عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-09-2013, 06:08 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ويجدر التنويه إلى أن تلك الرسومات لا تعد الأولى من نوعها، فهي ليست إلا حلقة في سلسلة ممتدة من الحلقات التي لا تريد أن تنتهي. فعلى سبيل المثال، نشرت إحدى دور النشر البريطانية عام 2001 كتاباً لمؤلف يدعى (عبد الله عزيز)، يتضمن صوراً هزلية في منتهى السخرية والتطاول على عقيدة المسلمين وقرآنهم وسنة نبيهم. إذ عرضت تلك الصور بمنتهى الفحش والابتذال النبي الكريم وزوجته عائشة وبعض الصحابة أثناء تطبيقهم العديد من تعاليم الإسلام وأحكامه، بل إنها تجرأت على تصوير الذات الإلهية على شكل هلال يجلس على كرسي، ويقوم النبي محمد (عليه السلام) بالسجود له!(13).
2 ـ إثارة النزاعات بين المسلمين:
ما انفكت الدول الغربية، وبخاصة الاستعمارية منها، تبدي حرصاً واضحاً على تسليط الأضواء على مواطن الاختلاف القائم على أسس دينية في العالم الإسلامي والعمل على تضخيمها وتطويرها إلى مستوى الخلاف، سعياً إلى إثارة الصراعات بين المسلمين أنفسهم من جانب، والمسلمين والأقليات غير المسلمة من جانب آخر. وفي هذا المقام، ربما كان بالإمكان استذكار الجهود الحثيثة التي بذلتها فرنسا في أوائل القرن الماضي لتمزيق وحدة لبنان وإذكاء نار الخلافات الدينية بين أبنائه، وذلك بعد تمكن الدول الاستعمارية من تشظية المشرق العربي إلى دويلات ضعيفة عقب توقيع معاهدة سايكس بيكو عام 1916، حيث غدا لبنان مسرحاً لتوازنات دينية وطائفية هشة، أثبتت الأيام قابليتها للانهيار وتفجير الصراعات الدموية أكثر من مرة.
ويكاد المسلسل ذاته يتكرر في العراق تحت هيمنة قوات الاحتلال الأمريكي. إذ يقف العراق اليوم على شفير حرب أهلية طاحنة تعصف بعشرات الأبرياء من أبنائه كل يوم، مردها الخلافات الطائفية والمذهبية، التي يسهم الاحتلال الأمريكي بتحالفاته المغرضة وتوجهاته المنحازة لبعض الفئات على حساب فئات أخرى في تأجيج اشتعالها(14).
وفي ذات الإطار، يحسن التنبيه إلى البرامج الأكاديمية التي تحرص الدول الغربية على إنشائها وتطويرها في الجامعات والمراكز الأكاديمية والبحثية، التي تنصرف عناية جزء كبير منها إلى دراسة الاختلافات المذهبية والفرق الغالية التي تزعم انتماءها للإسلام ـ وهو منها براء ـ في محاولة لرمي الدين الإسلامي بما ليس فيه من التناقض والانفلات والشذوذ ...الخ(15).
3ـ السعي إلى إخضاع بلاد المسلمين واحتلالها:
كانت حروب الفرنجة على العالم الإسلامي، التي سماها البعض حروباً صليبية، قد انطلقت بذريعة تحرير المدينة المقدسة، أي القدس، من أيدي المسلمين (الوثنيين) في زعمهم. والواقع إن المجازر التي ارتكبها (الصليبيون) في المدن الإسلامية خلال تلك الحملات قد لا تعكس مجرد الخوف المرضي من الإسلام وأتباعه، بل تعكس درجة متقدمة من الحقد والرغبة في الانتقام. وكأن في الانتقام الدموي البشع من المسلمين ضرباً من ضروب التعويض عن الخوف المزمن منهم ومن دينهم.فقد روي عن أحد شهود العيان من رهبان الفرنجة الذين شهدوا احتلال (الصليبيين) لمدينة القدس سنة 492 هـ قوله: "كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغـارها! كانوا يذبحـون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إرباً إرباً، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبل واحد بغيـة السرعة، وكان قومنا يقبضـون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية !!! فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث"(16).
ويصف راهب آخر المجزرة نفسها دون أن يخفي شماتته بقوله: "حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القـدس وبروجها، فقـد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم؛ فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النـار؛ فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكـان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا"(17).
ويبدو أن تلك الروح (الصليبية) الحاقدة على الإسلام والمذعورة منه قد ظلت تتلبس العالم الغربي حتى أيامنا، وربما كان هذا يفسر جزءاً من الهوس الغربي بمحاربة المسلمين وإخضاعهم إلى هيمنته. فقد ظل العالم الإسلامي محط أنظار المطامع الغربية التي تقنعت خلف الرغبة في نشر رسالة المسيح وإنقاذ ذلك العالم من تخلفه وانحطاطه!. وهو ما ترجم على شكل عشرات الحملات والمؤامرات الاستعمارية التي انتهت باحتلال معظم أرجاء العالم الإسلامي وتمزيق وحدته، بإسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1918.
وقبل ذلك بسنوات قليلة، وفي ظل الشعور المستمر بالتهديد المحتمل للإسلام، كانت بريطانيا قد دعت عام 1907 إلى تشكيل لجنة عليا تألفت من سبع دول استعمارية غربية، وذلك لمناقشة الخطر الذي تشكله الخلافة العثمانية الإسلامية على تلك الدول. وقد خلصت اللجنة إلى تقرير أكدت فيه أن مصدر الخطر الحقيقي على تلك الدول يتمثل في "الولايات العربية في الدولة العثمانية، وفي الشعب العربي المسلم الذي يعيش في تلك الولايات"(18). وقد خلص التقرير المذكور إلى الخروج بجملة من التوصيات أبرزها:
1ـ العمل على خلق حالة من الضعف والتمزق والانقسام في المنطقة.
2ـ إقامة دويلات مصطنعة تتبع لتلك الدول الاستعمارية وتخضع لها.
3ـ محاربة أي شكل من أشكال الوحدة والاتحاد الروحي أو الثقافي أو التاريخي بين أبناء المنطقة.
4ـ وكسبيل لتحقيق كل ذلك، ينبغي إقحام حاجز بشري غريب يتمتع بالقوة على المنطقة، بحيث يجسد قوة معادية لسكانها، تنسجم في مصالحها مع مصالح الدول الإستعمارية الراعية لذلك الكيان المختلق، الذي لعب دوره بإتقان مميز الكيان الصهيوني الغاصب(19).

(13) أنظر:
Aziz, Abdullah. Mohammed's Believe it or Else!,Kent: Crescent Moon Publishers, 2001.

(14) أنظر: بجك، باسيل يوسف. "قراءة قانونية لمستقبل وحدة شعب العراق"، المستقبل العربي، العدد 323 (كانون الثاني 2006)، ص 100- 104.

(15) على سبيل المثال، صدر عن مراكز البحث الغربية المعنية بالإسلام مئات الكتب التي تركز على بعض الشخصيات الخلافية في التاريخ الإسلامي، التي اتهمت بالكفر والزندقة والخروج عن تعاليم الدين الإسلامي، كالحلاج، وابن عربي، والسهروردي...الخ.


(16) لوبون، غوستاف. حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، ط2، ص 325.

(17) المرجع السابق، ص 326.

(18) العويسي، عبد الفتاح محمد. "دور بريطانيا في تأسيس الدولة اليهودية (1840-1948)"، شؤون اجتماعية، عدد 75 (خريف 2002)، ص152.

(19) المرجع السابق، ص152.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59