عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-25-2013, 07:31 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي قتلوه قتلهم الله


أصبح الناس مع ذر كل شارق يضعون أيديهم على قلوبهم أي فتح جديد سيظهره المتعالمون من مزادةٍ كخلو الوطاب، حتى إذا ما جاءوا الشذوذات عنقا، والغيارى يتلددون منهم زمنا ومن فواجعهم يرجون من يدفع الصائل، ويعطف الصادف، ويأطر على الحق المتجانف - قبل يوم الإدالة - وحين قامت أسود السنَّة وحراس الشريعة يدفعون صولتهم ويهدمون شذوذهم: تنادى أولئك في الصحف مصبحين، يقلبون لنا الأمور، ويطالبون باحترام رأيهم، وتقدير خلافهم، وسماع شبههم بل والتصفيق لهم ورجع أصواتهم يقول: "لا إنكار في مسائل الخلاف"، واحترموا الرأي الأخير - وأسميه الأخير لأنه ناسخ في ظنهم أو كاشف للمغطى!

والشذوذات الواقعة على قسمين: قسم صادر عن اجتهاد من أهله فهؤلاء مغفور لهم باجتهادهم مردود عليهم خطؤهم كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه يرفعه: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد".

والقسم الثاني: صادر عن غير أهله فهؤلاء مردود عليهم شذوذهم وهم مأزورون بتقحمهم سياج الشريعة، وقد حادوا عن الصراط وتتبعوا المتشابه والسبل، وقد قال تعالى: "وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ". قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع .

وهؤلاء قد يكون لهم منازل كمنازل الكواكب، وقد جاء الخبر بترؤسهم وشذوذاتهم بل والضلالات سماها النبي صلى الله عليه وسلم: فقال:"إنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" متفق عليه. فهم رؤوس ولكنها رؤوس في الجهالة، لها اتباع لكنها على غير السبيل! والعلامة الفارقة تعلمها بمن يند عن السنن، ويفارق الجماعة، ويلوط بمن ينخر في بنيان الشريعة في الصحيفة!

والناس في التعامل مع هؤلاء ثلاث طوائف:

طائفة المدافعين عنهم

وطائفة المجاهدين لهم

وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟ ولكنهم آثروا السلامة! وسموها الحياد..

والخلاف مع هؤلاء ينبغي أن يرتقي إلى مباحثة الأصول وفقه الفتوى؛ لأن الفروعيات ليس لها نهاية، والشذوذات لا يربطها ولاية إلا ولاية الغثاثة أعني غثاثة الرخص كما سماها الهروي.

وفي أصول هذه الثُّمالة أربعٌ يشغبون بها تفتقر إلى نقض بالدليل، وإلا فعرض الحائط:

الأولى: دعوى لا إنكار في مسائل الخلاف.

الثانية: المطالبة بالرفق في الإنكار.

الثالثة: التترس بالرجال في مسائل الخلاف.

الرابعة: الاستدلال بالمتشابه وترك المحكم، ثم يقولون: عندنا دليل وأصبح عندهم عند.

* فأما دعوى لا إنكار في مسائل الخلاف فلا يرددها إلا الجاهلون، وأما أهل التحقيق فيخطِّئونها ويصوبونها، وصوابها: "لا إنكار في مسائل الاجتهاد"، وأما مسائل الخلاف فيكون الإنكار فيها بحسبه، فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا قاله ابن القيم في الإعلام وحسبك به، وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقص حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا ... وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم.

قال شيخ الإسلام: "وأما سؤال السائل: هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم؟ فنعم يجب ذلك في هؤلاء، وفي كل من أظهر مقالة تخالف الكتاب والسنة فإن ذلك من المنكر الذي أمر الله بالنهي عنه كما قال تعالى:"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، وهو من الإثم الذي قال الله فيه:" لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"انتهى.

وأخت هذه المقولة قولهم: اختلاف أمتي رحمة.. وهي مقولة لا أصل لها من جهة الدليل، بل الرحمة في الاتفاق، قال تعالى:"وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ"، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في الدرر عن هذا القول: " فأخذه وتلقيه بالقبول ومصادمة النصوص به والحالة هذه طريقة أحمق متهوك لا يعقل شيئا في هذا الباب، والأولى به أن يساس بسياسة الدواب". ونقل الشاطبي عن المزني صاحب الشافعي قوله: " ذم الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة".

* وأما المطالبة بالرفق في الإنكار على الواقع في الشذوذ فالرفق ندى ووضعه في موضع السيف دليل على الضعف والبلى، وعليه فإن الاجتهاد فضلا عن شبه المتعالمين إذا لم يوافق الوحي والأصول فلا ينتظر صاحبه ولو من محبيه إلا الغيرة لدينهم والنصيحة لأمتهم والوفاء لمبادئهم – فحين يؤخذ بلحيته ورأسه فلا يضيق عطنه ويزيد تخبطه. بل ينبغي أن يعلم أن رد شبهته والأخذ على يده من الجهاد في سبيل الله تعالى، وإلا لم يبق للناس دين ولحل الدين المؤول محل دين الله المنزل – ومن أبدى صفحته بالشذوذ فصك بالحق عليها صكا فلا يتباكى لا على نفسه ولا على حرية يتزعمها:"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ"، ولو لم يفعل العالمون للعنتهم البهائم:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ".

ومن جعل الكتاب والسنة دليله وعمل السلف والأئمة منهجه علم أن الواجب في حق أهل الشذوذ أخذة القفا ودرة على...!

وقد قال صلى الله عليه وسلم في خبر صاحب الشجة وحسنه غير واحد من حديث جابر وغيره:"قتلوه قتلهم الله". " داع، ودعاء، ومدعو عليه، ومسألة":

فالداعي: هو الرسول صلى الله عليه وسلم

والدعاء: بالقتل والمدعو عليه: صحابة محلهم المهج ولكن الدين أغلى منهم"وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ".

وأما المسألة: ففي فروع الشريعة ومسألة من مسائل التيمم ومع ذلك يدعو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، ولو قال قائل: إنما دعا عليهم بالقتل لأنهم قتلوه بجهلهم ؛ لقيل: إن من يشكك الناس في دينهم ويسعى في تمييعه في قلوبهم أشد وطأ وأقبح فعلا، وهو أحق بمثل هذه الدعوة وأهلها. وحينما خالف أسامة الدليل في النهي عن قتل من قال: لا إله إلا الله، لم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم بتأويله واجتهاده بل أغلظ عليه صلى الله عليه وسلم وتغيظ فيه مع حبه الشديد له، حتى تمنى أسامة أنه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم.

وهذا الفاروق يعلو بدرته صبيغا، وعائشة رضي الله عنها تقول في مسألة العينة: أبلغيزيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب. وقد كان الإمام أحمد يعظم أبا ثور لكنه حينما خالف في مسألة نكاح المجوسيات قال: أبو ثور في هذه المسألة كاسمه. ومن النماذج المعاصرة ما طالب به الشيخ محمد بن إبراهيم أحدهم بالكف عن إرباك العامة بفتاوى شاذة أو مرجوحة، وقال: "متى تقدم إليك من يطلب الفتوى فعليك بالإشارة لهم إلى الجهة المختصة بالفتاوى، ونرجو أن يكون لديك من أسباب احترامك نفسك ما يغنينا عن إجراء ما يوقفك عند حدك".

* وأما اتكاء أصحاب هذه الفتاوى على بعض من اجتهد وخالف في هذه المسائل فلا يغنيهم تترسهم بهم، وإنها لكارثة أن يقال لأحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: قال: جحظة البرمكي نديم الملوك والخلفاء العباسيين، لقد أنكر السلف على من عارض النصوص بأقوال أبي بكر وعمر فكيف بمن يعارضها بأقوال من دونهما من الصحابة وغيرهم، وليعلم هؤلاء أنه ما من مسألة إلا شذ فيها من شذ فهل تدفع النصوص بحجة أن هذا القول قال به فلان وفلان، وهل يقال بحل الخمر أو الربا أو المتعة أو غيرها من الأقوال الضعيفة المخبأة عن الجهلة حتى لا يغتروا بها بحجة أن من السلف من أباحها، وهل وصلت الثقة بها أعظم من ثقتنا بما في كتاب ربنا وسنة نبينا؟

* وأما الرابعة والأخيرة فالاحتجاج ببعض النصوص المتشابهة في الكتاب أو السنة، وهذه طبيعة أهل الزيغ كما سماهم الله، وليعلم أنه لا يكفي أن يستدل المستدل بآية أو حديث فإن المسائل تفتقر مع الدليل إلى فقه الفتوى فيها وهذا الفقه له ثلاث مراحل:

التصور: وهو (معرفة حقيقة المسألة)

والتكييف: وهو ( إرجاعها إلى أصولها الشرعية من كتاب وسنة أو إجماع أو قياس صحيح )

ثم التنزل والتطبيق على الواقع، والخلل في الفتوى يعود إلى الإخلال بواحد من هذه المراحل أو كلها، فقد يحسن بعض هؤلاء التصور والتكييف ويستدل استدلالا صحيحا ولكن لا يوفق في تنزيل هذه الفتوى على الواقع، ويخطئ في اعتبار الزمان والمكان والحال، فإن الحلال قد يحرم باعتبار واحد منها كبيع السلاح لكافر محارب أو لمسلم في فتنة، وإن من يسوَّق الرخص في مثل هذه الأيام لمن لا يرفع بالإسلام رأسا كبائع السلاح للعدو فليته لم يفعل فإن من فقه الفتوى البعد عن مثارات أهل النفاق والطاعنين في الشريعة الذين يتربصون بالإسلام وأهله الدوائر:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ".
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59