عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-01-2012, 02:44 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي نحو مساهمة مجتمعية في العملية التعليمية بقلم : د صفاء محمد الحبيشي


أقبل القرن الحادي والعشرون والعولمة تفرض نفسها على كل شيء، أقبل بتحدياته التي ينبغي على المجتمعات أن تواجهها في جميع مجالات الحياة ومنها على سبيل المثال التعليم، فمع ولادة هذا القرن أصبح التعليم يعاني العديد من الصعوبات، كتزايد النمو السكاني وازدياد الطلب على التعليم، غياب التعليم الجيد النوعية، غموض الأهداف ونقص التخطيط للسياسة التعليمية، ارتفاع معدلات البطالة وعدم مواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل.
وأدى تنامي الحاجات وتزايد الضرورات والتعقيدات إلى تعالي الأصوات التي تطالب بضرورة إعادة هيكلة التعليم على نحو يضمن الجودة. وقد أثبتت تجارب الشعوب المتطورة أن النهوض بالتعليم لا يتحقق إلا بالمشاركة الكاملة من الجميع. فالتعليم عملية مشتركة بين الدولة والمجتمع وبالتالي ينبغي ألا يقتصر تمويله على الجهات الحكومية، بل يتوجب أن يسهم جميع أفراد المجتمع المؤهلين والقادرين في عملية التنمية بشكل أو بآخر.

وبالنظر إلى العملية التعليمية في الماضي نجد أنها كانت أهلية معتمدة على تبرعات الأهالي ومشاركة بعض التجار في افتتاح المدارس، ونتيجة للازدهار الاقتصادي الذي حدث بعد اكتشاف النفط أصبح تمويل التعليم من مسؤولية الحكومة. ولكن التعقيدات التي تواجهها مجهودات التنمية اليوم ترتب عليها ضرورة التزام المجتمع ككل تجاه قضايا التنمية الأساسية، ذلك أنه ليس هناك من تعارض بين المشاركة المجتمعية وبين الجهد الحكومي، بل بينهما تكامل، فكلاهما يهدف إلى الغاية ذاتها وهي التنمية. ومن هنا يمكن القول إن المشاركة المجتمعية باتت من المفاهيم التي تفرض نفسها وبقوة في السنوات الأخيرة في العديد من المجالات وخاصة مجال التعليم. فماذا تعني المشاركة المجتمعية في التعليم أو التعليم المجتمعي؟
عرفت الأمم المتحدة المشاركة المجتمعية في التعليم على أنه «العمليات التي توحد بين جهود الأهالي والسلطات الحكومية لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحقيقًا لتكامل هذه المجتمعات ومساعدتها الكاملة في التعليم القومي». وهناك تعريفات أخرى له منها:
كاثرين لاكي: «يقصد بالتعليم المجتمعي عملية إعداد للسكان المحليين للعمل لتحقيق أهداف المجتمع ذاته، فيتم تحديد الأهداف وتنظيم الجهود البشرية في الوقت الذي يعمل فيه السكان أنفسهم لإنجاز هذه الأهداف مما ينعكس على حالة المجتمع المحلي فيجعله في وضع مختلف عن وضع آخر يسبقه».
كما عرفته سوسن عثمان بأنه «عملية مقصودة وموجهة ومتكاملة ترتكز على مشاركة واسعة النطاق، وهذه العمليات ذات أبعاد متعددة ومتنوعة وتتطلب تضافر جهود كافة الخبراء بتخصصاتهم المختلفة في الميادين المختلفة، وعملهم كفريق واحد مع ضرورة تدعيم العلاقة التعاونية مع الأجهزة الحكومية تحقيقًا لزيادة فرص إنجاز الأهداف المطلوبة».
وعرفه أنور جرجس بأنه «الأنشطة التعليمية التي تستهدف تحسين جودة التعليم والتي تنفذ من خلال شراكة فعالة وإيجابية من مؤسسات المجتمع وتضافر الجهود الأهلية والحكومية لتقديم تدخلات ومساهمات عينية وغير عينية لإحداث تحسين في جودة التعليم».
مما سبق يتضح أن التعليم المجتمعي هي عملية تعكس رغبة المجتمع واستعداده للمساهمة الفعالة في الجهود الرامية إلى تحسين التعليم وتطويره. فتوفير تعليم جيد النوعية يدعو إلى التوسع في إشراك المجتمع المحلي (منظمات أهلية -مؤسسات غير ربحية -أفراد) في تمويل العملية التعليمية. ونحن إذا نظرنا إلى دور المجتمع في الارتقاء بالمؤسسات الحكومية نجد أن هذا الدور شبه غائب، وذلك لعدة أسباب منها: اهتمام المواطن بالشؤون الخاصة أكثر من العامة، قلة وعي المواطن بضرورة المساهمة في تنمية التعليم، ارتباط مفهوم العمل الخيري والتطوعي بمساعدة الفقراء والمحتاجين، ومركزية النظام التعليمي.
وحتى نستطيع إحداث شراكة حقيقية بين القطاع الحكومي والخاص من أجل النهوض بالتعليم ينبغي التحول من فكرة كون التعليم مسؤولية حكومية إلى فكرة أن التعليم قضية قومية تحتاج إلى دعم ومساندة كافة قطاعات المجتمع، تعزيز مفهوم المواطنة وتعميق روح الانتماء والحب للوطن، والذي يقوم على الإدراك الواعي والمتوازن بين الحقوق والواجبات، مساهمة المؤسسات الإعلامية بأهمية المشاركة المجتمعية في تطوير التعليم، التأكيد على أن العمل الخيري لا يقتصر على مساعدة الفقراء بل يتعدى ذلك إلى المساهمة في التنمية، التحول إلى اللامركزية في إدارة النظام التعليمي.
والمشاركة المجتمعية وإن كانت مطلوبة من كافة الفئات والقطاعات والهيئات والمؤسسات والشرائح الاجتماعية، إلا أنها مطلوبة وبالدرجة الأولى من أولياء الأمور، فهم أصحاب المصلحة الحقيقة في التعليم والمرتبطون به ارتباطًا مباشرًا، وبالتالي فإن دورهم هو الأكبر حجمًا والأشد تأثيرًا، وأفضل مشاركة لأولياء الأمور تكون عن طريق تفعيل مجالس الآباء التي يجب أن يكون لها دور مباشر في إدارة العملية التعليمية وفي اتخاذ القرارات التربوية التي من شأنها النهوض بالتعليم وتحسين جودة البرامج المقدمة. ويمكن لأولياء الأمور تقديم مساعدات ومساهمات عينية وغير عينية، فعلى سبيل المثال يمكنهم المشاركة فيمايلي:
- دراسة المشكلات التعليمية والمساهمة في وضع الحلول المناسبة لها.
- إلقاء المحاضرات التوعوية.
- مساعدة الطلبة الضعفاء في التحصيل.
- إنتاج الوسائل وتصميم البرامج التعليمية.
- دعم المكتبات المدرسية وتزويدها بكل ما هو جديد.
- تجهيز المختبرات والمعامل كمعامل الحاسب الآلي واللغات.
- التوعية الصحية ودعم برامج الصحة المدرسية.
- إقامة برامج تدريبية للمعلمين.
- تمويل التجهيزات الخاصة بالإنارة، التهوية، المواصلات، المرافق.
- دعم النشاط اللاصفي وبرامج الإرشاد التربوي.
- تقديم برامج تعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
- تقديم أنشطة خاصة بالخدمات البيئية.
- رعاية الطلاب الموهوبين والمتميزين.
- تشجيع البحث العلمي وتقديم مكافآت للبحوث المتميزة.
- تقديم الخدمة التعليمية إلى القرى والهجر باعتبارها الأكثر احتياجًا.
- التوسع في إنشاء المدارس الخاصة وفق معايير الجودة الشاملة والاستفادة من التكنولوجيا لتوفير تعليم جيد.
وينبغي أن نعي أن مساهمة أولياء الأمور في دعم التعليم هي مساهمة من المجتمع بكافة قطاعاته، فهم يمثلون شريحة مصغرة للمجتمع بكافة أطيافه وطبقاته وثقافاته، ففيهم الطبيب الذي يستطيع المساهمة في إنشاء عيادة مدرسية أو القيام بزيارات طبية للمدرسة أو المشاركة في برامج الصحة المدرسية. وفيهم المهندس الذي يستطيع المشاركة في المجالات المتعلقة بالبنية التحتية كالمباني والمرافق والتجهيزات. ولا نغفل دور رجل الأعمال القادر على تجهيز المعامل والمختبرات أو الأستاذ الجامعي الذي قد يشارك في إلقاء المحاضرات التوعوية والإرشادية أو المعلم الذي قد يفتتح فصولًا للتقوية لمساعدة ضعفاء التحصيل، حتى العامل البسيط يمكن أن يقوم بدور كبير في خدمة البيئة المدرسية.
وحتى يتحفز الأهالي للمشاركة في قطاع التعليم ينبغي أن تتسم المساهمة بما يلي:
- أن تكون نابعة من المجتمع، تلبي احتياجاته وتحقق آماله.
- أن تعكس شراكة حقيقة بين المؤسسات المحلية والمجتمع المدني.
- أن تكون متناسقة، متوازنة تخدم أهدافًا واقعية ملموسة.
- أن تناسب الإمكانات البسيطة والمتاحة.
- أن تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة في التعليم.
وحتى تكون مشاركة المجتمع للنهوض بالتعليم ناجحة وفاعلة؛ لابد أن تتم وفق آليات واستراتجيات مخطط لها وذلك عن طريق تشكيل لجان أو فرق عمل حسب الاختصاصات والمؤهلات والخبرات؛ بحيث يضم كل فريق ممثلين عن أولياء الأمور-العاملين في قطاع التعليم-العاملين في القطاعات الأخرى-المتطوعين-الطلبة. ويجب أن يتميز هذا الفريق بما يلي:
- القدرة على العمل بروح الفريق.
- القدرة على إدارة الفريق بكفاءة عالية.
- الخبرة في المجالات المختلفة.
- الرغبة في التحسين والتطوير.
- تنسيق الجهود مع المؤسسات الحكومية بما يخدم المصلحة التربوية.
ويكون من مهام الفريق:
- دراسة خصائص المجتمع وتفهم احتياجاته وطموحاته.
- التعرف على الواقع الاقتصادي والاجتماعي لأن هذه العوامل تؤثر على مستوى تطور التعليم.
- التخطيط الجيد المبني على تحليل المشكلات وتحديد الأولويات واتخاذ القرارات.
- توفير الدعم المالي والفني للمدارس وتحديد قيمة المساهمات بعد دراسة الاحتياجات الفعلية لكل مدرسة.
- أن تكون جهود الفريق مكملة لجهود الوزارة مع ضرورة التنسيق والمشاركة في التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
وهناك بعض المعوقات التي قد تحول دون تحقيق النجاح المطلوب للفريق ومنها:
- المركزية المالية والإدارية للنظام التعليمي والتي ترتب عليها:
1- ضعف الصلاحيات المخولة للإدارة المدرسية
2- عدم وجود شراكة حقيقة بين الإدارة التعليمية ومؤسسات المجتمع، فالملاحظ أن مؤسسات المجتمع مازالت بعيدة عن القرار وصياغة الاستراتجيات التعليمية، فهي مقيدة بسياسات الإدارة التعليمية وتعمل تحت إشرافها، ولا تتمتع بأي صلاحية للتطوير أو التحسين، بمعنى آخر لا يتوفر لهذه المؤسسات القوة الدافعة والمؤثرة للقيام بالدور الكافي لإحداث التغيير المطلوب.
والتغلب على هذه الصعوبات يستدعي إدارة التعليم أن تقوم بما يلي:
- رفع القيود التي تعيق المشاركة المجتمعية، وذلك عن طريق تقليل الإجراءات الروتينية واختصارها من حيث الوقت والجهد، وتبني فلسفة ديمقراطية تؤمن لأفراد المجتمع حق المشاركة واتخاذ القرار حول التعليم.
- التحول من المركزية في الإدارة إلى اللامركزية وذلك عن طريق إعطاء المدرسة بعض السلطات والصلاحيات مما يساعدها على الانفتاح على المجتمع كأن تتاح للمدرسة اتخاذ بعض القرارات الخاصة بفتح برامج تدريبية للمعلمين أو فصول تقوية للضعفاء أو صلاحية ترميم المنشآت وتجهيز المعامل والمختبرات أو استكمال العجز والنقص عن طريق تشغيل الخريجين بصورة مؤقتة. والتحول إلى اللامركزية يؤدي بلا شك إلى إدارة أفضل وكفاءة أشمل ومساحة أكبر من العاملين للمشاركة والإبداع والابتكار الذي يهدف في نهاية المطاف إلى دمج المدرسة في المجتمع.
وختامًا أود التنويه بأن التحول إلى اللامركزية لا يعني إلغاء الإدارة المركزية المسؤولة عن تطوير التعليم وتنمية موارده، بل يعني تخفيف العبء والمساعدة والمساندة في التخطيط والتنفيذ والتقويم والقيام بما تقتضيه المواطنة الحقة.
المراجع:
- الأنصاري، أمل. 2007. دراسة المشاركة المجتمعية في تمويل المشروعات التعليمية مكملة لجهود وزارة التربية. وكالة الأنباء الكويتية. www.kuna.net.kw
- السعادات، خليل. 2005. المشاركة المجتمعية والتنمية البشرية. صحيفة الجزيرة. 7 يناير المؤتمر العلمي السنوي الأول عن مستقبل التعليم في مصر بين الجهود الحكومية والخاصة 25-26 يونيو 2002. مشروع البيان الختامي.
- جرجس، أنور. 2007. المشاركة المجتمعية والتعليم المجتمعي مجلة المعلم. www.almualem.net
- شعلان، ثائرة. 2006. المجتمع المدني والتعليم غير النظامي: دور المجتمع المدني العربي في التعليم غير النظامي -دور المجتمع المدني في تحقيق أهداف الألفية الإنمائية نحو شراكة. الكويت 18-20 ديسمبر.
- عبد الحق، محمد. 2001. دور الإعلام في دعم العمل التطوعي في المجتمع. ورقة عمل مقدمة للندوة الثامنة لجمعيات المكتبات في بلاد الشام بمناسبة العام الدولي للمتطوعين.
- عبدو، وسام. 2007. استراتجيات التنمية الحضرية: دراسة الاستراتجية المناسبة لتحقيق تنمية معرفية في دمشق. رسالة دكتوراه. جامعة دمشق.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59