عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-21-2012, 11:45 AM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها على سبعمائة ضعف.
قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي . . الحديث"([1]
[رواه البخاري ومسلم].

* * *
الحديث دلّ على معنى الصيام الشرعي، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة تعبداً لله تعالى، واستجابة لأمره، ومسارعة لرضاه؛ لقوله: "من أجلي" وفي رواية: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"[2]

والمراد بالشهوة: الجماع. لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن المراد جميع الشهوات، فيكون من عطف العام على الخاص. وعند ابن خزيمة بإسناد صحيح: "يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي"[3]

وقد دل القرآن الكريم على زمان الصيام في قوله تعالى: }وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل{[4]

فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل. وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت، وهو ما بين طلوع الفجر والليل.
والمراد بالأكل والشرب: إيصال الطعام أو الشراب من طريق الفم أو الأنف أيّاً كان نوع المأكول أو المشروب، والسعوط في الأنف([5]
كالأكل والشراب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"([6]

ويلحق بالأكل والشرب ما في معناهما، فيفطر به، وذلك كالإبر المغذية التي يكتفي بها عن الأكل والشرب مثل الجلوكوز وغيرها([7]

وأما حقن الدم في الصائم مثل أن يصاب بنـزيف فيحقن به دم، فمن أهل العلم من قال: يفطر بذلك، لأن الدم هو خلاصة الطعام والشراب، ومنهم من قال: لا يفطر بحقن الدم؛ لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما، والغالب أن من يحتاج إلى الإبر المغذية أو إلى حقن الدم أنه مريض يباح له الفطر.

أما الإبر المكافحة للمرض التي تستعمل علاجاً فلا تفطر الصائم سواء كانت في الوريد أو العضل، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما، فإن أخرها الصائم إلى الليل فهو أحوط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك
إلى ما لا يريبك"([8]

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"([9]

ولا يفطر الصائم باستعمال دواء الرّبو وضيق التنفس، وهو الغاز البخاخ، لأنه لا يصل إلى المعدة بل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، فليس أكلاً ولا شراباً. ولا يفطر بالكحل والقطرة في العين، سواء وجد طعم ذلك في حلقه أم لم يجد. قال الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه: (ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأساً)([10]
؛ ولأن ذلك ليس بأكل ولا شرب ولا بمعناهما. وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في رسالته النافعة (حقيقة الصيام) وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه القيم (زاد الميعاد).

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فإذا كانت الأحكام التي تعمُّ بها البلوى، لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً، ولابد أن تنقل الأمة ذلك، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى، كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب.
فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن، والبخور يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجساماً، والدهن يشربه البدن ويدخل على داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة. فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطيبه وتبخره وادّهانه وكذلك اكتحاله)([11]

أما قطرة الأنف فإنها تفطر إذا وصلت إلى المعدة أو الحلق؛ لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة، ولحديث لقيط المتقدم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).

اللهم فقهنا في ديننا، وارزقنا العمل به والاستقامة عليه، ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . . .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) البخاري (4/103)، ومسلم (1151) (164)، واللفظ له من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضاً (165) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
([2]) فتح الباري (4/103).
([3]) صحيح ابن خزيمة (3/197).
([4]) سورة البقرة، الآية: 187.
([5]) السعوط: بفتح أوله وضم ثانيه ما يستنشق في الأنف من الأدوية وغيرها.
([6]) أخرجه الترمذي (3/499)، وأبو داود (6/493) والنسائي (1/66)، وابن ماجة (1/142، 153)، وغيرهم وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([7]) الشرح الممتع (6/380) وانظر: مسائل عن الصيام. أجاب عليها الشيخ محمد بن عثيمين ص21.
([8]) أخرجه الترمذي (7/221) وقال: هذا حديث صحيح، والنسائي (8/327)، وأحمد (1/200) وغيرهم.
([9]) أخرجه البخاري (1/126)، ومسلم (1599).
([10]) فتح الباري (4/153). الشرح الممتع (6/382).
([11]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (25/241، 242)، وانظر زاد المعاد (2/60).
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59