عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-08-2016, 09:51 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة ما وراء الحماس الصهيوني للمبادرة المصرية


ما وراء الحماس الصهيوني للمبادرة المصرية
ــــــــــــــــــــــــ


(د. صالح النعامي)
ــــــــــ

3 / 9 / 1437 هــ
8 / 6 / 2016 م
ــــــــــــ


الصهيوني للمبادرة 807062016113526.png






كان مثيراً حقاً أن يبدي الصهاينة كل هذا الحماس للأفكار التي طرحها لأول مرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب "أسيوط" قبل شهرين، والتي تطورت بعد ذلك ليطلق عليها "المبادرة الفرنسية".
وسرعان ما تبين أن ابتهاج الصهاينة بـالمبادرة المصرية كان مردُّه أن هذه المبادرة مثلت درعاً واقياً للصهاينة تمكنهم من إحباط المبادرة الفرنسية، التي قدمتها باريس كإطار لاستئناف المفاوضات حل الصراع الفلسطيني الصهيوني.
فعلى الرغم من أن المبادرة الفرنسية تمثل وصفةً لتصفية أهم الحقوق الوطنية الفلسطينية في نطاقها الضيق، وعلى رأسها حق العودة للاجئين، والقدس المحتلة، والانسحاب إلى حدود عام 1967، إلا أنه نظراً لأن المبادرة تتحدث عن "حل الدولتين"، فقد قرر نتنياهو إحباطها، لأنه ببساطة غير مستعد لمناقشة أية مبادرة لا تفضي في النهاية إلى إضفاء شرعية على الاحتلال الصهيوني للضفة وللأراضي الفلسطينية.
لكن نتنياهو يعي أنه من الصعب جداً عليه تبرير اعتراضه على هذه المبادرة في حال لم يقدم للعالم بديلاً آخر يمكن أن يشكل مؤشراً على رغبته في حل الصراع.
ونظراً لأن أحداً في العالم لا يثق بتصريحات نتنياهو وزمرته، سيما بعدما انتهت كل المحاولات الدولية السابقة لانتزاع تعهد منه بالاستجابة لمطالب تحقيق تسوية سياسية للصراع، يمكن أن تبرر لرئيس السلطة محمود عباس الانخراط في هذ المسار؛ فلم يكن من الممكن لأحد في العالم. من هنا كانت هناك ضرورة أن يتقدم طرف أجنبي وحليف، بمجموعة أفكار فضفاضة وغير متناسقة، ويمكن أن يتعايش معها اليمين الصهيوني، وتجعل نتنياهو يتشبث بها، لتبرير ادعائه لاحقاً بأنها تصلح للنقاش أفضل من المبادرة الفرنسية. وعندما يكون الطرف "الأجنبي" هذا هو أكبر دولة عربية، مصر، فإنه يفترض أن تسدد هذه الخطوة ضربة نجلاء للتحرك الفرنسي.
مع الأسف فقد عمد نتنياهو إلى توظيف السيسي في خدمة ليس فقط مصالح الكيان الصهيوني، بل أيضاً استخدمه في القيام بالخطوات التي لصالح اليمين المتطرف في تل أبيب.
فقد تبين أن الأفكار التي طرحها السيسي في خطاب "أسيوط" قبل شهر، كانت منسقة تماماً مع نتنياهو وتهدف لاحتواء المبادرة الفرنسية من جهة، ومن جهة ثانية تمثل تبنياً غير مباشر لمواقف اليمين الصهيوني.
فقد تضمن خطاب "أسيوط" دعوة لتسوية سياسية للصراع، دون أن يلتزم السيسي بدعم القاهرة المعهود للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل قد فاجأ السيسي حتى الصهاينة عندما تبنى مواقف نتنياهو بضرورة أن يتم الأخذ بعين الاعتبار بالمتطلبات الأمنية الصهيونية في أية تسوية للصراع.
ويمكن القول: إن الصهاينة ذهلوا من "جرأة" السيسي في تبني مواقف اليمين المتطرف؛ حيث إن تطوعه للاعتراف بحق الكيان الصهيوني في الحصول على ضمانات أمنية يعني أنه تجاوز حتى الإدارة الأمريكية.
قد يكون الرئيس المصري لا يعي خطورة التوظيف الصهيوني لمواقفه الأخيرة، لكن عليه أن يعلم أن التسليم بحق الكيان الصهيوني في الحصول على ضمانات أمنية يعني الموافقة على مواقفه الرافضة للانسحاب من كثير من مناطق الضفة الغربية بحجة الدواعي الأمنية.
فعلى سبيل المثال: هناك إجماع صهيوني بين اليسار واليمين على عدم الانسحاب من منطقة "غور الأردن"، التي تشكل حوالي 28% من الضفة الغربية، ومعظم الصهاينة يرفضون الانسحاب من قمم الجبال في أرجاء الضفة.
وفي الوقت ذاته، فإن الصهاينة يرفضون الانسحاب من مناطق تعد غنية باحتياطات المياه العذبة، مثل الفضاء الفاصل بين القدس والخليل، حيث يدَّعي الصهاينة أن أسفل سلسلة الجبال هناك ما يقارب من 80% من احتياطات المياه العذبة في فلسطين.
المفارقة، أن وسائل الإعلام الصهيونية قد أكدت أن كل ما جاء في خطاب السيسي قد تم بالتنسيق مع نتنياهو؛ حيث أشارت إلى أن ممثل اللجنة الرباعية السابق توني بلير، وهو مستشار للسيسي أيضاً، قد لعب دوراً مركزياً في الدفع عن هذا التوافق.
لكن السيسي لم يقف عند هذا الحد، بل إنه لم يتردد في المس بالمبادرة العربية ذاتها، التي يرفضها الكيان الصهيوني.
فقد ذكرت صحيفة "هارتس" أن السيسي ادَّعى أمام ديوان نتنياهو أن الدول العربية وافقت على تعديل عدد من البنود في المبادرة العربية، وعلى رأسها: حق العودة للاجئين، والانسحاب من الجولان.
وقد أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رفض بلاده إحداث أي تعديل على المبادرة، وهذا ما يدلل على أن السيسي في الواقع كان يتصرف من تلقاء ذاته من أجل تحسين قدرة الكيان الصهيوني على المناورة أمام العالم.
في الوقت ذاته، فقد ساعد موقف السيسي نتنياهو على المناورة في الساحة الداخلية الصهيونية، حيث منحه المسوغ أيضاً للدفاع عن تعيين رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" الفاشي أفيغدور ليبرمان وزيراً للحرب.
فقد استغل كلُّ من نتنياهو وليبرمان موقف السيسي وأعلنا في مؤتمر صحفي "ترحيبهما" المتحفظ بالمبادرة العربية، حيث قالا: إن بعض نقاط المبادرة "إيجابية".
وقد أثار موقف نتنياهو وليبرمان هذا سخرية وسائل الإعلام الصهيونية، حيث تنافس المعلقون الصهاينة في السخرية من هذا الموقف لأنهم يعلمون أنه جاء فقط من أجل التضليل ولذر الرمال في العيون من أجل إحباط المبادرة الفرنسية.
ومما يثير المرارة أن باراك رفيد، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، قد كشف النقاب عن أن نتنياهو اتصل بـ 14 وزير خارجية في أوروبا، محاولاً إقناعهم بمنح فرصة لـ "المبادرة المصرية" وعدم إيلاء المبادرة الفرنسية أية أهمية بسبب "عدم واقعيتها".
على الرغم من أن تحرك نتنياهو لم يكتَب له النجاح حتى الآن، إلا أنه من الواضح أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب باتت توظف خطوات السيسي من أجل تسهيل تحركات نتنياهو لتضليل العالم وللتغطية على تطرفه.

----------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59