عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-09-2012, 06:30 PM
الصورة الرمزية مهند
مهند غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 563
افتراضي حمل دراسة الانتـفاضــــة فــي أدب الــوطــن الـمـحـتـل - محمد توفيق الصواف


مقدمة بقلم الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق

كان مفترضاً أن يصدر هذا الكتاب، على ما أذكر في العام 1990، أي قبل صدور كتابي (الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني) بثلاث سنوات... أتذكر هذا بوضوح،لأن كتابي (الانتفاضة في شعر الوطن المحتل) ما زال ينتظر الصدور عن دار الجليل بدمشق؛ وكأنما كتب على هذين الكتابين أن ينتظرا الصدور، وأن يطول الانتظار...‏

وكنت في زمن مضى، قد اتفقت والصديق الباحث محمد توفيق الصواف على تناول الانتفاضة وأثرها في أدب الوطن المحتل، فأخذت جانب الشعر، وأخذ هو جانب القصة.. وبعد أن أنهى كلّ منا كتابه، كان علينا أن نبحث في أمر صدور هذا وذاك... وها هو كتاب الباحث الصديق محمد توفيق الصواف يرى النور بعد أن طال وطال الانتظار.‏

ما أوردته سابقاً، أوردته عن قصد، لأنبه القارئ بصورة جلية واضحة، إلى أن المصادر التي توفرت للكتاب، لم تكن كافية، أو بالوفرة التي يمكن أن نلحظها بعد مرور كل هذه السنوات.. إذ كانت الكتابات في ذلك الحين، ومن الوطن المحتل تحديداً، لا تصل إلينا إلا بشق الأنفس، وكنت، والباحث الصواف، نقوم بنسخ المادة يدوياً أو تصويرها، ثم تصنيفها ودراستها وهكذا... وكم كان الأمر صعباً وشاقاً..‏

الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات، يضع الباحث محمد توفيق الصواف، بين يدي كتابه لأقول كلمتي، لأقرأ.. فماذا كان عليّ أن أقول؟؟؟‏

من هنا أبدأ...‏

قبل الدخول في الحديث عن الكتاب وقراءتي له، لا بد من القول: إن الصديق والأخ الباحث محمد توفيق الصواف، لا يدخل مجال الكتابة والبحث، في كتابه هذا، دون استناد على تجربة طويلة، امتدت على مدار سنوات من الكتابة والبحث في الصحف والمجلات.. إلى جانب امتلاكه لأدوات الكتابة في القصة والشعر بشكل متميز.. فهو شاعر وقاص، إلى جانب كونه ناقداً مارس النقد الأدبي، إضافة إلى خبرته الطويلة في الدراسة والبحث السياسيين...‏

هذه الإشارة وإن كانت لا تقول إلا القليل عن إبداعات الصواف المتعددة، فإنها تسعى إلى وضع القارئ أمام ضرورة فهم آلية البحث التي سيلحظ أنها لا يمكن أن تكون آلية باحث يدخل عالم البحث والنقد للمرة الأولى، بل هي آلية باحث خبر وعرف وجرب وكتب الكثير ليصل إلى هذا المستوى...‏

وأعود إلى الكتاب رغم هذا الإصرار الغريب على الاستطراد والتنقل...‏

عندما بدأت قراءة المخطوط -وأسجل هنا ملاحظتي بكل الوعي والانتباه -كنت أقرأ برتابة وكسل.. إذ بعد كل هذه السنوات من التعامل مع مادة وإبداعات الوطن المحتل، وصلت إلى قناعة فيها الكثير من الغرور وهي أنني أصبحت أعرف كل شيء عن هذه الإبداعات وما يكتب عنها.. فماذا سأجد عند الصديق الصواف من جديد!!، خاصة حين تكون الدراسة عن موضوعة الانتفاضة وهي الموضوعة التي تعاملت معها، ومع انعكاسها في أدب الداخل بشكل لافت أصبح يعرفه الجميع، ولأن الغرور مرض، فقد تملكني الظن بأنني لن أقرأ جديداً في الدراسة التي بين يديّ!!‏

أعترف بأنه كان عليّ بعد صفحات قليلة من القراءة أن أركز كلّ انتباهي وأنا أقرأ؛ فما يطرحه الباحث الصواف مثير ومدهش حقاً، إذ انه يكسر رتابة التناول ليقول موضوعته بتوافق غريب مع المادة المتناولة، إلى حدّ يجعل القارئ يشعر وكأنه أمام أبطال القصص من جهة، وأنه أمام عالم جديد يكتشفه للمرة الأولى من جهة ثانية. فتأخذه الرغبة في المتابعة والمعايشة، وتلمس كل حركة.‏

في هذا المسار، وهو مسار يبقى مختزناً الكثير من احتمالية الإدهاش والإمتاع والإفادة، تنتقل قصة الانتفاضة من حركية السير على الورق، لتضعك مباشرة في المعترك وسخونته. ولا تستغرب، إن وصلت في بعض الحالات إلى الشعور بأنك ترمي حجراً من حجارة فلسطين على جنود الاحتلال. كل ذلك طبعاً جراء أسلوبية متميزة يطرح بها محمد توفيق الصواف خطوطه وألوانه. فالفرشاة التي يرسم بها تعرف كيف تتواصل كل التواصل مع حركة أصابعه وأفكاره. وأشهد أنه صاحب أسلوب بارع. قادر على الوصول والتواصل والدخول إلى أعمق الأعماق.‏

قد لا يعرف كثيرون أن الصديق الباحث محمد توفيق الصواف كان قد انصرف سنوات، إلى دراسة اللغة العبرية حتى أتقنها، وكان في ذلك الحين بصدد دراسة الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، للنظر في صورة الشخصية الروائية مع واقعها في هذه وتلك. وقد مضى طويلاً في هذا البحث، وما زال من دارسي الأدب العبري المتميزين، كما تبين دراساته التي نشرها في العديد من المجلات المتخصصة، ولا سيما مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية..‏

أورد هذه الإشارة للوصول إلى القول: إن الباحث، في دراسته للانتفاضة في القصة العربية في الوطن المحتل، يعرف حق المعرفة، الأرض التي يقف عليها، ويعي كل حركة من حركات شخصياتها، لأن بطل قصته التي يدرسها، وهو بطل عربي فلسطيني، يواجه شخصية احتلالية واضحة الملامح لدارس عرف لغة هذه الشخصية، ودخل في كل منحنياتها، فكان خبيراً بكل ما تتطلبه الخبرة، متميزاً عن سواه بمعرفة الشخصية الاحتلالية من داخلها لا من خلال وصف خارجي تنقله لغة أخرى عن أخرى.‏

وفي سياق الحديث عن هذا الكتاب أيضاً علينا أن ننتبه إلى ناحية بالغة الأهمية، وأن ندقق كثيراً فيها خوفاً من خطر الانزلاق إلى التوهم بأن ما تقوله هذه القصة أو تلك، يمكن أن يوحي بعكس المقصود... وأورد في هذا المجال ملاحظتي حول قصة (الحاجز) لنبيل عودة.. إذ قد يتساءل البعض: لماذا يقوم هذا الطبيب الفلسطيني بإنقاذ عدوه الجريح؟‏

والسؤال له ما يبرره... إذ أن هذا القاتل، وبعد إنقاذه سيقتل المزيد من شعبنا العربي الفلسطيني... وهو ما حدث في القصة فعلاً... لنصل إلى النقطة المفصل في هذه القصة، حيث تقول إن الفلسطيني لا يستطيع إلا أن يكون إنساناً، في حياته وتصرفاته ومشاعره وأفكاره، وإن شخصية الصهيوني لا تخرج في كل الحالات عن كونها شخصية قاتل...‏

ومن هذه النقطة ينبثق الجواب على السؤال: لماذا يقوم هذا الطبيب الفلسطيني بإنقاذ عدوه الجريح؟؟ يأتي الجواب ليقول: صحيح إنه عدوك في كل الأحوال، ومهما كانت الظروف، وإنسانيته ملغاة... ولكن إنسانيتك أنت أيها الفلسطيني، إنسانيتك يجب أن تبقى كما هي.. لأنها إنسانية أصيلة وراسخة لا توهنها وحشية الآخرين ولا تمنع تدفق خيرها عن أحد، حتى عن عدوها، في لحظة ضعفه؛ ولكن حين يعود ؛ إلى وحشيته قوياً قادراً على الأذى، عليك أيها الفلسطيني الطيب أن تعود لتتعامل مع هذا العدو كقاتل.. وهذا ما حدث في القصة فعلاً، فقد قام الطبيب الفلسطيني بقتل الوحش الصهيوني الذي كان جريحاً أنقذه بالأمس.. قتله بعد أن قتل هذا الوحش حين تعافى زوجة الطبيب الذي أنقذه، وربما غيرها من أبناء الشعب الفلسطيني أيضاً...!!!‏

إذن، نبيل عودة يدين قيام طبيبه، بطل القصة، بإنقاذ عدوه.. كذلك يفعل الباحث محمد توفيق الصواف، مؤكداً، مثل القاص عودة، أن اللقاء بين هذين الضدين هو لقاء صراع إلى أن يلغي أحدهما الآخر، فالشخصية في (الحاجز) مدانة، وفعل الإنقاذ مدان أيضاً؛ وهذا ما تقوله القصة ويقوله الباحث، وعلينا أن نعي ذلك ونفهمه. إذ أن هناك كثيراً من الأدب المقاوم يطرح شخصيات عربية فلسطينية سلبية أو محايدة، ليصل بها فيما بعد، إلى حقيقة تقول إن المحايدة مرفوضة. فالعدو عدو، ولن يترك الشخصية المحايدة تعيش بسلام. ولو كان المجال يسمح لأوردت الكثير من النماذج، ولكن أردت فقط التنبيه والتحذير من الانجرار إلى هذا التوهم أو ذاك...‏

ثمة نقطة أخرى مثيرة عليّ أن أشير إليها في سياق هذه المقدمة، وهي أن المادة القصصية التي اعتمدها الباحث في كتابه أقل من قليلة، والمفترض أن يقوم الكتاب على مادة غزيرة متعددة الجوانب والامتدادات؛ ولكن، وهنا بيت القصيد، فقد كانت القصص أقل من قليلة. ولا أبالغ حين أقول إنها في مجموعها ثلاث عشرة قصة لا غير. ولك أن تدهش حقاً حين ترى إلى الباحث وهو يكتب مئة وعشر صفحات بخط يده، تضم الصفحة الواحدة منها(360) كلمة على وجه التقريب، وليس أمامه إلا هذا العدد القليل من القصص.‏

وكأني بالباحث يصرّ على بناء مدهش يعبر فيه عن إعجابه بموضوعة الانتفاضة/ الثورة التي كانت رائعة كبيرة في كل شيء. وحسب رأيه، فإن ندرة الإبداعات، لا تعني ضرورة الصمت، بل على العكس تماماً، تدفعه دفعاً إلى خوض غمار تجربة خطيرة، تريد أن تقول الانتفاضة، وتدخل في عمق مسارها الساخن.‏

النص هنا أميل إلى التشكيل الإبداعي، ما دامت القصص أقل من القليل.. الباحث يبني نصاً إبداعياً يمتح من النصوص المتاحة، ومن الواقع، ليخرج بصورة مدهشة.. إنه يضعك أمام عالم لا نهائي من الشخصيات التي تتحرك وتملأ الصفحات غلياناً، رغم قلة القصص التي عالجها...‏

كما قدمت من قبل، فالباحث كان قد انتهى من تأليف كتابه هذا، على ما أذكر، عام 1990، أي أن المادة كانت على تماس مع حرارة الحدث. وهذا ما يظهر في الكثير من مسارات الكتاب.‏

ولك أن تقرأ ما كتب محمد توفيق الصواف تحت عنوان "بطل الأرض المحتلة ينهض منها ليحررها "لترى إلى بروز الشاعر وإصراره على الإدلاء بدلوه، شاء الباحث أم أبى. فالشاعر معجب أيما إعجاب ببطل الانتفاضة، ومن حقه أن يقول كلمته، وهو ما كان، لنصل إلى قراءة قصيدة ماتعة في تواصلها مع بطل الانتفاضة، وتلاوة نشيدها الخصب الثر...‏

أعترف أنني معجب بالكتاب، ولي أن أترك للقارئ متعة التواصل مع هذا الدفق الجميل في التواصل مع الانتفاضة الرائعة.‏

ولصديقي العزيز محمد توفيق الصواف كل الشكر، فقد أضاف إلى ما تعلمته الكثير وأمتعني بدراسة متميزة حقاً.‏

دمشق في3/11/1996‏

طلعت محمود سقيرق‏



تحميل الدراسة من المرفقات بأذن الله

المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: zip 71-N-T.zip‏ (120.7 كيلوبايت, المشاهدات 11)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59