عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-25-2015, 09:13 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

المعاونةُ لا تستلزم الموالاة..
ـــــــــــــ

(عبدالعزيز الصويتي التميمي)
ـــــــــــــــ

12 / 1 / 1437 هــ
25 / 10 / 2015 م
ــــــــــــ


الورقةُ الثانيةُ: معاونةُ الكفَّارِ المختلَفِ في كونِها موالاةً أم لا؟

الحمدُ للهِ..أمَّا بعدُ:

فقدْ ثارَ نقعُ كتاباتِ تنظيمِ الدولةِ الإسلاميةِ في بلدان المسلمين بإكفارِ كلِ مَنْ عاونَ الكافرين لاسيما في حروبِهم سواءً ضدَّ طائفةٍ مِن المسلمين، أو ضدَّ طائفةٍ مِن الكافرين؛ لأنَّ إعانةَ الدولةِ الكافرةِ مستلزمٌ لأعنتِها على كفرِها، ودعمِ قوانينِها الكفريةِ!

قالتْ الهيئةُ الشرعيةُ في الدولةِ الإسلاميةِ:(وكل من تولى الأركان والائتلاف، أو ناصرهم، أو أعانهم، أو قاتل تحت رايتهم؛ فحكمه حكمهم سواء بسواء).

ومِن نتائجِ تكفيرِهم لكلِّ معاونٍ للكفار سواءً كان ضدَّ مسلمين أو ضدَّ كافرين، أنْ كفَّروا جنودَ حكامِ ديارِ المسلمين ضباطاً وأفراداً؛ بحجةِ إعانتِهم للطواغيت!

قال أبو بكرٍ البغدادي-أمير تنظيمِ الدولةِ-:(فيا أبناء الحرمين، يا أهل التوحيد، يا أهل الولاء والبراء، إنما عندكم رأس الأفعى ومعقل الداء، ألا فلتسلوا سيوفكم، ولتكسروا أغمادكم، فلا أمن لآل سلول وجنودهم)[1].

قال أبو محمدٍ العدناني-المتحدث الرسمي لتنظيمِ الدولةِ-:(لا بد لنا أن نصدع بحقيقة مرة لطالما كتمها العلماء ألا وهي:كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت)ثم قال:(إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر، وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردتها وخروجها من الدين، بل ووجوب قتالها لهو القول الذي لا يصح في دين الله خلافه)[2].

وفي مجلةِ دابقٍ[3]-التابعة لتنظيمِ الدولةِ الإسلاميةِ-:(آلُ سلولٍ وجنودهم وضباطهم..كفارٌ بلا جدال).

وقد بسطتُ شيئاً مِن كلامِهم في الورقةِ الأولى، وبينتُ أنَّ هذه الكتاباتِ مبنيةٌ على مقدِّمتين:

المقدِّمةُ الأولى:أنَّ كلَّ معاونةٍ للكفَّار= موالاةٌ، وقد بسطتُ الكلام حول هذه المقدمةِ في الورقةِ الأولى.

المقدِّمةُ الثانيةِ:أنَّ كلَّ موالاةٍ للكفَّارِ= كفرٌ، وسيأتي في الورقةِ الرابعةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى بسطُ الموالاةِ المنهيِّ عنها وأنها شُعَبٌ.

وفي هذه الورقةِ اقتصرْتُ على بعضِ المسائلِ في إعانةِ الكفَّارِ المُختَلَفِ فيها، وهل هِيَ موالاةٌ، أمْ ليستْ موالاةً؟، فَمَنْ يرى أنَّها ليستْ موالاةً، فيضعُها مِن جُملةِ صُورِ المقدِّمةِ الأولى، وأنَّه ليس كلُ معاونةٍ موالاةً، ومَنْ يرى أنَّها مِن جُملةِ الموالاةِ المنهيِّ عنها، فيضعُها في المقدِّمةِ الثانيةِ، وأنَّ الموالاةَ لا تستلزمُ الكفرَ باتفاقٍ كما سيأتي بإذنِ اللهِ.

والمُعاوناتُ المختلَفُ فيها: هِيَ ما كانتْ ضدَّ كافرين آخرين في الجُملةِ، وهذا التعاونُ الاختياري لا يخلو:إمَّا أنْ تكون يدُ المسلمين غالبةً، أو يدُهم مغلوبةً، أو يدُهم لا غالبةً ولا مغلوبةً..وفي كلِّ واحدةٍ عِدَّةُ مسائلٍ مِن جِهة نوعِ الإعانةِ(أهيَ باللسان، أمْ بالسِّلاح، أمْ بالقتال في صُفوفِهم..).

وسوف نستعرضُ-بإذنِ اللهِ-في هذه الورقةِ أبرزَ المسائلِ في معاونةِ الكفَّارِ ضدَّ كفَّارٍ آخرين، وأمَّهاتُها أربعُ مسائلٍ:

المسألةُ الأولى:أنْ تكون يدُ المسلمين هِيَ الغالبةُ والكفارُ تبعٌ لنا، فهلْ يجوز لنا أنْ نستعين بِكافرٍ أو بِكافرين ضدَّ كافرين آخرين؟، وهلْ هذه الاستعانةُ مِن الموالاةِ؟

تحريرُ محلِّ النِّزاعِ:

1-لمْ أرَ نزاعاً بين العلماءِ في أنَّه لا يجوزُ الاستعانةُ بالكفَّارِ إذا كانوا مخذِّلين، أو كانتْ في إعانتِهم مضرةٌ راجحةٌ.

2-يخرجُ عنْ محلِّ النِّزاعِ الذي نَقصِدُ إلى بسطِه هنا ما إذا وُجِدتْ حاجةٌ ماسةٌ في الاستعانةِ بهم، أو وُجِدتْ ضرورةٌ مِن بابٍ أولى.

قال الشافعيُّ:(وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من مسلم، أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به، وإن غزا به لم يرضخ له؛ لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم، أو أكثر إذا كانت أفعالهم كأفعالهم، أو أكثر)[4].

3-واختلفوا في الاستعانةِ بهم مِن بابِ الكمالِ، وزيادةِ قوةِ المسلمين، هلْ هِيَ جائزةٌ أمْ ممنوعةٌ؟ على قولين:

القولُ الأولُ:جوازُ الاستعانةِ بهم، وهو مذهبُ جمهورِ السلفِ كالأوزاعيِّ، وأبي حنيفةَ، والشافعيِّ في الجديدِ، وغيرهم.

قال الأوزاعيُّ:( لا أكره أن يستعان بهم)[5].

وفي السيرِ الصغيرِ[6]:(وسألته عن المسلمين يستعينون بأهل الشرك على أهل الحرب هل ترى بذلك بأسا وهل لهم سهم في الغنيمة قال لا بأس بأن يستعان بهم إذا كان الحكم حكم أهل الإسلام وهو القاهر الغالب فلا بأس بأن يستعان بأهل الشرك).

وقال الشافعيُّ:(من كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو، أو طريق، أو ضيعة، أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به)[7].

واستدلَّوا بالآتي:

الدليلُ الأولُ:ما رواه مالكٌ عن الزهريِّ، وفيه:(فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة، وسلاحا عنده، فقال صفوان: أطوعا، أم كرها؟، فقال:بل طوعا؛ فأعاره الأداة، والسلاح التي عنده، ثم رجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كافر، فشهد حنينا، والطائف، وهو كافر، وامرأته مسلمة)[8].

قال الشافعيُّ:(وأمر صفوان وعكرمة وأزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي)[9].

وقال ابنُ عبدِالبرِ:(هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم، وكذلك الشعبي، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله)[10].

ويناقشُ مِن وجهين:

الوجهُ الأولُ:بأنَّه خبرٌ مرسلٌ، ومراسيلُ الزهريِّ مِن أضعفِ المراسيلِ كما ذكر ابنُ القطان، ويحيى بنُ معينٍ، والشافعيُّ، وغيرهم[11].

الوجهُ الثانيْ:أنَّه لو ثبتَ الخبرُ فغايتُه أنَّ صفوانَ هو مَنْ أعانَ بنفسِه، ولم يَستعنْ به النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-، قال ابنُ عبدِالبرِ:(وأما شهود صفوان بن أمية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا والطائف وهو كافر فإن مالكا قال لم يكن ذلك بأمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)[12].

ويجابُ عنهما:بأنَّه وردتْ مشاركةُ صفوانَ-وهو كافرٌ- بسندٍ متصلٍ:من طريق محمَّد بنِ إسحاقٍ قال: حدَّثني عاصمُ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ جابرٍ، عنْ أبيه جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قال:(لما انهزم الناس يوم حنين جعل أبو سفيان بن حرب يقول: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه لأمه صفوان بن أمية: ألا بطل ***** اليوم. فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن)[13].

ثم قال الطحاويُّ:(فصار ما ذكره مالك عن ابن شهاب في أمر صفوان موجودا في حديث جابر الذي رويناه متصلا)[14].

وأمَّا تفريقُ مالكٍ-رحمه الله-بين حضورِه بنفسِه وحضورِه بإذنِ النبيِّ-صلَّى الله عليه وسلم-ففرقٌ غيرُ مؤثرٍ؛ لأنَّه في المحصِّلةِ: قدْ حَصَلَتْ الاستعانةُ به، والنبيُّ-صلى الله عليه وسلم- عالمٌ بإعانتِه، ولم يمنعه مِن أنْ يُعينَهم، وهو المطلوبُ، بلْ فيه قرينةٌ أنَّ مالكاً يصحِّحُ خبرَ إعانةِ صفوانَ للمسلمين.

الدليلُ الثاني:رُوي أنَّه استعان باليهودِ في القتالِ، فعنْ ابنِ عبَّاسٍ-رضي الله عنهما- أنَّه قال:(استعان رسولُ الله-صلَّى الله عليه وسلم-بيهودِ قينقاعٍ فرَضَخَ لهم ولم يسهمْ لهم)[15].

وقال الشافعيُّ:(الحديث في هذا معروف مشهور، والسنة فيه معروفة)[16].

ويناقشُ:بأنَّه خبرٌ ضعيفٌ، قال أحمدُ: تفرَّد به الحسنُ بنِ عمارةَ، وهو متروكٌ[17].

الدليلُ الثالثُ:عنْ الزهريِّ أنَّ رسولَ الله-صلَّى الله عليه وسلم-(غزا بناس من اليهود فأسهم لهم)[18].

ويناقشُ:أنَّه خبرٌ مرسلٌ.

الدليلُ الرابعُ:عنْ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ-رضي الله عنه- قال:(غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم)[19].

ويناقشُ:بأنَّه منقطعٌ[20]

الدليلُ الخامسُ:عنْ جابرٍ قال:(سألتُ الشعبيَّ عنْ المسلمين يغزون بأهل الكتاب؟ فقال الشعبي:(أدركت الأئمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم، ويضعون عنهم من جزيتهم؛ فذلك لهم نفل حسن)[21].

وقال ابنُ حزمٍ:(والشعبي ولد في أول أيام علي وأدرك من بعده من الصحابة - رضي الله عنهم -)[22].

فالشعبيُّ يحكي إجماعَ الأمةِ-عامَّتَها وخاصَّتَها-، وهذا مِن أقوى الإجماعاتِ!

ويناقشُ:بأنَّ جُلَّ مَنْ أدركهم مِن التابعين، وليسوا مِن الصحابةِ، وقدْ خالفَه الأئمةُ ممنْ لا يخفى عليهم الإجماعُ، وإنِّما حَكى ما نتهى إليه علمُه لا علمُ غيرِه= فلا يَصحُ الإجماعُ ولا يثبتُ.

الدليلُ السادسُ:عنْ القاسمِ بنِ محمَّدٍ، أنَّ سلمانَ بنِ ربيعةَ غزا بلنجر، فاستعانَ بناسٍ مِن المشركين، فقال:(يحمل أعداء الله على أعداء الله)[23].

ويناقشُ:بأنَّ سندَه ضعيفٌ؛ لأنَّ الحجَّاج مدلسٌ، وقد صَّرح أنَّه لم يسمعْ مِن ابنِ القاسمِ[24].

الدليلُ السابعُ:عنْ عائشةَ-رضي الله عنها-وفيه:(واستأجر النبي-صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلاً من بني الديل، ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - الخريت: الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش)[25].

ويناقشُ:أنَّ هذه حالةٌ اضطراريةٌ، والنِّزاعُ في الحالةِ الاختياريةِ؛ ولهذا بوَّب البخاريُّ:(بابٌ: استئجار المشركين عند الضرورة، أو:إذا لم يوجد أهل الإسلام)[26].

وفي الجملةِ:جميعُ الأخبارِ الواردةِ في الاستعانةِ-سوى الحديثِ الأخيرِ وهو خارجُ محلِّ النِّزاعِ-معلولةٌ لا تصحُ، قال البيهقيُّ-وهو شافعيٌّ-:(لم يبلغنا في هذا حديث صحيح)[27].



القولُ الثانيْ: المنعُ مِن الاستعانةِ بهم، وهو مذهبُ مالكٍ، والشافعيِّ في القديمِ، وأحمدَ في المنصوصِ عنه.

قال مالكٌ:(ولا أرى أن يُستعان بالمشركين على قتال المشركين إلا أن يكونوا خدماً، أو نواتية).[28]

وقال البيهقيُّ:(وقد كره الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه الاستعانة بالمشركين)[29].

وقال الخلالُ:(رأيتُ في كتاب الحسن البزار، قال: سُئل أبو عبد الله عن أهل الذمة يغزون مع المسلمين؟ قال: فيه اختلاف، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا يستعان بالمشركين على المشركين" .

ما أحب أن يغزوا، ولكن إن غزوا وشهدوا الوقعة ضرب لهم بسهم.

قيل له: فالحربي يستأمن إلينا، ثم يغزوا معنا؟ قال: لا يغزون، فإن غزوا وشهدوا الوقعة ضرب لهم بسهم)[30].

واستدلُّوا على المنعِ بالآتي:

الدليلُ الأولُ: عنْ عائشةَ-رضي الله عنها-في رجلٍ أدرك النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-فقال:جئتُ لأتبعَك، وأصيبَ معك، قال له رسولُ الله-صلَّى الله عليه وسلم-:(تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال:(فارجع، فلن أستعين بمشرك)[31].

قال ابنُ حزمٍ:(وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية، أو قتال، أو شيء من الأشياء)[32].

ويناقشُ:أنَّه ليس فيه نهيٌ عن الاستعانةِ بالمشركين، وإنِّما فيه أنَّ النبيَّ-صلَّى الله عليه وسلم-لم يشأ أنْ يستعين به؛ لمعنىً من المعاني كما أنَّ له أنْ لا يستعين بأحدٍ مِن المسلمين؛ لمعنىً من المعاني، قال الشافعيُّ:(لأن له الخيار أن يستعين بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه، أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك= فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين، فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا)[33].

الدليلُ الثانيْ: عن خبيبِ بنِ عبدِ الرحمن بنِ خبيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال:خرجَ رسولُ الله-صلَّى الله عليه وسلم- يريدُ وجها، فأتيتُه أنا ورجلٌ مِن قومي، فقلنا:إنْ شهِد قومُنا مشهداً لا نشهده معهم، قال:(أسلمتما؟) قلنا: لا، قال:(فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) قال: فأسلمنا وشهدنا معه[34].

الدليلُ الثالثُ:عن سعيدِ بنِ المنذرِ عن أبي حميدٍ الساعدي قال: خرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلى أُحدٍ، فلمَّا خَلَفَ ثنيَّة الوداعِ، نظر خلْفه، فإذا كتيبة حسناء، فقال:(من هؤلاء؟) قالوا: عبد الله بن أبي ابن سلول ومواليه من اليهود فقال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا، قال:(فإنا لا نستعين بالكفار على المشركين)[35].

الترجيح:

يظهرُ للباحثِ رجحانُ القولِ الثانيْ وهو المنعُ مِن الاستعانةِ بهم؛ لأنَّ في الاستعانةِ بهم مِن غيرِ حاجةٍ= تسويةً لهم بالمسلمين، والأصلُ في مَنْ كَفَرَ بالله أنْ يُهانَ ولا يُكرَّم ولا يُعزَّ، وأمَّا الاستعانةُ بهم في الخدمةِ كما يقول مالكٌ فجائزةٌ فيما يظهرُ؛ لما فيها مِن الإذلالِ لهم، وأمَّا إنْ حَصَلَت حاجةٌ ماسةٌ في الاستعانةِ بهم= لم يُنه عنه فيما يبدو، وهو مذهبُ مالكٍ في روايةٍ حكاها أبو الفرجِ[36]، وظاهرُ مذهبِ أحمدَ؛ وعليه فالاستعانةُ بهم من غيرِ حاجةٍ مِن الموالاةِ المكروهةِ، وأمَّا إذا وُجِدتْ حاجةٌ أو ضرورةٌ= لم تكن مِن الموالاةِ في شيءٍ.

فإنْ قيل:وما شأنُ الأخبارِ الواردةِ، وكيف نجمعُ بينها؟

والجوابُ:أنْ أصحَّ ما وَرَدَ مِن هذه الأخبارِ حديثُ عائشةَ-رضي الله عنها-وفيه:(فلن أستعين بمشرك).أخرجه مسلم[37].

وليس هذا نهياً جازماً وعاماً للمسلمين عن الاستعانةِ بالمشركين، نحو:لا تفعلوا، أو لا تستعينوا، وإنما فيه إخبارٌ عن نفسِه أنَّه لا يفعلُ ذلك، ولا يستعينُ بهم، وهذه الصيغةُ تدلُّ على الكراهةِ؛ نظيرَ قولِه:(لا آكل متكئاً)، ولم يختلفْ العلماءُ-فيما أعلم-أنَّ الاتكاءَ في الأكلِ ليس محرماً، قال ابنُ القيِّم:(أما لفظة: أما أنا فلا أفعل فالمتحقق من الكراهة)[38].

والكراهةُ تتناولُ كلَّ المسلمين؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ اختصاصِ النبيِّ-صلَّى الله عليه وسلم-بالأحكامِ لاسيما أنَّه علَّل ذلك بالشركِ، وهو وصفٌ مشتقٌ مناسبٌ، وهو الموافقُ للآثارِ الواردةِ عن الصحابةِ وغيرِهم مِن كراهةِ استعمالِ المشركين والاستعانةِ بهم في أمورِ المسلمين مِن غيرِ حاجةٍ ماسةٍ إليهم؛ ولهذا لم يستعنْ النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلم-بذلك المشركِ؛ لعدمِ الحاجةِ إليه لاسيما أنَّه مجرَّد رجلٍ واحدٍ لا تُعوزُ الحاجةُ إليه في الغالبِ، لكنْ لو وُجِدتْ حاجةٌ إلى الاستعانةِ بهم زالتْ الكراهةُ كما هو متقرِّر عند العلماءِ أنَّ الكراهةَ تزولُ للحاجةِ[39]، وتُحمَلُ الأخبارُ الواردةُ في استعانةِ النبيِّ-صلَّى الله عليه وسلم-ببني قينقاعٍ، وصفوانَ، وغيرِهم، على وجودِ الحاجةِ إليهم، لاسيما أنَّها وقائعُ أحوالٍ لا عمومَ لها، فيصحُّ حملُها على الصورةِ الجائزةِ التي لم يتناولها المنعُ كما تقدَّم.



المسألةُ الثانيةُ:أنْ تكون يدُ الكافرين هي الغالبةُ والمسلمُ تابعٌ لهم، فهلْ يجوزُ للمسلمِ أنْ يقاتلَ معهم ضدَّ كافرين آخرين مِن أجلِ المالِ ونحوِه؟

تحريرُ محلِّ النِّزاعِ.

1-لا تدخلُ في محلِّ الِّنزاعِ صورةُ مَنْ قاتلَ معهم مِن أجلِ مصلحةٍ شرعيةٍ، أو مِن أجلِ ضرورةٍ.

2-واختلف العلماءُ في جوازِ الانضمامِ في جيشِهم والقتالِ معهم ضدَّ كافرين آخرين؛ مِن أجلِ أطماعٍ دنيويةٍ، كطلبِ مالٍ ونحوِه، فقد اختلفوا فيها على أربعةِ أقوالٍ:

القولُ الأولُ: تحريمُ القتالِ معهم، وهو مذهبُ مالكٍ، ففي "المدونة"[40]:(قلت: أرأيت لو أن قوماً من المسلمين أسارى في بلاد الشرك، أو تجارا استعان بهم صاحب تلك البلاد على قوم من المشركين ناوءوه من أهل مملكته، أو من غير أهل مملكته، أترى أن يقاتلوا معه أم لا؟

قال: سمعت مالكا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين؟

قال: قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا).

وقال سحنون:(ولو استعانوا بهم المشركون على قتال عدو لهم لم ينبغ أن يعينوهم، إلا أن يغير عليهم بعض أهل الشرك ويسبوهم فيخاف المسلمون على أنفسهم من ذلك، فلا بأس أن يقاتلوا حينئذ مع الذين هم معهم)ثم قال:( وقاله كله ابن الماجشون وأصبغ)[41].

القولُ الثانيْ:يُكرهُ القتالُ في صفوفِهم، وهو مذهبُ الحنفيةِ، والشافعيةِ، وغيرِهم.

قال محمَّدُ بنُ الحسنِ:(وإن كان حكم أهل الشرك هو الغالب فلا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا مع أهل الشرك إلا أن يخافوا على أنفسهم فيدفعون عنها)[42].

قال الطحاويُّ:(قال أصحابنا لا بأس بالاستعانة بأهل الشرك على قتال المشركين إذا كان حكم الإسلام هو الغالب الجاري عليهم، وإنما يكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك الظاهر، وهو قول الشافعي)[43].

وقال الشافعيُّ:(وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا، ولا نعلم خبر الزبير يثبت، ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَّلى النبي - صلى الله عليه وسلم -عليه)[44].

القولُ الثالثُ:التوقف، وهذا مذهب أحمد بن حنبل، قال أبوداود:(قلت لأحمد: لو نزل عدو بأهل قسطنطينية، فقال الملك للأسرى: اخرجوا فقاتلوا، واعطيكم كذا وكذا؟ قال: إن قال لهم: أخلي عنكم فلا بأس رجاء أن ينجوا، قلت: فإن قال: أعطيكم وأحسن إليكم؟ قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا" , لا أدري)[45].

فنلاحظُ أنَّ أحمدَ توقَّفَ في إعانتِهم مِن أجلِ المالِ، فما كان دون المالِ ونحوِه كإعانتهم دون مقابلٍ فهو منهيٌ عنه، وإنْ كان يَظهرُ مِن تعليلِ أحمدَ بالحديث أنَّ المنعَ مِن إعانتِهم مِن أجلِ المالِ أقربُ إليه، قال ابنُ مفلحٍ:(ونُحرِّم إعانتهم على عدوهم إلا خوفاً، وتوقف أحمد في أسير لم يشرطوا إطلاقه ولم يخفهم, ونقل أبو طالب: لا يقاتل معهم بدونه)[46].

هذه الثلاثةُ الأقوالُ(التحريم، الكراهة، التوقف) متقاربةٌ مِن حيثُ الدلائلِ:

الدليلُ الأولُ: عن جريرٍ، قال: بعث رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم- سريةً إلى خثعم، فاعتصمَ ناسٌ بالسجودِ فأسرعَ فيهم القتلُ، فبلغَ ذلك النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- فأمرَهم بنصفِ العقلِ، وقال: (أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين ) قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: (لا ترايا ناراهما )[47].

وجهُ ذلك:أنَّ النبيَّ-صلَّى الله عليه وسلم-تبرَّأ ممنْ أقامَ في دارِهم وساكنَهم، وإنْ لم يُعِنْهم، فكيف بمن ساكنَهم في جيشِهم، واستظلَّ برماحِهم، وتحت رايتِهم، واستدفأ بنارِهم، وقاتلَ معهم، وأعانَهم؟؟

قال الطحاويُّ:(القتال الذي دعاه ولاؤه إلى المسلمين هو قتال تحت راية الكفر، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم- أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا يتراءى ناراهما)[48].

فهذا يدلُّ على التحريمِ الشديدِ، بل ظاهرُ الحديثِ كفرُ مَنْ فَعَلَ ذلك، قال ابنُ حزمٍ:(وهو-عليه السلام- لا يبرأ إلا من كافر)[49].

ويناقشُ مِن خمسةِ أوجهٍ:

الوجهُ الأولُ:أنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ، والأئمةُ يُعِلُّونه بالإرسالِ كأحمدَ[50]، والبخاريّ[51]، وأبي حاتمٍ[52]، والدارقطنيّ[53]، والبيهقيّ[54]، وغيرِهم.

قلتُ:وهو وإنْ كان سنده ضعيفاً كما قال الأئمةُ بشأن هذا الحديث إلا أنَّ له شواهداً تقويْ معناه[55]، ولم يزلْ الأئمةُ يحتجُّون به وبأمثالِه على النهي عن الإقامةِ بين ظهراني الكافرين.

الوجهُ الثانيْ:أنَّ القتالَ معهم لا يستلزمُ الإقامةَ، وأغلبُ أحوالِ الجيوشِ السفرُ، ومَنْ سافرَ إليهم، وقاتلَ معهم ضدَّ كفَّارٍ آخرين= لم يكنْ بذلك مقيماً، وقدْ حَصَلَ بين العلماءِ نزاعٌ في المدَّةِ التي إنْ قضاها، أو نوى ذلك =كان مقيماً، هلْ هِيَ أربعةُ أيامٍ؟، أمْ خمسةَ عشرَ يوماً؟، أم عشرون يوماً؟، أم بحسبِ العرفِ، ولا يكفرُ أحدٌ مع وجودِ احتمالٍ، وعامتُهم أنَّ المسافرَ ما لم يعزمْ على الإقامةِ فيقصرُ أبداً= فهو غيرُ مقيمٍ؛ وبهذا تكونُ كثيرٌ مِن الصورِ لم يتناولْها النهيُ في الحديثِ.

الوجهُ الثالثُ:أنَّ الحديثَ فيمَنْ أقامَ بين ظهراني المشركين مختاراً، ولا يتناولُ مَنْ ذهبَ إليهم خائفاً مِن ظلمٍ ونحوِه، أو مَنْ لا يستطيعُ ذلك لمشاكلِ الجنسيةِ ونحوِها، ومَنْ كان معذوراً بإقامتِه= لم يتناولْه النهيُ في قتالِه مع المشركين عندئذٍ، أيْ: أنَّه يجوزُ له الإقامةُ بين ظهرانيهم؛ لما ذكرنا؛ فإنْ أعانهم بعد ذلك ودَخَلَ في جيشِهم وقاتلَ معهم؛ لغرضِ المالِ= لم يتناولْه حديثُ النهيِ!

الوجهُ الرابعُ:أنَّ السلفَ-الذين لم يُعرفْ عنهم بدعةٌ-لم يتنازعوا أنَّ الإقامةَ بين ظهراني المشركين اختياراً= ليستْ كفراً؛ وبدليلِ إجماعِهم على التوارثِ بين المهاجرِ وغيرِ المهاجرِ، ومعلومٌ أنَّ الكافرَ لا يرثُ مِن المسلمِ، قال الحارثُ المحاسبيُّ[56]:(فأجمعوا أن الآية الأولى منسوخة، وأن الله-جل ثناؤه-أثبت الميراث بالقرابة للمؤمنين لا بالهجرة)[57].ثم قال:(فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة فكان الرجل يسلم ولا يهاجر فلا يرث أخاه، فنسخ ذلك "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين")[58]، وقدْ أوجبَ اللهُ نُصرةَ مَنْ لم يهاجرْ إنْ استنصرونا في الدين، فقال تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلَايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وسيأتي بسطُ هذه المسألةِ إنْ شاءَ اللهُ عند بحثِ مناطاتِ الكفرِ.

الوجهُ الخامسُ:أنَّ أهلَ العلمِ فسَّروا هذا الحديثَ بِعدَّةِ تفسيراتٍ لا يلزمُ منها كفرُ مَنْ أقامَ بين أظهرِ المشركين، وهيَ كالآتي:

التفسيرُ الأولُ:أيْ: بَرِيءَ من ديته، ومِن القصاصِ مِن فاعلِه، قال الشافعيُّ:(إن كان هذا يثبت فأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى من أعطى منهم متطوعا وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك والله أعلم في دار الشرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود)[59]، وقال ابن حزم:(أنه جان على نفسه بذلك، فإن قتله من لا يدري أنه مسلم فلا قود، ولا دية، إنما فيه الكفارة فقط؛ بنص القرآن)[60].

التفسيرُ الثانيْ:أنَّه يحتملُ أنَّ معنى الحديثِ البراءةُ مِن ولايتِهم التي هي الميراث، وهيَ مِن جِنْسِ معنى قولِه تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلَايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)، وأجمعَ العلماءُ أنَّ المقصودَ بها الميراثُ، ولكنَّها نُسِختْ.[61]

التفسيرُ الثالثُ:أنَّه بَرِيءَ مِن حِمايةِ دمِ أيْ مسلمٍ يقيمُ بين أظهرِ المشركين مختاراً؛ لأنَّه هو الجانيْ على نفسِه، أو لأنَّ الأحكامَ تابعةٌ للدارِ كما هو مذهبُ الحنفيةِ، قال الجصاصُ:(لا قيمة لدمه كأهل الحرب الذين لا ذمة لهم)[62].

ويناقشُ:أنَّ اللهَ أوجبَ نُصرتَهم إنْ استنصروهم في الدينِ، فقال تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلَايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، ونصرتُهم فرعٌ عن ثبوتِ إسلامِهم ظاهرا!

التفسيرُ الرابعُ:أنَّه محمولٌ على معنى البراءةِ مِن إقامتِه وفعلِه، لا البراءة مِن المقيمِ نفسِه؛ نظيرَ قولِه:(من حمل علينا السلاح فليس منا)، و(من غشنا فليس منا) ونظائر ذلك.

التفسيرُ الخامسُ:أنَّ هذا حين كانتْ الهجرةُ فرضاً، لكنَّها نُسِختْ بعدَ فتحِ مكةَ، وهو اختيارُ الكيا الهراسي[63]، والرازي[64]، وغيرُهما.

التفسيرُ السادسُ:أنَّه محمولٌ على مَنْ سكنَ في دارِ المشركين، ولم يمكنْه أنْ يُظهِرَ شيئاً مِن دِينه، أو خَشِيَ أنْ يُفتتنَ فيها، فإنَّه بريءٌ مِن مقامِه بينهم، ويجبُ عليه الهجرةُ، وأنَّه إذا أَمِن فإقامتُه في دارِهم مكروهةٌ، وقد أشارَ إلى هذا الماوردي[65]، وقال الشافعيُّ:(ودلَّت سُنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على أنَّ فرضَ الهجرةِ على من أطاقها، إنما هو على من فُتِنَ عن دينِه بالبلد الذي يَسلَمُ بها؛ لأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم، فيهم العباس بن عبد المطلب، وغيره؛ إذا لم يخافوا الفتنة، وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم:إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين، وإن أقمتم فأنتم كأعراب المسلمين، وليس يُخيرهم إلا فيما يحلُّ لهم)[66].

التفسيرُ السابعُ:أنَّه برِئ ممن لِحقَ بالكفَّارِ محارباً للمسلمين، قال ابنُ حزمٍ:(من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها: من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك، لأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لم يبرأ من مسلم)[67].

الدليلُ الثانيْ:أنَّ القتالَ المشروعَ هو ما كانَ مِن أجلِ إعلاءِ لا إله إلا الله، وهذا ليس كذلك، بل هذا إعانةٌ للكفارِ ضدَّ كفارٍ آخرين مِن أجلِ غرضٍ دنيويٍ صِرفٍ.

ويناقشُ:بأنَّ طلبَ المالِ مِن الحوائجِ المشروعةِ، وأباحَ اللهُ الموتَ دون المالِ، وسمَّاه شهيداً.

ويجابُ عنه:بأنَّ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-ذَكَرَ أنَّ مَنْ ماتَ دونَ مالِه فهو شهيدٌ، وهو هنا لم يصبح مالاً له بعدُ؛ بل طريقُ كسبِه له غيرُ مشروعٍ، فكيف يكون مالاً له؟

الدليلُ الثالثُ:أنَّ في قتالِه معهم ضدَّ كافرين تعريضاً لإزهاق نفسِه مِن أجلِ حطامٍ زائلٍ؛ يتسبَّب بدخولِهم مِن حكم ِكافرٍ إلى حكمِ كافرٍ آخر= وهذه غايةٌ لا يجوز للمسلمِ تعريضُ نفسِه مِن أجلِها.

الدليل الرابع:أنَّ القتالَ طلباً للمالِ مِن جنسِ القتالِ من أجلِ العلوِّ في الأرض، وهذا قتالُ غيرُ مشروعٍ لاسيما أنَّه قتالُ لا مراعاةَ فيه لأحكامِ الله، بخلافِ قتالِ المسلمين الذين يدعون الكفارَ إلى الإسلامِ قبلَ القتالِ، ويفعلون بالأسرى ما فيه مصلحةٌ للإسلام والمسلمين، ويخمَّسون الغنائم، ونظائر ذلك من الأحكام التي ليس لمن قاتلَ مع الكفارِ يدٌ في فرضها عليهم، وأشارَ إلى هذا الإمام الشافعيُّ فقال:(..أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان، وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا)[68].

وقال ابنُ المناصفِ:(لا يجوزُ لمجردِ الغَلبةِ والنَّيل منهم على الإطلاق، ألاَ ترى أنَّ الدعوة تَجِبُ قبلَ ذلك فيمن لم تبلغه باتفاق، فقتالهم معهم لم يكن لذلك، بل هو عونٌ للكفار على الكُفَّار، وذلك غير مشروع)[69].

الدليلُ الخامسُ:أنَّ القتالَ مع جيشِ الكفارِ براياتِه الكفريةِ مستلزمٌ لإعانتِهم على الكفرِ= ولا يجوزُ إعانتُهم على الكفرِ!

ويناقشُ من وجهين:

الوجه الأول:أنَّ قتالَ الكفارِ لغيرهم من الكافرين ليس كفراً ناشئاً من القتالِ، وإنِّما هو استمرارٌ للكفرِ، ولو كان كفراً ناشئاً لوجبَ على المسلمين منعُهم من الاقتتالِ بينهم عند القدرة، أو السعيُ إلى الصلحِ بينهم، ولأصبح الفرحُ بانتصارِ بعضِهم على بعضٍ كالفرحِ بانتصارِ الكفرِ= وهو كفرٌ، وهذا باطلٌ باتفاق المسلمين!

الوجهُ الثانيْ:أنَّ جنسَ قتالِ الكفارِ ليس محرماً في نفسِه، ولهذا يُشرعُ قتالهم طلباً ودفعاً، والمالُ باعثٌ مشروعٌ في الجملةِ، والمخاطرةُ من أجلِ المالِ مشروعةٌ كالمخاطرةِ في حفرِ القُلُبِ، وتشييدِ البروجِ، وترويضِ الخيولِ والإبلِ، ونحوِ ذلك، وما يحصلُ من إعانةٍ للكفارِ على كفرِهم= حاصلٌ بالعرض لا بالذات كما أنَّ هزيمةَ كفارٍ آخرين مصلحةٌ حاصلةٌ بالعرضِ لا بالذاتِ إنْ لم يقصدْ إضعافَ الكافرين ونحو ذلك من المقاصدِ الحسنةِ، فاستوتْ المفسدةُ والمصلحةُ، وطلبُ المالِ رجَّح كفةَ القتالِ معهم، فإن وُجدِتْ نيةٌ حسنةٌ من هزيمةِ الكفارِ وإضعافِهم-وهو الظن بالمسلم- كانتْ المصلحةُ مقصودةً راجحةً على تلك المفسدةِ الحاصلةِ بالعرضِ، فكان أقرب إلى الجوازِ.

ويجابُ عنه:بأنَّ القتالَ في الإسلامِ لا يشرعُ إلا من أجلِ الحقِ وفي سبيلِه، فكيف إذا انضمَ إلى مفسدةِ القتالِ لغيرِ الحقِ مفسدةُ الذلِ والهوانِ تحت رايتِهم الكفريةِ؟. والمخاطرةُ بالنفسِ في القتالِ أعظمُ في مجاري العادات من المخاطرةِ في حفرِ القُلُبِ ونحوِها.



فهذه الدلائلُ شاملةٌ للأقوالِ الثلاثةِ، فمنهم من جعلها دالَّةً على التحريمِ، ومنهم من جعلها دالَّةً على الكراهةِ، ومنهم من توقَّف فيها.

القولُ الرابعُ: جوازُ ذلك، وهو مذهبُ سفيان الثوريِّ[70]، وأشار إليه الشافعيُّ؛ إذ قال:(ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم؛ ليقاتلوهم، فقد قيل: يقاتلونهم، وقيل: قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين، ومن قال هذا القول، قال:وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك)[71].

وأشار إليه السرخسيُّ فقال:(فبظاهر هذا الحديث يستدل من يجوِّز قتال المسلمين مع المشركين تحت رايتهم)[72].

واستدلُّوا بالآتي:

الدليلُ الأولُ:قصةُ الزبيرِ وأصحابِه حين أعانوا المشركين ببلادِ الحبشةِ على مشركين آخرين، وهي قصةٌ مشهورةٌ في كتب السيرِ والمغازي[73].

وتناقشُ من أربعةِ أوجهِ:

الوجهُ الأولُ:بأنها قصةٌ لا تثبتُ، قال الشافعيُّ:(ولا نعلم خبر الزبير يثبت)[74].

ويجابُ عنه:أنَّ الخبرَ رواه ابنُ إسحاقٍ[75] وغيرِه من أهلِ السيرِ والمغازي، ورواه أحمدُ في مسندِه[76]، قال الهيثميُّ:(ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق، وقد صرح بالسماع)[77]، ويقصدُ أنَّ ابنَ إسحاقٍ مدلسٌ، لكنَّه صَّرحَ بالسماعِ فزالتْ العلةُ، وصحَّحه أحمدُ شاكر[78].

الوجهُ الثانيْ:أنَّ النجاشيَّ كان مسلماً= فهِيَ مِن إعانةِ المسلمِ لأخيه المسلمِ، قال الشافعيُّ:(ولو ثبت: كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله-صلى الله عليه وسلم-)[79].

ويجابُ عنه:أنَّ النجاشيَّ كان يخفي إسلامَه، ولا يحكمُ به بلادَ الحبشةِ، بل لا تزالُ أجراسُ الكنائسِ تدقُّ في جَنَبَات البلاد، وراياتُ الصليبِ ترفرفُ في سمائها= فحكومتُه ليست حكومةً إسلاميةً، وكان القتال بين جيشين صليبيين تُرفع فيهما راياتُ الصليبِ، ولم يكنْ أصلُ القتالِ بين الإسلامِ والكفرِ باتفاق المسمين، ولا يُتَصور هذا عن جيشٍ حاكمه يُظهِرُ النصرانيةَ ويخفي الإسلام!

صحيحٌ أنه قد تكون نيةُ النجاشيِّ-على تقدير إسلامه-نيةً حَسَنَةً كأن لا يريدُ أن يوسَّد حكمُ الحبشةِ إلى كافرٍ، لكنَّ الجيش والراية كلها قتالُ كفارٍ ضد كفار!

مع أنَّ ظاهرَ القصةِ أنَّ النجاشيَّ الذي قاتلَ لم يكنْ مسلماً يومئذٍ؛ لأنَّ الزبيرَ وأصحابَه ذكروا أنَّهم أرادوا نصرتَه خوفاً مِن ظلمِ غيرِه، ولم يذكروا أنَّه مِن أجلِ إسلامِه، قال ابنُ إسحاقٍ يحكي قصَّتهم:(فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزناً قط كان أشد منه، فرقاً أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعوا الله، ونستنصره للنجاشي)[80].

الوجهُ الثالثُ:تُحْمَلُ على حاجةِ المسلمين ومصلحتِهم في انتصارِه؛ لأنَّ البديلَ عن النجاشيِّ لنْ يكون مثلَه، قال السرخسيُّ:(أنه لم يكن للمسلمين يومئذ ملجأ غيره..)[81].

وطَلَبُ المالِ ليس مِن هذا الباب.

الوجهُ الرابعُ:أنَّ حضورَ الزبيرِ للوقعةِ مع النجاشيِّ لا يلزم منه الإعانةَ، بل ظاهرُ حضورِه للواقعةِ إنَّما هو لاطلاعِه على أحوالِ المعركةِ لا غير؛ ليرجعَ إلى أصحابِه بالخبرِ، ولم يُشارك معهم في القتالِ، قال الطحاويُّ):فلم يذكر فيه قتال وإنما ذهب يعرف خبرهم فأخبر المهاجرين)[82].

ويجابُ عنه:أنَّ دعاءَهم للنجاشيِّ، وفرحِهم بنصرِه، وحضورَ الزبيرِ الوقعةِ تحت رايةِ النجاشيِّ الصليبيةِ سواء قاتل أو لم يقاتل= يدلَّ على جواز مناصرتِهم؛ إذا كان فيه مصلحةٌ للإسلام والمسلمين؛ إذْ الأمر دائرٌ بين كفرين، أو حاكمين، وأحدهما أهون من الآخر؛ فيدفعُ أشد الضررين باحتمال أدناهما.

الدليل الثاني:أنَّ غايةَ القتالِ مع كافرين ضدَّ كافرين= هو أنْ يَقتلَ المسلمُ الكفارَ، ولا محذورَ فيه؛ لأنَّ دمائَهم مستباحةً بالكفرِ.

ويناقشُ مِن ثلاثةِ أوجهٍ:

الوجهُ الأولُ:أنَّه لا يحِلُّ قتلُهم بمجردِ الكفرِ الأصليِّ وهم لم يقاتلوا المسلمين قولاً أو فعلاً، قال ابن تيمية:(وأما من لم يكن من أهل الممانعة، والمقاتلة: كالنساء، والصبيان، والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى، والزمن، ونحوهم= فلا يقتل عند جمهور العلماء؛ إلا أن يقاتل بقوله، أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر؛ إلا النساء والصبيان؛ لكونهم مالا للمسلمين، والأول هو الصواب)[83].

الوجه الثاني:أنَّ المشروعَ دعوتُهم إلى الإسلامِ، ثم إلى الجزيةِ، قبل قتالِهم، قال ابنُ المناصف:(من عُلِمَ وتُحقِّق أنه لم تبلغه دعوة الإسلام، ولا عُلِمَ ماذا يُراد منه بالقتال، فلا خلاف يُعرفُ أنه يجبُ أن يُدعَى قبلُ إلى الإسلام، ويَعلم بما يجب في ذلك، فإن امتنعوا قوتلوا حينئذ)[84].

الوجهُ الثالثُ:أنَّ في قتالِه معهم مفاسدٌ: من الدخولِ تحت رايتِهم الكفريةِ، ومن جعلِ سلطانٍ عليه من الكافرين.

الدليلُ الثالثُ:أنَّ إلحاقَ الذلِ والصغارِ والهزيمةِ بطائفةٍ مِن الكفارِ مِن المقاصدِ الشرعيةِ مِن إدحاضِ الباطلِ وإزهاقِه، فإنْ كان في إعانةِ طائفةٍ مِن الكفارِ تحقيقٌ لهذا المقصدِ الشرعيِّ= لم يكنْ منهياً عنه، وما فيه مِن مفاسدَ تعريضِ النفسِ للهلاك، والذلِ بالدخول في جيشهم وتحت إمرتهم.. مغتفرٌ بتحقيقِ ذلك المقصدِ الشرعيِّ.

ويناقشُ:أننا سلَّمنا أنَّ ضربَ الصَّغارِ على الكفَّارِ من المقاصدِ الشرعيةِ، لكنْ بإزاءِ ذلك مفسدةُ علوِّ طائفةٍ مِن الكافرين وإعزازِها= فاستوتْ المفسدةُ والمصلحةُ، وبقيتْ مفاسدُ أخرى مِن دخولِ المسلمِ تحت رايتِهم، وفرضِ الذلِ عليه، وتعريضِ نفسِه للهلاكِ= كل ذلك من أجل المال!



الترجيح: يظهر للباحث رجحان تحريم القتال معهم من أجل المال ونحوه من الأطماع الدنيوية؛ لقوة أدلة المحرمين؛ وعليه فالقتال معهم في صفوفهم من الموالاة المحرمة على الصحيح من أقوال أهل العلم، بل جرت العادة أنه لا يعتاد القتال معهم ضد كافرين آخرين إلا من هو فاسق أو دون ذلك، قال ابن تيمية عمن يقاتل مع التتر ضد كافرين آخرين:(لا يقاتل معهم غير مكره إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق)[85].

وفي الجملةِ:لم أرَ بعدَ البحثِ والتفتيشِ في أقوالِ السلفِ غيرَ هذه الأقوالِ الأربعةِ، وليس في واحدٍ منها إكفارُ مَنْ انضمَّ معهم في جيشِهم وقاتلَ معهم ضدَّ كافرين آخرين مِن أجلِ المالِ ونحوِهِ؛ وبهذا تبطل تقريرات أمراء التنظيم وشرعييه من تكفير كل معاون للكفار= حين كفَّروا مَن يسمونَهم جنودَ الطواغيتِ، أو كفَّروا المجاهدين بمجردِ التعاونِ، قالتْ الهيئةُ الشرعيةُ لتنظيمِ الدولةِ حين كفَّروا الجبهةَ الإسلاميةَ بمجرد عضويتِهم في الأركان:(تولي أمراء الجبهة للمرتدين وموافقتهم لما هم عليه من الكفر؛ وذلك لعضويتهم في هيئة الأركان).

وهذا لو كانتْ عضويتُهم لأطماعٍ دنيويةٍ مِن نيلِ مالٍ ونحوِه، فأمَّا إنْ كانتْ مِن أجلِ مصلحةٍ شرعيةٍ، أو حاجةٍ ماسةٍ، فهِيَ مِن المسائلِ الآتيةِ.



المسألة الثالثة:أنْ تكون يدُ الكافرين هِيَ الغالبةُ، والمسلمُ لهم تبعٌ، فهلْ يجوزُ للأسيرِ المسلمِ-الذي لا يخشى على نفسه الافتتان في الأسر- أنْ يقاتلَ معهم ضدَّ كافرين آخرين مِن أجلِ إطلاقِ أسرِه؟

اختلفَ العلماءُ في هذه المسألةِ على قولين:

القولُ الأولُ:المنعُ مِن القتالِ معهم، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ وأصحابِه، ومذهبُ مالكٍ، وظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ.

قال محمدُ بنُ الحسنِ:(وإن كان حكم أهل الشرك هو الغالب فلا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا مع أهل الشرك إلا أن يخافوا على أنفسهم فيدفعون عنها)[86].

وقال السرخسيُّ:(لو قال أهل الحرب لأسراء فيهم: قاتلوا معنا عدونا من المشركين-وهم لا يخافونهم على أنفسهم إن لم يفعلوا-= فليس ينبغي أن يقاتلوهم معهم؛ لأن في هذا القتال إظهار الشرك، والمقاتل يخاطر بنفسه فلا رخصة في ذلك)[87].

وفي المدونة[88]:(قال: سمعت مالكا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين؟

قال: قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا).

وقال الشافعيُّ:(وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا، ولا نعلم خبر الزبير يثبت، ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَّلى النبي - صلى الله عليه وسلم -عليه)[89].

وقال ابنُ حبيبٍ:(ويكره للإمام أن يكون معه أحد من المشركين أو يستعين ببعضهم على بعض. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:"لن أستعين بمشرك". قال ابن حبيب: وهذا في الزحف والصف وشبهه, فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق، أو صنعه أو خدمه= فلا باس، ولا باس أن يقوم بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه , ويأمرهم بنكايتهم، ولا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره وقربه ومسايرين له يقوون بظلمه على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره)[90].

واستدل هؤلاء بالآتي:

الدليلُ الأولُ:أنَّ إعانةَ الكفارِ على الكفارِ فيه مفسدةُ إظهارِ الشركِ، وإعلاءِ كلمتِه، وهذا مِنهيٌّ عنه، فهو قتالٌ غيرُ مشروعٍ، قال ابنُ المناصفِ:(لأن قتال الكفار إنما شُرِعَ لإعلاء كلمة الإسلام والدعاءِ إليه، لا لإعلاءِ كُفرٍ على كُفرٍ، بل لا يجوزُ لمجردِ الغَلبةِ والنَّيل منهم على الإطلاق، ألاَ ترى أنَّ الدعوة تَجِبُ قبلَ ذلك فيمن لم تبلغه باتفاق، فقتالهم معهم لم يكن لذلك، بل هو عونٌ للكفار على الكُفَّار، وذلك غير مشروع)[91].

ويناقشُ مِن ثلاثة أوجه:

الوجهُ الأولُ:أنَّ في معاونةِ كفارٍ على قتالِ كفارٍ آخرين تعاونٌ على دحرِ الكفرِ والباطلِ، وهو محمودٌ، وهو من جنسِ حلفِ الفضولِ الذي تعاونوا فيه على دفع الظلم[92]، فكيف إذا كان فيه مصلحةٌ من فكاكِ أسيرٍ مسلمٍ؟

ويجابُ عنه:بأنَّ الإسلامَ يأمرُ بدفعِ الظلمِ بالحقِ، وهو مضمونُ حلفِ الفضولِ، ولا يأمرُ بدفعِ ظلمٍ بظلمٍ مثلِه= فهذا عبثٌ لا يأمرُ الإسلامُ به، فكيف إذا كان فيه مفسدةُ تعريضِ النفسِ للهلاكِ، والدخولِ تحت رايتِهم؟

الوجهُ الثانيْ:أنَّ هذا القتالَ لو كان فيه إعانةٌ على الكفرِ= فهو جائزٌ من أجلِ الفكاكِ من الأسرِ؛ لأنَّ الحبسَ من معاني الضروراتِ المبيحةِ للتلفظِ بالكفرِ وفعلِه مع اطمئنانِ القلبِ بالإيمانِ، فكيف بما دون ذلك؟، وكيف إذا كانتْ تلك الإعانةُ لا تزيدُ الَمُعَانَ كفراً على أصل كفره؟؟

الوجهُ الثالثُ:أنَّ المتكلمَ نَظَرَ إلى مفسدةِ علوِّ طائفةٍ من الكفارِ، وأنَّه مستلزمٌ لعلوِّ الكفرِ، وهذا نَظَرٌ قاصرٌ، بل فيه مصلحةُ قهرِ طائفةٍ من الكفارِ، والمقاتلُ لم يقصدْ علوَّ الكفرِ قطعاً؛ لأنَّه يحاربُ مَن كان من جنسِهم، ومفسدةُ إظهارِ الكفرِ مساويةٌ لمصلحةِ إدحاضِ الكفرِ، فليس فيه مفسدةٌ راجحةٌ من هذه الجهة، وإنما يمنع من أجل مفسدة الذلِ والهوانِ، وتعريضِ النفسِ للهلاك، لكنْ هذه المفسدةُ مغمورةٌ بمصلحةِ فكاكه مِن الأسر؛ لأن تلك المفسدةَ-وهي الذلُ والهوانُ، وتعريضُ النفسِ للهلاكِ-موجودةٌ في الأسرِ أيضاً، مع مصلحةِ فكاكِ أسرِه، والقتالُ مِن أجلِ دفعِ الظلمِ عن نفسِه مشروعٌ، وهو مِن القتالِ في سبيلِ اللهِ، وإذا جازَ القتالُ لدفعِ الظلمِ الواقعِ على مالِ المسلمِ كما في الصحيحِ عن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ-رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي-صلى الله عليه وسلم-يقول:(من قتل دون ماله فهو شهيد)[93]، فدفعُه عن النفسِ مِن بابٍ أولى، ولهذا يجوزُ أنَّ يفتدي نفسَه بالمالِ عند الجمهورِ؛ ولأنَّه يُخشى عليه الافتتانُ في الأسرِ، بل ثبتَ أنَّه أباحَ القتالَ دون النفسِ، فعن سعيدِ بنِ زيدٍ قال: قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-:(من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد)[94].

الدليلُ الثانيْ:أنَّ في القتالِ معهم هواناً وذلاً، وجَعْلَ سبيلٍ على مَنْ قاتلَ معهم، وجريانِ أحكامِهم الظالمةِ التي لم يأمرْ بها اللهُ المحاربين مِن الدعوةِ إلى الإسلامِ، وقبولِ الجزيةِ، وأحكامِ الأسرى، والكفِ عمن أسلم، ونظائرِ ذلك، دون قدرةٍ منه على تغييرها= وهذا منافٍ لهيمنةِ الإسلامِ على الدينِ كلِه، ومنافٍ للعزةِ الإيمانيةِ التي أمرَ اللهُ بها.

ويناقشُ:أنَّ هذه لا شك مفسدةٌ، ولا يجوزُ الإقدامُ عليها مِن غيرِ حاجةٍ، لكنَّها تُغتفرُ لوجودِ مصلحةٍ راجحةٍ مِن افتكاكِ الأسرى، فحقيقتُها تعارضُ مفسدتين، المفسدةِ المذكورة، والمفسدةِ من بقاء الأسرى في ربقةِ الكافرين= فتُدفعُ المفسدةُ الأشدُ بالمفسدةِ الأدنى.



القولُ الثانيْ:أنَّ القتالَ في صفوفِهم مباحٌ؛ لافتكاكِ نفسِه مِن الأسرِ، وهذا مذهبُ الأوزاعيِّ، والثوريِّ، وأحمدَ ابنِ حنبلٍ.

قال الأوزاعيُّ:(لا يقاتلون إلا أن يشترطوا عليهم إن غلبوا أن يردوهم إلى دار الإسلام)[95].

وقال الثوريُّ:(يقاتلون معهم)[96].

وقال أبوداودُ:(قلت لأحمد: لو نزل عدو بأهل قسطنطينية، فقال الملك للأسرى: اخرجوا فقاتلوا، وأعطيكم كذا وكذا؟ قال: إن قال لهم: أخلي عنكم فلا بأس رجاء أن ينجوا)[97].

واستدلُّوا بالآتي:

الدليلُ الأولُ: عن سعيدِ بنِ زيدٍ قال: قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-:(من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد)[98]. والأسيرُ غرضُه دفعُ الظلمِ عن نفسِه ضدَّ مَنْ يجوزُ له قتالُهم في الأصلِ، إلا ما فيها من مفسدةِ الذلِ، وتعريضِ النفسِ للهلاكِ، ونحوِ ذلك، ومفسدةُ الأسرِ أعظمُ مِن مفسدةِ القتالِ معهم ضدَّ كافرين؛ إذ في الأسر ذلٌ وإهانةٌ لا يوجدُ مثله في القتالِ معهم، ويُخشى عليه مِن الفتنةِ.

الدليلُ الثانيْ:أنَّ الأسيرَ-وإنْ لم يخشَ على نفسِه الآن-قد تتغيرُ الأوضاعُ؛ فيُفتتنَ في دينِه= فقتالُه لافتكاكِ نفسِه مِن الأسرِ خيرٌ له.

الدليلُ الثالثُ:أنَّ قتالَه بمنزلةِ الفداءِ بالمالِ وهو جائزٌ؛ وذلك أنَّه جَعَلَ مِن نفسِه أجيراً في القتالِ معهم، فإذا جازَ أحدُ العوضين المتساويين جازَ الآخرُ.

ويناقشُ:أنَّ هذا العِوضَ-أعني القتالَ معهم كالأجيرِ- يلزمُ منه أنْ يكونَ المسلمُ تحت رايتِهم بخلافِ الفداءِ فلا يلزمُ منه ذلك.

الدليلُ الرابعُ:قصةُ الزبيرِ وأصحابِه حين أعانوا المشركين ببلادِ الحبشةِ على مشركين آخرين، وهي قصةٌ مشهورةٌ في كتبِ السيرِ والمغازي[99]، وإذا جازَ إعانةُ جيش ٍكافرٍ براياتِه الصليبيةِ مِن أجلِ بقائِهم في بلادِه للحاجةِ، فلأنْ يجوز قتالهُم مِن أجلِ إطلاقِ أسرِهم مِن بابٍ أولى

وتناقشُ مِن ثلاثةِ أوجهٍ:

الوجهُ الأولُ:بأنَّها قصةٌ لا تثبتُ، قال الشافعيُّ:(ولا نعلم خبر الزبير يثبت)[100].

ويجابُ عنه:بأنَّ الخبرَ رواه ابنُ اسحاقٍ[101] وغيرِه مِن أهلِ السيرِ والمغازي، ورواه أحمدُ في مسندِه[102]، قال الهيثميُّ:(ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق، وقد صرح بالسماع)[103]، ويقصدُ أنَّ ابنَ اسحاقٍ مدلسٌ، لكنَّه صرَّح بالسماعِ فزالتْ العلةُ، وصحَّحه أحمدُ شاكرٍ[104].

الوجهُ الثانيْ:أنَّ النجاشيَّ كان مسلماً= فهِيَ مِن إعانةِ المسلمِ لأخيه المسلمِ، قال الشافعيُّ:(ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم)[105].

ويجابُ عنه:أنَّ النجاشيَّ كان يخفي إسلامَه، ولا يحكمُ به بلادَ الحبشةِ، بل لا تزالُ أجراسُ الكنائسِ تدقُّ في جَنَبَاتِ البلادِ، وراياتُ الصليبِ ترفرفُ في سمائها= فحكومتُه ليستْ حكومةً إسلاميةً، وحقيقةُ القتالِ أنَّه بين جيشين صليبيين تُرفع فيهما راياتُ الصليبِ، ولم يكنْ أصلُ القتالِ بين الإسلامِ والكفرِ باتفاقِ أهلِ المعرفة، ولا يُتصور هذا عن جيشٍ حاكمُه يظهرُ النصرانيةَ ويخفي الإسلامَ!

صحيحٌ أنَّه قد تكون نيةُ النجاشيِّ-على تقديرِ إسلامِه-نيةً حسنةً كأنْ لا يريد أنْ يوسَّدَ حكمُ الحبشةِ إلى كافرٍ، لكنَّ الجيشَ والراياتِ كلَّها قتال ُكفارٍ ضدَّ كفارٍ!

مع أنَّ ظاهرَ القصةِ أنَّ النجاشيَّ الذي قاتلَ لم يكنْ مسلماً يومئذٍ؛ لأنَّ الزبيرَ وأصحابَه ذكروا أنَّهم أرادوا انتصارَه خوفاً مِن ظلمِ غيرِه، ولم يذكروا أنَّه مِن أجل إسلامِه، قال ابنُ إسحاقٍ يحكي قصتَهم:(فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزناً قط كان أشد منه، فرقاً أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعوا الله، ونستنصره للنجاشي)[106].

الوجهُ الثالثُ:أنَّ حضورَ الزبيرِ للوقعةِ مع النجاشيِّ لا يلزمُ منه الإعانةُ، بل ظاهرُ حضورِه معهم، إنمَّا هو لاطلاعِه على أحوالِ المعركةِ؛ ليرجعَ إلى أصحابِه بالخبرِ، ولم يشاركْ معهم، قال الطحاويُّ):فلم يذكر فيه قتال وإنما ذهب يعرف خبرهم فأخبر المهاجرين)[107].

ويجابُ عنه:أنَّ دعاءَهم له، وفرحَهم بنصرِه، مع حضورِ الزبيرِ الوقعةِ تحت رايةِ النجاشيِّ الصليبية-قاتلَ أو لم يقاتلْ-= يَدلُّ على جوازِ مناصرتِهم؛ إذا كان فيه مصلحةٌ للإسلامِ والمسلمين؛ إذْ الأمرُ دائرٌ بين كفْرَين، أو حاكمَين، وأحدُهما أهونُ مِن الآخرِ؛ فندفعُ أشدَّهما باحتمالِ أدناهما.





الترجيح:يظهرُ للباحثِ رجحانَ القولِ الثانيْ، وأنَّه لا دليلَ يمنعُ مِن قتالِه معهم مِن أجلِ إطلاقِه مِن الأسرِ؛ وعليه لا يكون القتالُ معهم في هذه المسألةِ مِن الموالاةِ لهم. والله أعلم.



المسألةُ الرابعةُ:أنْ تكون يدُ الكافرين هي الغالبةٌ وهو لهم تبعٌ، فهل يجوزُ القتالُ معهم من أجلِ مصلحةِ الإسلامِ أو المسلمين، والنكايةِ بأعدائِهم الكافرين، أو الخوفِ ممن هو شرٌ منهم وما فيه من المفاسد لو هُزموا، ونحو ذلك من *** المصالح ودفع المفاسد؟

تحرير محل النزاع:

1-غيرُ داخلٍ في محلِّ النزاعِ إذا وجدتْ ضرورةٌ كحصول إبادةٍ جماعيةٍ للمسلمين إذا لم يقاتلوا، أو حاجةٍ ملجئةٍ كحصارِ حصنٍ واشترطوا لفك الحصارِ مقاتلاً يعرفُ المنطقةَ ويشاركهم في حربهم على كفار آخرين.

2-غيرُ داخلٍ في محلِّ النزاعِ إذا لم توجدْ مصلحةٌ شرعيةٌ، أو وجدتْ مصلحةٌ شرعيةٌ مرجوحةٌ، أو وجدتْ مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ، لكنْ أمكنَ معاونتُهم على عدوِّهم بالمالِ، أو السلاحِ، ونحوِ ذلك، مِن غيرِ قتالٍ معهم.

3-واختلفَ العلماءُ في القتالِ مع المشركين وتحت رايتِهم؛ للمصلحةِ الشرعيةِ الراجحةِ: من نصرةِ مسلمين مستضعفين، أو إضعافِ كافرين أعظمَ قوةً، وأشدَ عداءً، وأكثرَ ظلماً، وأرغبَ في قتالِ المسلمين، ونصرةِ كافرين أدنى عداوةً، وأقلَّ ضرراً، ونحوِ ذلك مما يغلبُ على الظنِّ رجحان المصلحة، أو اندفاع المفسدة، فاختلفوا في ذلك على قولين:

القولُ الأولُ:المنعُ مِن القتالِ معهم، وهو ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ، واختيارُ ابنِ حبيبٍ.

قال الشافعيُّ:(وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا، ولا نعلم خبر الزبير يثبت، ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَّلى النبي - صلى الله عليه وسلم -عليه)[108].

فنلاحظُ أنَّه ذكر قصةَ النجاشيِّ-وهي تُشبه مسألتنا هذه-وأجابَ عنها، ولو كان مؤيداً لها= لم يحتجْ أنْ يجيبَ عنها، وإنما اكتفى ببيانِ الفرقِ بين الأسيرِ، وما كان للمصلحة العامة لطائفة من المسلمين!.

وقد يُقال:إنَّه لم يقصدْ استيفاء الأجوبةِ عليها، فذكر ما مِن شأنِه أنْ يفسدَ دليلَ القولِ الآخرِ، وأنَّه لو كانتْ قصةَ النجاشيِّ مثلَ الأسيرِ، فهِيَ قصةٌ لا تثبتُ، وهو مسلمٌ، فجوابُه على فرضِ تسليمِ التماثلِ بينهما، ويقوِّي هذا أنَّ السرخسيَّ أجابَ عن قصةِ النجاشيِّ بجوابٍ قريبٍ مِن جوابِ الشافعيِّ، وقد ذكرَ في موضعٍ آخر: أنَّه يرخَّصُ في القتالِ معهم مِن أجلِ إعزازِ الدينِ كما سأذكره في القولِ الثاني، وهذا محتملٌ. فالله أعلم.

وقال ابنُ حبيبٍ:(ويكره للإمام أن يكون معه أحد من المشركين أو يستعين ببعضهم على بعض. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:"لن أستعين بمشرك". قال ابن حبيب: وهذا في الزحف والصف وشبهه, فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق، أو صنعه أو خدمه= فلا باس، ولا باس أن يقوم بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه , ويأمرهم بنكايتهم، ولا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره وقربه ومسايرين له يقوون بظلمه على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره)[109].



القولُ الثانيْ:إباحةُ القتالِ معهم مِن أجلِ المصلحةِ العامةِ الراجحةِ، وهو مذهبُ الأوزاعيِّ، والثوريِّ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وظاهرُ مذهبِ ابنِ حزمٍ، والسرخسيِّ، وغيرِهم.

أمَّا الثوريُّ فأباحَ القتالَ معهم مطلقاً كما تقدم[110]، وأمَّا الأوزاعيُّ وأحمدُ فأباحا القتالَ معهم مِن أجلِ أنْ يطلقوه مِن الأسرِ كما تقدم في المسألةِ السابقةِ، وهِيَ مصلحةٌ خاصةٌ مِن غيرِ تيقنِ افتتانٍ، فإباحةُ ذلك مِن أجلِ المصلحةِ العامةِ مِن نصرةِ أسرى المسلمين، أو نصرةِ جيشٍ مسلمٍ، أو بلدٍ مسلمٍ، أو دفعِ شر ِكافرين، أولى.

وقال ابنُ حزمٍ:(وإن أمكننا أن نضرب بين أهل الحرب من الكفار، حتى يقاتل بعضهم بعضا، ويدخل إليهم من المسلمين من يتوصل بهم إلى أذى غيرهم، بذلك حسن)[111].

وقد يُقال:إنَّه لم يقرِّرْ القتالَ معهم، وإنَّما ذكرَ الدخولَ إلى جيشِهم لإيقاعِ النزاعِ بينهم كما فعلَ نعيمُ بنُ مسعودٍ-رضي الله عنه- حين أثارَ النزاعَ بين اليهودِ والمشركين يومَ الأحزابِ، وهي أخصُّ مِن القتالِ معهم، أو أنَّ مقصودَه الدخولُ معهم، وتحريضُهم على قتالِ عدوِهم، وإرشادُهم إلى مكايدتِه وإيذائِه، ولا يلزمُ منه القتالَ معهم بالسلاحِ.

ويجابُ عنه: بأنَّ ابنَ حزمٍ قرَّرَ أنَّ له أنْ يدخلَ في جيشِ الكافرين، ويكونَ تحت رايتهم، ويرشدَهم إلى إيذاءِ عدوهم، والفرقُ بينهما أنَّ هذه مناصرةٌ بالإشارةِ واللسانِ، وتلك مناصرةٌ بالسيفِ والسنانِ، والفرقُ بينهما حينئذٍ يسيرٌ؛ لأنَّ كلاً منهما ناصرَهم تحت رايتِهم!

وقال السرخسيُّ:(قال أهل الحرب لأسراء فيهم قاتلوا معنا عدونا من المشركين، وهم لا يخافونهم على أنفسهم إن لم يفعلوا فليس ينبغي أن يقاتلوهم معهم؛ لأن في هذا القتال إظهار الشرك، والمقاتل يخاطر بنفسه فلا رخصة في ذلك إلا على قصد إعزاز الدين)[112].

وقال أيضاً:(وإذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب فأغار على تلك الدار قوم من أهل الحرب لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم؛ لأن في القتال تعريض النفس فلا يحل ذلك إلا على، وجه إعلاء كلمة الله عز وجل، وإعزاز الدين، وذلك لا يوجد ههنا؛ لأن أحكام أهل الشرك غالبة فيهم، فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الإسلام فكان قتالهم في الصورة لإعلاء كلمة الشرك، وذلك لا يحل إلا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم لا لإعلاء كلمة الشرك، والأصل فيه حديث جعفر - رضي الله عنه -، فإنه قاتل بالحبشة مع العدو الذي كان قصد النجاشي، وإنما فعل ذلك؛ لأنه لما كان مع المسلمين يومئذ آمنا عند النجاشي فكان يخاف على نفسه وعلى المسلمين من غيره، فعرفنا أنه لا بأس بذلك عند الخوف)[113].

سببُ النزاعِ:

هو تعارضُ مفسدتين، وهُمَا مِن نوعٍ واحدٍ، بل والنصوصُ فيهما واحدةٌ، ومنها: قولُه تعالى:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقولُه:(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)، وقولُه:(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وقولُه:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وقوله:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، ونظائرُها..

فمَنْ قَبِلَ بالقتالِ تحت رايةِ الكفارِ؛ لنصرةِ مسلمينَ مستضعفينَ، أو لإضعافِ مَنْ هو أشدُ عداءً للإسلامِ والمسلمين= فمقصدُه إعزازُ الدين، ودرءُ شرِ الكافرين، كما حثَّتْ النصوصُ على ذلك، وفي تركِ القتالِ معهم مفسدةٌ: كبيرةٌ، وظنيةٌ-ظناً راجحاً-، وطويلةُ الأمدِ عادةً، وآجلةٌ!

ومَنْ امتنعَ عن القتالِ معهم= فمقصدُه أيضاً اتباعُ النصوصِ الحاثَّةِ على علوِّ المؤمنين، وعدمِ إعطائِهم الدنيةَ في دينِه، أو عدمِ جعْلِ سبيلٍ عليه، وفي القتالِ معهم مفسدةٌ: صغيرةٌ، متحققةٌ، عارضةٌ، عاجلةٌ!

وهذه المسألةُ أولى مِن مسألةِ أنْ يقاتلَ المسلمُ معهم مِن أجلِ إطلاقِ أسرِه منهم، وهِيَ مِن جنسِ مسألةِ أنْ يقاتلَ المسلمُ معهم مِن أجلِ إطلاقِ عشراتٍ مِن أسرى المسلمين أو أولى؛ لأنَّ قتلَ بعضِ أسرى المسلمين يجوزُ لمصلحةِ الإسلامِ والمسلمين كحالِ التترسِ عند أبي حنيفةَ[114]، وغيرِه[115]، ولا يجوزُ قتلُ بعضِهم مِن أجلِ فكاكِ أسرى مثلِهم باتفاقِ أهلِ العلمِ= فعُلِمَ أنَّ مصلحةَ الإسلامِ والمسلمين أرجحُ مِن فكاكِ بعضِ أسراهم، وكلُ دليلٍ للمسائلِ السابقةِ فهو دليلٌ لهذه المسألةِ مِن بابٍ أولى، وسيأتي مزيدُ بسطٍ لأدلةِ الجوازِ-إنْ شاءَ اللهُ-في الورقةِ الثالثةِ.

وفي الجملةِ:لم يقلْ أحدٌ مِن أئمةِ السلفِ في المسائلِ السابقةِ أنَّ معاونةَ الكفارِ ضدَّ كفارٍ آخرين كفرٌ سواءً كان مِن أجلِ المالِ، أو مِن أجلِ فكاكِ الأسرى، أو مِن أجلِ المصلحةِ الشرعيةِ الراجحةِ.



فماذا عن عقيدة تنظيم الدولة في مثل هذه المسائل؟

سبقَ أنْ ذكرتُ عِدَّةَ نصوصٍ عنهم تفيدُ أنَّهم يكفِّرون بكلِ تعاونٍ مع الكفارِ الحربيين، أو بمجردِ الانضمامِ إليهم دون تفريقٍ بين مصلحةٍ أو غيرِ ذلك..

فكيف بمنْ قاتلَ تحت رايتِهم الكفريةِ، وناصرَ دولتَهم الشركيةَ ذاتَ القوانين الوضعيةِ، وهلْ هذا عندهم إلا دعمٌ للكفرِ، ومساعدةٌ لظهورِه، ومساهمةٌ في علوِّه..؟

وهل يجوزُ معاونةُ دولةٍ كافرةٍ برايتِها الكفريةِ، وجيشِها الكافرِ، وقوانينها الكفريةِ، مِن أجلِ مالٍ زائلٍ، أو مصلحةِ فكاكِه مِن الأسرِ، أو مصلحةِ فكاكِ عددٍ مِن أسرى المسلمين، أو مصلحةِ بلدٍ إسلامي؟

والحقُ أنَّ تقريراتِ شرعيي التنظيمِ جليةٌ في أنَّ مثلَ هذه المعاونةِ كفرٌ أكبرٌ كما سبق، وقدْ ناقشتُ كثيراً مِن أنصارِهم في تويتر وغيرِه، ورأيتُهم يكفِّرون بدون ذلك بمراحلٍ، لكنَّي اشترطتُ أنْ لا أنقلَ إلا عن المشهورين مِن الشرعيين في التنظيمِ، أو عن هيئاتِهم الشرعيةِ كما تقدم.

وسأنتقلُ إلى مسألةٍ قريبةٍ مِن هذه المسائلِ كثرَ حولهَا كلامُهم، ونَضَحَتْ بالتكفيرِ أقلامُهم، وهي مسألةُ التصويتِ للدستورِ المصريِّ الحاويْ لبعضِ الموادِ الكفريةِ، هلْ التصويتُ مستلزمٌ للرضى؟، وما حدُّ الإكراهِ المبيحِ؟، وهلْ المصلحةُ تبيحُ التلفظَ بالكفرِ؟

سأتناولُ-إنْ شاءَ اللهُ تعالى-هذه الأسئلةَ وغيرَها في الورقةِ الثالثةِ في القريبِ العاجلِ.

وكتبه:عبدالعزيز الصويتي التميمي

--------------------------------------


[1] مجلة دابق، العدد الخامس، محرم، 1436هـ، ص26. نقلا من"قتل الأهل والأقارب عند التنظيم، للسكران.

[2] في شريط مسجل في اليوتوب من مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، بعنوان"السلمية دين من" الدقيقة:15 نقلا من"قتل الأهل والأقارب عند التنظيم، للسكران.

[3] العدد الخامس، محرم، 1436هـ ص26 نقلا من"قتل الأهل والأقارب عند التنظيم، للسكران.

[4] الأم(4/ 175)

[5] مختصر اختلاف العلماء (3/ 428)

[6] (249)

[7] الأم(4/ 175)

[8] الموطأ(3/ 780)

[9] الأم(5/ 163)

[10] التمهيد(12/ 19)

[11] شرح علل الترمذي(1/ 535)

[12] التمهيد(12/ 35)

[13] شرح مشكل الآثار (6/ 412)

[14] شرح مشكل الآثار (6/ 412)

[15] أخرجه محمد بن الحسن في السير الصغير(99)، والشافعي في الأم(7/ 362).

[16] الأم(7/ 362).

[17] معرفة السنن والآثار للبيهقي(13/ 176)

[18] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفة(6/ 487)

[19] أخرجه أبويوسف في الخراج(225)، وابن أبي شيبة مصنفه(6/ 488)، و البيهقي في السنن الكبرى(9/ 64)كلهم من طريق أبي إسحاق الشيباني عن سعد به، والشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ثقة باتفاق روى عن طائفة من الصحابة كما في تهذيب التهذيب(4/ 197)، لكن لايعرف له سماع من سعد.

[20] أبوإسحاق لا يعرف له سماع، وتقدم.

[21] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 488)، وذكره ابن حزم في المحلى(5/ 398) واللفظ له.

[22] المحلى(5/ 398)

[23] أخرجه سعيد بن منصور في سننه(2/ 383)، وابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 487)، وسليمان بن ربيعه قيل:له صحبة!

[24] كما في ابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 487).

[25] أخرجه البخاري(3/ 88).

[26] أخرجه البخاري(3/ 88).

[27] السنن الكبرى(9/ 92)

[28] ذكره ابن عبدالبر في التمهيد(12/ 35)

[29] معرفة السنن والآثار(13/ 177)

[30] أحكام أهل الملل والردة(233)

[31] أخرجه مسلم(3/ 1449).

[32] المحلى(11/ 355)

[33] الأم(4/ 276)

[34] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 487)

[35] أخرجه أحمد في مسنده(25/ 42)، وابن أبي شيبة في مصنفه(6/ 487)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(4/ 97)، والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 64)وقال:(وهذا الإسناد أصح)يعني من خبر إعانتهم له.

[36] قال المواق في التاج والإكليل(4/ 545):(وروى أبو الفرج عن مالك: لا بأس للإمام أن يستعين بالمشركين في قتال المشركين إذا احتاج إلى ذلك).

[37] أخرجه مسلم(3/ 1449).

[38] بدائع الفوائد (4/ 6)

[39] مجموع الفتاوى (21/ 203، 610).



[40] (1/ 518)

[41] النوادر والزيادات(14/ 551)

[42] السير الصغير(249)

[43] مختصر اختلاف العلماء(3/ 428)

[44] الأم (4/ 256)

[45] مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (332)

[46] الفروع(10/ 248)

[47] مصنف ابن أبي شيبة (6/ 468) سنن أبي داود (3/ 45) سنن الترمذي ت بشار (3/ 207) الديات لابن أبي عاصم (50) السنن الكبرى للنسائي (6/ 347)

[48] مختصر اختلاف العلماء (3/ 454)

[49] المحلى بالآثار (12/ 125)

[50] معرفة السنن والآثار (12/ 195)

[51] سنن الترمذي(3/ 208)

[52] علل الحديث لابن أبي حاتم (3/ 371)

[53] علل الدارقطني(13/ 464)

[54] معرفة السنن والآثار (12/ 195)

[55] ينظر:إرواء الغليل(5/ 31)

[56] قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (2/ 6):(وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه، ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله)، والحارث-رحمه الله- مأمون في نقله للإجماعات في الجملة، ويحتج بها ابن تيمية وغيره.

[57] فهم القرآن (428)

[58] فهم القرآن (430)

[59] الأم(6/ 37)

[60] المحلى بالآثار (10/ 254)

[61] فهم القرآن (428)

[62] أحكام القرآن للجصاص(3/ 217)

[63] أحكام القرآن للكيا الهراسي(2/ 474)

[64] مفاتيح الغيب(10/ 170)

[65] الحاوي الكبير (14/ 269)

[66] تفسير الإمام الشافعي (2/ 648)

[67] المحلى بالآثار (12/ 125)



[68] الأم(4/ 256)

[69] الإنجاد في أبواب الجهاد(160)

[70] قال الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء(3/ 454):(قال الثوري يقاتلون معهم).

[71] الأم (4/ 256)

[72] شرح السير الكبير (1423)

[73] سيرة ابن اسحاق(216)

[74] الأم(4/ 256)

[75] سيرة ابن اسحاق(216)

[76] مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر (2/ 356)

[77] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 27)

[78] مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر (2/ 356)

[79] الأم(4/ 256)

[80] سيرة ابن اسحاق(216)

[81] شرح السير الكبير (ص: 1424)

[82] مختصر اختلاف العلماء (3/ 455)

[83] مجموع الفتاوى (28/ 354)

[84] الإنجاد في أبواب الجهاد(169)

[85] مجموع الفتاوى (28/ 552)

[86] السير الصغير(249)

[87] شرح السير الكبير (1516)

[88] (1/ 518)

[89] الأم (4/ 256)

[90] النوادر والزيادات (3/ 35)

[91] الإنجاد في أبواب الجهاد(161)

[92] راجع تعليق ابن جرير في تهذيب الآثار (30)حول حلف الفضول.

[93] صحيح البخاري (3/ 136)

[94] مسند أحمد تحقيق شاكر(2/ 298)

[95] مختصر اختلاف العلماء(3/ 454)

[96] مختصر اختلاف العلماء (3/ 454)

[97] مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (332)

[98] مسند أحمد تحقيق شاكر(2/ 298)

[99] سيرة ابن اسحاق(216)

[100] الأم(4/ 256)

[101] سيرة ابن اسحاق(216)

[102] مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر (2/ 356)

[103] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 27)

[104] مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر (2/ 356)

[105] الأم(4/ 256)

[106] سيرة ابن اسحاق(216)

[107] مختصر اختلاف العلماء (3/ 455)

[108] الأم (4/ 256)

[109] النوادر والزيادات (3/ 35)

[110] مختصر اختلاف العلماء (3/ 454)

[111] المحلى بالآثار (11/ 356)

[112] شرح السير الكبير (1516)



[113] المبسوط للسرخسي (10/ 97)



[114] الرد على سير الأوزاعي (66).

[115] قال ابن قدامة في المغني لابن قدامة (9/ 288):(وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم، جاز رميهم، ويقصد المقاتلة؛ «لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان» ، ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد، وسواء كانت الحرب ملتحمة أو غير ملتحمة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتحين بالرمي حال التحام الحرب). قال ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع (302):(ولو لم يُخشَ على جيش المسلمين: ففي جواز الرمي قولان لهم: أحدهما: يجوز، كقول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي. والثاني: لا يجوز، كالمعروف من مذهب أحمد والشافعي).

-----------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59