عرض مشاركة واحدة
  #105  
قديم 04-28-2015, 07:23 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,192
ورقة العلمانية المؤمنة، أكذوبة لا وجود لها

العلمانية المؤمنة، أكذوبة لا وجود لها*
ــــــــــــــــــ

9 / 7 / 1436 هــ
28 / 4 / 2015 م
ــــــــــــ




ما أسهل اللعب بالألفاظ والتحايل على العقول في هذا الزمان، سيما في بلادنا الإسلامية التي فشا فيها الجهل، وعلت فيها الأصوات المنحرفة، ووسد فيها الأمر لغير أهله، فأصبحت ألفاظ كثيرة تستخدم في غير مواضعها وبغير معانيها التي وضعت لها، وهي عادة وطبيعة درج عليها الملتوون والمتلونون في هذا الزمان، وفي كل زمان.

ومن الأمور التي سميت بغير أسمائها "العلمانية"، فالعلمانية ترجمة خاطئة لكلمة تحمل مضامين فكرية وعقائدية تختلف مع الواقع الإسلامي، ولذا نحا مترجمو الكلمة نحواً فيه كثير من الخداع؛ لتزيين هذه الكلمة وتحسينها، كي تقبل ولا ترفض في الواقع الإسلامي.

يوضح الدكتور سفر الحوالي هذا الأمر في كتابه عن العلمانية بقوله: ""لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (secularism) في الإنجليزية، أو (secularite) في الفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بالعلم ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (scientism) والنسبة إلى العلم هي (scientific) أو (scientifique) في الفرنسية.

ثم أن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعاً ثم كثرت في كلام المتأخرين.. والترجمة الصحيحة للكلمة هي: اللادينية، أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد".

فالعلمانية فلسفة إلحادية تعادي الدين وتشن الحرب الضروس عليه، وترفض مسلماته، كما ترفض دخول الإنسان تحت لوائه، وهي على أقل أحوالها تؤسس لفكرة الانسلاخ من الشرع ومن أحكامه وضوابطه، وتطلق للإنسان العنان لكي يتصرف في هذه الحياة وفق ما يراه عقله.

وفي التطبيق الواقعي للعلمانية يظهر للمتابع أن العلمانية علمانيتان، أولاهما ما يطلق عليه "العلمانية الشاملة"، وهي علمانية فجة تُظهر عدائها الشديد للدين، بشكل صريح وواضح، ويسعى أتباعها بكل ما أوتوا من سلطة لعزل الإنسان عن دينه، ومحو كل أثر للدين في هذه الحياة.

أما التطبيق الثاني للعلمانية فيطلق عليه "العلمانية الجزئية"، وهي أقل من حيث الدرجة، لكنها تحمل ذات المضامين التي تحملها "العلمانية الشاملة"، فالفارق إذن في التطبيق، وطريقة العرض، لكن النتيجة واحدة، والغاية واحدة، وهي عزل الدين عن الحياه، بتحويل الدين إلى حالة ذاتية لا تأثير لها في الواقع العملي.

وبين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية ظهر فصيل من الكتاب العرب، سيما بعد ما لاقوه من نفره واغتراب، ينادي بما أسماه بـ"العلمانية المؤمنة"، مدعياً أن بها الحل لكل المشكلات الحاصلة بالعالم العربي والإسلامي والحياة بصفة عامة.

ففي مقاله الأخير المعنون بـ"العلمانية هي الحل" أخذ الكاتب "إكرام لمعي" في بيان المراد بالعلمانية، وبيان ما وقع في فهم البعض لها من خلط- بحسب فهمه هو-، ثم ختم مقاله منادياً بما أسماه "بالعلمانية المؤمنة" بقوله: "هذه هي العلمانية كما نفهمها وإن كان المصطلح سيئ السمعة عند العامة فلنقل العلمانية المؤمنة، وإذا قال البعض إن العلمانية لا تصوم ولا تصلى إنها نظرية فلندعوها العلمانية بإذن الله".

فهذا الأسلوب التسطيحي وهذه العبثية الفكرية يجلس الكاتب ليعبث بعقول قرائه مزيفاً لحقيقة العلمانية التي ظهرت بالأساس للوقوف في وجه رجال الكنيسة، ورفض كل ما يقولون به من أمور دينية وثوابت عقائدية.

و"العلمانية المؤمنة" تقابل عند آخرين ما يسمى بـ"الإسلام العلماني"، حيث يرى فصيل من الكتاب أن الإسلام دين علماني يسمح للبشر بمساحات رخوة من شأنها أن تؤسس لهذا التعايش السلمي بين الإسلام والعلمانية.

وهي دعوة عبثية تفترض وجوداً تخيلياً للشيء ونقضيه، فكيف لدين الإسلام الذي ينادي بإعمال قيمه وشرائعه وأسسه في كل شي في الحياة، كيف لهذا الدين أن يتعايش في العلمانية التي ترفع شعار العداء للأديان، كل الأديان، ولا تألوا جهداً في محو أي أثر للدين في حياة الناس؟

إن هذه الدعوة تأتي من قبل فصيل من العلمانيين رؤوا ما لمصطلح العلمانية من سمعة سيئة سيما في الوسط الإسلامي، فأرادوا تحلية هذا المصطلح وتجميله من خلال تحميله مضامين جديدة تتوافق مع العقلية الإسلامية وتتعايش معها، فعلمانيتهم هي هي العلمانية الأم، لكنهم يسعون إلى عرضها بوجه جديد به كثير من البهرج والتزييف والعبث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59