عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-04-2012, 01:44 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي وجه الرأسمالية الجديد


توفيق المديني


وجه الرأسمالية الجديد
- دراسة -



من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق – 2004


المقدمة
واجهت الرأسمالية على الدوام انتقادات من مدارس فكرية متنوعة, ولكن ذلك لم يمنعها من الإستمرار والإزدهار. وكانت الكنيسة أول من انتقدها في بداية القرن التاسع عشر. وفي أواسط القرن عينه, كتب ماركس كتاب "الرأسمال" وفيه نقد جذري وجدلي للرأسمالية.
واليوم في مطلع القرن الحادي والعشرين، مازالت المؤلفات التي تنتقد النظام الاقتصادي العالمي الراهن – النيوليبرالية المظفرة- والسلطة المتزايدة للأسواق, قليلة، بل إننا شهدنا في جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة كيف أن أرباب العمل وكبار الموظفين الدوليين كما المثقفين أصحاب الحضور الإعلامي والصحافيين الألمعيين, يمتدحون نظام العولمة الرأسمالية، والاقتصاد الجديد.
وقد جاء هذا المديح في سياق إنتشار اللغة الكونية الجديدة، التي ترفض توجيه نقد صريح وواضح إلى النيوليبرالية، أو الرأسمالية الجديدة، والطبقات المالكة للثروة , و الإستغلال والسيطرة والتفاوت الاجتماعي، بإعتبارها مفاهيم أعيد النظر فيها بشكل قاطع بحجة بطلانها أو وقاحتهاالمفترضة, نتيجة هيمنة إمبريالية رمزية قبل كل شىء متمثلة في الخطاب النيوليبرالي المنتصر. ومايزيد مفاعيل قوة وضرر هذا الخطاب أن من يشيعه ليس فقط دعاة الثورة النيوليبرالية الذين يريدون تحت غطاء " التحديث" إعادة صنع العالم بالقضاء على المكتسبات الإجتماعية والاقتصادية الناتجة عن مئة عام من النضالات الإجتماعية والتي باتت توصف كأنها تقاليد قديمة أو معوقات في وجه الرأسمالية الجديدة, بل أيضا منتجون ثقافيون من اليسار مازالت غالبيتهم تعتبر نفسها تقدمية، لكنها محبطة مع إنهيار تجربة "الإشتراكية المشيدة " في الإتحاد السوفياتي, التي بد ت صالحة في مرحلة ما من القرن العشرين .
العالم بحاجة اليوم إلى وقفة هادئة ومتأنية تحاول أن تقدم بحثا نقديا وعلميا حول طبيعة الواقع الموضوعي للرأسمالية المعاصرة التي تجدد نفسها في المراكز المتقدمة، بهدف ضمان إستمرارية سيطرة علاقات الإنتاج على قوى الإنتاج، وإعادة إنتاج هذه العلاقات الرأسمالية على الصعيد الكوني .و يعتبر نظام الإنتاج الرأسمالي في طوره الراهن نظاماً مهيمناً, ويشكل قاسما مشتركا بين البشر جميعا، ويمتد في كل مكان, ويخص الجميع على كل مساحة الكرة الأرضية. والعولمة الرأسمالية الحالية تقدم نفسها على أنها مشروع جديد ذو توجه كوني، وتهدف إلى توحيد العالم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ويقدم منظرو العولمة على أن النيوليبرالية الكونية، تمثل صخرة التوجه الإنسانية، وذات قيمة إيجابية بإبراز دور الرأسمال الدولي، المتمثل بالمؤسسات المصرفية والمالية الدولية, والشركات المتعددة الجنسيات، والمستندة إلى أكثر القوى الإنتاجية تقدما في عصرنا الراهن، عصر الثورة المعلوماتية ( الأتممة المعقدة جدا, والإلكترون, والذرة, وإستخدام الكومبيوتر والانترنت إستخداما مذهلا في مختلف مجالات الحياة), عصر ثورة التكنولوجيا العالية في التسعينات من القرن العشرين وما بعدها, ومع التقدم غير المسبوق خاصة في تكنولوجيا (المعلومات- الإتصال), وبالأحرى(الإتصال-المعلومات),حيث أخذت التكنولوجيا المتقدمة الرقمية للإتصالات من البعد تحدد مدى إنتشار تكنولوجيا المعلومات, عن طريق الإنطلاق إلى آفاق جديدة.
النيوليبرالية الرأسمالية الغربية التي انتصرت على الماركسية والإشتراكية في نهاية عقد الثمانينات وقعت هي الأخرى في فخ لاهوت الخلاص وميكانيزماته الذي وقعت فيه الماركسية حين طرحت نفسها على أنها إيديولوجية خلاص البشرية. فالمعتقد الماركسي يقول إن المحرك الرئيس لهذا الخلاص ليس الشعب، وإنما طبقة البروليتاريا أخص منتجات الصناعة الرأسمالية، التي يجب أن تتحد في الكون كله من أجل تحقيق سعادة البشرية وإيصالها إلى "أرض الميعاد" أي الشيوعية, حيث الرفاه والمساواة للجميع. والنيوليبرالية تقول الشيء ذاته معكوسا، حيث لم تعد البروليتاريا هي منقذة البشرية بل الشركات المتعددة الجنسية ورجال الأعمال والبيزنس، والمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة, التي صارت حارس المعبد ومديروها الرهبان الكبار وأنبياء البشرية الجدد,إجتماعات زعماء وقادة الدول الصناعية الثمانية (G8) التي باتت تشبه إجتماعات اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية الكبرى التي كانت تقاريرها الصادرة عنها بمنزلة الكلام المقدس.

-1-
لقد مثلت الماركسية في عهد ماركس أول حركة فكرية نقدية جدية للرأسمالية في مرحلتها الأولى، مرحلة الثورة الصناعية الأولى. وقامت الصناعة الكبيرة بفتح السوق العالمية التي كان اكتشاف أمريكا قد مهد الطرق إليها. وهكذا كما يقول سميرأمين, بدأت مسيرة التدويل الكونية منذ خمسة قرون باكتشاف أمريكا( ). فالاقتصاد الرأسمالي العالمي قائم منذ ما لايقل عن خمسمئة عام.و ارتبطت الثورة الصناعية بطريقة إنتاج جديدة لم يعرفها التاريخ من قبل, هذه الطريقة كانت نمط الإنتاج الرأسمالي. وبعكس التشكيلات الإجتماعية الراكدة بأهدافها الكثيرة المتلازمة, المنصبة على إرضاء دينامكية الاقتصاد في الرأسمالية تستند إلى تكامل الوسائل من خلال الهدف المشترك, ألا وهو جني الأرباح. هذا التكامل يشد الوسائل إلى نظام مرتبط يهدف, ويفضي إلى تطورها وتبدلها المستقل. ولقد كمن الدور التاريخي لنمو الإنتاج الرأسمالي في " مركزة وسائل الإنتاج المبعثرة والضيقة, وتوسيعها وتحويلها إلى روافع ذات أثر جبار في إنتاج الحاضر"( ).
ولم تعرف دينامكية الرأسمالية حدودا, بل ودمجت العالم بأسره في نظامها، مخضعة البلدان التي كانت تسيطر فيها أنماط إنتاج ماقبل رأسمالية, لهيمنتها. لقد جعل نمط الإنتاج الرأسمالي "الشرق تابعا للغرب" و تطورت الكولونيالية كظاهرة ملازمة للرأسمالية, بقدر ما تطورت هذه. وأصبحت العلاقة بين المستعمرات والبلدان الرأسمالية المتقدمة في الغرب علاقة ترتبط بنهب المستعمرات وإثراء المتروبولات الرأسمالية.
وكان ماكس فيبر قد عزا نشوء الرأسمالية إلى حركة الإصلاح الديني وظهور الأخلاق البروتستانتية ف" التحرر من الإتجاه الاقتصادي التقليدي يبدو بمنزلة أحد العوامل التي ينبغي أن تفرز الميل إلى التشكيك أيضا بالتراث الديني, وإلى التمرد على السلطات التقليدية. غير أن المهم أيضا الإشارة إلى حقيقة منسية جدا هي أن الإصلاح الديني لا يعني بالتأكيد إزالة سيطرة الكنيسة بشكل نهائي على شؤون الحياة بل يعني بالأحرى استبدال القديمة منها بشكل جديد من السيطرة, وهي تعني استبدال سلطة متراخية إلى الحد الأقصى, وغير موجودة عمليا في حينه,بأخرى تخترق كل ميادين الحياة العامة والخاصة, فارضة تنظيما للسلوك شديد الوطأة والقساوة... إن البروتستانت قد أيدوا استعدادا خاصا للعقلانية الاقتصادية سواء كانوا يشكلون شريحة مسيطرة, أم شريحة مسيطرا عليها, الأغلبية أم الأقلية. وهذا ما لم يكن ملحوظا عند الكاثوليك, في هذه أو تلك من الحالات. بالنتيجة ينبغي ألا يبحث عن مبدأ الإختلاف في المواقف هذه فقط في الظروف الخارجية والمؤقتة ناريخيا واجتماعيا, بل أيضا في الطبيعة الملازمة للمعتقدات الدينية ومن داخلها( ).
وقد رأى ماركس أن المسيحية هي الدين المتناسب مع الاقتصاد السلعي." بالنسبة لمجتمع منتجي البضائع, حيث تتلخص علاقته الإنتاجية الإجتماعية العامة في أن المنتجين يعتبرون هنا منتجات عملهم بضائع, وبالتالي قيما, وحيث تقف أعمالهم الخاصة بهذا الشكل الشيئي تجاه بعضها البعض كعمل بشري متجانس, بالنسبة لهذا المجتمع يكون شكل الدين الأكثر ملاءمة هو المسيحية بعبادتها للإنسان المجرد ولا سيما في مظاهرها البرجوازية كالبروتستانتية والربوبية :..الخ"( ).
وإذا كان ماركس لم يعز نشوء الرأسمالية إلى البروتستانتية أو اليهودية، إلا أنه تناول العلاقة التاريخية بين اليهودية ونشوء الرأسمالية, وقال:" مع إنتصار المجتمع البرجوازي, الشعوب المسيحية صارت يهودية. تناقض المسيحية واليهودية هو تناقض النظري والعملي, الشكل والمحتوى, الدولة السياسية والمجتمع المدني"( ). اليهودية التي يعنيها هنا هي دين المال, وعبادة المتاجرة, المال هو إله "إسرائيل" الغيور. الأساس الدنيوي لليهودية هو الحاجة العملية, والمنفعة الشخصية, " اليهودية بقيت ليس رغم التاريخ بل بالتاريخ".و لذلك رأى أن عتق اليهودي هو عتق المجتمع من اليهودية.
لقد انصب جهد ماركس النظري على نقد الرأسمالية في مراحلها الإنتقالية الأولى التي مرت بها الميركنتيلية أو الرأسمالية التجارية، ثم الرأسمالية الصناعية، حيث كان التوسع الصفة الملازمة للرأسمالية في الماضي والحاضر. إلا أن التوسع الرأسمالي مختلف عن توسع الإمبراطوريات القديمة في منطقه وآلياته ووتائره ووسائله. فقد بدأ التوسع الرأسمالي مع تنامي النزعة التجارية، الميركنتيلية, التي قادت إلى إستعمار معظم البلدان المتأخرة.
وبعد أن خلقت الرأسمالية الغربية, أول مرة في التاريخ ,تجارة الجملة بالضروريات, التي سرعان ما حلت محل التجارة التقليدية المحدودة بالكماليات, توسعت الهيمنة الغربية عبر الحصول على المستعمرات التي تنتج المواد الخام الضرورية لتغذية آلة الإنتاج الرأسمالية في المتروبولات. وبذلك أخضعت مصالح المستعمرات آليا إلى مصالح المتروبولات الرأسمالية في الغرب.و اتخذ التطور الرأسمالي منذ عمليات التراكم شكل نهب الداخل ونهب الخارج، وأطلق حركة لا تني تنشط وتتقدم، أعني حركة تدمير البيئة وتدمير الإنسان. فالنزعة البرميثيوسية التي وسعت إنطلاق الرأسمالية دفعت البشرية إلى مفترق إما تدمير العالم, وفناء الجنس البشري, أو تغيير النظام العالمي القائم.
على أنه ينبغي توكيدأن التجارة لا تشكل جوهر الرأسمالية, حتى في مرحلتها الأولى الميركنتيلية, إلا بوصفها جزءا لا يتجزأ من عملية الإنتاج الرأسمالي, لحظة من لحظاتها المترابطة والمتكاملة. فالتبادل والتداول يتخذان شكل التجارة ويشكلان المجال الذي يتظاهر فيه الطابع الإجتماعي- الإنساني للإنتاج عموما وللإنتلاج الرأسمالي خصوصا. وماهذا الطابع إلا الشكل الموسع والمعمم للطابع الإجتماعي للعمل بوجه عام. إن التجارة اقدم عمرا من الأسلوب الرأسمالي للإنتاج. ورأس المال التجاري أقدم شكل حر لوجود رأس المال من الوجهة التاريخية- حسب ماركس- إلا أنه " في ظل النظام الرأسمالي يتم إنزال رأس مال التاجر من وجوده المستقل السابق ليلعب دورا لا يكون معه سوى لحظة خاصة من لحظات استخدام رأس المال عموما. وتختزل مساواة الأرباح معدل ربحه إلى المتوسط العام, وينشط هذا الرأسمال بوصفه محض تطور رأس مال التاجر فلا تعود هي الحاسمة الآن... إن القانون الذي ينص على أن التطور المستقل لرأسمال التاجر يتناسب تناسبا عكسيا مع درجة تطور الإنتاج الرأسمالي يتجلى بسطوع خاص في تاريخ تجارة الوساطة,carrying trade كما جرى مثلا على يد اهل البندقية وجنوا وهولندا الخ حيث كان الربح الأساسي يتأتى لا عن تصدير المنتجات المحلية بل عن طريق توسط مبادلة المنتجات بين مجتمعات لم تتطور بعد تجاريا واقتصاديا عموما"( ).
إن تعاظم الثراء في البلدان الرأسمالية الغربية مع إنفصال الصناعة المدينية عن الزراعة، وتثوير الصناعة والتجارة على الدوام، وخلق سوق عالمية جديدة، ونهوض أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وتفاقم الفاقة في الغالبية الساحقة من البلدان, تطور هذه وتأخر تلك, هي قوانين رأسمالية تتوافق مع " الفعل ا لكولونيالي", الذي يرى أن " المستعمرات يجب أن يعاد تكوينها لصالح وفي سبيل أوطانها الأم".
لاشك في أن الرأسمالية منذ بدايتها، وهي تسعى لنقل أسلوبها للإنتاج إلى خارج حدودها في الوقت نفسه الذي كانت تسعى إلى مصادر الخامات والموارد وأسواق التصريف والإستثمار في الخارج. هذه الرأسمالية التي أحدثت عند قيامها ثورة هائلة في تنمية القوى الإنتاجية تمثلت في الثورة الصناعية, كانت تسعى دائما إلى إدماج العالم كله في سوق رأسمالية واحدة. ولقد ظهر التفاعل المستمر بين تطور الإنتاج والسوق العالمية منذ المراحل الأولى من ظهور الرأسمالية, وكان هو الدور الحاسم في هذا التفاعل للصناعة الرأسمالية... فالسوق العالمية ذاتها تؤلف قاعدة أسلوب الإنتاج هذا( ).
ويرى ماركس أن سيرورات التفكير وإنتاج المعارف لا يمكن أن تكون غير مرتبطة بعلاقات العمل والإنتاج.فالتفكير النقدي الحقيقي بالنسبة إلى ماركس، يجب أن يقدم البرهان عن مقدرته على تحليل الواقع الإجتماعي والطريقة التي ينخرط الأفراد بواسطتها فيه. ونقد الإقتصاد السياسي هو نقد لتناقضات العمل، وفي الوقت عينه للإقتصاد حيث تعقد وتتبلور علاقات إجتماعية وعلاقات بين أشخاص يدعوها ماركس مجردة.و في شكل عام لا يركز هذا التفكير على لا عدالة الرأسمالية ولا إنسانيتها, إنما على ما يشكل ويميز الرابط الإجتماعي. والقيام بنقد الإقتصاد السياسي يعني إذن إبراز شروط النقد الفاعل وتقديم طرق التفكير في طريقة مختلفة.
ويبين ماركس المحددات الشكلية لحركات رأس المال ولتحولاته كمظاهر للقيمة, وأن العمل بالنسبة إلى رأس المال ليس معطى أنتروبولوجيا، بل نشاط يطرح قيمة ويشكل جزء من رأس المال نفسه, وأن القدرة على العمل ليست سوى عنصر في حركة رأس المال وإنتاجه. إن العلاقة الاجتماعية أضحت علاقة رأس المال مع أن العمل المتموضع يمتلك عملا حيا, وأن الحقيقة يطرحها رأس المال وهي نتيجة له, وأن أشكال القيمة تتأكد كعناصر مكونة لأشكال حياة الأفراد والمجموعات, وأن المجال الحيوي بات محددا بالمنا فسة والمال, وأن الأشخاص متساوون كمبادلين للقيم وأحرار في مبادلاتهم, وأن الإستقلالية الفردية لا تقوم بدورها إلا في المجالات المفتوحة حيث سلسلة الإرتباطات الموضوعية التي يخضع لها الأفراد. ولاينفي ذلك وجود مقاومات لعملية إعطاء القيمة.
ويتحدث ماركس عن خضوع الأفراد في علاقاتهم لدينامية رأس المال, ويعتبر أن نشاطهم يندرج ضمن الحقول التي ينتجونها أو يستهلكونها وهي مكونة من رأس المال, وأن الأشخاص هم أشخاص رأس المال, وذاتيتهم موجهة نحو أهداف رأس المال, وكل الأجراء الخاضعين للإستغلال يتلقون يوميا عنف رأس المال, عنف إدخالهم في رأس المال, والعنف الممارس على أجسادهم ونفوسهم. وهذا العنف حاضر في العلاقات الاجتماعية, ويحمل نفيا له في ثبات, ويرجع إلى ضغوط موضوعية" اقتصادية " و"طبيعية".و ينجح الرأسمال المهاجم هذا حين يدفع الشخص المهاجم ( بفتح الجيم) إلى الشعور بالذنب وحين يحول ضده وضدمحيطه جزءا من العنف المفترض أن يواجهه.و في الوقت نفسه, فإن الخاضع لرأس المال, مهدد في كل لحظةبأن يفقد قيمته(قدرته على العمل وممتلكاته) وعليه أن يخوض حربا من أجل الإعتراف الاجتماعي به, أي من أجل إعطائه قيمة, في نظره وفي نظرالآخرين. وهذه الحرب التي تظهر آمالا وخيبات أمل وتراجعات متتابعة هي مصدر إذلال غير محدد. ولكي يبعد الأفراد عنهم الألم, فإنهم لا يرون ماذا يفعلون وماهم عليه لأنهم غارقون قي ذاتيات متفرقة, وهم يلجأون إلى أشكال مختلفة من الهرب والتسامي( ).
في معرض نقده الاقتصاد السياسي ينتقد ماركس المقولات الاقتصادية ونظام الاقتصاد الرأسمالي، ويكشف وظيفة رأس المال في مظاهرها المتناقضة, ويوضح التباعد والإرتباط بين القيمة والسعر وفائض القيمة والربح وسيرورات القيمة. ويرى ماركس أن النقد يجب أن يقود إلى إنتاج معارف جديدة, وأن يفتح الآفاق نحوإعادة امتلاك الذكاء المصادر من حركات عملية إعطاء القيمة.
لم يجعل ماركس من الصراع الطبقي مفتاح قراءة كل المجتمعات, كما لم يبن مفهوم الإنتاج الاجتماعي على قاعدة الإنتاج وإعادة إنتاج الحياة( الشرب والأكل والسكن)بل على قاعدة إنتاج وإعادة إنتاج الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية ( وهذا مايوجب بداهة المادي والرمزي).ويرى ماركس أن الثورة في نظره تعني التحول الشامل للعلاقات الاجتماعية وأن هذا التحول ممكن لكنه ليس أمرا حتميا.فتناقضات الرأسمالية هي التي تخلق ضرورة تغير المجتمع. بيد أن الأمر لا يتعلق بضررورة الممكن المرتبطة بحدث القطيعة الذي يتسبب به الفعل الجماعي.و مفهوم الثورة عند ماركس لا يحمل معاني محددة في الحاضر بل يمتد إلى المستقبل.
ويعتبر ماركس أن إدراك زمن المفهوم وتأثيره والبنى المتوافقة معه يتم من خلال التطور التاريخي. وبذلك فإن مفهوم الثورة لا يعبر عن العلاقات التي يدركها فحسب، إنما يشكل أحد عوامل تلك العلاقات، فيفتح المفهوم بعض الأفاق ويغلق بعضها الآخر. ويشكل هذا النفي للمفاهيم المغلقة على نفسها المسار العلمي لماركس. ومن ناحية ثانية لا يعني تطور المفهوم عدم تحديد المعنى.فكثرة المعاني لا تلغي منطق الحركة الخاصة بالمفهوم، وقد تحمل بعدا مضمرا يرجع إلى لا وعي الأفراد والمجموعات.و قد يحمل المفهوم شيئا من الإنسجام ومن التناقضات, لكن المفاهيم تظل بشكل عام غير حيادية، بما أنها تصاغ وفق رؤية إجتماعية مهيمنة.
ويقدم الكاتب دنيز بر جيه مساهمته مع عدد من المؤلفين في كتاب مشترك حمل العنوان التالي" ماركس بعد المذاهب الماركسية" الجزء الثاني:إذ يرى أن تعايش نظرتين للتاريخ في مؤلفات ماركس وإنغلز, إحداهما إحتمالية أوجدتها خصوصيات التطور التاريخي لكل تشكيلة إجتماعية ومبادرات المجموعات الإجتماعية المتصارعة, وأخرى طبيعية تفكر في المجتمع وفق معايير علوم الطبيعة وتشير إلى الحتمية. ومن العبث تصنيف مؤلفات ماركس وإنغلز تبعا لهذه الثنائية, لأن هذين المفهومين متعايشان في معظم الأحيان. وتتوافق النظرة الطبيعية أو النظرة الحتمية ذات السببية الأحادية مع المعايير المسيطرة في ذلك العصر, مما أوقع ماركس في فخ التعريفات التي تضع الحقيقة المتناقضة في إطار جامد, رغم العودة إلى الجدلية. وينطبق هذا الأمر على فكرة الثورة التي قدمت كحركة طبيعية أو كنتيجة لتناقضات "موضوعية" للرأسمالية. ورغم أن هذا المعنى للثورة يعبر عن نظرة ميكانيكية( الثورة نتيجة الأزمات وتدهورالاقتصاد), إلا أنه يقطع مع الإرادوية التي كانت تميز الكثير من ثورويي القرن التاسع عشر. وحول موضوع وحدة الاجتماعي والسياسي, ثمة إتفاق في الرأي بين دنيز برجيه وكارل كورش حول أنه ليس من من المؤكد أن ماركس وإنغلز منحا أهمية كبيرة للإستقلالية البروليتارية أو للنموذج الجاكوبي في إجتياح الديمقراطية. فمصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا" الذي يثير الغموض صاغه ماركس للتأكيد على الدورالتاريخي للطبقة العاملة.لكن ومع ذلك، يبقى هذا المفهوم فكرة مجردة بلا أساس.و في هذا الشأن، لم يتمكن لينين من تجاوز ثنائية الديمقراطية غير المباشرة والديمقراطية المباشرة. واختصارا, ثمة في إطار مفهوم الثورة نقص في تحديد المصطلحات ونقص في التحليل الجدلي. وحول موضوع الدولة إشارة من برجيه إلى الصعوبات التي واجهت ماركس وإنغلز لناحية عدم تمكنهما من صوغ نظرية متكاملة, فالدروس التي استخلصاها من كومونة باريس لا تسمح بإصدار تعميمات مفاهيمية. ورأى برجيه في إطار الحديث عن الإستغلال والقمع أن الإستغلال لا يولد القمع بل يتحد معه, كما أن ماركس وإنغلز جمعا بين الإستغلال والقمع, فالأساس بالنسبة إليهما هو تمركزالإستغلال( ).
و فيما يرى إنغلز أن مؤلفات ماركس هي مؤلفات تامة لا تناقض فيها بين البرنامج والفعل ولا تردد حول الطريق المفترض اتباعه للتقدم في النقد, وهي تقدم في نظره, تفسيرا شاملا للتاريخ والمجتمع يكفي أن نغذيه بوقائع جديدة وتنظيرات ثانوية كي نتممه ونجعله عمليا أكثر,و يرى نقاد الماركسية أن ماركس لم يتحدث البتة عن طبقات كأشخاص فاعلين أو كممثلين جماعيين يتدخلون على نحو واع في العلاقات الإجتماعية. فالطبقات في نظر ماركس هي مركبات من السيرورات والحركات الإجتماعية التي لا يمكن تشبيهها بكيانات ثابتة, والطبقات هي في إعادة بناء دائمة بفعل تراكم رأس المال ودورانه. ويمكن الإشارة إلى التغيرات التي تصيب العلاقات بين مختلف عناصر البرجوازية, والتغيرات التكنولوجية, والتغيرات التي تشمل طبقة المأجورين (أولئك الذين ينتجون فائض القيمة) لنواحي تراتبية المهمات والأهلية وطرق التكون وطرق الإنخراط في العمل وعمليات الإنتاج..و تتجدد هذه الطبقة من خلال الهجرات والحركية الإجتماعية.
ويرى جان ماري فنسان أحد النقاد الجدد للماركسية، أن الطبقات تتجابه وترتبط فيما بينها في طرق مختلفة, وهي وسيطة مع رأس المال, وتنقل حركات رأس المال وتتكيف معه. والمنافسة بين الأفراد والمجموعات هي القاعدة ... ويشيرجان ماري فنسان إلى التفسيرات الخاطئة للماركسية لناحية القول بأن تطور المجتمع الرأسمالي يقود إلى الإشتراكية من طريق سيرورات شبه طبيعية ( تمركز رأس المال), في حين أن ماركس امتدح الوحدة الأخوية للعمال وأظهر أهمية المبادرة الإجتماعية التي تسمح للشعب بأن يحدد حياته الإجتماعية الخاصة بنفسه( ).
-2-
في عصر الإمبريالية التي تمثل " ضرورة لازمة" لنمط الإنتاج الرأسمالي، ومرحلة محددة من سيرورة إعادة الإنتاج الموسع لعلاقات الإنتاج الرأسمالية على النطاق العالمي, طور لينين نظرية الإمبريالية في كتابه " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية". لكن لينين استند في نقده للإمبريالية إلى الأطروحات النظرية التي طورها الماركسيون النمساويون ( أوتوباور ورودولف هيلفردينك) بسبب تباين التطور الإقتصادي في أقاليم الإمبراطورية النمساوية, وبسبب تدخل القوى الرأسمالية في مناطق الدانوب والبلقان الأوروبية.
لقد طور أوتوباور نظرية للإمبريالية تتركز حول المظاهر الجديدة ونظرية التبادل غير المتكافىء ونظرية التبعية. ويكتشف أوتوباور التبادل غير المتكافىء عند محاولته الوصول إلى تفسير للهوة التي تفصل بين البلدان الألمانية وبلاد التشيك, حين يقول:" لا يستغل رأسماليو المناطق العالية التطور عمالهم فقط بل إنهم يستحوذون بشكل دائم على جزء من فائض القيمة المنتج في المناطق الأقل تقدما من الناحية الاقتصادية"( ).
أما علاقات التبعية فقد تكونت عن طريق تصدير رأس المال الذي يبحث عن أعلى معدل للربح:"و هكذا فتحت مجالات إستثمار جديدة للرأسمالية...إن رأس المال يتدفق دائما نحو الأماكن التي يكون فيها أعلى معدل للربح". ولم تكن علاقات التبعية إقتصادية فقط ( التبادل غير المتكافىء) بل سياسية وإيديولوجية أيضا: علاقات في الحقوق والواجبات "الثقافة" الأعلى أو " العنصر الأرقى".
وإذا كان رودولف هيلفردنك الماركسي النمساوي قد" تخلف" عن تحليل أوتو باور فيما يخص التبادل غير المتكافىء والتطور الإقتصادي, إلا أنه طور التحليل فيما يخص تحليله لطبيعة الإمبريالية، الذي يعتبر الأكثرأهمية، فيما يتعلق بالمسائل التالية:
-" اندماج" الرأسمال المصرفي والرأسمال الصناعي في الرأسمال المالي الذي مثل المحفز لتكون الكارتلات والتروستات:
-إستراتيجية تطور الكارتلات والتروستات_ الإشارة الأولى لإستراتيجية المؤسسات المتعددة الجنسيات- فيما يخص قانون اتجاه معدل الربح نحو الإنخفاض والسيطرة على الأسعار.
- "السياسة الاقتصادية" للرأسمال المالي: تصدير رأس المال.
وكان هيلفردنك أصدر كتابه عن االرأسمالية الإحتكارية عام 1910 وسماه " الرأسمال المالي"، ويقول عن أهداف كتابه إنها محاولة" لتقديم تفسير علمي للظواهر الاقتصادية لتطور الرأسمالية الحديثة... وأن ما يميز الرأسمالية "الحديثة" هو ظواهر التركزالتي تظهر " بإلغاء المنافسة الحرة" بواسطة الكارتلات والتروستات من جهة, وبإرتباط يزداد وثوقا بين الرأسمال المصرفي والصناعي من جهة أخرى. ويأخذ رأس المال عن طريق الترابط هذا, وكما سنبين لاحقا, شكل رأس مال مالي الذي هو الشكل الأعلى والأكثر تجريدا لرأس المال "( ).
و يعرف هيلفردينك الرأسمال المالي على النحو التالي : " أطلق على الرأسمال المصرفي – الذي تحول حقيقة، بهذه الطريقة, من رأسمال بشكله النقدي إلى رأسمال صناعي- الرأسمال المالي". وتحتل مهمة تحريك وإستخدام رأس المال الصوري – النقود- بواسطة المصارف الجزئين الأولين من رأس المال المالي لهيلفردنك الذي كتب بهذا الخصوص: " من اجل تركيز رؤوس الأموال في مشروع ما فإن على الشركة المساهمة أن تجمع رأسمالها بمساعدة رؤوس الأموال المتفرقة التي قد يكون كل منها عاجزا بمفرده عن العمل في الصناعة, سواء كان ذلك بصورة عامة أو في فرع صناعي يكون من إختصاص الشركة المساهمة, ولكن يجب الإنتباه إلى أن تجميع رؤوس الأموال هذه يتم في البداية بالأساس عن طريق دعوة رؤوس الأموال الفردية. وبعد التطور يتم تجميع رؤوس الأموال المتفرقة وتركز المصارف. لذلك يتم اللجوء إلى السوق النقدي بواسطة المصارف".و يضيف هيلفردنك :" ومع تطور الرأسمالية يزداد مجموع الأموال التي تضعها الطبقة غير المنتجة في خدمة المصارف التي تقوم بدورها بوضعها في خدمة الصناعة. وتكون الأموال الضرورية للصناعة في حوزة المصارف. وتزداد تبعية الصناعة للمصارف مع تطور الرأسمالية ومنظماتها التسليفية".
ويتم تجميع رأس المال الصوري - من زاوية "تداوله"- في بورصة القيم وبورصة البضائع. ولهذا يجعل هيلفردنك من البورصة " سوقا للرأسمال الصوري", أو مكانا " لتجميع رأس المال". ومن الطبيعي ألا تكون هذه الأماكن مستقلة عن المصارف, حيث يقول هيلفردنك:" ومع التركز المتزايد للنظام النقدي تنمو أيضا وبشكل هائل سلطة المصارف الكبيرة على البورصة وخصوصا في الفترات التي تكون فيها مساهمة الجمهور في البورصة ضعيفة. فإذا نظرنا إلى مجرى الأمور اليوم في البورصة, فإن علينا الكلام منذ الآن عن إتجاه المصارف الكبرى وليس إتجاه البورصة. ذلك: لأن المصارف قد جعلت, بشكل يزداد كل يوم, من البورصة اداة في خدمتها فتقوم بالتحكم بحرمانها وفق مشيئتها".
إذا كانت ميزة الشركة المساهمة هي فصل رأس المال عن وظيفة مدير المشروع الرأسمالي, فإن الرأسمال الصوري - النقدي - يستمر في المحافظة على وجوده الخاص وعلى حركته الخاصة المستقلة عن رأس المال الصناعي القائم. ويقول هيلفردنك في هذا الصدد: " ويستمر الرأسمال الأول المقدم من قبل المساهمين والذي تحول نهائيا إلى رأسمال صناعي على البقاء كما كان سابقا...فالسهم هو مستند للملكية ومستند للدين على إنتاج مقبل, وهو أيضا سند للدخل. وبما أن هذا الدخل قد أخذ شكل رأسمال, وبما أنه يتضمن ثمن السهم. فسيبدو وكأن رأسمالا ثانيا قد وجد في أثمان الأسهم. إلا أن ذلك ما هو إلا وهما خالصا. إذ ان ما يوجد حقيقة هو الرأسمال – الصناعي وفائدته...". " فبعد أن يتم إصدار الأسهم تفقد علاقتها بالحركة الحقيقية للرأسمال الصناعي الذي تمثله".
لقد حلل هيلفردنك في كتابه المهم "رأس المال المالي" إستراتيجية تشكل وتطور الكارتلات والتروستات في سيرورة تطور الرأسمالية الإحتكارية، إذ إن هذه الكارتلات والتروستات شكلت الحاضنة التاريخية لولادة الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسيات التي تشهدها الرأسمالية في طورها الراهن. وقد عزا هيلفردنك إستراتيجية تشكل الكارتلات والتروستات إلى إتجاه إنخفاض معدل الربح أولا, ومن أجل السيطرة على الأسعار والظروف( مسألة الأزمات) ثانيا.
ويذكرنا هيلفردنك، قبل كل شيء بأهمية سعر الإنتاج باعتباره عدم تكافؤ التبادل تحت غطاء ظاهر من تكافؤ الأسعار:" إن سيطرة جزء من المجتمع والإحتكار على ملكية وسائل الإنتاج للجزء الآخر يغير طبيعيا من التبادل, لأنه بواسطة التبادل فقط يمكن أن يظهر عدم تكافؤ أعضاء المجتمع. ولكن, بما أن التبادل هو علاقة تكافؤية فإن عدم التكافؤ سيظهر في هذه الحالة كتكافؤ لسعر الإنتاج وليس للقيمة كما كان سابقا, أي كنتيجة لعدم تكافؤ جهد العمل... في مجتمع يتساوى فيه معدل الربح, ويظهر تساوي معدل الربح أن ماهو مهم في المجتمع الرأسمالي هو رأس المال وليس غيره, لذلك لا تخضع عملية التبادل الفردي للشرط التالي: عمل متكافىء يساوي عملا متكافئا آخر ولكن تخضع لشرط: ربح متساوي لرؤوس الأموال المتساوية: وهكذا يستبدل تساوي العمل بتساوي الربح ويتوقف بيع المنتجات على أساس قيمتها ليتم بيعها على أساس كلفة إنتاجها".
إن ما تتميزبه الرأسمالية هو تحقيق أعلى ربح ممكن بوصفه هدف كل رأسمالي. ومنذذلك الحين يظهر اتجاه تساوي معدل الربح كضرورة لعمل نمط الإنتاج الرأسمالي, وهذا يقود بدوره إلى تحقيق عدم تكافؤ التبادل. كما أن الرأسمالي لا يستطيع أن يحتفظ بمركزه إلا إذا قضى على منافسيه وزاد من ربحه ليتجاوز المتوسط وليحقق بذلك ربحا فائضا. ويظهر اتجاه تساوي معدل الربح من خلال تداول رأس المال الصوري كالأسهم مثلا, أو من خلال جمع رأسمال صوري جديد ليحقق نفسه في رأسمال حقيقي, يقول هيلفردنك:"لأن سهولة حركة رأس المال لا تؤثر على الحركة الحقيقية لرأس المال المتجهة لإحداث تساوي في معدل الربح. فإن ما يبقى فقط هو جهد الرأسمالي للحصول على أعلى ربح ممكن. ويبدو هذا الربح الآن بشكل أكبر حصة أو أكبر سعر تحصل عليه الأسهم. وهكذا تتم الإشارة إلى الطريق الذي يمكن أن يسلكه الرأسمال الباحث عن الإستثمار". "و هكذا لايكون من الممكن تساوي معدل الربح إلا عن طريق دخول رؤوس أموال جديدة في مجال الإنتاج الذي يكون معدل ربحه أعلى من المتوسط, في حين يتعرض خروج رأس المال من مجالات الإنتاج التي تتضمن رأس مال ثابت كبير إلى مصاعب عديدة"( ).
عندما يميل اتجاه معدل الربح نحو الإنخفاض، يدفع هذا الوضع الصناعة " غير المكرتلة" "للتكرتل" للحصول على " فائض الربح" مما يدعم الإتجاه نحو التساوي في معدل الربح. ومن هذا المنطلق فإن استراتيجية تشكل وتطور الكارتلات والتروستات تسير في الواقع في الإتجاه المضاد لإتجاه معدل الربح نحو الإنخفاض.و بهذا المعنى يكتب هيلفردنك:" إن ما يدفع إلى التنسيق هو إختلاف معدلات الربح. فيرى المشروع الذي نسق أعماله مع المشاريع الأخرى غياب تقلبات معدل الربح, في حين يرى المشروع المنعزل تناقص أرباحه لمصلحة الآخرين...فإذا كانت معدلات الربح للمشروعين واحدة ولا تتعدى الربح المتوسط فإن اندماجهما سوف لن يعطيهما أي تفوق ذلك إذا اعتبرنا أنه لا يمكن تحقيق سوى الربح المتوسط".
ويميز هيلفردنك بين الكارتل الذي يحقق " تعاون للمصالح" ويهدف إلى إلغاء التنافس وبين التروست, ويقول : "يعني الكارتل أو التنسيق: اتحاد مؤسستين رأسماليتين بحيث تقوم الأولى بتوفير المواد الأولية التي تستخدمها الثانية", وذلك بدون تعديل معدل الربح في المراحل المختلفة, حيث تتم مساواة معدل الربح في المشروع المركب على مستوى رأس المال الصوري وليس الصناعي. أما التروست الذي هو اندماج عدة مؤسسات في مؤسسة جديدة فإنه ينتج عن إختلاف معدل الربح في المناطق المختلفة للمشاريع الموحدة والتي تنتمي لفرع صناعي واحد:إن توحيد المشاريع يهدف إلى رفع معدل الربح في هذا المجال إلى فوق مستواه المنخفض عن المتوسط وذلك عن طريق إزاحة المنافسة... إذ يتم تأمل إرتفاع الر بح في هذا الفرع من الصناعة، وذلك في أعقاب تخفيف المنافسة".
وهكذا فإن إستراتيجية تشكل الكارتلات والتروستات وتطورها اللاحق تعتمد على إختلاف معدلات الربح من جهة, وعلى إلغاء المنافسة من جهة أخرى ، في الفرع الصناعي لرفع معدل الربح إلى مافوق المتوسط, وذلك على حساب الفروع التي لم تخضع لعملية التركز. وينجم عن هذه الإستراتيجية تطور الرأسمالية الإحتكارية التي تعبر عن مرحلة إندماج الرأسمال المصرفي والرأسمال الصناعي في الرأسمال المالي أولا، وعن إلحاق التداول بعملية إنتاج الكارتلات والتروستات ثانيا.
في سيرورة تطور الرأسمالية الإحتكارية، يصبح الرأسمال يبحث عن عملية التراكم خارج نطاق السوق القومية فتقدم له الإمبريالية الحل في شكل تصدير رؤوس الأموال، فيقول هيلفردنك:" تفي " الكرتلة" فائض أرباح مهم, وقد رأينا كيف أن فائض الأرباح المرسملة يتدفق نحو المصارف. إلا أن من نتائج الكارتل, في الوقت نفسه, إبطاء إستخدام رؤوس الأموال. إن ذلك يظهر في المؤسسات " المتكرتلة" لأن الحل الأول الذي تتخذه هو تقليص الإنتاج, كما يظهر ذلك في الصناعات غير " المتكرتلة" لأن تخفيض معدل الفائدة يقود إلى نتيجة مباشرة مؤداها عرقلة استخدام رؤوس أموال جديدة". " وبسبب ذلك يرتفع حجم رؤوس الأموال المتجهة نحو التراكم، في حين تنخفض إمكانيات إستخدامها من الجهة الأخرى. إن هذا التناقض يتطلب حلا, والحل هو تصدير رؤوس الأموال. ولا يمثل ذلك نتيجة " للكرتلة", إنه ظاهرة لا تنفصل عن تطور الرأسمالية. إلا أن " الكرتلة" تزيد فجأة من حدة التناقض وتخلق سمة حادة لتصدير رأس المال"
ويترافق مع عملية تصدير رؤوس الأموال تحول في الإقتصاد الرأسمال العالمي ,إذ تتمكن رؤوس الأموال المصدرة إلى المستعمرات وأشباه المستعمرات من الإستحواذ على فائض القيمة لمصلحة البلدان الرأسمالية الغربية, فضلا عن أن البلدان المتأخرة تاريخيا عن مواكبة التطور الرأسمالي تتحول إلى مصبات لتصريف السلع القادمة من الدول الرأسمالية الصناعية. وحسب أطروحة هيلفردنك، فإن تصدير رأس المال مرتبط بتوسع العراقيل أمام عملية التراكم الرأسمالي في المراكز الرأسمالية، فيقول: " ومهما تكن الطريقة التي يتم بها تصدير رأس المال, فإنه يعني دائما أن مقدرة السوق الخارجية على إمتصاص رؤوس الأموال الأجنبية هذه قد ارتفعت. وأن الحاجز الذي كان مفروضا أمام تصدير البضائع قد كان يتعلق بمقدرة الأسواق الأجنبية على إمتصاص البضائع الصناعية الأوروبية"( ) .
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى كان لينين يعتبر من أقوى المفكرين والمحللين لظاهرة الإمبريالية، خاصة مع تطور الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة إلى مرحلة الإحتكار، حين يرتفع التركيب العضوي للرأسمال ليحدد حدا أدنى (لمعدل الربح) لا يمكن تحته القيام بالتراكم : فائض تراكم مطلق أو نسبي.و هنا تصبح السوق الخارجية التي لا تتأتى ضرورتها من عجز الرأسمالية عن بناء دينامكيتها على أساس مخطط إعادة الإنتاج الموسع للرأسمال الإجتماعي إنما تأتي هذه الضرورة بسبب حد أدنى – سببه ظهور الرأسمالية الإحتكارية- مما يجعل من التصدير حاجة حقيقية لمساعدة عمل النظام القائم على نمط الإنتاج الرأسمالي.
و هكذا، ينطلق لينين في تحليله لظاهرة الإمبريالية من تطور نمط الإنتاج الرأسمالي. ومن أجل إستخلاص وحدة سيرورة الإنتاج المباشر ومجال التداول لنمط الإنتاج الرأسمالي, فإن لينين يعرض مصدرين أساسيين هما: هيلفردنك وهوبسون( ).
حينذاك يكتشف لينين تناقضات المرحلة الاحتكارية في أحشاء الجوهر العميق للظاهرة الإمبريالية . وان هذه التناقضات هي التي تعطي لهذه المرحلة سماتها تحت شكل تركز الانتاج والرأسمال المالي. ولا يكون شكل جهاز الانتاج الا تجسيدا لتناقضات نمط الانتاج الرأسمالي في مرحلة معينة من تطوره. في حين يتجسد الجوهر المتناقض لبنية الانتاج في معدل الربح وفي تسلط رأس المال على استعدادات التقدم التقني وعدم تناسب النمو بين الزراعة والصناعة. وعندما يسجل لينين بأن ولادة الاحتكارات الناتجة عن تركز الانتاج هي قانون عام وجوهري للمرحلة الحالية لتطور الرأسمالية "، فان ما يهم كشفه هنا هي القاعدة الاقتصادية للتحول من الاقتصاد التنافسي الى الاقتصاد الاحتكاري. ويقول لينين بصدد حركة التصنيع والتركز كتعبير غير مباشر عن هذا التحول:" إن التطور المكثف للصناعة وسيرورة التركز السريعة جدا للإنتاج في المشاريع المتزايدة الأهمية يشكلان إحدى السمات الأكثر تميزا للرأسمالية" ( ).
ويفسر لينين الطبيعة التناقضية للرأسمالية الإحتكارية. فهي من جهة، تقود السيطرة الإحتكارية على التجديد, إلى رفع تطوره بكثير مما في حالة الرأسمالية التنافسية: " يتحول التنافس إلى احتكار. وعن ذلك ينتج تقدم كبير في مجمل الإنتاج إجتماعيا. لا سيما في مجال رفع مستوى إتقان أداء الأعمال والاختراعات التقنية " .
ومن الجهة الأخرى تبطئ سيطرة الاحتكار على التجديد، من سرعة النمو إلى ما دون السرعة الكامنة، وذلك بسبب الطبيعة الاحتكارية لهذه السيطرة : " في حالة فرض أسعار الاحتكار مؤقتا، فإن ذلك يؤدي، إلى حد معين، إلى إختفاء محفزات التقدم التقني وكنتيجة لذلك كل تقدم آخر، حينذاك يصبح ممكنا، على الصعيد الاقتصادي، إبطاء التقدم التقني اصطناعيا " ( ).
في ظل الرأسمالية الإحتكارية، وكنتيجة للتناقضات الملازمة لعمليتي الربح والتجديد, أكد لينين على عدم تناسب النمو بين الزراعة والصناعة. " يتأخر تطور الزراعة عن الصناعة: وهذه ظاهرة خاصة بكل الدول الرأسمالية, وأنها احد السباب الأكثر عمقا لتوقف التناسب بين الفروع المختلفة من الإقتصاد الوطني, ولحدوث الأزمات ولارتفاع كلفة المعيشة.. " لا تقوم الرأسمالية بإزالة التناقض، بين الصناعة والزراعة، بل بالعكس، انها تعمق وتزيد أكثر فأكثر، من حدته "( ).
إن أول آلية للإمبريالية الر أسمالية الاحتكارية هي، حسب لينين، تصدير رأس المال بحيث " يوجه " هذا التصدير تبادل البضائع، مع توفير إمكانية تحقيق " فائض ربح " مستحصل من إستخدام رأس المال في المناطق الأقل تقدما. فعندما كتب لينين :" بأن ما كان يميز الرأسمالية القديمة التي يسيطر فيها التنافس الحر، هو تصدير البضائع، أما ما يميز الرأسمالية الحالية التي يسيطر فيها الاحتكار، فهو تصدير رأس المال "، فإنه لم يقصد بذلك أن الإستغلال عن طريق التبادل الدولي للبضائع قد توقف أو تراجع. إنه أراد بالتحديد، أن هذا الاستغلال قد تقوى أكثر لأنه أصبح يستند إلى تصدير رأس المال ( ).
وفي الواقع، فإن وظيفة تصدير رأس المال التي أكدها لينين هي قبل كل شيء، بإيجاد " دولية من التبعيات والعلاقات ". ولقد تمت العودة الى هذه النقطة اليوم من قبل اندريه كوندر فرانك ( )Frank: "من المهم أن نتمعن جيدا في الدور الذي يلعبه تصدير رؤوس الأموال في إيجاد " شبكة دولية من التبعيات والعلاقات للرأسمال المالي".
ويظهر تصدير رأس المال إذن، كدعامة للمعاملات المفيدة جدا لنمط الإنتاج الرأسمالي، وذلك من خلال تأديته لمهمتين ، كرأسمال، تحقيق معدل ربح أعلى من ذلك المتحقق في المتروبول، ومن الناحية الثانية، فإنه يشكل أساسا " للتبادل غير المتكافيء ". ويعدد لينين الأسباب الحقيقية التي تجعل الربح يتحقق في البلدان المتخلفة بصورة أكثر، حين يؤكد: " تكون الأرباح هنا ( البلدان المتخلفة) اعتياديا، عالية بسبب قلة رؤوس الأموال والإنخفاض النسبي لسعر الأرض وكذلك بالنسبة للأجور والمواد الأولية" .
وإذا كان لينين لم يبحث قضية عدم تكافؤ التبادل، إلا أنه حلل مسألة إعادة إقتسام العالم بين الرأسماليين على أساس قوة وحجم رؤوس الأموال المستثمرة، فيقول: "إذا كان الرأسماليون يتقاسمون العالم, فإن ذلك لا يعود إلى غدر خاص يتعلق بهم, بل لأن درجة التركز المتحققة فعلا ترغمهم على سلوك هذا الطريق بهدف تحقيق الأرباح, وأنهم يتقاسمون العالم بشكل " يتناسب مع رؤوس الأموال", و" حسب قوة كل منهم"، كل ذلك لعدم وجود طريقة أخرى للتقاسم في نظام الإنتاج البضائعي والرأسمالي".
الإمبريالية معرفة من قبل لينين هي المرحلة الإحتكارية من الرأسمالية. وكذاك:" إن الإمبريالية هي الرأسمالية التي وصلت إلى مرحلة متطورة تتأكد فيها سيطرة الإحتكارات ورأس المال المالي, وفيها يكتسب تصدير رؤوس الأموال أهمية من الدرجة الأولى, ويبدأ إقتسام العالم بين التروستات الدولية, وينجز إقتسام كافة أقاليم الكرة الأرضية بين أكبر البلدان الرأسمالية".
- 3 -
إذا كان هناك شبه إجماع من جانب المنظرين الغربيين الذين تنطحوا لتحليل ظاهرة الإمبريالية، على أن هذه الأخيرة تمثل النفي الجزئي لتناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن تحليل ظاهرة الرأسمالية الإحتكارية للدولة كإحدى خاصيات تطور الرأسمالية في مرحلة مابعد الحرب العالمية الأولى ولغاية بداية الثورة النيوليبرالية في الغرب, بقيادة الثنائي رونالد ريغن ومارغريت تاتشر، تظل موضوع جدل بين مختلف رواد المدارس الفكرية.
إن مفهوم الرأسمالية الإحتكارية للدولة هو مفهوم لينيني استخدم أول مرة عام 1917, حين قال في " الكارثة المحدقة وكيف نحاربها"-تشرين الأول 1917:" يفترض ديالكتيك التاريخ بالتحديد أن الحرب, التي عجلت بصورة عظيمة في تحول الرأسمالية الإحتكارية إلى رأسمالية دولة إحتكارية, هي نفسها قربت الإنسانية كثيرا من الإشتراكية... إن رأسمالية الدولة الإحتكارية هي تحضير مادي كامل للإشتراكية, إنها المدخل إلى الإشتراكية, إنها العتبة التاريخية التي لا تفصل بينها وبين الإشتراكية أية عتبة وسيطة".
وخلال الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين (1919-1939) ازداد تركز وتمركز رأس المال، وبرزت فيها الإحتكارات الرأسمالية الضخمة, وتعرض فيها النظام الرأسمالي لكثير من الإضطرابات، وأزمة الكساد الكبير (1929- 1933), وبروز الحروب النقدية والكتل التجارية، وانهيار قاعدة الصرف بالذهب الخ .. في خضم كل هذا ازداد التدخل الحكومي على نحو واضح لمواجهة أزمات الرأسمالية في تلك الفترة. وتعتبر نظرية الإقتصادي الفرنسي ب بوكارا الأطروحة النظرية الأكثر دقة في مجال تحليل الرأسمالية الإحتكارية للدولة. إن العناصر الأساسية الثلاثة لأطروحة بوكارا هي:
1-تعبر الرأسمالية الإحتكارية للدولة عن مرحلة ضرورية لتطور نمط الإنتاج الرأسمالي، حيث تفرض تناقضات هذا النمط, الذي يتم التفكير به بصيغ فائض التراكم, بتدخل الدولة في طريقة خلق وامتصاص الفائض الإقتصادي.
2- تدخل الدولة للحصول على الرأسمال ثم لتعيد تمليكه للرأسماليين.
3- تسمح تناقضات الرأسمالية الإحتكارية للدولة بقيام " ممارسة عملية تساعد على التغييرparaxis" الديمقراطية المتقدمة"( ).
على أن القبول الواسع بالتدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي بدول المنظومة الرأسمالية قد تجلى بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية والتبني الكاسح للفلسفة الاقتصادية الكينزية.فقد أثبت كينز في نظريته العامة للنقود والفائدة والتوظيف(1936) أن هناك ميلا متأصلا في النظام الرأسمالي يعرضه لعدم التوازن, وهو ميل نابع من آلياته الداخلية وبسبب الأزمات الإقتصادية بشكل دوري من جراء عدم التناسب الذي يحدث بين قوى الطلب الكلي وقوىالعرض الكلي. ونظرا لأن النظام يعجزعن أن يولد من ذاته وبطريقة تلقائية سبل إنعاشه والقضاء على البطالة وهو يمر بمرحلة الكساد الدوري, أو سبل تجنبه لمخاطر التضخم وهو يمر بمرحلة التوظيف الكامل, فقد نادى بأن الدولة هي الجهاز الوحيد القادر على أن يلعب دور العامل الموازن أو التعويضي في الطلب الكلي. وقد تم في ذلك روشته المعرفة لمواجهة الأزمات الدورية, والتي يلعب التدخل الحكومي فيها دور الطبيب المعالج( ).
وهكذا, فإن الرأسمالية الإحتكارية للدولة هي جمع قوى الإحتكارات وقوى الدولة في آليةموحدة, تستهدف الوقوف في وجه التناقضات الناجمة عن فائض التراكم أو فائض الإنتاج الرأسمالي. ثم إن إتجاه فائض التراكم، بوصفه تعبيرا عن إتجاه المعدل المتوسط للربح للإنخفاض, لا يشكل ظاهرة جديدة, بل، إنه ملازم لنمط الإنتاج الرأسمالي. لكن ما تتميزبه الرأسمالية الإحتكارية للدولة هو الصفة المزمنة والعامة لظاهرة فائض التراكم. وإجمالا تعاني مجتمعات البلدان الرأسمالية في الغرب أكثر فأكثر من فائض رأس المال. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ازداد تدخل الدولة في معظم البلدان الرأسمالية المتقدمة التي تبنت النظرية الكينزية، وقبلت البرجوازية الإحتكارية مبدأ التدخل الحكومي، باعتبار ذلك أصبح يخدم مصالحها, ما دام كينز استهدف، وبإخلاص شديد، حماية النظام الرأسمالي وتأمينه ضد الإضطرابات الإجتماعية وزحف الإشتراكيةعليه.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59