عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-07-2017, 12:58 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي الأسلحة النووية.. أسلحة عمياء.. لا تبقي ولا تذر


الأسلحة النووية..
أسلحة عمياء.. لا تبقي ولا تذر
المملكـة الأردنيـة الهاشميـة كلية الحقـوق
الطالبة/نسرين ياسر بنات
المشرفد/ عامر الفاخوري

مقدمــة
البيئة والأسلحة النووية... ذلك هو موضوع هذا البحث الذي يُسَلَّط الضوء من خلاله على الأسلحة النووية والدور الذي تلعبه في التأثير على البيئة وتلويثها..أو بمعنى أدق "تدميرها".
وإذ نُورد مصطلح "البيئة" في هذا البحث ، فإننا نعني البيئة بمفهومها الواسع ، باعتبارها مصطلح عام يعبِّر عن العناصر الطبيعية والحيوية التي لا دخل للإنسان في وجودها ، بالإضافة إلى العناصر المادية والصناعية التي أوجدها الإنسان ليحاكي بها المجتمع ويحيا على أرض هذا الكوكب. مستشهدين بخصوص ذلك بالتعريف الذي أورده المشرع الأردني من أن البيئة هي "المحيط الذي يشمل الكائنات الحية وغير الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وتربة وتفاعلات أي منها وما يقيمه الإنسان من منشآت فيه"(1) ، وقد أكد على هذا التعريف إعلان ستوكهولم لعام 1972 بأن قال بأنها: "كل شيء يحيط بالإنسان"(2) ، حيث تشكل هذه العناصر في مجموعها ما يسمى بالنظام البيئي الذي تتحد فيه جميع العناصر السالفة الذكر وتسير بانتظام واضطراد لتحقق التوازن البيئي.
ثم لا يلبث أن يأتي شبح "التلوث" ملقياً بظلاله فوق النظام البيئي مُفسداً ما فيه من توازن من خلال إحداث خلل أو أكثر في جملة التفاعلات المكونة له. ويمكن تعريف تلوث البيئة بأنه: "أي تغيير في عناصر البيئة مما قد يؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى الإضرار بالبيئة أو يؤثر سلباً على عناصرها أو يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية أو ما يخل بالتوازن الطبيعي"(3) ، مما يحد أو حتى يعدم قدرة البيئة على تجديد مواردها الطبيعية أو تحليل مخلفات الإنسان وناتج نشاطاته المختلفة(4). وبالتأكيد ، هذا كله يؤدي إلى "تدهور البيئة"(5) وليس تلوثها فحسب.
وقد أضحى تلوث البيئة أحد أهم وأكبر المشكلات التي تواجه كوكب الأرض في الوقت الراهن مع العلم بأن تلوث البيئة ليس بوليد اللحظة ، بل هو موجود منذ أكثر من قرن وقد ازداد ظهوره بعد قيام الثورة الصناعية وبعد قيام الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار. وما زالت آثاره تفتك بالبيئة وتؤدي إلى تدهورها بشكلٍ يفوق قدرتها على ترميم نفسها. الأمر الذي أدى إلى حدوث العديد من الظواهر الغريبة التي يصعب -أو حتى يستحيل- على العلماء والخبراء المتخصصين في كثير من الأحيان إيجاد تفسير منطقي لها ، أو إيجاد حل مناسب لدرء مخاطرها قبل أن تقضي على الكائنات الموجودة على هذا الكوكب. ومثال ذلك ظاهرة الإحتباس الحراري ، وتسارع ذوبان الجليد في قطبَيّ الكرة الأرضية وارتفاع منسوب البحار ، ما يهدد بدمار شامل يحدق بنا خلال العقود القادمة. هذا بالإضافة إلى تراجع التنوع الحيوي وانتشار العديد من الأوبئة الخطيرة والأمراض المميتة التي لم نسمع بها من قبل ، كجنون البقر وإنفلونزا الطيور ، وآخرهاً إنفلونزا الخنازير!

وبالرغم من أن السبب الرئيسي للتلوث يُعزى إلى ازدياد عدد سكان العالم بشكل هائل –وبالتالي ازدياد النفايات الطبيعية والصناعية- بالإضافة إلى التطور العلمي والصناعي والتقني الذي صاحبه استغلال سلبي للطاقة والمعدات الصناعية والأسلحة الحربية ، إلا أن هناك سبب حقيقي أكبر وأخطر يهدد البيئة ويكاد يكون له دور بارز في جميع أنواع التلوث الأخرى.. إنه "التلوث الإشعاعي" والذي ينتج عن استخدام الطاقة والأسلحة النووية. فالتلوث الإشعاعي يؤدي إلى تلوث الهواء ، التربة ، البحار والمحيطات ، وحتى طبقة الأوزون التي تغلف الأرض. وتكمن خطورة هذا التلوث بأنه لا حدود له ، فما إن وُجِد في منطقة أو حيز ما فسرعان ما سنجده في المناطق المجاورة ومنها إلى المناطق الأبعد. وهذا ما سنتناوله في هذه الدراسة في أربعة فصول. يلقي أولها نظرة عامة على الأسلحة النووية ، بينما يتناول ثانيها الأسلحة النووية وأثرها على البيئة في حالة السلم ، ويليه ثالثها ليبحث ذات الأثر في حالة الحرب. بينما يبحث الفصل الرابع في التعاون الدولي في مواجهة الأخطار المحدقة بالبيئة بفعل الأسلحة النووية. وفي النهاية ، تقديم لبعض التوصيات والمقترحات البناءة في ذات الموضوع.
الفصل الأول:
الأسلحة النوويةيتناول هذا الفصل تعريفاً عاماً بالأسلحة النووية وبيان لأنواعها الرئيسية وذلك في المبحث الأول منه. بينما يتناول المبحث الثاني كيفية عملها وأبرز مخاطرها.

المبحث الأول: مفهوم الأسلحة النووية وأنواعها

تعتبر الأسلحة النووية أحدث أنواع أسلحة الدمار الشامل مقارنةً بالأسلحة البيولوجية والكيميائية ، وهي الأشد فتكاً من بينهم بالكائنات الحية وبالبيئة ككل. كما أن أثارها تتعدى الفترة الزمنية التي يتم استخدامها فيها لتتجاوزها بعشرات السنين غير آبهة بالحدود الجغرافية أو السياسية.
وقد كانت البداية في أوائل القرن الماضي عندما بدأ الإنسان بإكتشاف التركيب الدقيق للذرة(1) ومكوناتها. فبإكتشاف ماهية التفاعلات والحركة داخل الذرة ، وانطلاقاً من مبدأ أن "المادة لا تفنى ولا تستحدث ، بل تتحول من صورة إلى أخرى" ، خطا العالم أولى خطواته على طريق إنتاج الطاقة النووية واستغلالها في الخير والشر على حدٍ سواء.

فبعد أن كان يتم اللجوء في الحروب والعمليات العسكرية لما يسمى بـ"المتفجرات التقليدية" ، وهي تلك التي تعتمد على حدوث تفاعل كيميائي سريع جداً يتيح للطاقة المصاحبة له أن تتبدد وينجم تكوّن كميات هائلة من الغاز تتمدد بتأثير الحرارة وتدفع ما أمامها مسببة الإنفجار ، وكل ذلك دون أن يطرأ على نواة الذرة أي تغيير يُذكر ، لم يَعُد هذا النوع من المتفجرات مُجدياً في ظل اكتشاف الطاقة النووية. فتحوّلت الأنظار إلى "المتفجرات النووية" التي تعتمد في انفجارها على طبيعة التغير الذي يطرأ على نواة الذرة ، فإن كان انقساماً في نوى الذرات تولدت عنه الطاقة ، نكون أمام قنبلة نووية. أما إن كان اندماجاً ، فسنكون أمام قنبلة هيدروجينية. وهذان هما نوعان للأسلحة النووية ، ثالثهما هو القنبلة النيوترونية. والمشكلة هي أن التفاعلات النووية تدوم دون توقف فهي تبقى حية لمدة طويلة جداً ، بمعنى أنها تواصل سلسلة من التفاعلات تدوم بدوام وجود اليورانيوم في الذرة(2).



__________________________________________________ ___________
1. د. محمد زكي عويس ، أسلحة الدمار الشامل ، سلسلة إقرأ (611) ، دار المعارف ، 1996 ، ص (13).
2. د. محمد زكي عويس ، مرجع سابق ، ص (14-15).

المبحث الثاني: كيفية عمل الأسلحة النووية ومخاطرها
لم يكن الإنسان يدرك مدى الخطر المحدق به وبما حوله عندما طوّر الأسلحة النووية واستخدمها لأول مرة. فحتى صانعوها لم يكن لديهم أدنى فكرة عن هول قوتها المدمرة. كان ذلك واضحاً في رد فعل فريق البحث العلمي الأمريكي الذي قام بإجراء أول تجربة تفجير نووي في تاريخ البشرية في صحراء ترينتي للتجارب بولاية نيومكسيكو في 16 تموز 1945. وكان من أبرز أعضاء هذا الفريق العالِم الأمريكي يوليوس أوبنهايمر الملقَّب بـ"أبي القنبلة" ، بالإضافة لعدد من علماء الذرة المتخصصين. وبالرغم من مدى علمهم جميعاً بالذرة وما ينشأ عن تفاعلاتها ، إلا أنهم لدى إجراء التفجير وانطلاق المارد المدمر ، وقفوا مذهولين من هول المنظر ، وصاح "أبو القنبلة" ذاك: "يا إلهي.. ماذا صنعت؟!"(1).
وتتمثل الخصائص التدميرية للقنابل النووية بأنواعها في ثلاثة آثار: الإنفجار ، الحرارة ، والإشعاع. ناهيك عن الغبار الذري(3) والدخان الكثيف اللذان يغمران مكان الإنفجار لسنين عديدة وعلى مساحات شاسعة. فبدءاً بالإنفجار ، فإن الطاقة الناتجة عنه تحوّل المواد المستخدمة إلى غاز وبالتالي ينتج ضغط هائل ورياح شديدة السرعة تتكون نتيجة التمدد المفاجئ. يلي ذلك لمعان وميض وهاج أقوى من ضوء الشمس ، وتصل درجة الحرارة إلى عشرة ملايين درجة مئوية(3) –وهي بذلك أعلى من درجة حرارة باطن الشمس- أما بالنسبة للإشعاع ، فتنطلق موجة قوية عاتية من الإشعاعات المميتة التي تبعثر الأتربة حيث تختلط هذه الأخيرة بها وبالتالي تكتسب خصائصها الإشعاعية وتباشر عملها في التدمير والخراب.

هذا وتتعدد مخاطر تلك الأسلحة العمياء بتعدد أنواعها. فالقنبلة النووية تحوي أشعة كفيلة بإتلاف طبقات الجلد وجعلها تتساقط الواحدة تلو الأخرى ، وإتلاف أنسجة الجسم الداخلية ، بالإضافة إلى أضرار بالغة تفني الكائن الحي بالتدريج ، كالأمراض الوراثية والحروق البالغة والسرطانات وفقر الدم ، هذا إذا انتظرت على الكائن الحي ، ولم تودي به على الفور. أما القنبلة الهيدروجينية ، فبفعل الحرارة الهائلة التي تولِّدها تستطيع تدمير ما يعترض طريقها سواء أكانت كائنات حية أم غير ذلك. يليها القنبلة النيوترونية ، والتي لا تدمر المباني أو المنشآت ، إنما تقتل جميع الكائنات الحية على الفور بفعل الإشعاع المتولد عنها والذي يخترق الأجسام الحية.
------------------------------------------
1.موسى زناد ، كابوس الحرب النووية والمصير البشري ، دار القادسية ، بغداد 1985 ، ص (11).
2. د. محمد زكي عويس ، مرجع سابق ، ص (22) ، الغبار الذري هو: "مجموعات هائلة من الرقائق المشغة المختلفة الحجم والصفات منها ما مصدره مادة القنابل نفسها ومنها أتربة اكتسبت خاصية الإشعاع باندماجها في عمليات التفجير واختلاطها بالإشعاعات أثناء الإنفجار النووي. والغبار النووي قد يبقى عالقاً في الفضاء سنوات عديدة".
3. د. محمد زكي عويس ، مرجع سابق ، ص (20).

الفصل الثاني: الأسلحة النووية وأثرها على البيئة في حالة السلم
يتناول هذا الفصل في المبحث الأول منه التجارب النووية وتأثيراتها ، مروراً بآثار التجارب النووية الفرنسية على الأراضي الجزائرية ، وبعض أهم المفاعلات النووية. بينما يتناول في المبحث الثاني الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. يليه المبحث الثالث الذي يتطرق للنفايات النووية وكيفية التخلص منها.

المبحث الأول: التجارب النووية
بالرغم من أن الاتجاهات القانونية السائدة في المجتمع الدولي تميل إلى حظر التجارب النووية لما لها من آثار سلبية على البيئة تتسبب بها الإشعاعات النووية الصادرة إما عن التفاعلات النووية نفسها أو عن النفايات النووية التي تخلفها ، إلا أن التطبيق العملي لهذا الحظر يسير بخطىً بطيئة لا تتناسب في سرعتها مع سرعة وقوة الخطر الذي يتربص بالبيئة مع كل تفاعل نووي أياً كان الغرض منه.
وتختلف التجارب النووية باختلاف الغرض منها. فهناك التجارب النووية العسكرية كتلك التي تُجرى على القنابل النووية للتأكد من مدى تأثيرها وفتكها لغايات استخدامها في الحروب. مثال ذلك القنبلتان النوويتان اللتان تم إلقاءهما على مدينتي هيروشيما وناجازاكي. حيث تم تجريب قنبلة مماثلة وسط صحراء ترينتي في نيومكسيكو قبل ذلك بأقل من شهرٍ واحد ولمّا تأكدت الولايات المتحدة الأمريكية من فاعلية تلك القنبلة سارعت باستخدامها لإجبار اليابان على الإستسلام والرضوخ لها.
كذلك الجزائر كان لها نصيب من التجارب النووية(1). حيث قامت فرنسا بإجراء (17) تجربة نووية في مطلع الستينات من القرن الماضي في مدينتي "رقان" و "عين إينكر" جنوبي الجزائر. استغلت فيها فرنسا في ذلك الوقت انتشار الجهل والفقر والبطالة في تلك المناطق ، بل وسَخَّرت حوالي (3500) عاملاً جزائرياً للعمل ليلاً نهاراً لمساعدة الفرنسيين في الإعداد للتجارب النووية وفي تجهيز مكان التفجير وتعبيد الطريق بينه وبين ثكنتهم العسكرية. كانوا يسندون للجزائرين أشق المهام مقارنةً بالعمال الفرنسين الـ (6500) المستخدمين في نفس المشروع. وفي خلال ثلاث سنوات كان كلُّ شيءٍ جاهزاً للبدء بالتفجيرات.
غداً ستنفجر القنبلة ، فلا يخرج أحد من منزله ، أغمضوا أعينكم ولا تنظروا في السماء. وبلّغوا هذا إلى أهاليكم وجيرانكم".. هذه كانت العبارات التي قالها الفرنسيون للجزائيين في الليلة التي سبقت تفجير القنبلة الأولى صباح يوم 13 شباط 1960.
وعلى الرغم من علم سكان المنطقة بإجراء تجربة نووية وبحصول تفجير في ذلك اليوم إلا أنهم لم يتوقعوا أن يكون مرعباً لهذه الدرجة. كان وقع الإنفجار أضخم مما تخيلوا فقد فاق قوة تفجير هيروشيا بثلاثة أضعاف ، زُلزِلَت الأرض واسودت السماء حتى ظن الجزائريون أن الساعة قد حانت. كانت هذه هي البداية للمعاناة التي ما زال سكان تلك المناطق يعانون منها حتى الآن جيلاً بعد جيل. ولم تنتهي التجارب النووية الفرنسية عند هذا الحد ، بل أُجريت ثلاثة تجارب أخرى في نفس المدينة خلال السنتين اللاحقتين للتفجير الأول. انطلقت بعدها فرنسا إلى منطقة "عين إينكر" أقصى جنوبي الجزائر وأجرت فيها (13) عملية تفجير نووية جوفية.
حصدت التجارب النووية الفرنسية في الجزائر عشرات الآلاف من الأرواح ، وتسببت بتشوهات وإعاقات وأمراض لا تزال تتوارثها الأجيال حتى بعد مرور نصف قرن. فبالإضافة لمرض السرطان القاتل ، انتشر العمى والرمد ******ي في المنطقة الأمر الذي أدى بالكثيرين لفقد أبصارهم. ومما زاد في حجم الخسائر البشرية أن السلطات الفرنسية جاءت بحوالي (150) أسيراً جزائرياً إلى المنطقة لدراسة أثر الإشعاعات النووية عليهم بعد تفجير قنابل ذات قوى هائلة وصل امتداد إشعاعاتها النووية إلى (700) كم. بالإضافة لحوالي (42) ألف جزائري استُغِّلوا كفئران تجارب خلال التفجيرات التي تمت ما بين شباط وحتى كانون أول لعام 1960. هذا بالنسبة للخسائر البشرية ، أما البيئة ، فلم تسلم هي الأخرى. فقد تسببت تلك التجارب بتغيير مناخ المنطقة وتشوه السلالات الحيوانية وبالتالي تراجع الثروة الحيوانية ، وتدهور التنوع الحيوي. هذا وتراجعت الزراعة والمحاصيل بشكل كبير بسبب احتراق مساحات واسعة من الأراضي بفعل الإشعاعات ، وأضحت الكثير من الأشجار إما عقيمة وإما تنتج ثماراً غريبة الشكل. لتصبح بعدها تلك المناطق عاجزة عن تحقيق الإكتفاء الذاتي لسكانها بعد أن كانت من المناطق المصدرة للحبوب والطماطم والتمور إلى أنحاء العالم.
ولكن ، يبدو أن فرنسا بدأت تشعر مؤخراً بتأنيب الضمير ، حيث قررت مطلع العام الحالي أن تمنح تعويضاً مادياً لأهالي تلك المناطق. إلا أن هذا القرار لم يلقَ الترحيب من قبل الكثيرين ممن لا زال صوت الإنفجار يدوّي في آذانهم حتى الآن ، أو لا زالت أعينهم ترى جمال وجوه أبناءهم وأحفادهم مشوهاً. فليس هناك تعويضاً مادياً من شأنه أن يُنسي هؤلاء الناس المعاناة والدمار اللذان سببتهما لهم فرنسا بعبثها بأراضيهم وأرواحهم.
أما التجارب النووية التي تُجرى لغايات البحوث العلمية والإكتشافات بغرض تطوير استخدام التفاعلات الذرية في توليد الطاقة للاستخدامات السلمية -والتي تتم داخل مفاعلات ومحطات نووية أعدت خصيصاً لهذه الغاية- فهي أيضاً محفوفة بالمخاطر التي تهدد البيئة شأنها في ذلك شأن الأسلحة النووية.

وبين تَضارُب الآراء حول ضرورة إيجاد مصادر طاقة بديلة عن المصادر الطبيعية التي شارفت على النضوب ، وحول تبني خيار استغلال التفاعلات الذرية لتكون هي هذا البديل ، تبقى هذه الأخيرة ناقوس خطر يدق مع كل تفاعل نووي. فالمفاعلات النووية التي تُجرى بداخلها هذه التجارب تظل مهددة طوال الوقت إما بتسرب الإشعاع منها أو بحدوث إنفجار يصاحبه تلوث إشعاعي هائل يبيد البشرية. حتى الدول المتقدمة لم تستطع أن تأمن على نفسها من هذا الخطر عندما داهم مفاعلاتها النووية. فكان في حادثة التسرب الإشعاعي من محطة "ثري مايل آيلاند" النووية في ولاية بنسيلفينيا الأمريكية في 28 آذار 1979 ما أثار حفيظة العالَم ضد الطاقة النووية بالرغم من أن هذه الحادثة لم تسفر عن خسائر بشرية ، نظراً لأن الخلل الذي حصل في المفاعل أدى إلى انصهار قلب المفاعل فقط دون أن يتعداه إلى المحيط الخارجي. نجم عن ذلك تسرباً إشعاعياً ولكن لحسن الحظ لم ينفجر المفاعل النووي.
لم يكن الحال مشابهاً بالنسبة لروسيا –الإتحاد السوفييتي آنذاك- ففي 26 نيسان 1986 ، أدى الخلل الذي حصل في المفاعل النووي الرابع في محطة "تشيرنوبل" النووية في مدينة أوكرانيا إلى حدوث أسوأ كارثة نووية في تاريخ البشرية أجمع(1). قيل بدايةً أن الحادث نتج عن خطأ في تشغيل المفاعل أثناء إجراء التجربة النووية ، ثم تبين بعد ذلك أنه ناتج عن خطأ في تصميم المفاعل نفسه بالإضافة عدم إحاطة مُشغِّلي المفاعل بكافة خصائصه حيث بقي بعضها طي الكتمان كأسرار عسكرية ؛ وكذلك عدم التقيد التام بتدابير الأمان اللازمة خلال إجراء التجربة وتشغيل المفاعل. علماً بأن هذا المفاعل كان لا زال حديثاً حيث تمت إضافته إلى المحطة النووية قبل ثلاثة أعوام فقط من إنفجاره.
انفجر المفاعل ، وأدى ذلك إلى انبعاث حوالي (7) أطنان من المواد المشعة إلى مساحات شاسعة جداً تخطت المدن الروسية لتصل إلى دول أوروبا ومناطق أخرى من العالم. زاد التلوث الإشعاعي الذي انتشر آنذاك بحوالي (400) ضعف عن التلوث الذي نجم عن تفجير قنبلة هيروشيما.
أصيب الكثيرين بحروقٍ بالغة ، وتغلغل مرض السرطان بأجساد الآلاف من الروس والأوروبيين. غالبية المتضررين كانوا من رجال الإطفاء وأفراد الجيش والعمال الذي هرعوا إلى إخماد ألسنة النار الملتهبة وكُلِّفوا بتنظيف المكان من آثار الإنفجار. لم تُعلمهم السلطات آنذاك بالخطر الموجود بذلك المكان كما لم يتم تزويدهم بأي معدات أو ملابس خاصة للوقاية من الإشعاع. قاموا هؤلاء بجمع مخلفات الإنفجار وإعادتها إلى داخل المفاعل نفسه ليتم بعدها طمره بأطنان من الرمل وبناء هيكل من الصلب فوقه بغرض إحكام إغلاقه.
المئات لقوا حتفهم جراء تعرضهم للإشعاع النووي. حتى الأطفال كان لهم نصيب من ذلك ، حيث تَفَشَّى سرطان الغدة الدرقية لدى حوالي (1800) طفل خلال فترة قصيرة بسبب تلوث غذاءهم باليود المشع. دُمِّرت البيئة المحيطة بالكامل على مساحة (10) كم حول المفاعل وتم إجلاء سكان المناطق المجاورة على مساحة (30) كم حول المفاعل لِيَخلو المكان بعدها من أي أثر للحياة. وبعد فترة من الزمن ، ظهرت بعض النباتات والحيوانات غريبة الشكل مما دفع بالبعض إلى تسمية المكان بـ"غابة العجائب!".
لم تتوقف محطة تشيرنوبل عن العمل بعد الإنفجار ، بل عادت لتشغيل مفاعلاتها الثلاث المتبقية لتعوِّض ما عانته من نقص في الطاقة. ثم لم تلبث أن تخسر مفاعلها الثاني في عام 1991 إثرَ نشوب حريقٍ فيه أدى إلى حصول أضرار لا يمكن إصلاحها. بعدها بأعوام قليلة وتحديداً في عام 1996 تم إغلاق المفاعل الثالث في المحطة بناءً على إتفاق بين حكومة أوكرانيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبقي الحال كما هو عليه حتى عام 2000 عندما أغلق الرئيس الأوكراني المفاعل الأخير بنفسه ، وأُغلقت المحطة بأكملها تماماً.
ولا يسعنا سوى القول بأن المفاعلات النووية تبقى سلاحاً ذو حدين. فبالرغم من أهميتها العظمى في توليد الطاقة الكهربائية والحرارية إلا أنه لا يمكن التنبؤ أبداً باللحظة التي تثور فيها غاضبة لتبيد ما حولها. وللأسف ، ذلك هو ثمن تبني خيار استخدام الطاقة النووية ، الذي لا يقتصر دفعه فقط على من يستخدمونها فعلياً.. بل تُجبر على دفعه البشرية أجمع.
المبحث الثاني: الطاقة النووية واستخداماتها السلمية
يمكن القول بأن الطاقة النووية سلاحٌ ذو حدين ، فتارةً نجدها قوة مدمرة تجتاح مظاهر الحياة على هذا الكوكب ، وتارةً أخرى نجدها تدعم التقدم الصناعي والتكنولوجي وتغطي احتياجات العالم من الطاقة ، سواء أكانت طاقة حرارية أم كهربائية. وتزداد أهميتها يوماً تلو الآخر بسبب نضوب المصادر الطبيعية التي كان يعتمد عليها العالم للحصول على حاجته من الطاقة.
وقد استُخدِمت الطاقة النووية لأغراضٍ سلميةٍ عدة ، نذكر منها(1):
§استخدام الطاقة النووية في إزالة ملوحة الماء لإنتاج ماء عذب ، ويتم ذلك من خلال محطات نووية تعمل على تحلية مياه البحر بإزالة ملوحتها بتقطيرها عبر عدة مبخرات وميضية. وتعتبر مثل هذه المحطات حلاً عملياً في ظل الظروف الإقتصادية العالمية لكونها لا تحتاج في تشغيلها إلى النفط.
§استخدام الطاقة النووية لإنتاج طاقة حرارية ، حيث يتم استغلال الحرارة التي تطردها المحطات النووية لغايات التدفئة وتوليد طاقة حرارية. وقد كانت السويد أول من بادر في هذا المجال مستغلةً المفاعلات النووية لتزويد ما يقارب (50) مدينة من مدنها بالتدفئة والمياه الساخنة صيفاً وشتاءً.
§استخدام الطاقة النووية لإنتاج طاقة كهربائية ، حيث تم تطوير محطات نووية مزدوجة ، أي تنتج طاقة كهربائية وحرارية في آن واحد. وبذلك تسد احتياجات الدول الصناعية المتزايدة للكهرباء.
§استخدام الطاقة النووية في محركات السفن والغواصات ، وبدأ ذلك بقيام الولايات المتحدة الأمريكية وللمرة الأولى باستخدام محركات دفع تعمل بالطاقة النووية في أول غواصة ذرية عسكرية عام 1954. توالت بعدها السفن والغواصات وكاسحات الجليد التي تعمل بواسطة هذا النوع من المحركات. وأصبحت تُصَنَّع لدى العديد من الدول كالولايات المتحدة ، روسيا ، بريطانيا ، فرنسا ، ألمانيا واليابان.

§استخدام الطاقة النووية في الطائرات والصواريخ النووية(2) ، حيث يمكن تزويد الطائرات النفاثة والصواريخ النووية بمفاعل يتناسب مع حجمها ويزودها بالوقود النووي وبذلك يساعدها على الطيران بسرعة تزيد على سرعة الصوت ولمسافات طويلة جداً مما مكَّن العالم من السفر إلى الفضاء الخارجي.
وتبقى الطاقة النووية على الرغم من عِظَم فائدتها تؤثر سلباً على هذا الكوكب. فبعيداً عن خطر انفجار المفاعلات النووية ، تبقى لدينا مشكلة الفضلات النووية وكيفية التخلص منها.
المبحث الثالث: الفضلات النووية
لا تنتهي مخاطر الطاقة النووية عند حد استخدامها الفعلي ، سواء أكان سلمياً أم حربياً. بل تتعداه لتبقى متصلة بكل ما ينتج عنها من مخلفات أو فضلات. حيث تحتفظ هذه الفضلات بالخصائص الإشعاعية السامة التي كانت لها منذ بداية التفاعل النووي ، وتستمر في تأثيراتها التدميرية لعشرات السنين.
وقد شكّلت الفضلات النووية أزمة على الصعيد العالمي نظراً لكون التخلص منها بأي طريقةٍ كانت لا يزال يلوّث البيئة ويضر بالكائنات الحية الموجودة ولو على بعد عدة كيلومترات من أماكن هذه الفضلات. وللأسف ، لجأت بعض الدول الصناعية المتقدمة إلى طمر نفاياتها النووية -المخزنة في براميل معدة خصيصاً لذلك- في باطن الأرض دون أن تراعي اختيار المكان المناسب لذلك. فكانت دول الشمال المتقدمة تطمر نفاياتها النووية في أراضي دول الجنوب النامية مقابل حصول الأخيرة على الدعم المادي. ولم تستطع عمليات الطمر في باطن الأرض منع مياه الأمطار من التسرب وصولاً إلى تلك النفايات السامة وبالتالي تلويث المياه الجوفية بالإشعاعات الذرية. إضافةً إلى أن هذا يؤثر أيضاً في طبقات الأرض والتربة وبالتالي يؤثر في الثروة النباتية والأراضي الزراعية وفي الثروة الحيوانية كذلك.
البعض الآخر من هذه الدول كان يعمل على إخراج النفايات النووية خارج حدودها تماماً من خلال نقلها على متن سفن خاصة وإلقاءها في مياه سواحل إفريقيا أو البحر الأحمر. أما ما كان أسوأ من ذلك ، فتمثّل في تزييف أشكال ومسميات النفايات النووية التي تم إرسالها من قبل الدول المتقدمة إلى الدول النامية. فعلى سبيل المثال ، تم إرسال رماد من مدينة "فيلادلفيا" الأمريكية إلى "هايتي" على أنه سماد ، وإلى "غينيا" على أنها مواد لصناعة الطوب. بالإضافة إلى شحنة من المبيدات الحشرية منتهية الصلاحية تم إرسالها من قبل شركة أمريكية إلى الهند وكوريا الجنوبية ونيجيريا على أنها مواد كيميائية نقية. حيث تستغل الدول المتقدمة فقر الدول النامية وديونها المتراكمة لتبادلها بالنفايات النووية السامة التي يدوم مفعولها إلى أمدٍ بعيد.

وقد تكشفت مع مرور الوقت الآثار التدميرية لتلك السموم ، حيث بدأت الأمراض العضوية ، العقلية والنفسية بالظهور ، وبدأت الأشجار تتلف والكائنات الحية تموت. وعندها فقط ، أدركت تلك الدول النامية الخطر الذي ألحقته بسكانها وببيئتها مقابل حفنة نقود.
الفصل الثالث: الأسلحة النووية وأثرها على البيئة في حالة الحرب
في هذا الفصل ، نتعرض في المبحث الأول منه لدور محكمة العدل الدولية في مواجهة الأسلحة النووية من خلال الفتوى التي أصدرتها بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها. ثم نُتبِع ذلك بأبرز الكوارث النووية الحربية (هيروشيما وناجازاكي) في المبحث الثاني.
المبحث الأول: دور محكمة العدل الدولية في مواجهة الأسلحة النووية
"هل التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها في أي ظرف من الظروف يكون مسموحاً به بموجب القانون الدولي؟" كانت هذه هي المسألة التي طرحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بعد أن أدركت أن استمرار وجود وتطوير الأسلحة النووية يُعرِّض الإنسانية لمخاطر جسيمة ويهدد السلامة الإقليمية لأي دولة. حيث أصدرت المحكمة الموقرة فتواها بهذا الشأن في 8 تموز 1996 لِتُقِر بأنه ليس هناك في القانون الدولي العرفي أو الإتفاقي ما يجيز التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها كما لا يوجد أيضاً حظر عام وشامل لذلك. ولكن ينبغي أن يبقى التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها متماشياً مع القوانين الدولية المُطبَّقة في حالات النزاع المسلح وبما لا يتعارض مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وإلا كان ذلك غير مشروعاً. كما يجب مواصلة العمل والمفاوضات بشأن نزع السلاح النووي تحت رقابة دولية صارمة(1).
كما سلَّمت المحكمة بأن البيئة مهددة يومياً طالما أن هناك أسلحة نووية. وأكدت على وجود القانون البيئي العرفي عندما نصَّت على أن احترام بيئة الدول هو جزء من القانون الدولي المتصل بالبيئة وبالتالي ويجب أخذ ذلك في الحسبان عند السعي لتحقيق الأهداف العسكرية في النزاعات المسلحة(2). هذا وقد أخذت المحكمة الموقرة بعين الإعتبار الخصائص الفريدة للأسلحة النووية وقدرتها على التدمير وإحداث آلامٍ لا حصر لها. بالإضافة إلى إضرارها بالأجيال القادمة كَونها أجهزة تفجيرية تطلق كميات هائلة من الحرارة والطاقة والإشعاع طويل الأمد مما يجعلها أكثر ضرراً من أنواع الأسلحة الأخرى خاصةً أن القوة التدميرية لها لا يمكن احتواؤها مكانياً ولا زمنياً. وتؤثر في الصحة والزراعة والموارد الطبيعية والسكان على مساحات شاسعة. إضافة إلى أن الإشعاع يضر بالبيئة والأجيال في المستقبل ويتسبب بأمراض وتشوهات جينية(3). مما يؤكد على أن الآثار التدميرية المفرطة التي تخلفها الأسلحة النووية لا تتناسب أبداً مع قيمة الأهداف العسكرية المرجو تحقيقها مهما بلغت هذه الأهداف.
في ضوء هذا القرار أصدر قضاة محكمة العدل الدولية آراءً متباينة نذكر منها رأي القاضي "فيراري برافو Ferrari Bravo" الذي رأى أنه كان يجدر إعمال قاعدة حظر الأسلحة النووية وإزالتها بكافة أشكالها حيث بُنِيت هذه القاعدة بالأساس على قرارات الجمعية العامة ولكن للأسف حالت الحرب الباردة ومفهوم الردع النووي الذي أوجدته دون تطور هذه القاعدة ، مما ساعد الدول الحائزة لها على الإبقاء عليها.

كذلك القاضي "كوروما Koroma" ، رأى لدى تحليله لبعض الأدلة والدراسات المعنية أن الأسلحة النووية من شأنها أن تُهلك الملايين من الناس دون التمييز بين المدنيين والعسكريين ، وأن تتسبب لمن يظل على قيد الحياة بإصابات بليغة. كما تؤثر بالأجيال القادمة وتُلَوِّث البيئة والغذاء والماء بأشعتها الذرية وبالتالي تمنع عن الأحياء الضرورات الأساسية لبقاءهم. وفي كل ذلك مخالفةً لإتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الملحق الأول لعام 1977. لذا فاستخدام هذا النوع من الأسلحة أمر غير مشروع.
أما القاضي "ويرامانتري Weeramantry" فأشار بأن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد بها أمر غير مشروع أيّاً كانت الظروف نظراً لما فيه من إنكارٍ للإنسانية وانتهاكٍ للقانون الدولي. ويضيف أن عدم وجود معاهدات وقوانين تحظر صراحةً استخدام الأسلحة النووية لا يعني إغفال النظر عن مبادئ القانون الدولي عموماً والدولي الإنساني تحديداً لبيان مشروعية استخدام هذا النوع من الأسلحة المدمرة. من هذه المبادئ نذكر مبدأ "حظر التسبب في معاناة غير ضرورية" ومبدأ "التناسب" ، "التمييز بين المقاتلين والمدنيين" ، "عدم إلحاق الضرر بالدول المحايدة" ، "حظر إلحاق أضرار دائمة وشديدة بالبيئة" ، و"حظر الإبادة الجماعية". بالإضافة لمبادئ قانون حقوق الإنسان. كما لا يمكن تصور وجود نظام قانوني يتضمن أحكاماً تضفي المشروعية على عمل من شأنه تدمير حضارة برمتها يعتبر ذلك النظام جزءاً منها.
أكد كذلك على أن الخصائص الفريدة للأسلحة النووية تجعلها أكثر فتكاً ووحشية من غيرها من الأسلحة. فاستخدامها يؤدي إلى نشر السرطانات والأمراض القاتلة بين الأجيال الموجودة آنذاك والأجيال اللاحقة على مدى عقودٍ طويلة. فنرى التشوهات والأمراض العقلية والوراثية تتغلغل في أجساد الأبناء والأحفاد من سلالات الآباء والأجداد الذي تعرضوا للغبار والإشعاع الذري. وهذا ليس فقط على صعيد بني البشر بل أيضاً نجد أن الثروة الزراعية والحيوانية تتضرر هي أيضاً فتنتج نباتات وحيوانات غريبة الشكل. سواء في الدول التي تعرضت للكارثة أم في الدول المجاورة لها. كما تتعرض البيئة إلى مستوياتٍ مُهلكة من الحرارة والدخان الكثيف المحمل بالغبار والإشعاع الذري ، الذي قد يتسبب بهطول أمطار نووية سامة.
المبحث الثاني: كوارث الحرب النووية
بات من البديهي أن يتبادر إلى أذهاننا فور سماعنا لمصطلح "الأسلحة النووية" صور كارثتيّ هيروشيما وناجازاكي(1) ، المدينتان اليابانيتان اللتان تحولتا بما عليهما إلى رماد خلال ثوانٍ معدودة. ففي صباح يوم الإثنين الموافق 6 آب 1945 ، أشرقت الشمس على مدينة هيروشيما ذات السبعة أميال والبالغ عدد سكانها حوالي (480) ألفاً. إلا أن هذا اليوم أبداً لم يكن كسائر الأيام ، بل كان وللأسف يوماً ستذكره اليابان إلى الأبد وهي تبكي آلامه.
حلقت قاذفة القنابل الأمريكية في سماء هيروشيما على ارتفاع منخفض ، وما أن أحكمت الهدف حتى ألقت بقنبلتها النووية التي تزن حوالي (4.5) طن نحوه وانطلقت مبتعدةً بأقصى سرعة. وخلال أقل من دقيقتين على إطلاقها انفجرت القنبلة لتهز المدينة وسط كرة من النار الملتهبة التي بلغت درجة حرارتها (50) مليون درجة مئوية –أي ما يزيد على ضعف حرارة قلب الشمس- انخفضت بعدها لتصل إلى (300) درجة مئوية ، ثم بدأت تتوالى توابع الإنفجار. فسرعان ما تلبدت السماء بسحابة من الدخان الكثيف الذي تلاه هطول أمطارٍ شديدة مثقلة بالغبار الذري والإشعاعات غطت المدينة على مساحة دائرة قطرها (5) كم ، واختفت المدينة بأكملها في ثوانٍ معدودة. عانى الآلاف من حروق وجروح قاتلة وتساقط الشعر وانعدام الشهية –بسبب التسمم الإشعاعي- وانتشرت على أجسادهم بقع نزفية وتحللت جلودهم. وهؤلاء بالطبع هم ممن كانوا أكثر حظاً من غيرهم بأن كانوا بعيدين قليلاً عن مكان الإنفجار. فمن كان قريباً منه تبخر على الفور بفعل الحرارة الهائلة ، أو قتله الإشعاع الذري الذي كان يعد قاتلاً حتى على مسافة (2) كم من موقعه. حصيلة هذا الدمار شملت (130) ألف قتيل ، ودمار (50) ألف منزل ، وتلاشي أربعة أميال كاملة من مساحة المدينة.
لم تستفق اليابان من ضربتها الأولى حتى تلقت الثانية على مدينة ناجازاكي صباح يوم 9 آب 1945. كانت الخسائر هذه المرة أقل نسبياً من سابقتها ، ويُعزى ذلك إلى الموقع الجغرافي للمدينة كونها محاطة بالجبال التي امتصت جزء كبير من قوة الإنفجار. ومع ذلك ، بلغ عدد ضحايا تلك الكارثة (69) ألفاً منهم (26) ألف من القتلى. هذا وتُعزى الآلاف من حالات التشوه والأمراض الوراثية وأمراض السرطان المنتشرة حتى وقتنا هذا في مناطق الإنفجارين وما حولهما إلى الإشعاع الذري السام الذي تسببت بها الحرب النووية على اليابان قبل أكثر من نصف قرن.
الفصل الرابع: التعاون الدولي في مواجهة الأخطار المحدقة بالبيئة بفعل الأسلحة النووية
يبحث هذا الفصل في دور المجتمع الدولي في مواجهة الأخطار المحدقة بالبيئة وخصوصاً تلك المرتبطة بالأسلحة النووية. فيتناول في المبحث الأول نظرة إلى بعض الإتفاقيات الخاصة بحماية البيئة من الأسلحة النووية ، ثم يتحدث عن المناطق الخالية منها.
المبحث الأول: الإتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحماية البيئة من الأسلحة النووية

نحو درء مخاطر وتهديدات الأسلحة النووية عن البيئة ، تضافرت الجهود في المجتمع الدولي لإيجاد الحلول التي تُُمكِّن الدول من استغلال الطاقة النووية دون أن تفتك بما حولها. فأُنشِأت اللجان والهيئات المتخصصة بشؤون الطاقة النووية ، وسُنَّت التشريعات وفقاً لقواعد الأعراف الدولية ومقتضيات العدالة. فكان في إنشاء "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" عام 1957 إحزار تقدمٍ كبير نحو تحقيق "السلامة النووية" بفرض السيطرة والرقابة على التعامل مع الطاقة النووية ومخلفاتها ، والحد من التسلح النووي للدول.
حيث تعتبر "إتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الأربعة" ، و"إتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907" من أبرز بصمات المجتمع الدولي في مجال تطبيق القانون الدولي الإنساني بما فيه حماية للبيئة والبشرية. حيث حُظِرَ استخدام الأسلحة التي تُحدث آلاماً لا مبرر لها ، وقُيِّدت حرية المتحاربين في إختيار وسائل الحرب(1). كذلك كانت معاهدة "حظر وضع الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في قاع المحيطات وفي باطن الأرض لعام 1971" والتي تعهدت أطرافها بعدم تخزين أو رمي الأسلحة النووية أو غيرها في باطن الأرض أو قاع المحيطات. ومنحت الإتفاقية لأي جهةٍ كانت حق الرقابة على ذلك والإحالة إلى مجلس الأمن إذا لزم الأمر. جاءت بعدها إتفاقية "استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية لعام 1976" وحظرت الاستخدام العسكري أو العدائي للتقنيات التي تُحدِث تغييراً بيئياً واسعاً ، مُفرطاً ، أو طويل الأمد. بل وحظرت حتى مساعدة أي جهة أخرى على ذلك. تلتها إتفاقية "بازل بشأن التحكم في حركة النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها لعام 1989" لتُجَرِّم المتاجرة بالنفايات الخطرة وتعطي الحق للدول في حظر دخولها إلى إقاليمها(2).

هذا وتبقى الإتفاقيات المبرمة بشأن حماية البيئة سواء من الأسلحة والطاقة النووية ومخلفاتها أو من أي عوامل أخرى ، تبقى كثيرة وعديدة يصعب حصرها جميعاً في دراستنا هذه ، لذا أوردنا بعضاً منها كمثالٍ عليها فقط.
المبحث الثاني: المناطق الخالية من الأسلحة النووية
بالإضافة إلى الإتفاقيات والمعاهدات التي جاءت لتنظم استغلال الأسلحة النووية وكيفية معالجة فضلاتها ، جاءت إتفاقيات أخرى عالجت موضوع الحد من إنتشار الأسلحة النووية في عدد من الدول إما بنزعها منها أو منع بناءها أو منعها من الحصول عليها. وذلك في إطار السعي لوقف سباق التسلح وإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية. وقد كان ذلك مقابل تمكين تلك الدول من استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية. هذا وجاء "مؤتمر نزع السلاح" في عام 1979 ليجمع تحت رايته مجموعة من اللجان والهيئات المعنية بنزع السلاح ، ليسفر بعدها عن وضع مجموعة من أهم المعاهدات المتعلقة بذات الشأن. نذكر منها:

§معاهدة منع التجارب النووية في الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء لعام 1963.
§معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية لعام 1968.
§معاهدة الحد من التجارب النووية تحت سطح الأرض لعام 1974.
§معاهدة التفجيرات تحت سطح الأرض لأغراض سلمية لعام 1976.
§معاهدة منع كل التجارب النووية لعام 1996.

أما في الوقت الراهن ، فإن المساعي الدولية تتوجه صَوب إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط أسوةً بالأقاليم أو المناطق التي حققت ذلك بإبرامها معاهدات حظرت تصنيع أو حيازة أو تداول أي من أجهزة التفجير النووية. حيث تم تغطية أمريكا اللاتينية من خلال معاهدة "تلاتيلولكو Tlatelolco" ، ومنطقة جنوب المحيط الهادئ بمعاهدة "راروتونغا Rarotonga" ، أما إفريقيا فأُبرمت بشأنها معاهدة "بليندابا Pelindaba". إلا أنه يبدو بأن القرار الذي قدمته جمهورية مصر وتبنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل عامين بشأن إقامة منطقة معزولة السلاح النووي في الشرق الأوسط لم يَلقَ ترحيباً من إسرائيل والولايات المتحدة حيث صوتتا ضد هذا القرار ، بينما امتنع الإتحاد الأوروبي عن التصويت ، وصوتت 53 دولة لصالح القرار.
ومع العلم بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت العديد من القرارات بشأن إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ، إلا أن اسرائيل لم تُلقِ لها بالاً وما تزال حتى وقتنا هذا ترفض الإنصياع لها وترفض إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية. بل وترفض كذلك الإنضمام للمعاهدات المتعلقة بذات الشأن.
توصيات ومقترحات ختامية
في ختام هذه الدراسة ، نورد بعض التوصيات المقترحة علّها تسهم ولو بالقليل في دعم المساعي والجهود الرامية لجعل هذا الكوكب صحياً ، سليماً ، خالياً من عوامل الدمار والخراب التي تؤدي إلى تآكله شيئاً فشيئاً والتي من أبرزها الطاقة النووية سواء في صورتها الإيجابية أم السلبية.. من ذلك نقول:

§إعلامياً: تفعيل دور الإعلام بمختلف وسائله في نشر الوعي البيئي وتثقيف الأمم حول الشؤون البيئية والتهديدات المحدقة بها جراء السلوكيات التي يتبناها الإنسان في تعامله مع محيطه. وتوعية سكان المناطق التي اجتاحتها الكوارث النووية بالأمراض والتشوهات التي قد ترافق سلالاتهم عبر الزمان. كذلك العمل على جعل يوم البيئة –الموافق 5 حزيران من كل عام- يوماً يُسلَّط فيه الضوء على التغييرات البيئية ومسبباتها التي طرأت في العام المنصرم وكيفية مجابهتها في العام الذي يليه.
§قانونياً وسياسياً: تبني المزيد من التشريعات على المستويين الوطني والدولي بصورة أكثر جدية وصرامة فيما يخص تنظيم استغلال التفاعلات النووية سلمياً وحربياً ، بحيث تُجبَر –بدلاً من أن تُناشَد- جميع الدول على الإنصياع لها. فوجود المعاهدات الدولية التي تُحَرِّم تلك الأسلحة أو تحظر تجربتها أو التهديد بها لا يكفي إن لم تكن جميع دول العالم خاضعة لها بجدية. وبالتالي فإن سياسة الكيل بمكيالين التي تجبر بعض الدول على نزع أسلحتها النووية بموجب الإتفاقيات الدولية وتفتح الطريق أمام البعض الآخر –وعلى رأسهم إسرائيل- للهروب والتملص من الخضوع لهذه الإتفاقيات لن تُجدي نفعاً على الإطلاق ، بل ربما يكون في ذلك مضيعة للوقت!

§رقابياً: تفعيل دور الرقابة والتفتيش من قِبل مُختَلَف الهيئات والوكالات الدولية المختصة بالشكل الذي يشمل جميع الدول دون استثناء ، سواء أكانت تلك التي تمتلك منشآت وأسلحة نووية تمارس من خلالها أخطر الأنشطة وأكثرها دماراً ، أم كانت من الدول النامية والفقيرة التي تسمح مقابل بعض المال بالعبث بأقاليمها لدفن السموم النووية فيها.

وعن الأسلحة النووية نقول.. "إن القنابل النووية ليست أسلحة فحسب بل هي أدوات للإبادة الجماعية.. امتلاكها لا يعني القوة وتكديسها لا يضمن التفوق. استعمالها سيكون جريمة إبادةٍ جماعية بحق المُعتَدَى عليه وانتحاراً للمعتدي.. وليس لدى عالم الطب ما يقدمه إلى الملايين من الجرحى والمصابين لتخفيف آلامهم قبل أن يَلقَوا حتفهم"(1).





المراجع
§المؤلفات
§د. توفيق محمد قاسم ، التلوث مشكلة اليوم والغد ، سلسلة البيئة 1999.
§حسن آغا ، أسرار الذرة والأسلحة الذرية ، ط 1 ، القاهرة 1973.
§د. عمر محمود اعمر ، قانون البيئة..حماية البيئة محلياً ودولياً ، ط 1/2008.
§د. كمال عفت ، الطاقة النووية والمفاعلات النووية لتوليد الطاقة ، سلسلة "التكنولوجيا النووية في البلدان النامية" ، معهد الإنماء العربي ، ط 1 ، بيروت 1982.
§د. محمد زكي عويس ، أسلحة الدمار الشامل ، سلسلة إقرأ (611) ، دار المعارف ، 1996.
§موسى زناد ، كابوس الحرب النووية والمصير البشري ، دار القادسية ، بغداد 1985.

§التشريعات الوطنية
§قانون حماية البيئة الأردني رقم 52 لسنة 2006.
§قانون حماية البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994.

§الإتفاقيات الدولية
§إتفاقية لاهاي الخاصة بإحترام قوانين الحرب البرية لعام 1907.
§قرارات المحاكم
§فتوى محكمة العدل الدولية حول مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها ، 8 تموز 1996.
§موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية 1992-1996 ، منشورات الأمم المتحدة ، نيويورك 1998
§مصادر أخرى
§رمضان جعفري ، جريدة الشرق الأوسط ، مقال بعنوان "ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر: عانينا بسبب فظاعتها.. والتعويض لا يكفينا" ، 28/5/2009 ، العدد 11139.
§الحرب النووية وواجب الأطباء في العمل للوقاية منها ، جمعية أطباء الأردن لدرء الحرب النووية.
§كارثة تشيرنوبل النووية
§"http://library.thinkquest.org/3426"


ملخص للبحث المقدم بعنوان:
الأسلحة النووية.. أسلحة عمياء.. لا تبقي ولا تذر النظر إلى كون الأسلحة النووية بوحشيتها المدمرة تشكل أحد أبرز التحديات البيئية التي تواجه العالم بأسره منذ أكثر من نصف قرن ، فقد وجدنا أن من شأن البحث والكتابة بشأنها إطلاق صيحة توقظ الكثيرين لتنذرهم من هول الدمار الذي حل بهذا الكوكب بفعل ذراتٍ دقيقة لا تُرى بالعين المجردة استطاع الإنسان بالعلم أن يكتشف ما بداخلها ولكن للأسف استطاع أيضاً أن يستغلها كوسيلة لإبادة العالم. فهي قد تنفجر بين يديه في أي وقت دون أن تترك له فرصة السيطرة عليها أو حتى الهروب منها.
فتحدثنا عنها في هذه الدراسة ذات الأربعة فصول. ولكونها تتعلق بالتحديات البيئية فكان لا بد من الإشارة أولاً إلى تعريف البيئة بمفهومها الواسع وبالنظام البيئي ككل وبيان ما بينهما من توازن وكيف أنه يختل بفعل التلوث البيئي بأنواعه المختلفة والتي على رأسها "التلوث الإشعاعي" الناجم عن الطاقة النووية ومخلفاتها سواء استُخدِمَت سلمياً أم حربياً. ثم ألقينا في الفصل الأول نظرة عامة على الأسلحة النووية بأنواعها مع ذِكر مخاطرها على بني البشر والبيئة على حدٍ سواء. تطرقنا بعدها في الفصل الثاني إلى الأثر البيئي لإستخدام السلمي للأسلحة النووية. ويُقصد بذلك إجراء التجارب النووية والتعامل مع المفاعلات النووية لإستغلالها في تزويد الدول بالطاقة الحرارية والكهربائية ، وكذلك استخدامها كوقود نووي للسفن والطائرات والصواريخ. ثم تحدثنا عن الفضلات النووية كونها تشكل أزمة دولية فيما يتعلق بكيفية التخلص منها ومن تأثيراتها التي تلازمها لعشرات السنين.
جاء بعد ذلك الفصل الثالث ليبين الآثار البيئية للإستخدام الحربي للأسلحة النووية. فتطرقنا من خلاله إلى دور محكمة العدل الدولية في مواجهة الأسلحة النووية من خلال طرحنا لبعض أهم ما جاء في فتواها بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها لعام 1996. تحدثنا بعدها عن الكوارث النووية التي حدثت في اليابان قبل نصف قرن ولا زالت الشعوب تعاني آثارها حتى الآن. تناول بعدها الفصل الرابع البحث في دور التعاون الدولي في مواجهة الأخطار البيئية التي تسببها الأسلحة النووية. فذكرنا فيه عدداً من المعاهدات التي أُبرمت لتفرض القيود على استخدام الطاقة النووية. وأشرنا إلى دور مؤتمر نزع السلاح بهذا الشأن ومساعيه إلى إنشاء ما يسمى بـ"المناطق الخالية من الأسلحة النووية" حيث تم تطبيق ذلك على بعض الأقاليم ونحن بالإنتظار لأن تطبّق على منطقة الشرق الأوسط.
وختاماً أوردنا توصياتنا علّها تسهم ولو بالقليل في عملية إنقاذ هذا الكوكب. ركّزنا فيها على دور الإعلام والقانون والسياسة ، وكذلك الرقابة الدولية في تحقيق الأمن والأمان من خطر الأسلحة النووية.




المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59