الموضوع: ثقــافة الخـوف
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2013, 05:24 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ومن ابرز الاشياء التي يقع عليها التابو في تراث الشعوب والجماعات القديمة: الاسم, الشعر, الطعام, الحديد.
والحق فان الرجل البدائي يعتبر اسمه جزءاً حيوياً من نفسه ويقوم برعايته وفقاً لذلك, ولهذا فان بعض العشائر الاسترالية تعمد الى اخفاء اسماء افرادها عن ان تعرف بشكل عام خوفاً من استخدامها في ***** للاضرار باصحابها, ولهذا السبب نفسه كانت اسماء المصريين القدماء مزدوجة يحتفظ بواحد منها سراً, وكان العرب- حسب الحوت ـ يسمون ابناءهم بمكروه الاسماء, ككلب وضرار وحرب.

الامر الثاني: هو ان الأب ـ الإله لم يتحول الى سلطة كلية بعد وبالتالي الى مصدر لانتاج ثقافة الخوف كثقافة اجتماعية بل ان الأب كما يخبرنا فرويد كان ضحية الابناء وكان يستعاد في تحيينات دورية طوطمية تختلف عن دلالاتها الاجتماعية كما سنرى...
لاحقاً وبالرغم من اول انقسام كبير في تقسيم العمل رافق (مرحلة الزراعة, الاسطورة), الا ان انشقاقات وحدة الوجود والوعي المطلق (البدائي) لم تؤسس لثقافة خوف اجتماعية عامة, بل ان جرأة الانسان زادت مع اكتشافه النار والحديد وزيادة السيطرة على الطبيعة.
والملاحظ في هذه المرحلة, انه وبالرغم من تبلور الاسرة والملكية الخاصة والدولة, الا ان الأب - الإله ظل ضحيتها, وكان الابناء (الخلق) اكثر جرأة في تحدي هذه السلطة...
صحيح ان هذه المرحلة, حسب فرويد, هي التي أسست للخطيئة والعقاب الا انها لم تؤسسها على الخوف بل على الندم وظل الابناء وهم يستعيدون جريمة قتل الأب, الإله في القرابين والأعياد الدورية ظلوا يفعلون ذلك خارج منظومة الخوف بل من اجل التوحد معه او فيه.. وكان أبرز مؤشر على ذلك الطبيعة الاستدعائية للقربان وليس الطبيعة الاسترضائية.

*********
المرحلة التي أسست لثقافة الخوف الاجتماعي هي مرحلة الانتقال من التعدديات الأمومية المختلفة, القبائل, المعتقدات, الى مرحلة المركزة البطركية, مركزة السلطة والثروة والمعتقد, ابتدأت بالديانات, وانتهاء بالرأسماليات المعاصرة حيث اختلفت قيمة ودلالة الدورة الفرويدية السابقة اختلافاً تاماً.
أولاً: بالنسبة للخطيئة قد لا يكون صاحب الطوطم والتابو, عالم النفس الشهير, فرويد, على حق تماماً وهو يعيد التداعيات العالمية الدارجة في احتفالات الندب الجماعية الى خطيئة قتل الأب.. ولكنه على الاقل اعادها الى خطيئة ما .. وهو ما لم تكذبه الاساطير والطقوس القديمة وهي تعتلي الوعي المعاصر بتجليات مماثلة.
ومقابل قتل الأب (أوديب) في المرحلة السابقة فإن الأب في هذه المرحلة هو الذي يقوم بقتل الابن او تعذيبه كما حدث مع المسيح وأيوب.
ومقابل الحضور السابق للمرأة - الأم فانها في هذه المرحلة ليست سوى ضلع من الرجل ومسؤولة عن اغواء الرجل واسقاطه من الجنة.
كما ان انفصال السماء عن الارض, الانسان عن الطبيعة في هذه المرحلة لم يكن بداية لاستقلال الانسان ومعرفته كما في الاسطورة بل كان عقاباً له في التاريخ لانه صار عارفاً وبالتالي آثماً وبالتالي خائفاً وسنرى لاحقاً ان المعرفة الجديدة شقاء تاريخي مركب من العقوبة والندم والتوق للعودة الى جنة الأب السماوية هكذا مقابل الخطيئة القديمة أياً كان سببها, نتحدث في أمورنا وامور الناس عن الفساد والقمع والخيانات التي ولدت الهزائم في رحمها كبذور شيطانية.
الاشتراكيون يعيدون الهزيمة الى خطيئة النظام الرأسمالي, والرأسماليون الى خطيئة النظام الاشتراكي.
وهكذا دواليك .. القوميون واليساريون والاسلاميون .. اتهامات متبادلة مشفوعة بالمرجعيات الوفيرة والفتاوى الجديدة. ثمة تفاحة آثمة في كل مرة ترتب عليها كل ما ترتب.
ثانياً: العقاب: وهو هنا بخلاف العقاب الموضوعي (القدر اليوناني) فهو شكل من الاخصاء الروحي, من الجفاف السماوي في الشرق الى المرض في العصر الفيكتوري.
انه الخوف العام, على الارض, داخل الانشقاقات الكبيرة لوحدة الوجود, وداخل التاريخ بوصفه سياقاً شيطانياً وعقاباً على النكران والجحود القديم في الجنة المفقودة.
وهو خوف عام مصدر من الخارج الى الداخل وعبر الرقابة المباشرة لل**** الأرضي وسلسلة من محظورات الهيمنة وقيم القوة السائدة المسوقة على شكل معايير اخلاقية حيث تحل اللعنة عبر القاصد الشيطاني كعقاب محتوم لاراد له. في الاساطير اتفاق مبدئي على الصورة اياها .. القناع الاسود والفأس المعقوفة في رؤيا حزقيال ودانيال.. وقبلها الوحش المائي, والنتيجة معروفة.. الخروج من الجنة في تأويل ما, لما ذكرته الكتب المقدسة.
ما يحدث عربياً اختبار ما ايضاً... فالهزيمة شكل من العقاب الخارجي.. والشيطان واضح الملامح هذه المرة بفأس جديدة أكثر تدميراً وتقنية. ومن السهل الاضافة هنا ما يتيسر عن الخروج من الجنة الى الخروج من الارض نفسها: الجولان, سيناء, الضفة الغربية العام 1967, لبنان 1982.
ومما يغري بالدلالة في هذا المقام, خروج الفلسطينيين عبر البحر مقابل الكذبة اليهودية الشائعة عن العودة الى فلسطين عبر البحر ايضاً في حكاية العصا مرتين.. مرة من مصر, ومرة عبر مخاضات اريحا.

ثالثاً: الندم اذا كان القربان الاستدعائي هو عنوان الندم في المراحل السابقة فان القربان الاسترضائي القائم على الاخصاء والاذلال والخوف هو عنوان هذه المرحلة...
وعلى الانسان ان يكون في حالة ندم سرمدية وخوف دائم من أجل الخلاص.... ومن تجليات ذلك في الحالة العربية ما تتيحه من احالات خارجية وداخلية تضيع فيها الحدود بين التراجيديا والكوميديا وخصوصاً في حالات الاستخذاء المبجل التي تختصر السيكولوجيا العربية في انفصامات قلّ نظيرها في علم النفس الاجتماعي.
وسنرى كيف اعادت المجتمعات البطركية انتاج ثقافة الخوف المذكورة حتى في حقبتها الرأسمالية التي تنسب الى نفسها الحرية.
ورغم ان هذه الحقبة تنطوي على ثقافة تمايز واضح بين الطبقة الرأسمالية الاصلية في الشمال الاشقر.. وبين الطبقة الكولونيالية جنوب العالم, الا ان ثقافة الاخصاء والاقصاء وترجمتها الاجتماعية ثقافة الخوف, ظلت اهم القواسم المشتركة بين الطبعتين بوصف الرأسمالية حقبة طبقية بطركية بامتياز.
فليس صحيحاً ان الغرب حرر نفسه مقابل استمرار الاستبداد الآسيوي, فكل ما هناك ان شكل الاستلاب والخوف قد اختلف وفق السياقات الاجتماعية (المتقدمة في الغرب) (والمتخلفة في الشرق) وبالتالي فان العمل على الاستعارة الاستشراقية للنموذج الغربي لتحرير الشرق, استعارة بدون معنى, وتتجاوز ملاحظات ادوارد سعيد التي تسجل على الغرب احتكاره للحرية لنفسه .. فالغرب أيضاً ما دام رأسمالياً, فهو أسير خوفه واستلابه الخاص.
في الطبقة الرأسمالية الأصلية, ثمة استبدال للبنى السابقة عبر الثورتين الكبيرتين, الثورة الصناعية التي ارتبطت بالتنوير والحداثة ومدارسها, والثورة المعلوماتية التي ارتبطت بالتفكيكية وما بعد الحداثة.
لقد تمكن الغرب فعلاً بفضل هاتين الثورتين من تحطيم البنية الجمعية السابقة لصالح انقلاب مزدوج, الفرد والمجتمع, لكنه لم يشطب خوفه واستلابه بل حوله من استلاب وخوف واخصاء انثروبولوجي الى اخصاء سلعي, كما حول المرأة على حد تعبير داكو الى ذكر برجوازي ولم يحررها فيالواقع.
ان الرأسمالية بدل ان ترتقي بفردية البشر سحقتها وحولتها الى كائنات بيولوجية وفق المدرسة الامريكية النفعية وقبلها مدرسة فيينا اليهودية التي بجلت العقل الصوري الميكانيكي..
وكان الاخطر من كل ذلك هو تبدياتها السياسية في لوياثانات هوبز التي لم تقدم لنا عقداً اجتماعياً للحرية بل اعادت انتاج(الاستبداد الاسيوي) وثقافة الخوف بأشكال رأسمالية..
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59