عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 10-09-2014, 08:24 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
ورقة هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع ؟

هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع ؟
ــــــــــــــــــــ


اعترافات علماء الاجتماع
-------------------

الحلقة الثامنة عشر
-------------

هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟
-----------------------

الإجابة بـ(لا) قطعًا.

لكنَّ هذه الـ(لا) ليست من عندنا.

إنها من أفواه وأقلام عُلَماء الاجتماع أنفسهم.

كان رجال الاجتماع في بلادنا وما زالوا يتصوَّرون أنهم طليعةُ هذه الأمَّة وضميرها، وأنهم القُدوة والنموذج، وأنهم الطلائع والضمائر.

كانوا -وما زالوا- يعتقدون أنهم لا يُبالِغون إذا تصوَّروا أنهم يملكون في أيديهم (عناصر الترشيد الضروريَّة) للمجتمع، وأنهم يستطيعون توصيفَ المراحل التي يمرُّ بها هذا المجتمع وتحليل قُواه الاجتماعيَّة الفاعلة، وأنَّه بإمكانهم تقديم البدائل المتاحة أمامَه[1].

لقد وصَل الأمر برجال الاجتماع في بلادنا إلى الاعتقادِ بأنَّ الخبير منهم يجبُ التبرُّك به[2].

نبَع هذا التصوُّر الذاتي الوهمي المُبالَغ فيه عند رجال الاجتماع من نظرتهم إلى المجتمع الذي لا يخرج عندهم عن مجتمعٍ من الجهَلَة والأميِّين والمرضى والجائعين والمتأخِّرين، الذين على رِجال الاجتماع تنميتهم وعِلاجهم وعصرنتهم أو تغريبهم، والإنسان العربي عندهم إنسانٌ تقليدي مُتأخِّر مُتخلِّف[3].

ما هي عناصر الترشيد الضرورية هذه التي يعتقد رجال الاجتماع أنهم يملكون مفاتيحها؟ إنها أيُّ شيء يمكن أنْ يكون إلا (الإسلام).

إنَّ من أبرز صِفات هذا الإسلام أنَّ الدِّين والعلم فيه مُتَساندان ولا يتَصادمان كالحال في بلاد الغرب.

ومع ذلك فإنَّ من مُسلَّماته الجوهريَّة (الإيمان بالغيب).

الله -تعالى- نفسه (غيب)، والملائكة والجن والشياطين والجنة والنار والبعث والحساب واليوم الآخر، كلُّ ذلك (غيب)، ولن يستقيم الإيمان إلا بالاعتقاد في هذا (الغيب).

وإذا كان علم (الغرب) قاصرًا عن إثبات هذا الغيب فإنَّ هذا ليس لعيبٍ في الدِّين، وإنما لعيبٍ وقصورٍ في العلم ذاته.

سارَ رجال الاجتماع في بلادنا وراء الغرب (حذو القذَّة بالقذَّة) ودخَلوا وراءَه (جحر الضب) الذي تحدَّث عنه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ففصلوا بين الدِّين والعلم، ورفضوا الإيمان بالغيب؛ بحجَّة أنَّه لا يستقيم مع العلم.

الدكتور (أحمد الخشاب) هو أحد رُوَّاد علم الاجتماع في بلادنا، تتَلمَذ على يدَيْه مُعظَم مَن يشغلون الآن كراسي علم الاجتماع في جامعاتنا العربيَّة.

لقد علَّمَهم أحمد الخشاب عناصرَ الترشيد الضروريَّة، هذه التي يتحدثون عنها الآن.

علَّمَهم فصلَ الدِّين عن العلم، ورفْض الإيمان بالغيب الذي يعدُّه أيديولوجيَّة تُمثِّل إطارًا مَرجِعيًّا لتفسيرٍ تبريري تحكُمُه عقليَّة تسلُّطيَّة رجعيَّة.

يقول أحمد الخشاب في كتابه الذي خصَّصَه لهذا الترشيد: "على أنَّه يجب أنْ نُؤكِّد أنَّنا نرفُض النظرة التقليديَّة للقِيَم الروحيَّة التي تتمثَّل في مجموعة التصوُّرات الطقوسيَّة التي تَحوِيها الساحة الدينيَّة وتغذيها الأيديولوجيَّة الغيبيَّة؛ ذلك لأنَّنا نعلَمُ عن يقينٍ أنَّ الأيديولوجيَّة الغيبيَّة كانت ولا تزال تمثِّل الإطار المرجعي للتفسيرات التبريريَّة للعقليَّة التسلُّطيَّة الرجعيَّة"[4].

ويُعتَبر أحمد الخشاب من أوائل الذين حاوَلوا صِياغة نظريَّة اجتماعيَّة عربيَّة، وكان ذلك في عام 1970.

وأوَّل مُسلَّمات هذه النظريَّة هو الإطاحة بما أسماه بـ(الأطر العقائديَّة التقليديَّة) التي رأى أنها تُعبِّر عن (طبيعة غير علميَّة).

اعتبر الخشاب أنَّ هذه العقيدة من أهمِّ العثرات التي تَقِفُ في وجْه هذه النظريَّة المنشودة[5].

ولنَعُدْ قليلاً إلى مرحلة ما قبل الخشاب.

كان عام 1908 هو عامَ تأسيسِ أوَّل جامعة أهليَّة علمانيَّة في مصر أُلقِيتْ فيها أوَّل محاضرات في علم الاجتماع (القانوني).

وكانت الفترة من عام (1924 إلى عام 1936) هي فترة التحوُّل التدريجي لما يُسمُّونه بـ(علم الاجتماع العلمي).

وبفِعل تأثير الأفكار التي حملها (رفاعة الطهطاوي) والاحتكاك بالغرب في الحرب العالمية الأولى، تدفَّق إلى مصر كمٌّ من الأفكار الجديدة التي قال عنها رجال الاجتماع في بلادنا إنها: "تحدَّت الأفكار القديمة وأعدَّت لمرحلة الانقِطاع عن الماضي"؛ أي: (الإسلام).

شهد عام (1924) تأسيسَ الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًّا) وهي جامعةٌ حكوميَّة حلَّت محلَّ الجامعة الأهليَّة.

ألقيت في هذه الجامعة أوَّل محاضرات منظَّمة في عِلم الاجتماع.

وكان من المنطقيِّ مع تأسيس الجامعة الأمريكيَّة في القاهرة في مُنتَصف العشرينيَّات تقديم برنامجٍ منظَّم في علم الاجتماع، وبذلك أحكَمَ الأمريكيُّون مع العلمانيين في مصر ضبْط خُيوط تحقيق هذا الانقِطاع عن الإسلام.

أمَّا أوَّل كراسي الأستاذية في علم الاجتماع فقد شغلها بالطبع أساتذة أجانب بارزون وعلى رأسهم إيفانز برتشارد (1932-934)، وآرثر موريس هوكارت (1934-1938)، أمَّا في جامعة الإسكندرية فقد شغل كراسي الأستاذية في علم الاجتماع أساتذة غربيُّون بارزون على رأسهم (راد كليف براون) و(ردنك أورلخ).

لقد شَهِدتْ هذه الفترة انتشارَ الأفكار (الإلحاديَّة) للفلسفة الوضعيَّة لـ(أوجست كنت)، وللمدرسة الفرنسية في علم الاجتماع، وأفكار المدرسة الأنتربولوجية البريطانية، والأفكار التحرُّرية السائدة في الغرب[6].

وعن موقف هؤلاء الأساتذة الأجانب من الدِّين يكفي هنا أنْ نستَشهِد بمقولةٍ مهمَّة قالها قطب الأنتربولوجيا الشهير (إيفانز برتشارد) الذي كان أوَّل مَن شغَل كرسي الأستاذية في جامعة القاهرة، والذي أشَرْنا إليه في الفقرة السابقة، يقول برتشارد في عام 1959: "إنَّ الأنتربولوجيين بصفةٍ عامَّة ذووا اتِّجاهات سلبيَّة عدائيَّة كئيبة ضد الدِّين".

إنَّ العلماء الأوائل الذين أثَّروا في الفكر الأنتربولوجي لأكثر من قرنٍ كامل يُوقِنون تمامًا بعدَم مصداقيَّة الدِّين المنزَّل، وأنَّ كلَّ العقائد نسبيَّة.

ورأى عُلَماء القرن التاسع عشر أنَّ الدين غير حقيقي، وعديم الفائدة، ويجب استئصاله والتقليل من آثاره وإنقاص هيبته بالتقدُّم العلمي، وحينما تحقَّقوا من الوجود العام للدِّين عبر التاريخ الإنساني حاوَلوا أنْ يشرَحُوا ما اعتبروه وهمًا بردِّه إلى عوامل نفسيَّة.

إنَّ معظم البارزين من علماء الأنتربولوجيا لم يكن لهم اعتقادٌ دِيني؛ لأنَّ العقائد كلها عندهم مُضلِّلة[7].

نما علمُ الاجتماع في بلادنا بصورةٍ سريعةٍ لتحقيق هذا الانقطاع عن الدِّين وعن الإسلام.

عرَّف علم الاجتماع موضوعاته وأهدافه وإمكانيَّاته.

وإذا قِيسَت الفترة الزمنيَّة التي رسخ فيها هذا العلم في الجامعات العربيَّة فإنَّ نموَّه ولو مقيسًا فقط بعدَدِ خرِّيجيه لَيُشكِّلُ تقدُّمًا ملحوظًا لم يصل إليه نظيره في الجامعات الغربية والشرقية قي الفترة نفسها[8].

شهد علم الاجتماع في تطوُّره الأكاديمي التنظيمي مراحلَ توسُّع ضخمة تركَّز أكثرها خلال السبعينيَّات؛ حيث أُنشِئ عددٌ كبير من أقسام الاجتماع في الجامعات العربيَّة سواء في مصر على امتِداد رُقعتها من القاهرة حتى أسوان، أو على امتداد الوطن العربي من الكويت وبغداد والدوحة والإمارات شرقًا حتى فاس والرباط غربًا، مرورًا بكلِّ الجامعات الكبيرة والصغيرة حتى تلك الجامعات التي يُطلِق عليها (محمود الجوهري) - أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة - (الجامعات الدينية) كجامعة الأزهر وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية[9].

وهنا تكمن الكارثة الكُبرَى وهي غزْو علم الاجتماع لما يُسمُّونه بالجامعات الدينيَّة.

وسنستشهد هنا بنموذجٍ واحد لبيان ضَخامة حجم هذه الكارثة.

هذا "زيدان عبدالباقي" أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات بجامعة الأزهر يقول لطالباته: "هذا، وتُواجِه البلاد الإسلاميَّة مشكلة مختلفة تمامًا تَدُور حول جمود التقاليد الدينيَّة، الأمر الذي يتعارَض مع التغييرات التكنولوجيَّة.

ذلك أنَّ الإسلام قد فرَض كثيرًا من الأوامر والنواهي على مُعتَنقِيه، الأمر الذي يتعارض مع أيِّ تغيير يستهدفه التقدُّم العلمي والتكنولوجي، وإذا كان من المتَّفق عليه أنَّ العقيدة الدينيَّة تتطابق مع كلِّ نموذج معقول من الفكر، فإنَّ غاية واحدة لطيف أنوار العقيدة الدينيَّة تجعل ***** بمثابة العنصر السائد للدِّين"[10].

لم يكنْ باستطاعة علم الاجتماع في بلادنا أنْ ينمو دون أنْ يقدم مَزاعم عريضة عن فائدته المجتمعيَّة العامَّة وأهليَّة مُمارِسيه واحترافهم، فلم يتردَّد مُؤسِّسوه ودارسوه أنْ يُعلِنوا منذ البداية أنَّ علمهم يُعَدُّ (وصفة طبيَّة ناجحة) لعلاج جميع أمراض مجتمعهم[11].

ولهذا فإنَّه في خلال نِصف القرن الأخير دخَل علم الاجتماع ضِمن مناهج الدراسات الجامعيَّة في أقسام وشُعَب مُتخصِّصة يصل عددها إلى حوالي ثلاثين شعبة، وبعد أنْ كان يدرس في البداية على أيدي هواة من المتخصِّصين في فُروعٍ معرفيَّة أخرى سرعان ما أصبح تدريسُه على أيدي مُتخصِّصين في علم الاجتماع ذاته، يصلُ عددهم بمعيار الحصول على الدكتوراه إلى حوالي المائتين.

ويصل عدد الطلاب المتخصِّصين في علم الاجتماع في الجامعات والكليات العربية حتى الآن إلى حوالي "عشرة آلاف" طالب يتخرَّج منهم سنويًّا حوالي "ألفي" طالب.

كما يوجد في الوطن العربي ما لا يقلُّ عن "خمسة عشر" مركزًا بحثيًّا في علم الاجتماع أو بعض فروعه.

ويظهَر في المتوسط حوالي "مائة" كتاب سنويًّا يُؤلِّفها أساتذة الاجتماع العرب، بالإضافة إلى "مئات" من الأوراق المقالات والتقارير البحثيَّة والاستشاريَّة، علاوةً على "عشر" مجلات أكاديميَّة مُتخصِّصة في علم الاجتماع[12].

وبعد سبعة وسبعين عامًا من هذا النموِّ والازدهار والتضخُّم الكمي والمؤسَّسي في علم الاجتماع (المنقطع عن الإسلام) اجتَمَع رجال الاجتماع العرب في تونس وبالتحديد في يناير 1985؛ لمناقشة محصلة هذا الانقطاع، وهل أثمر التخريب المتعمد للنسيج الاجتماعي في بلادنا، وذلك في ندوة بعنوان (نحو علم اجتماع عربي).

كان أهم نتائج هذه الندوة الاعتراف الصريح بالفشل الذريع الذي تجسَّد في إجاباتهم على سؤالٍ طرَحُوه بأنفسهم هو: (هل يستطيع الوطن العربي أنْ يعيش ويزدَهِر بدون علماء اجتماع؟)، اعترف رجال الاجتماع ويعتصرهم الألم الشديد اعترافًا جليًّا بأنَّ بلادنا ليست في حاجةٍ إليهم، وأنها ليست في حاجةٍ إليهم الآن كما لم تكن في حاجة إليهم في الماضي.

وهذا هو نصُّ اعترافات سعد الدين إبراهيم الأستاذ بالجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة يقول فيها مجيبًا على السؤال السابق: "راوَدَنِي هذا السؤال منذ سنوات وأنا أُفكِّر في كتابة هذه الدراسة التي أُشارِك بها زُمَلائي المشتغِلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي.
وكنت قد قرَّرت أنْ تكون مساهمتي المتواضعة في هذه الندوة جولة صريحة في أعماق الضمير السوسيولوجي، إنْ كان ثمة ضمير سوسيولوجي.

وحتى لا أطيلَ في المقدمات فإنَّ إجابتي الشخصية عن السؤال بكلِّ الصدق المؤلم هي أنَّه (نعم).

نعم؛ يستطيع مجتمعنا أنْ يعيش ويتقدَّم بلا علماء الاجتماع العرب، ولكي أُخفِّف على نفسي ألم هذه الإجابة حاوَلتُ توجيهَ هذا السؤال نفسِه بالنسبة إلى فئاتٍ أخرى في المجتمع، وخلصت إلى أنَّ هناك فئات عديدةً لا يستطيع المجتمع أنْ يعيش بدونها أهمها: الفلاحون والعمال ورجال الإدارة والجيش، وأنَّ هناك فئات أخرى لا يستطيع المجتمع أنْ يتقدَّم بدونها أهمها: المهندسون والأطباء والعلماء وخبراء التكنولوجيا والاقتصاد... أمَّا علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا والنفس والسياسة والإعلام والآثار وفئات أخرى عديدة فيُمكِن للمجتمع أنْ يعيش ويتقدَّم بغيرهم.

وبشكلٍ آخَر لو وضَعْنا السؤال: ماذا يحدُث للوطن العربي إذا اختفى كلُّ علماء الاجتماع فجأة؟

والإجابة هي: لا شيء سيحدث للمجتمع سلبًا أو إيجابًا، وينطبق ذلك على فئاتٍ مهنيَّة أخرى كما ينطبق على مجتمعات أخرى عديدة.

وبالمقابل هناك مجتمعات تقدَّمت في العصر الحديث دون أنْ يوجد فيها فئة مهنيَّة تُسمَّى علماء الاجتماع؛ مثل اليابان إلى ثلاثينيَّات هذا القرن، والصين إلى عُقودٍ متأخِّرة من هذا القَرْنِ.

كذلك ليس هناك ما يثبت قطعيًّا أنَّ بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة ما كان لها أنْ تتقدَّم خِلال القرنين الأخيرين لولا وجودُ علماء الاجتماع فيها.

وما أريد أنْ أخلص إليه هو أنَّ علماء الاجتماع كفئةٍ مهنيَّة مُتخصِّصة ليست ضروريَّة في المجتمع الحديث، وبالطبع لم تكن ضروريَّة في المجتمع التقليدي"[13] أ.هـ.

لم يكن هذا الاعتراف الصريح والمؤلم هو الاعتراف الوحيد لمحصِّلة (الثورة على الدِّين والانقطاع عن الإسلام)، إنما كانت هناك لرجال الاجتماع اعترافاتٌ أخرى لا تقلُّ شدَّةً في إيلامها وقسوتها عن هذا الاعتراف.

أولاً: الاعتراف بأنَّ علم الاجتماع يُوجَّه إلى مستهلكين عاجِزين عن رَفْضِه، وأنَّه نما وترَعرَع على هامش المجتمعات العربيَّة دون أنْ يحسَّ به سوى أتْباعه ومُرِيديه وأصحاب المصالح الحيويَّة فيه، أمَّا رجُل الشارع فلا يَدرِي عنه شيئًا.

يقول محمد عزت حجازي أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: "لن نقفَ طويلاً عند الحقيقة المحزنة التي تتلخَّص في أنَّ جانبًا -يبدو لنا كبيرًا- من البحث والدراسة والكتابة في علم الاجتماع يُوجَّه إلى مستهلكين عاجزين عن رفضه، هم طلبة الجامعات والمعاهد العُليا"[14].

ويُضِيف (سالم ساري) أستاذ الاجتماع بجامعة الإمارات العربيَّة المتحدة: "ولكنَّ المتتبِّع لتاريخ علم الاجتماع في الوطن العربي يُلاحِظ بدائل شتَّى.

إنَّه نما على هامش المجتمعات العربية.

نما وترعرع نصفَ قرن من الزمان أو يزيد دون أنْ يرعاه أو يحسَّ به سوى أتْباعه ومُرِيديه وذوي المصالح الحيويَّة فيه"[15] أ.هـ.

ويقول (ساري) في موقع آخر: "وأودُّ أن أضيف تحدِّيًا يتمثَّل في الهوَّة التي تفصل بين علماء الاجتماع وأفراد المجتمع العاديين وكذلك القضايا الاجتماعية المعاصرة"[16].

ثانيًا: الاعتراف بأنَّ علم الاجتماع نشَأ وتطوَّر وما زال هزيلاً، غير قادر على توفير نظريَّة خصبة ومناهج تَقُود إلى نتائج صلبة الأساس، وأنَّه كان -وما زال- مغتربًا عن الواقع الاجتماعي، وأنَّ المتخصِّصين لم يُسهِموا إلا في صِياغة مُشكلات المجتمع العربي وتفسيرها وليس في اقتراح الحلول لها.

يَصُوغ محمد عزت حجازي هذا الاعتراف بقوله: "إنَّ نظرة تحليليَّة نقديَّة لواقع العلم تنتهي بنا إلى أنَّه يمرُّ بأزمةٍ؛ فقد نشَأ وتطوَّر وما زال هزيلاً لا يُوفِّر مقولات نظريَّة خصبة قادرة على الإيحاء بأفكارٍ تُعِين على النَّماء والتجدُّد ومناهج يمكن أنْ تقود إلى نتائج صلبة الأساس نافذة الدلالة، وكان مُنعَزلاً أو مُغترِبًا عن الواقع الاجتماعي الحي"[17].

أمَّا سعد الدين إبراهيم فقد عبَّرَ عن ذلك في موضعين قال في أولهما: "وبالنسبة للوطن العربي فمنذ الحرب العالميَّة الأولى واستقلال البلاد العربيَّة لم تظهر مساهمة علمية نظرية يعتدُّ بها الوطن العربي".

وقال في الموضع الآخَر: "إنَّ المتخصِّصين لم يساهموا بالقدر الكافي أو بالدرجة المطلوبة في صِياغة مشكلات المجتمع العربي المعاصر وتفسيرها أو في اقتراح الحلول المطلوبة لهذه المشكلات"[18].

ثالثًا: الاعتراف بأنَّ المعرفة التي أنتَجَها رجال الاجتماع معرفة هزيلة، وأنَّ وُجودَهم هامشي، وتأثيرهم على المجتمع محدود، وأنهم غير ذوي مِصداقيَّة أو فاعليَّة، وأنَّ طالب المعرفة عن الواقع الاجتماعي يمكن أنْ يجدَها في كتابات غير كتابات علم الاجتماع.

يشرَحُ سعد الدين إبراهيم قضيَّة نجاح علم الاجتماع في إثبات وُجوده على مستوى الجامعات والمجتمع فيقول: "إلاَّ أنَّ هزال ما أنتَجوه من معرفةٍ قد جعَل هذا الوجود هامشيًّا، وجعل فاعليَّتهم في التأثير على المجتمع محدودة إنْ لم تكن معدومة.

وطالب المعرفة عن الواقع الاجتماعي العربي المعاصر قد لا يجدها إلا في الكتابات الأدبيَّة والصحفيَّة أو في أعمال بعض المشتغلين بالتاريخ والجغرافيا أو الفلسفة والدِّين، وقد لا تكون هذه المعرفة بالضرورة دقيقة أو عميقة، ولكنَّها على الأقل متوفرة ومفهومة"[19].

ويتحدَّث سعد الدين إبراهيم أيضًا عن هامشيَّة علماء الاجتماع فيقول: "ليس صدفةً أنَّ هامشية علماء الاجتماع تُواكِب هامشيَّة الفرد والمجتمع المدني في أقطار العالم العربي"[20].

أمَّا عن عدم مصداقيَّة وفاعليَّة رجال الاجتماع فيقول عبدالوهاب بوحديبة في ندوةٍ أُقِيمت في (أبو ظبي) في أبريل عام 1983 تحمل نفس العنوان: (نحو علم اجتماع عربي): "حتى الآن في البلاد العربية ليس لنا مصداقيَّة، وبما أنه ليس لنا مصداقيَّة فليس لنا فاعليَّة.

أمَّا قضيَّة المصداقيَّة يمكن أن نقول: إنَّنا نتقدم إلى الأوساط العلمية (مؤتمرات وندوات) ونتكلَّم، أمَّا الأيدي فهي فارغة، أو اليد اليمنى لا تدري ما في اليد اليسرى"[21] أ.هـ.

رابعًا: الاعتراف بأنَّ المتخصِّص في علم الاجتماع نادرًا ما يأتي إلى دِراسَتِه بمحض رغبته وإرادته، وأنَّ المناهج وأساليب التدريس وهزال الكم من المعرفة في علم الاجتماع لا يُساعد على تنشئة المتخصِّص فيه تنشئةً سليمة.

يقول سعد الدين إبراهيم: "يندر أنْ يأتي التخصُّص في هذا الميدان طالبٌ بمحْض رغبته وإرادته، وإنما غالبًا ما يأتي الطلاب إلى علم الاجتماع إمَّا بمحض الصدفة أو لعدَم وُجود بديل أفضل مُتاح أمامهم.

والقلَّة التي تأتي بمحض إرادتها غالبًا ما يختلط في عقلها مفهومُ علم الاجتماع بمفهوم الخِدمة الاجتماعيَّة أو النزعات الخيريَّة والإصلاحيَّة والإنسانيَّة، ولا تُساعِد المناهج وأساليب التدريس وهزال الكم من المعرفة السوسيولوجية في الجامعات العربيَّة على تنشئة سويَّة للغالبيَّة العُظمى من الطلاب الذين يقضون أربع سنوات في دراسة علم الاجتماع، ويتخرَّجون بمفاهيم غير ناضجة عن العلم ومَناهجه ومَفاهيمه ونظريَّاته"[22] أ.هـ.

أمَّا عزت حجازي فيُشِير إلى نفس هذه النقطة قائلاً: "إنَّ التعليم في مرحلة الليسانس والبكالوريوس والدراسات العُليا لا يهتمُّ بنوعيَّة الطلبة ولا ما يُقدَّم لهم من برامج وما يُوفَّر لهم من فُرَصِ الإعداد والتنشئة؛ وهذا بسبب التركيز على التلقين من (كتاب مدرسي) ونتيجة للعمل من موقف التعالي على الواقع أو الانفصال عنه على الأقل ينهي الدارسون تعليمَهم وهم ناقصو الإعداد، غير فاهمين للواقع وعاجزين عن التعامُل معه"[23].

خامسًا: الاعتراف بأنَّ المؤلفات العربيَّة في علم الاجتماع سيِّئة ومُتخلِّفة وسطحيَّة ومترجمة ومُستعارة من واقعٍ آخَر ومن فِكر مُؤلِّفين آخَرين تنمُّ عن اضطرابٍ وخلْط شديدَيْن، بالإضافة إلى أنها سريعةُ الإنتاج ومُؤلَّفة أساسًا لتحقيق الكسب المادي السريع.

يتحدَّث أصحاب المؤلَّفات العربيَّة في علم الاجتماع عن مؤلَّفاتهم، ويَصِفُونها وصفًا دقيقًا.

هذا "محمد الجوهري" يقول: "ولم تلتفتْ -أي: الدولة- إلى أنَّ الأستاذ الجامعي صاحب الخبرة الميدانيَّة الناقصة في فرع لعلم الاجتماع سيكون بالضرورة والقطع مُؤلِّفًا لكتب سيِّئة ومتخلِّفة ومُستعارة من واقِع آخَرين ومن فكر مُؤلِّفين آخَرين"[24].

ونقلاً عن "إياد القزاز" يقول "محمد الجوهري" عن كتابات رجال الاجتماع: "إنَّ تلك الكتابات.. علاوة على طابعها النظري فإنها ليست منهجيَّة دقيقة في طريقة العرض، بل إنَّ بعضها ينمُّ عن اضطرابٍ وخلط شديدَيْن، وهي تُقدِّم للقارئ معالجة سطحيَّة للموضوع.

ويلاحظ فضلاً عن هذا أنَّه على الرغم من أنَّ تلك الكتابات ليست ترجمات مُباشِرة للكتب الدراسيَّة الإنجليزيَّة، إلا أنَّ التأمُّل الدقيق لها يكشف لنا أنَّ الجانب الأعظم منها عبارةٌ عن ترجمات غير مباشرة مع إدخال بعض التعديلات عليها والملاءمة مع ظروف القارئ والإيجاز هنا وهناك نقلاً عن بعض الكتب الدراسيَّة الإنجليزيَّة، خاصَّة الكتب المعتمدة منها"[25].

هذا، ويُدلِي عبدالباسط عبدالمعطي أستاذ علم الاجتماع بجامعتي القاهرة وقطر، وأحد قادة حزب التجمُّع الشيوعي المصري، وأحد الماركسيين البارزين في علم الاجتماع، ورئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، يُدلِي بدلوه في القضيَّة معترفًا: "إنَّ معظمنا يُعِيد إنتاج الفكر الغربي؛ استسهالاً للاستهلاك، وهذه مسألةٌ حجمت العمل المنتج على مستوى أداء علم الاجتماع.

هناك تشابُهٌ بين إنتاج (السفن آب) أو ترجمة الأفلام الأجنبيَّة والاقتباس منها وبين تصنيع (الجينز)، وبين ترجمة كتاب مدرسي مأخوذ عن المكتبة الأمريكيَّة أو الإنجليزيَّة.

التشابُه يأتي من قِيَم الاستسهال وبذْل الجهد ومُتطلَّبات السوق -سوق التدريس والتوزيع- الذي يلهَثُ البعض خلفَه كسبًا للكسب المادي في وقتٍ قصير نسبيًّا.

الجماهير التي يتعامَل معها المشتغِلون بعلم الاجتماع هي جمهور الطلاب والباحثين الشباب والمبحوثين.

بالنسبة لطلاب مراحل الليسانس هم المستهلك للمؤلَّفات المدرسيَّة التي ينتجها المشتغِلون بالعلم، وهم بالتالي مصدر دخل أساسي للقائمين بالتدريس في الجامعات العربيَّة.

لقد بيَّنت الدراسات التي اهتمَّت بتحليل ممارسات التدريس وتقويمها في الجامعات العربيَّة أنَّ من بينها زيادة الاتجاه إلى الأعمال المترجمة التي هي في جَوْهرها إعادة إنتاجٍ لأعمال آخَرين، وأيًّا كان جهد الترجمة فهو أقلُّ عناءً من التأليف.

كما يُلاحظ أنَّ المؤلَّف الواحد يُكتَب في معظم -إنْ لم يكن جميع- أبعاد التخصُّص وفُروعه.

معنى هذا بالتأكيد -خاصَّة إذا ما وضعنا في الاعتبار التسلسُل الزمني للأعمال المنشورة- تأليف سريع يستجيب لمتطلَّبات السوق، سوق التدريس وملاحقته، وتبدو الغاية هنا الكم الذي يلاحق الطلب والعائد من كلِّ طلب، وإذا أضَفْنا إلى هذا أنَّ المؤلف هو صاحب القَرار في إلزام الطلاب بشِراء مؤلَّفه، فهو الذي يُقرِّر وضع الامتحان؛ وأنَّه يترتَّب على هذا فرض رسائل الدكتوراه المنشورة على طلاب الفرقة الأولى، وفرض مؤلَّفات في بعض الفرق لا علاقة لها بمواصفات المقرَّر ومُقرَّراته وتغيير الكتاب المقرَّر كلَّ عام أكاديمي..."[26].

أمَّا سعد الدين إبراهيم فيقول في قضيَّة المؤلفات العربيَّة في علم الاجتماع: "... نادرًا ما يجدُ طالب المعرفة إنتاجًا سوسيولوجيًا عربيًّا يطفئ ظمأه لفهم الواقع العربي المعاصر بصورةٍ منضبطة أو موضوعيَّة أو شاملة أو حتى جزئيَّة، فأكثر من ثمانين بالمائة من إنتاج أساتذة الاجتماع يَكاد ينصرف كُليَّةً إلى الكتب المدرسيَّة التي تُحاوِل أنْ تعلِّم الطلاب مَبادئ العلم وفُروعه وتاريخه ونظرياته، ورغم أهميَّة هذا الجانب من إنتاج أساتذة الاجتماع العرب للعمليَّة التعليميَّة والتربويَّة إلا أنَّ الشاهد هو أنَّ معظم هذه الكتب المدرسية تتَّسم بما يأتي:
1- تضخُّم الوعود بقُدرات علم الاجتماع على فهْم الواقع والتعامُل الفعَّال مع المشكلات الاجتماعيَّة.

2- الاعتماد شِبه الكامل على مَصادر المعرفة الأجنبيَّة والترجمة المباشرة أو من خِلال آخَرين.

3- التعقيد اللغوي والمعنوي في طرْح مفاهيم ومقولات علم الاجتماع؛ إمَّا للإيحاء بجهبذة فكريَّة، أو في الأغلب لعدم الفهم والاستيعاب لما يتمُّ نقله من مصادر أجنبيَّة.

4- ندرة ما يَرِدُ في هذه الكتب عن الواقع العربي (قطريًّا أو قوميًّا).

5- سطحيَّة وتجزيئيَّة القليل النادر الذي يرد في هذه الكتب عن الواقع العربي، وعدم استِناده إلى قاعدة صلبة من المعلومات التقريريَّة أو الأمبيريقيَّة"[27] أ.هـ.

سادسًا: الاعتراف بأنَّ مجتمع المشتغِلين بعلم الاجتماع في بلادنا لا يُشكِّل مجتمعًا مهنيًّا حقيقيًّا، وإنما هم جماعات مصالح وشللٌ تتصارَع مع بعضها ويُسَيطر أحدها على الآخَر، وأنَّ تنشئتهم المعيبة أدَّتْ بهم إلى اللامبالاة والسلبيَّة، وعوَّدتهم على الوصوليَّة والانتهازيَّة.

يقول محمد عزت حجازي: "أمَّا بالنسبة للمُشتَغِلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي؛ فمن الصعب أنْ نقبَل فكرة أنهم يكونون مجتمعًا مهنيًّا، فهم في الحقيقة ينتظمون في جماعات مصالح متغيِّرة أو شلل.

ويزيد الوضع سوءًا التنشئة المهنيَّة المعيبة المشوَّهة التي تكفُّ في الإنسان إمكاناته وقُدراته الحقيقيَّة واستعداده للمُبادرة والانتماء، وتُربِّي فيه اللامبالاة والسلبيَّة، وتُعوِّده على الوصوليَّة والانتهازيَّة، وتركز أهم القِيَم والتوجُّهات، وتدور معظم أنماط السلوك والتصرُّفات حول الذات والأسرة والشلَّة، وفي نُظُمٍ تُسَيطِر عليها وتستغلُّها عناصر طبقيَّة طفيليَّة، وتُشجِّع فيها الكسب المادي بأيِّ ثمن وشكل والاستهلاك في سفه.

ولهذا لا تعرف حركة الفكر الاجتماعي في المنطقة العربيَّة الموضوعيَّة والحوار التي تساعد في إنضاج الأفكار وتصحيح الأخطاء وكف تأثير الطرف المتحيِّز"[28] أ.هـ.

وهذا سعد الدين إبراهيم يتحدَّث عمَّا أسماه الحرب الأهليَّة بين قبائل وعشائر وبُطون رجال عالم الاجتماع في بلادنا فيقول: "وفي المرحلة الأولى التي حاوَل فيها علم الاجتماع أنْ يشقَّ مكانًا له في الجامعات (1940-1960 تقريبًا) كان جزء كبير من طاقة المشتَغِلين به ينصرف إلى محاورات لإثبات علميَّته وموضوعيَّته وأهميَّته للمجتمع.

وقد تجاوَز المشتغِلون العرب بعلم الاجتماع هذه المعارك الخارجيَّة مع الذين عارَضوا أو شكَّكوا في أحقيَّة هذا العلم الجديد بمكانٍ تحت الشمس الجامعيَّة.

لقد انتصروا في تلك المعارك إمَّا لأنهم نجحوا في إقناع الآخَرين، أو لأنَّ الآخَرين سَئِمُوا استمرارَ تلك المعارك.

ولكنَّ أساتذة الاجتماع سرعان ما دخلوا مع بعضهم البعض في معارك أهليَّة في المرحلة الثانية (1960-1985)، إمَّا بالأصالة عن أنفسهم، أو نيابةً عن أطراف سوسيولوجيَّة متعاركة مع مجتمعاتٍ أخرى، وساد تلك المعركة ما يمكن تسميتُه بمرض البداوة السوسيولوجيَّة.

فقد قسم المشتغِلون العرب بعلم الاجتماع أنفسَهم إلى قبائل اتَّخذت أسماء ومسمَّيات مختلفة (فهناك النظريون والتطبيقيون، وهناك الماركسيون والوظيفيون، وهناك أتباع المدرسة الإنجليزية أو الأمريكية أو السوفياتية... إلخ) وكلُّ قبيلة سوسيولوجيَّة جرى تقسيمها إلى عشائر (وظيفيون، ووظيفيون جدد، وماركسيون جدد.. الخ) وجرى تقسيم كلٍّ عشيرة إلى بطون وحتى أفخاذ.

لقد أصبحت البَداوة أفيون علماء الاجتماع العرب"[29] أ.هـ.

ويتحدَّث عبدالباسط عبدالمعطي عن مجتمع رجال الاجتماع من الداخل من زاويةٍ أخرى فيقول: "هناك جماعات مصلحة وجماعات ضغط على مستوى مؤسسة علم الاجتماع، هي جماعاتٌ تَكاد تقوم بالممارسات والضغوط التي تأتيها الطبقات المسيطِرة داخل البِنَى الاجتماعيَّة، لكنها تأتيها على مستوى العمل الرسمي.

هناك باحثون جمعوا في أيديهم خُيوطًا كثيرة مؤثِّرة في مَسِيرة العلم: التدريس، الإشراف على الرسائل الجامعية، الترقيات، السلطات الإدارية والتنفيذية، اللِّجان الحكومية، العمل في البحوث الأجنبيَّة... إلخ؛ وبالتالي ركَّزوا كثيرًا على مزيدٍ من الكسب أعلى من غيرهم، فأسهموا في خَلَلِ التوزيع على مستوى المجتمع وعلى مستوى مؤسسة العلم"[30] أ.هـ.

هذا هو واقِعُ علم الاجتماع وواقِعُ المشتغِلين به، بعدَ ما يقرُب من ثلاث وثمانين سنة من دخوله إلى بلادنا وإعلانه انقطاعَه عن الإسلام.

علمٌ هامشي هزيلٌ لا يَرعاه ولا يحسُّ به إلا أتْباعه ومريدوه وأصحاب المصالح الحيويَّة فيه، لم يُسهِم في صياغة مشكلةٍ واحدة ولا تفسيرها، ولا في اقتراح حلٍّ لها.

طالب المعرفة عن واقع المجتمع يجدُها في أيِّ كتاباتٍ أخرى إلا كتابات علم الاجتماع التي تتميَّز بالتخلُّف والسُّوء والخلط والاضطراب والنقل عن مجتمعاتٍ أخرى.

رجالٌ بلا مصداقيَّة وبلا فاعليَّة، وما هم إلا جماعات مصالح وشِلَل متصارعة متحاربة.

نحن ما تجنَّينا عليهم، وإنما هذا هو نصُّ عباراتهم، كتَبُوها بأيديهم وصاغُوها بأنفسهم، وهم الذين قالوا واعترفوا (بأنَّ بلادنا ليست في حاجةٍ إلى علماء اجتماع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سعد الدين إبراهيم، علم الاجتماع وقضايا الإنسان العربي، (نحو علم اجتماع عربي) الكتاب السابع من سلسلة كتب المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1986 ص209، انظر أيضًا: سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية لعلم الاجتماع في الوطن العربي (نحو علم اجتماع عربي)، ص 356.
[2] عبدالوهاب بوحديبة، ندوة: (نحو علم اجتماع عربي) المنعقدة في (أبو ظبي) من 24-28 أبريل 1983، منشورة في الكتاب السابق (نحو علم اجتماع عربي)، ص 388.
[3] محمد شقرون، أزمة علم الاجتماع أم أزمة المجتمع، (نحو علم اجتماع عربي)، ص 77-78.
[4] أحمد الخشاب، الاجتماع التربوي والإرشاد الاجتماعي، القاهرة، ص 495-496.
[5] عبدلباسط عبدالمعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة، الكويت 1981، ص 283-284.
[6] EZZAT HEGAZY, Contemporary Sociology in Egypt, Raji Maham and Don Martindale, Handbook of Contemporary Developments in World Sociology, London, 1975 p 380.
[7] John Saliba, Religion and Anthropology, Anthropologica, 18, 1976 p 179.
[8] سالم ساري، الاجتماعيون العرب ودراسة القضايا المجتمعية العربية، (نحو علم اجتماع عربي)، ص 185.
[9] محمد الجوهري، الكتاب السنوي لعلم الاجتماع، العدد الأول، دار المعارف - القاهرة، ص 11.
[10] زيدان عبدالباقي، ركائز علم الاجتماع، دار المعارف، القاهرة 1975، ص256-446.
[11] سلام ساري، المرجع السابق، ص 185.
[12] سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية، المرجع السابق، ص 345.
[13] المرجع السابق، ص 343-344.
[14] محمد عزت حجازي، الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي، (نحو علم اجتماع عربي)، ص 30.
[15] سالم ساري، المرجع السابق، ص 185-186.
[16] سالم ساري (ندوة نحو علم اجتماع عربي - أبو ظبي) المنشورة في (نحو علم اجتماع عربي)، ص 388.
[17] محمد عزت حجازي، المرجع السابق، ص 13.
[18] سعد الدين إبراهيم، علم الاجتماع وقضايا الإنسان العربي (نحو علم اجتماع عربي)، ص 349.
[19] سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية (نحو علم اجتماع عربي)، ص 349.
[20] المرجع السابق، ص 356.
[21] عبدالوهاب بوحديبة (نحو علم اجتماع عربي)، ص 347، 348.
[22] سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية، (نحو علم اجتماع عربي)، ص 347-348.
[23] محمد عزت حجازي، المرجع السابق، ص 35.
[24] محمد الجوهري، الكتاب السنوي لعلم الاجتماع، العدد الأول، ص 11.
[25] محمد الجوهري، المرجع السابق، العدد الخامس أكتوبر 1983.
[26] عبدالباسط عبدالمعطي، في استشراف مستقبل علم الاجتماع (نحو علم اجتماع عربي)، ص 370-371.
[27] سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية، ص 346.
[28] محمد عزت حجازي، المرجع السابق، ص 36.
[29] سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية، ص 346-347.
[30] عبدالباسط عبدالمعطي، في استشراف... ص 371.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59