عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-07-2015, 06:17 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة تفجيري ديار بكر


تفجيري ديار بكر
ـــــــــ

(د. زياد الشامي)
ــــــــ

20 / 8 / 1436 هــ
7 / 6 / 2015 م
ــــــــــ



لا يمكن فصل التفجيرين اللذين وقعا [5 / 6 / 2015 م] في ولاية ديار بكر جنوب شرق تركيا وسط حشود لأنصار حزب الشعوب الديمقراطي - الكردي - المعارض و أسفرا عن مقتل شخصين وجرح أكثر من 100 آخرين ....عن قرب العملية الانتخابية الأكثر المصيرية في تاريخ تركيا الحديثة , ولا عن الأحداث الإقليمية والدولية المعقدة التي تجري في المنطقة , والتي لتركيا موقف واضح منها .
إن الحقيقة أن الانتخابات التشريعية التركية المرتقبة يوم غد الأحد هي بكل المقاييس مصيرية ليس بالنسبة لمستقبل تركيا فحسب , بل وبالنسبة للمنطقة الإقليمية – وربما العالمية – دون مبالغة , فقد باتت كثير من الملفات الإقليمية مرتبط بشكل واضح بنتائج هذه الانتخابات المرتقبة .
لقد كان لتركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ مطلع هذه الألفية مواقف سياسية واضحة من كثير من الملفات الخارجية , ولعل أهم مواقفه الذي كان له أثر كبير في زيادة عدد الحاقدين والناقمين والمتربصين به هو موقفه مما يحدث في سورية , حيث أعلن صراحة تأييده لمطالب الشعب السوري الذي ثار على طاغية الشام , ليأتي موقفه الثاني الرافض لعزل أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا محمد مرسي , وانتقاده المتكرر لممارسات الحكومة المصرية الجديدة وصمت الدول الغربية عنها رغم ادعائها الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان , ناهيك عن موقف حزب العدالة والتنمية الأخير المؤيد والداعم لعملية "إعادة الأمل" ومن قبلها "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين وقوات المخلوع علي عبد الله صالح , والحديث عن حلف تركي سعودي قطري لمواجهة المشروع الصفوي في المنطقة ......
إن هذه المواقف قد جعلت القوى المناوئة لسياسة تركيا الخارجية بقيادة أردغان وحزبه أكثر عددا وأشد حنقا وغيظا , فبالإضافة لإيران التي ترى في مواقف تركيا عقبة كبيرة أمام مشروعها في المنطقة , هناك الدول الغربية التي بدأت قلقة من صعود اقتصاد تركيا بشكل يفوق الكثير من الدول الأوروبية , و انتقاد أردغان المتكرر لخطط ومؤامرات الغرب الخبيثة لإقصاء التيار الإسلامي عن قطف ثمار ما يسمى "الربيع العربي" , ناهيك عن موقف كل من طاغية الشام الذي يرى في حزب أردغان الداعم الأبرز للثورة السورية , والحكومة المصرية التي ترى في تركيا المعارض الأبرز لسياساتها , والداعم الأهم للشرعية ممثلة بالرئيس المعزول مرسي وأنصاره .
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق المعارضة العلمانية الداخلية لإنجازات أردغان , ومخاوفهم من طموحات الرجل المستقبلية في حال فاز حزبه بالانتخابات القادمة , تلك الطموحات التي تحقق منها البعض بإعادة الحجاب وغيرها من المظاهر الإسلامية للبلاد , بينما يسعى لتحقيق البعض الآخر في حال فوز حزبه بالانتخابات , حيث لا يخفي أردغان طموحه بكتابة دستور جديد للبلاد , يغير من خلاله نظام الحكم السائد فيه منذ عقود , من خلال التحول من النظام البرلماني الرئاسي المختلط إلى النظام الرئاسي , وهو ما اعتبره الكثير من معارضيه الخطوة الأخيرة للتخلص من إرث الديكتاتورية الأتاتوركية العلمانية , وبداية عهد تركي جديد بنكهة استعادة الأمجاد العثمانية .
إن كل ما سبق يمكن أن يفسر سعي كثير من القوى المناوئة لتركيا المستقبلية بقيادة حزب أردغان للتعكير على العملية الانتخابية القادمة , من خلال التشويش عليها ببعض أحداث العنف والاضطراب الأمني هنا وهناك , وقد يكون تفجيري ديار بكر ضمن هذا السياق .
فمن المعلوم أن حزب "الشعوب الديمقراطي" المعارض - غالبية أعضائه من الأكراد – يسعى وبشدة إلى تجاوز حاجز العتبة الانتخابية ( 10 المئة من عدد المقاعد الذي يخولهم لدخول البرلمان بصفة حزب ) , وإذا أخذنا بعين الاعتبار اتهام رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو منظمة "بي كا كا" الإرهابية بوقوفها وراء حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتزعمه صلاح الدين دميرطاش ، معتبرا أن الصوت الممنوح لهذا الحزب ، إنما يعد صوتا لـ "بي كا كا". ...فإن إمكانية وقوف هذه المنظمة وراء هذين التفجيرين لا يبدو مستبعدا , وذلك لكسب بعض الاستعطاف من الأكراد للتصويت لصالح الحزب , وللتلميح بأنها مستهدفة من الحكومة بسبب معارضتها .
إن الأكيد أن هذين التفجيرين إنما كانا يستهدفان بالدرجة الأولى الحكومة التركية المشرفة على إجراءات العملية الانتخابية المنتظرة , وهي تأتي في الحقيقة ضمن سلسلة من المحاولات المتكررة منذ فترة للتأثير على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم , بدءا من أحداث "تقسيم" , وصولا إلى اغتيال النائب التركي العام , وليس انتهاء بالانقطاع الواسع للتيار الكهربائي في معظم الأقاليم التركية مؤخرا .
فهل ستنجح الأحزاب والقوى المناوئة لحزب أردغان من خلال هذه العمليات وأمثالها في التأثير على الناخب التركي للتصويت لغير صالح الحكومة الحالية ؟! أم إن الاستقرار والنمو الاقتصادي الواضح التي لمسه الأتراك في فترة حكم حزب أردغان سوف يدفعهم إلى منحه أصواتهم ليقود تغيير وجه تركيا حتى النهاية ؟!

---------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59