الموضوع: نصف في المئة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-10-2013, 07:58 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,192
ورقة نصف في المئة




نصف في المئة !
ــــــــــــــــــــــ

*ـ إن أي إنسان يعيش في مجتمع يتعرض لتربية من نوع ما، ويخضع لأعراف ذلك المجتمع على نحو من الأنحاء ، ويتشكل لدية بسبب من هذا و ذاك إطار من المبادئ والقيم التي تحظى باحترامه والتزامه إلى حدود معينة ، وللإنسان إلى جانب هذا حاجات ومصالح ، يسعى إلى قضائها حتى يصون وجوده من التلف ، ويحقق طموحاته وتطلعاته .

*ـ ومن الواضح أن الناس يعملون في أغلب الأحيان على تحقيق مصالحهم في إطار مبادئهم أي أنهم يحاولون عدم الخروج على المبادئ التي يؤمنون بها ؛ لأنها تشكل في الحقيقة عُمُد وجودهم المعنوي .

*ـ لكن حين تصدم مبادئهم مع مصالحهم ، فإنهم حينئذ يتفرقون ؛ فمنهم من يتنازل عن بعض مصالحه بغية بقائه منسجماً مع معتقداته وقيمه ، ومنهم من يتنازل عن شيء من معتقداته بغية تحقيق المزيد من مصالحه ، وقضاء المزيد من حاجاته .

*ـ ويدرك أولو النهى والعزيمة أنهم لا يستطيعون في معظم الأحيان تحقيق كل مصالحهم مع الرعاية التامة لمبادئهم ، ولهذا فإنهم يوطِّنون أنفسهم على التضحية ببعض المكاسب من أجل البقاء على الطريق الصحيح .

*ـ حين تضع الإنسان في ظروف صعبة وقاسية فإنك تدفعه دفعاً إلى إعادة ترتيب أولوياته ، وإعادة قراءة مبادئه ومصالحه ، ولا شك في أن هناك من يظل مستعداً للتضحية بمصالحه والتمسك الحرفي بقيمه ومبادئه ، لكن من المؤسف أن هذا الصنف من الناس يظل قليلاً ، أما أكثر الناس فإنهم ينجذبون على درجات مختلفة إلى قضاء حاجاتهم والمحافظة على مصالحهم ، ونجد هذا المعنى في غير موضع من كتاب الله ـ تعالى ـ حيث يقول سبحانه :

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُوِدِ قَالَ إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةَ بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ }
[ البقرة:249 ] .

ـ يذكر بعض المفسرين أن أصحاب طالوت كانوا ثمانين ألفاً، فلما اشتد بهم الظمأ ، ووجدوا الماء العذب أمامهم شرب منهم من النهر ستة وسبعون ألفاً ، وهؤلاء الذين شربوا من النهر تفاوتوا في ذلك على قدر يقينهم ، فشرب الكفار شرب الهيم
(وهي الأبل التي أصابها داء فلا ترتوي من الماء) وشرب العاصون دون ذلك ، وجاوز النهر معه أربعة آلاف رجل ، فلما نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف مقاتل مدجج بالسلاح هابوهم ، فرجع من الآلاف الأربعة ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ، وبقي معه ثلاثمائة وبضعة عشر.
ـ قد تعرض الجيش لاختبارين قاسيين : اختبار الظمأ الشديد مع وجود الماء ، واختبار مواجهة القلة القليلة للكثرة الكاثرة، فلم ينجح في الاختبار إلا ما يقرب من نصف في المئة ! (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(*) علامات على طريق فهم الواقع ـ
ـــ د/ عبد الكريم بكار ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59