عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-05-2016, 07:31 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة المؤتمر الكاشف.. والشيشان من الجهاد إلى نقيضه.. وصناعة النموذج


المؤتمر الكاشف.. والشيشان من الجهاد إلى نقيضه.. وصناعة النموذج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(أمير سعيد)
ــــــ

3 / 12 / 1437 هـ
5 / 9 / 2016 م
ـــــــــــ

الكاشف.. والشيشان نقيضه.. krema-thumb2.jpg
مؤتمر الشيشان





رب ضارة نافعة؛ فاليقظة التي تلت مؤتمر غروزني، سلطت أضواءً على عدة أمور جديرة بأن يعاد النظر فيها، على غير مراد من قاموا على مؤتمر غروزني، الذين أرادوا:

- عزلاً سياسياً لجموع أهل السنة، سواد هذه الأمة الأصيل.

- التفرقة بين المسلمين.

- تجييش الأشاعرة والماتريدية والصوفية في العالم خلف مشروع تبعية للشرق أو للغرب.

- تقديم نماذج لرموز تعمل تحت إمرة نظم تذل المسلمين لحساب الشرق أو الغرب، وإظهار النماذج المنافقة هذه على أنها الرموز العلمية للأمة الإسلامية، وتحييد العلماء الربانيين.

- إحداث اشتباك عقدي بين المسلمين يأخذ طابعاً سياسياً يحرف الأمة عن معاركها العقدية والفكرية مع أعدائها الحقيقيين (منحياً التغريب والإلحاد والتنصير وغيرها عن بؤرة الصراع العقدي).

- التمهيد لتقسيمات أخرى قادمة داخل الدول الإسلامية على أساس فكري ومذهبي، بحيث يمكن تقسيم الأمة وتفتيتها أكثر وأكثر.

وهذه الأهداف، وإن كانت قد تم الالتفات الإسلامي العلمائي إليها إلا أنه سيستمر المنافقون بالعمل على تحقيقها، لكن هذه المرة ببطء وتمهل فرضه انتباه جموع الهيئات والاتحاد والروابط العلمائية حول العالم التي استنكرت مؤتمر الضرار هذا، وهاجمته بقوة، وفضحته أيما فضيحة حتى لاذ بالتقية والاعتذار.


لكن رب ضارة نافعة بالفعل، إذ انتبهت الأمة إلى واحدة من إحدى مكائد الأعداء ومكرهم الكبار وفتنهم الكبيرة، وعملت على إجهاضها في مهدها، وأيضاً لاحظت حجم الشبكة التي نسجها الأعداء لتقويض العالم الإسلامي أكثر وأكثر، ولاحظت أيضاً مبكراً طبيعة الصراع الذي ينبغي أن تتوجه إليه الأمة، والمعارك الجانبية التي يراد لها أن تخوضها تحقيقاً لإرادات الأعداء.

أدرك العقلاء أن هذا المؤتمر ونظائره إنما يريد فيما يريد أن يخلق عداوة بين جمهور أهل الحديث، والأشاعرة والماتريدية والصوفية، وأن هذه الخصومة الفكرية لا ينبغي أن تكون إلا في إطار محدود يخص الغلاة والضالين من الفرق، ولا ينبغي أن تنقلب عداوة لجموع المسلمين حتى لو تلبس بعضهم ببعض الأخطاء التي لا تخرجهم من إطار الإسلام ذاته، وأن مصطلح "أهل السنة والجماعة" الذي حاول المغرضون احتكاره، لا يقابلهم به العلماء احتكاراً باحتكار، وهم يدركون أن كثيراً من أصحاب الانحرافات المحدودة لا تخرجهم عن حيز السنة ولا تحيد بهم عن جماعة المسلمين.

أدرك العقلاء أن من خلف المؤتمر مشروعاً سياسياً لا يلتقي مع مصالح المسلمين ونهضتهم واستقلالهم وأوبتهم؛ فلم يخفَ عليهم الجهة المستضيفة، ليست الشيشان، فكل المؤتمرون هؤلاء لا يعترفون باستقلال الشيشان ويرضون بها محتلة كغيرها من دول القوقاز الشمالي المسلمة المحتلة، وإنما روسيا، دولة الاحتلال والقتل والدمار. لم يخف عليهم دورها الكبير في حرب الإسلام على مر العصور، منذ كسرت شوكة المسلمين بحرق الأسطول العثماني في العام 1770، وما تبعه من صلح كاينارجي 1774 (أسوأ صلح في التاريخ أذل الدولة العثمانية)، أو بالأحرى منذ أنهت نفوذ التتر عليها في العام 1480، وحتى جرائمها في سوريا، مروراً بجرائمها في القوقاز وآسيا الوسطى.

ولم يخف عليهم كبار الداعمين المرتبطين بمنظومة شبكة راند 2007، والتي تهدف إلى تقديم "صورة نموذجية" متغربة ومنهزمة ومنافقة للمسلمين وعلمائهم، ولم تخفَ عليهم مراكزهم البحثية المرتبطة سُرياً وسِريا بجهاز الاستخبارات الأمريكي (CIA).

ولم تخفَ عليهم قائمة كبار المدعوين، ومدى تمثيلها للون يراد للإسلام، خانعاً ذليلاً للسلطات، وإن تجاسرت على الإسلام وأهله وشريعته، من طائفة غريبة على الأمة الإسلامية يزعم تمثيلها لعلمائه، أذلة على الكافرين أعزة على المؤمنين. سمحين حد الذل للأعداء، شرسين حد الشره للدم و"الضرب في المليان) على المسلمين.


رب ضارة نافعة، فلو ما كان هذا المؤتمر/المؤامرة، لما التفت كثيرون إلى الشيشان، وفكرة خلق النموذج لـ"الاعتدال" الذي ترضى عنه اليهود والنصارى حتى اتباع ملتهم؛ فلقد حاد المؤتمر بالأنظار إلى الشيشان ذاتها، وإلى البيئة التي احتضنت هذا المؤتمر/الضرار، فلنجُل بأبصارنا إذن نحو هذا "النموذج"، كيف صُنع؟!


القصة باختصار شديد، أن الشيشان كواحدة من جمهوريات الاتحاد الروسي التي احتلتها روسيا منذ العام 1864، أرادت التحرر من ربقة الروس إثر انهيار الاتحاد السوفييتي أول تسعينات القرن الماضي، لكن الروس رفضوا استقلال الشيشان خصوصاً ودول القوقاز عموماً، وقاوموا النزعة التحررية التي قادها الجنرال جوهر دوداييف، وجردوا حملة هائلة لقتال جيشه، ودمروا عاصمة الشيشان (جروزني) إثر حرب ضروس امتدت لعامين من 1994 وحتى 1996، وتوالت محاولات الكر والفر بين الشيشانيين الذين تحرروا حتى العام 1999 حين نقضت روسيا عهدها معهم بذريعة قيادة فرقة باسييف/خطاب لهجوم في داغستان المجاورة، تم على إثرها إعادة احتلال الشيشان، والإطاحة بالرئيس أصلان مسخادوف الذي قاد محاولات التحرر حتى استشهد في العام 2005 وتبعه في القيادة في جبال الشيشان وأحراشها، عبدالحليم سعد اللاييف، وقد عينت روسيا أحمد قاديروف مفتي الشيشان الخائن، في العام 2003 في انتخابات شكلية ولقي حتفه بانفجار على يد القائد الشيشاني المعروف شامل باسييف بعد عام من توليه منصبه، وخلفه ولده رمضان قاديروف راعي المؤتمر..

كما تصدر؛ فإن أموراً قد سلط المؤتمر الحديث عنها، بالنظر إلى هذا التحول الطارئ على الشيشان من أمثولة في المقاومة وتحدي روسيا، إلى خنوع قيادتها وتذللهم لروسيا.. ربع قرن فصل عن هبة قائد السرب النووي السوفييتي الجنرال البطل جوهر دوداييف مجاهداً من أجل استقلال بلاده، وبين تمكن آباء رغال، الأب والابن قاديروف من السلطة واستخدامهم التصوف في نشر ثقافة تركيع العالم الإسلامي عبره، وعبر الفكر الإرجائي، والعقيدة الأشعرية.


لنقترب أكثر، وبصراحة مؤكدة، ليس التصوف طارئاً على الشيشان، ولم يكن حائلاً دون جهادها ومقاومتها للروس، أكانوا تحت حكم القيصر أم أمين الحزب الشيوعي السوفييتي أم الرئيس الروسي، ولقد قاوم الصوفي الإمام شامل، والإمام منصور، وانخرط في عمليات استقلال وتحرير الشيشان قطاعات صوفية، إنما كان التحول هو من صوفية مجاهدة إلى أخرى خانعة، ومن أشعرية تصالحية مع سلفية هبت من حول الشيشان ومن بعيد للدفاع عنها، إلى أخرى مناهضة لكل من يحمل عقيدة سلفية.. إنه المشوار الذي قطعته روسيا بأداتها الخانعة، منظومة حكم قاديروف.

غير بعيد أن تفعل روسيا هذا، لاسيما وإرثها "الأرثوذكسي الصوفي" منعها من التعرف إلى الإسلام أثناء حكم التتر المسلمين لكثير من مدنها وقراها قبل ستة قرون، وهي اليوم تستدعيه بشكله "الأرثوذكسي" عبر قاديروف ليكون حائلاً بين الشيشان وإسلامها الصحيح الذي تربت عبر ستة قرون عليه.. إسلام الجهاد والمقاومة والإباء، وإن شابته بعض الانحرافات والزلل والأخطاء والبدع. لقد كانت نظرة المسلم دوماً واضحة حيال أعداء الإسلام مهما كان متلبساً بالآثام، لكن إسلامهم الذي يريدون اليوم جد مختلف، وهذا الذي يتعين على الأمة، كل الأمة، أن تناهضه وتقف له بالمرصاد.

إن المؤتمر لم تموله الجهات المشبوهة من أجل تفسير بعض الأسماء والصفات لله عز وجل على نحو يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا لتعم البدع والترهات فحسب، إن هدفه الأكبر يتجسد في بناء أممي إسلامي لا يعرف إلا الخنوع والذلة للأعداء، بناء شخصي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.

ولهذا قدموا النموذج بعد أن سهروا عليه في الشيشان؛ فتلك الجمهورية الصغيرة أريد لها أن تصدر نموذجها، وتطلق سهامها في لحظة من الضعف السائد الذي أصاب جسد الأمة، هكذا صنعوا النموذج، وهكذا صنعناه!

صنعناه حين جهلنا الاستراتيجية التي كانت لتفرض على القوقازيين ألا يتحركوا إلا مجتمعين، وألا يجابه الشيشانيون بتعدادهم الصغير هذا الجيش الروسي العرمرم وحدهم، مهما بلغت شجاعتهم وبطولاتهم التي يعرفها العثمانيون والمماليك والروس والبريطانيون.


حشر قادة الشيشانيين أنفسهم في الزاوية، ولم يكن الجيران في بلاد الشركس كلها جاهزين للمواجهة؛ فدكت جروزني وسُلِّمت جورمديرمس وانهارت أرغون، ولجأ المقاتلون للجبال والأحراش.. حشروا أنفسهم يوم صدر بعضهم الحرب إلى داغستان من دون حاضنة، أسندوا ظهورهم للحائط إذ أعلن "جهاديوهم" إمارة القوقاز الإسلامية؛ فجيشوا العالم كله ضدهم وهم أقلية قليلة، وإن ضربت أمثلة باهرة في الشجاعة والفداء والخطط العسكرية.. أنهوا قضيتهم وحرموها الدعم من كل مكان يوم خرجوا عن حيز المتاح في مطالبهم؛ فانهارت مقاومتهم، وجيء بالخونة فتسيدوا دولتهم وحلوا أماكن شرفائهم.. وحين غادرت القضية من حيز الممكن إلى فضاء الأحلام تراجعت، وتضاءلت المقاومة، وانعزلت شيئاً فشيئاً حتى إذا ما اندلعت الثورة السورية انحازت بقية المقاتلين إلى سوريا بعدما أخفقوا في الشيشان..


والمفارقة أن روسيا غضت الطرف عن خروجهم ثم عادت لتقصف فصائلهم التي تضم الآلاف من القوقاز عموماً في سوريا!


لقد أراد الروس أن يقدموا من خلال نظام قاديروف نموذجاً لكل المتطلعين للفكاك من ربقة حكمهم؛ فدمروا عاصمة الشيشان كما لم تدمر عاصمة من قبل، وأحالوها تراباً؛ فلما رحل المقاومون بنوها على طراز فريد، وسمحوا بشيء من ثرواتها أن يناله الخلْف؛ فأضحت جروزني عاصمة بلاد النفط في القوقاز "عصرية"، وأرادوها نموذجاً فكانت.


هكذا صنعوا النموذج، وهكذا صنعناه..
هكذا نجني ويجنون..


مؤتمر جروزني كان مجرد كاشف لم يريده الأعداء، في الشرق والغرب، وما يقدموه، سواء على مستوى النماذج، أو الرموز، أو العقائد، أو السياسات.. سينفقون بنماذجهم، وحين نعي ونكابد ونؤمن باستحقاقات الطريق، سننتصر.. والله غالب.




---------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59