عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-11-2012, 05:53 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ثورة تشيكوسلوفاكيا المخملية غيّرت وجه أوروبا



التنازلات بدأت بتحرير الإعلام وإعلان الجيش حياده وانتهت بإلغاء المادة التي تحصر الحكم في الحزب الشيوعي وبانتخاب أبرز معارض رئيساً للجمهورية

بقلم: محمد الحسيني
كانت الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا (17 نوفمبر الى 29 ديسمبر 1989) محركا فعالا لما سيليها من ثورات الألوان السلمية التي ستغير وجه أوروبا كنتيجة لنهاية الحرب الباردة وتداعي الاتحاد السوفييتي.

في البداية لابد من الإشارة الى ان هذا النوع من الثورات يستند الى فكرة العصيان المدني او المقاومة السلمية وأشهر رموزها تاريخيا غاندي وقبله المفكر الاميركي هنري ديفيد تورو (1817-1862) صاحب كتاب «العصيان المدني» الذي كان له تأثير كبير على كبار مفكري وسياسيي القرن العشرين.

كانت تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية (التي انقسمت عام 1993 الى جمهوريتي تشيكيا وسلوفاكيا فيما عرف بالطلاق المخملي لأنه تم سلميا ايضا) لاتزال في قبضة الحكم الشيوعي الذي ارساه الاتحاد السوفييتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فيما كان يسمى بدول الكتلة الشرقية او دول حلف وارسو الذي انشئ لمواجهة حلف «الناتو» الخاضع لتوجيه الولايات المتحدة، وفي المرة الأولى التي تعرض فيها الحكم الشيوعي لهزة فيما سمي بأحداث «ربيع براغ» عام 1968 اجتاحت قوات «حلف وارسو» بقيادة سوفييتية تشيكوسلوفاكيا وقمعت الانتفاضة، وأعادت الهيبة للحكم الشيوعي الذي لم يتعرض لخطر مشابه حتى 1989 الذي كانت احداثه كفيلة بإسقاط هذا النظام دون قطرة دم واحدة.

طوال فترة الحكم الشيوعي منذ 1948 كانت الأحزاب ممنوعة وكذلك الطوائف ولذلك كان اول شعار رفعته الثورة المخملية تعديل المادة الدستورية التي تنص على ان للحزب الشيوعي «دورا قياديا».

ولم تخل احداث الثورة من بعض المواقف الغريبة فقد بدأت بكذبة.. وانتهت بانتخاب فاكلاف هافل رئيسا من قبل النواب الشيوعيين الذين كانوا قد اعلنوه «منشقا متمردا» وطالبوا بسجنه قبل ايام من انتخابه.

في 16 نوفمبر 1989 خرجت مجموعات من الطلبة في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا الى الشوارع في احدى المناسبات الوطنية وكالمعتاد كانت قوات الأمن في حالة استنفار لمواجهة اي طارئ الا ان الامور سارت بهدوء وارسل الطلاب وفدا الى وزارة التعليم وعرضوا مطالبهم المتركزة في حرية التعبير والمطالبة بالحد من الفساد السياسي والإداري.

وفي اليوم التالي خرجت مظاهرات مماثلة في العاصمة براغ في تشيكيا ضمت نحو 20 الف طالب حاصرتها قوات الأمن وحصلت مواجهات صاخبة، استمرت في تصاعد وقدر عدد المتظاهرين في 27 نوفمبر بنحو نصف مليون في براغ وحدها.

الغريب أن احد العملاء السريين في الشرطة لودفيك زيفكاك اندس بين الطلبة ورمى نفسه ارضا كما لو انه ميت وانتشرت شائعة قتل الطالب كالنار في الهشيم مثيرة الغضب في اوساط المثقفين والفنانين الذين قرروا الانضمام الى المحتجين في حركة عصيان مدني تطورت يوما بعد يوم حيث اتسعت المظاهرات ما دفع بالشيوعيين الى تنازل بعد آخر حتى انتهت بإنهاء نظامهم، والحقيقة ان هذه التطورات الداخلية كانت تغذيها وسائل الاعلام المجاورة في ألمانيا الغربية والنمسا التي كان المواطنون يلتقطون بثها والتطورات المتزامنة في ألمانيا الشرقية بعد اشهر من سقوط جدار برلين وما تلاه من احداث.

كل ذلك كان يحصل والاتحاد السوفييتي في غيبوبة يعيش اجواء التفكك وتنامي حركات الاستقلال بين جمهورياته، ولم يصدر عنه ما يظهر معارضة للتغير في تشيكوسلوفاكيا ولكن تبين لاحقا ان المسؤولين السوفييت لم يكونوا يتوقعون سقوط النظام الشيوعي بالكامل وبسرعة كهذه.

وفيما يلي ابرز التنازلات التي حصلت عليها الثورة المخملية:

في 23 نوفمبر وبينما انتشرت معلومات عن استعداد الجيش للتدخل لصالح النظام أعلن وزير الدفاع في مؤتمر صحافي متلفز أن الجيش لن يقوم بمواجهة المواطنين.

في 24 نوفمبر بث التلفزيون الرسمي أول تصريحات للمعارض آنذاك فاكلاف هافل لأول مرة في تاريخه وبعد ذلك انضم عدد من كتاب الصحف إلى المعارضة علنا.

في 29 نوفمبر وافق البرلمان على إلغاء المادة الدستورية التي تنص على قيادة الحزب الشيوعي للبلاد، وفي 30 نوفمبر ألغيت مبادئ الثورة الشيوعية ومبادئ الماركسية ـ اللينينية من المناهج.

وفي 3 ديسمبر اقدم الرئيس غوستاف هوداك على تعيين حكومة جديدة ضمت 15 وزيرا شيوعيا و5 غير شيوعيين لكنها رفضت من قبل المعتصمين.

وفي 4 ديسمبر رفعت الدولة القيود عن السفر الى النمسا وألغت البيانات الإلزامية التي كان مفروضا على المواطنين تقديمها قبل السفر وكانت ردة الفعل ان غادر اكثر من 200 الف تشيكوسلوفاكي الى النمسا في عطلة نهاية الأسبوع الأول بعد رفع الحظر لزيارة المدن النمساوية.

وفي 8 ديسمبر اعلن الرئيس العفو عن كل الجرائم السياسية واطلاق كل السجناء السياسيين.

وفي 11 ديسمبر ازيلت الحواجز على الحدود مع ألمانيا الغربية.

وفي 21 ديسمبر اعلن رسميا عن حل «ميليشيا الشعب» التي كانت تحمي النظام منذ عام 1948، ولم تتلق خلال الثورة أوامر بمهاجمة المتظاهرين.

وانتهت الامور كلها بانتخاب هافل رئيسا للبلاد في 29 ديسمبر بعد أيام على اعتباره خائنا من قِبل من انتخبوه وتم إلغاء المادة التي تحصر القيادة بالحزب الشيوعي والسماح بتعدد الأحزاب ثم انتخابات حرة والانتقال لاقتصاد السوق منذ عام 1990 لتكتمل فصول الثورة المثيرة للجدل التي فتحت الباب أمام كثير من الأسئلة: لماذا لم تتحرك الشرطة خاصة تلك المتخصصة في مكافحة الشغب لتقييد المظاهرات؟ هل كان ذلك بسبب الانقسام في الحزب الشيوعي نفسه؟ ام ان جهات خارجية دخلت في الموضوع؟ قيل ان الاتحاد السوفييتي ارسل مندوبا عسكريا تابع سير العمليات، لكنه لم يتدخل ولم تبرز الاحداث انه قام بأي دور لمنع ما كان يجري.

الكثير من الاسئلة طرحت دون ان تجد اجوبة مقنعة الى اليوم، لكن الاكيد ان نهاية الحكم الشيوعي كانت فرصة لبداية جديدة للبلاد التي دخلت عهد الديموقراطية والتقارب مع اوروبا، فتشيكيا وسلوفاكيا اللتان افترقتا عام 1993 اصبحتا لاحقا عضوتين في الاتحاد الاوروبي وجزءا من العالم الغربي.

كثيرون في التشيك سعداء اليوم بالانضمام الى اوروبا ويوافقون على نشر الدرع الصاروخية على اراضيهم، لكنهم لا يقارنون اوضاعهم الحالية وتلك السابقة بمقارنات من نوع «ابيض واسود» فكثير من مشاكلهم تم حلها كما وعدهم الغرب، لكن ظهرت مشاكل اخرى تجعلهم يحنون الى الماضي.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59