عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-19-2014, 08:54 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة أسس التعايش في الإسلام


أسس التعايش في الإسلام*
ـــــــــــــ

26 / 1 / 1436 هــ
19 / 11 / 2014 م
ــــــــــــ

التعايش _3595.jpg

أسس التعايش في الإسلام
----------------

الدكتور نصار أسعد نصار
-----------------

مجلة جامعة دمشق المجلد 27 – العدد الثاني – 2011م

ــــــــــــــــــــــ

يبدأ الباحث دراسته بتساؤل مفاده: ما هي الأسس الناظمة للتعايش مع الآخر وقبوله مع أن الحق سبحانه وتعالى قد أعلن الإسلام دينا لا يقبل غيره يوم الحساب؟؟ ويجيب: بأن مبعث قبول الآخر أن الدنيا تسير وفق سنن إلهية قائمة على وجود الخير والشر ابتلاء وامتحانا, ومؤدى ذلك الاختلاف, مما يعني قبول الآخر مع الاختلاف معه, ويستدعي ذلك وجود قوانين يحتكم إليها, ولذلك وضع القرآن الكريم أسسا للعلاقة السليمة مع الآخر وفق السنن الإلهية.

بعد ذلك يضع الباحث أمام القارئ مسألتان في غاية الأهمية وهما:

الأولى: أن قبول الإسلام للآخر والتعايش معه ينبغي أن لا يتجاوز العلاقة فيه ضوابط الشريعة, فقد نهى الله تعالى عن موالاة غير المسلمين بشكل واضح في القرآن الكريم.

الثانية: من الوهم الاعتقاد أن السلم الدائم يسود ربوع العالم, فالصراع باق والتدافع مستمر بين الحق والباطل ما بقي الإنسان في الأرض لأنها سنة إلهية.

ثم يبين الباحث الهدف من هذه الدراسة ببيان أسس التعايش الرئيسية, وتأصيل قواعد التعامل مع الآخر من منظور إسلامي, وذلك بتحليل النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية, ليشرع بعدها بتعداد هذه الأسس.

الأساس الأول: الوحدة الإنسانية: فدعوة الإسلام تتصف بالعالمية والإقرار بالوحدة الإنسانية, فالله تعالى في القرآن رب العالمين وليس رب العرب أو المسلمين فحسب كما هو الأمر عند اليهود لهم ربهم وللآخرين أربابهم, كما أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسم مبعوث للناس كافة وليس للعرب خاصة.

والناس في المنظور الإسلامي شعوب وأمم خلقوا ليتعارفوا ويتآلفوا, وقد أقر الإسلام مبدأ تعدد الشرائع عبر التاريخ الإنساني ولكن مع وحدة الدين, فالأنبياء إخوة شرائعهم شتى ودينهم واحد, والإنسان في الإسلام مكرم بغض النظر عن دينه أو معتقده أو جنسه.

الأساس الثاني: حرية الاعتقاد: فالعنوان الرئيس في العقيدة {لا إكراه في الدين} البقرة/256, والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه, ولو شاء الله تعالى لهدى الناس جميعا ولجعلهم على طريقة واحدة, ومن دواعي حرية الاعتقاد التكليف الإلهي المبني على الابتلاء والاختبار, مما ينتج عنه تعدد الاتجاهات وتنوع الثقافات, كما أن المسلمون وتطبيقا منهم لأصول دينهم لم يجبروا أحدا على اعتناق الإسلام, رغم الإعلان الصريح في القرآن بأنه الناسخ لما سبقه من الرسالات والأديان.

وتقتضي حرية العقيدة منح حق العيش للجميع دون تمييز بسبب الدين أو اللون أو العرق, وقد نعم غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية بالأمن والأمان على أنفسهم وأموالهم وذرياتهم, كما سمح لهم بممارسة الطقوس والشعائر, وذلك منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها قيام الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحتى يومنا هذا.

ثم ينتقل الباحث إلى معاملة الطرف الآخر للمسلمين, فقد سقطت شعاراتهم الكاذبة عند أول اختبار, وما فعله الإسبان بالمسلمين بعد دخولهم الأندلس, وما فعله الصليبيون بالمسلمين في الحروب الصليبية, وما يجري الآن من حرب ضروس على الإسلام ورموزه شاهد عيان على زيف ادعاءاتهم وسقوط شعاراتهم بالتعايش.

لقد فضل الأقباط الأرثوذكس المسلمين على الروم الكاثوليك لسوء معاملة الروم والأمن والأمان والتعايش الذي وفره الإسلام لهم, وكذلك فعل أهل حمص من النصارى حين رأوا عدل أبي عبيدة رضي الله عنه وظلم هرقل, ثم أورد الباحث الكثير من شهادات المفكرين الغربيين أمثال غوستاف لوبون وغيره.

الأساس الثالث: العدل والحق: فلم يعمم الإسلام الحكم على غير المسلمين ولم يضعهم في سلة واحدة, بل جعل من أهل الكتاب أمة مؤمنة ومؤتمنة وأخرى يتربصون بكم ويمكرون.

وتتصف العدالة في الإسلام بالثبات والشمول, فهي لا تخضع لاعتبارات مصلحية أو ظروف آنية, بل هي دائمة لا تتغير ولا تتبدل, فالوفاء بالعهود واجب حتى مع الأعداء, ولذلك أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل للمشركين وفاء بما عاهدهم عليه, وهي شاملة للجميع دون تمييز بسبب دين أو عرق أو لون, والتطبيقات الإسلامية للعدل أكثر من أن تحصى, وقد أورد الباحث أمثلة لها.

الأساس الرابع: السلم العالمي: فرسالة الإسلام إلى العالم رسالة سلام وأمن وأمان, وقد أمر الله تعالى رسوله بالجنوح للسلم في القرآن الكريم, لأن القتال ليس حسنا لذاته, وإنما شرع لنشر الإسلام وحماية الدعوة الإسلامية, وقد ارسل صلى الله عليه وسلم رسائله بالسلام إلى ملوك البلدان المجاورة وأمرائها, وأثنى على حلف الفضول بمكة, ولم يتعرضوا لغير المقاتيلن بالحرب, وأوصى صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرا حين تفتح, وسمى القرآن صلح الحديبية فتحا مبينا, ولم توجه حروب المسلمين للشعوب بل للظلم والظالمين, ولم يشن المسلمون حروبا مقدسة لنشر الدين بالقوة كما فعل غيرهم.

وفي الداخل ساد العدل الإسلامي الناس فساد معه الأمن والأمان والاطمئنان, فالبعدل يأتي السلم وبالظلم يرتفع, وقد دعا القرآن لمودة أهل الكتاب إلا المحارب منهم, وأم بخصوص أخذ الجزية منهم فقد بين الباحث أنها بديل عن الحماية والجندية والخدمات المقدمة لهم, وخير شاهد على ذلك رد أبي عبيدة أموال الجزية التي جبيت لعدم القدرة على منعهم من العدو لكثرة جموع هرقل.

وختم الباحث دراسته بالقول: إذا كان الإسلام قبل الآخر ووضع أسسا للتعايش معه وطبق ذلك عمليا في العصور المختلفة, فإن بعضا من الآخر في كثير من الأحيان اقتصر على الشعارات, بل ربما كانت شعاراته في بعض الأحيان تدعو للإبادة والإهلاك للآخر.

ونوه الباحث أخيرا لضرورة معرفة ثقافة وفكر وتوجهات الآخر كضرورة للتعايش معه, وهذا يستدعي توجيه الاهتمام لدراسة الآخر -أيا كان– بلإقامة مراكز بحثية, وإعداد كوادر علمية وإرسال بعثات استكشافية لنعرف الآخر عن كثب كما يعرفونا, لأن الناس أعداء ما جهلوا كما يقال.

جزى الله الباحث خير الجزاء على هذه الدراسة القيمة, التي تظهر تطبيق الإسلام لمبدأ التعايش منذ نشأته وحتى اليوم, بينما لم يظهر أعداء الإسلام أي تعايش مع المسلمين, بل أظهروا حقدهم وكرههم لهذا الدين.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59