عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-13-2014, 08:05 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة موقف ابن عثيمين من الاستدلال بالعقل


موقف الشيخ ابن عثيمين من الاستدلال بالعقل والفطرة على أصول الاعتقاد*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

18 / 11 / 1435 هــ
13 / 9 / 2014 م
ـــــــــــ

الاستدلال _8463.jpg


موقف الشيخ ابن عثيمين من الاستدلال بالعقل والفطرة على أصول الاعتقاد

د . شريفة أحمد الحازمي

بحث مقدم لندوة جهود الشيخ محمد العثيمين العلمية 1431 هجري

ــــــــــــــــــــــ

بعد تمهيد تناول ترجمة موجزة عن الشيخ محمد بن العثيمين, وبعد التعريف اللغوي لكل من العقل والفطرة, والاستعمال الاصطلاحي لهما, تناولت الباحثة مصادر المعرفة وحدودها في الاستدلال على أصول الاعتقاد, حيث قسم العلماء العلوم إلى ثلاثة أقسام: ضروري فطري لا يمكن التشكيك فيه كعلم الإنسان بوجوده, ونظري يكتسب بالنظر والاستدلال, وغيبي محض لا يصل إليه العقل إلا بالإخبار, وهو القسم الذي يحوي أكثر مسائل الاعتقاد التفصيلية والإجمالية.

وقد خلصت الباحثة إلى العقل والفطرة مفتقرة إلى الشرع سواء في العلوم النظرية للقطع بها, أو الضرورية للتنبيه والإرشاد إليها, إذ كل من العقل الذي يقوم على المقدمات الضرورية الفطرية والحس قد يعرض له الخطأ, كما أن كل منهما مفتقر للشرع لمحدودية مجاله المعرفي وقصوره في إدراك المعارف جميعها.

بعد هذا التمهيد دخلت الباحثة إلى جوهر دراستها, وقد قسمت الدراسة إلى ثلاثة مباحث, تناولت في الأول مصادر المعرفة وحدودها في الاستدلال على أصول الاعتقاد عند الشيخ ابن عثيمين, بينما تناول الثاني صورا من الاستدلال العقلي على أصول الاعتقاد عند الشيخ, ليستعرض الثالث نماذج تطبيقية للاستدلال العقلي على أصول الاعتقاد عند الشيخ.

المبحث الأول: مصادر المعرفة وحدودها في الاستدلال على أصول الاعتقاد عند الشيخ

سار الشيخ على منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال على أصول العقائد, من خلال الاعتماد على الخبر متمثلا بالقرآن والسنة الصحيحة والإجماع, بالإضافة إلى العقل والفطرة والحس للاستدلال على بعض أصول العقائد الكبرى, مبينا تضافر هذه المصادر المعرفية في إثبات الحق.

ومن أمثلة ذلك قول الشيخ: "دل على وجود الله تعالى : الفطرة والعقل والشرع والحس...", ثم فصل في دلالة كل من مصادر المعرفة السابقة, فدلالة الفطرة على وجوده سبحانه من خلال ما فطر الله به الإنسان من الإيمان بوجوده دون سبق تفكير أو تعليم ما دامت فطرتهم لم تنحرف, وأما دلالة العقل فمن خلال هذه المخلوقات التي لا يمكن أن توجد صدفة, بالإضافة باستشهاده بدلالة الأثر على المؤثر, وقد أشار إلى أن هذه المصادر مذكورة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومع استشهاد الشيخ بهذه المصادر والأدلة, إلا أنه وضح حدود الاستدلال بها, مبينا أن الدليل العقلي محدود الإدراك إذ هو يعتمد على معطيات الحس, يقف عند عالم الشهادة ولا مجال له في عالم الغيب, ومؤكدا أن المعرفة التي يوصلنا إليها الدليل العقلي تبقى معرفة إجمالية, وأما تفاصيلها فيبقى محلها بالسمع.

وقد أنكر الشيخ على أهل البدع تقدمهم بين يدي الله ورسوله بمقررات عقلية, وتحكيمهم للعقل في عالم الغيب, وفيما يجب ويمتنع على الله تعالى, مما أوقعهم في الشبه الباطلة وإلزامهم بلوازم فاسدة.

إن المتأمل في كتب ومصنفات الشيخ يلحظ بوضوح الترتيب المنهجي في الاستدلال بالأدلة الشرعية على أصول الاعتقاد, مبتدئا بالكتاب ثم السنة ثم الإجماع وأخيرا دلالة العقل والفطرة فيما لهما فيه مجال, فللعقل والفطرة عند الشيخ مكانتهما الصحيحة كمصدر للمعرفة والاستدلال.

كما أن الباحثة قد أكدت في الدراسة على أن الشيخ يرى العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح, بل يتضافران في الدلالة على المطلوب, وقد عرف الشيخ العقل الصريح بأنه السالم من الشبهات والشهوات, كما أن الشيخ يرى أنه لا حكم للعقل فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته, بل لا حكم له في جميع الأمور الغيبية, ووظيفة العقل فيها التسليم التام.

كما أوردت الباحثة إجابة الشيخ عن دعوى تعارض أدلة العقل مع النقل, وذلك من خلال التمييز بين الدليلين القطعيين أو الظنيين, فالتعارض بين القطعيين محال, والترجيح هو الحل إن كانا ظنيين, وتقديم القطعي على الظني متفق عليه بين العقلاء.

المبحث الثاني: صور من الاستدلال العقلي على أصول الاعتقاد عند الشيخ محمد بن العثيمين

من أولى هذه الصور القياس الصحيح وضرب الأمثلة, فقد بين الشيخ في مصنفاته الأقيسة التي يجوز استخدامها والتي لا يجوز, فالقياس المقتضي للمساواة بين الخالق والمخلوق ممتنع للتباين بين الخالق والمخلوق, فلا تقاس صفات الله تعالى بصفات خلقه, لظهور التباين العظيم بينهما.

وقد بين الشيخ جواز قياس الأولى سواء كان شموليا أو تمثيليا في حق الله تعالى, إذ هذا القياس قائم على أن الفرع أحق بالحكم من الأصل, فالله تعالى ليس كمثله شيء, فلا يجوز أن يمثل بغيره, كما أن قياس الأولى هو القياس الشرعي الفطري الذي يستخدم في باب الإلهيات, بل هو طريقة الأنبياء في هذا الباب.

وقد تميز الشيخ – كما تذكر الباحثة – بدقة الاستنباط من النص واستخراج فوائده وما يدل عليه من أحكام ومسائل, وهو خلال مناقشته للمسائل يورد أدلتها السمعية ويبين ما فيها من استنباطات عقلية ولغوية, وبين ما تتضمنه من قواعد وأصول ودلائل, كما أنه يورد التقسيمات التي تقرب المعاني, فهو يحرص على السبر والتقسيم, ويحرص على وضع القواعد المطردة في المسائل الاعتقادية التي يقع فيها الخلاف والنزاع, وذلك تسهيلا وتقريبا للمعاني والأحكام.

وكثيرا ما يشير الشيخ – كما تذكر الباحثة – إلى قضية التلازم العقلي بين القضايا, سواء في تقريره لأصول الاعتقاد وبيان التلازم العقلي بين القضايا العقدية, أو في رده على المخالفين وبيان اللوازم الباطلة التي تلزم أقوالهم.

كما أوردت الباحثة في الدراسة موقف الشيخ من الحكمة والتعليل بها, وذكرت أن ما عليه جمهور المسلمين وأئمة أهل السنة أن الله تعالى يخلق لحكمة ويأمر لحكمة, وقد ذهب الشيخ العثيمين إلى أن كل حكم معلل باللام يدل على ثبوت الحكمة في أفعاله تعالى وأوامره, كقوله تعالى: {لعلكم تعقلون} البقرة/242 .

كما بين الشيخ أن الله تعالى قد رتب وجود المسببات على الأسباب, وجعل بينها ارتباطا يجعلها تدل دلالة واضحة على حكمة الباري سبحانه وعلى خلقه لها, إذ يمتنع أن يكون هذا الارتباط وجد صدفة, مع تحذير الشيخ من الالتفات إلى الأسباب بمفردها مطلقا, إذ يفضي ذلك بالعبد إلى الشرك والعياذ بالله, كما أن عدم الالتفات إليها مطلقا قدح في الشرع.

المبحث الثالث: نماذج تطبيقية للاستدلال العقلي على أصول الاعتقاد عند الشيخ محمد العثيمين

وقد ذكرت الباحثة أمثلة في الإيمان بالله تعالى, فقد استدل الشيخ على الإيمان بوجود الله تعالى بالفطرة والعقل والشرع والحس معا, كما استدل بالعقل على الإيمان بألوهيته تعالى وما يجب له فيها.

كما استدل بالعقل والفطرة أيضا على علو الله تعالى, فالعقل يدل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص, والعلو صفة كمال والسفل نقص.

ومن النماذج أيضا قضية الإيمان باليوم الآخر, فقد أورد الشيخ العديد من الأدلة العقلية على بعض مسائل اليوم الآخر في مصنفاته, ومن ذلك استدلاله بالعقل على إمكانية البعث وبطلان قول منكريه, وفي إثبات عذاب القبر ونعيمه والرد على منكريه بزعم أن الواقع يخالفه, وكذلك على الحساب يوم القيامة.

ومن النماذج أيضا استدلال الشيخ بالدليل العقلي على مرتبة العلم من مراتب القدر, فالمرتبة الأولى من مراتب القدر هي العلم, فالله تعالى علم ما الخلق فاعلون بعلمه الأزلي, ناهيك عن استدلاله بالعقل في الرد على االمخالفين في باب القدر.

كما استدل الشيخ بالدليل العقلي على زيادة الإيمان ونقصانه, وفي الرد على المرجئة والوعيدية في منعهم لتفاضل الإيمان.

وبذكر أهم النتائج المستخلصة و التوصيات ختمت الباحثة دراستها القيمة هذه, فجزاها الله عن المسلمين كل خير. والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59