مع الحلول العلمية التي تقدمها الدراسات العملية في هذا المجال، إذ أنّ الترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه، بحيث يؤدي إلى الإفادة منها بأقل كمية، وبأرخص التكاليف المالية الممكنة، فترشيد استعمال المياه يشكل جزءا من الثقافة البيئية، وهو العنصر الأهم في التنمية المستدامة.
تعد ندرة المياه سبباً في التوترات والاضطرابات السياسية بين البلدان المتجاورة وقد تصل إلى الحروب بين الدول بعضها البعض، وأرجعت ندرة المياه إلى النمو السكاني المتزايد، وعمليات التنمية الصناعية، والاتجاهات العمرانية التوسعية، وسوء الاستغلال الجيد للموارد المائية في ظل الثبات النسبي للمياه، وتحذر كافة الدراسات من المخطط الإسرائيلي لسرقة المياه العربية ومحاولاتها السيطرة على منابع الأنهار العابرة أو التي تصب في الدول العربية بمساعدة أمريكا لتنقص من حصصها.
يقول الخبراء، إن المشكلة الرئيسية فيما يتعلق بنوعية المياه وضبط التلوث، تتمثل بغياب «مقاربة موحدة ومنسقة نابعة عن سياسة واضحة، والافتقار إلى خطة عمل تنسق المهام المختلفة للجهات المعنية وضعف المؤهلات والخبرات القادرة على إعداد "خطط شاملة". هذا ناهيك من غياب معلومات دقيقة للواقع المائي. وعلى صعيد آخر، يعتبر تقاسم المياه مع دول الجوار واحدة من المشكلات التي تواجه تلك الدول، فهناك مشكلة تقاسم مياه اليرموك، والفرات ودجلة، عدا احتلال إسرائيل للجولان وحرمان سوريا من واحد من أهم خزانات المياه في المنطقة، إذ يعتبر الجولان المحتل من المناطق الغزيرة المطر، وتمتد فيه فترة الأمطار من شهر أيلول إلى أيار، بمعدل يتراوح بين 1000مم و 450 مم.
كما تغطي الثلوج جبل الشيخ، طيلة فصلي الشتاء والربيع، وتقدر كميه مياه المطر التي تسقط على الجولان بـ1200، مليون متر مكعب سنوياً، يتبخر ما بين 40-50% ، ويتسرب إلى باطن الأرض حوالي 35%، ويجري الباقي على شكل سيول باتجاه نهر الأردن، وبحيرة طبريا، ونهر اليرموك، ومسعدة.
أما عن الكمية المهدورة من المياه، فان «هناك 4 مليارات متر مكعّب تهدر سنويا تتوزّع بين سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل ، بالإضافة إلى جزء من الكمية التي تتسرّب من جوف الأرض إلى البحر المتوسّط» من خلال الينابيع تحت البحرية المنتشرة على طول الساحل السوري واللبناني من الاسكندرون وحتى شمال فلسطين.
و أن المشكلة الأساسية التي تحول دون استفادة لبنان من ثروته المائية هي عدم وجود إستراتيجية مائية.
ويزداد تفاقم هذا الوضع جراء الطقس الجاف الذي يعني أن كلا من الزراعة وإنتاج الأغذية أصبحا يعتمدان على الري. وباستثناء البلدان المنتجة الرئيسية للنفط، يعتمد الاقتصاد الوطني أساسا على الزراعة، لذا تبدو أهمية الموارد المائية بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية أكثر جلاء.
والطلب على المياه ليس ثابتاً، بل هو في تصاعد مستمر تبعا لزيادة عدد السكان وتحسن مستويات المعيشة، وتشير التقديرات التي أعدتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخرا إلى أن الطلب على المياه تلبية للاحتياجات الزراعية والصناعية والحضرية في البلدان النامية القاحلة سيزيد بنحو 40 في المائة بحلول عام 2030.
وتلعب الموارد المائية دوراً هاماً في اقتصاديات معظم دول الشرق الأوسط، ولكن تختلف هذه الأهمية كثيراً من دولة لأخرى .
وفي الوقت الحاضر، فإن كل الموارد المتجددة تقريبا قد استخدمت بالفعل، كما أن العديد من البلدان لجأ إلى موارد غير قابلة للتجديد، فضلا عن استخدام الموارد غير التقليدية مثل معالجة المياه العادمة والمياه متدنية النوعية.
ولقد سعت بلدان هذا الإقليم خلال العقود الماضية إلى التغلب على هذه المشكلة من خلال تكريس استثمارات ضخمة في ميدان تعبئة مواردها المائية.
والاستمـرار في زيادة كميـات المياه القابلـة للاستعمـال لم يعد هناك خيـارا آخر في أكثـرية بلدان الشرق الأوسط، نظرا إلى أنه لا تتيسر سوى كميات محدودة فقط من الموارد المتجددة، كما أن عملية استخراج هذه الكميات غير القابلة للتجديد هي عملية باهظة التكاليف، وفي الوقت نفسه تتراجع حصة الموارد المخصصة للزراعة (التي تبلغ حاليا 90 في المائة تقريبا) من احتدام المنافسة، وإعطاء الأولوية لقطاعات أخرى، وبناء على هذا، تقوم البلدان حاليا بتحويل سياساتها المتعلقة بالمياه من إدارة يدفعها العرض إلى إدارة يدفعها الطلب.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59