أبكي المنازل من شامي إلى حلبي == أودت برونقها منظومة الشغبِ
حلّ الدمار بها فاعتل سندسها == واستوحشت فخلت من أهلها النُجبِ
أرنو إليها فما أنفك محتبساً == ما بين محترقٍ منها ومستلبِ
جدرانها صَدَع والأسقف انخسفت == والنار مضرمة من شدة الشثهب
بنيانها سقطت دكاً ويعمرها == أشباح من دخلوا عمداً كمغتَصِب
تبكي الحجارة أهليها وقد دفنوا == تحت الركام بلا ذنبٍ ولا سببِ
حتى الكلاب التي ضلت تفارقها == من هول ما شهدت من أفظع النُوب
إن التتار إذا مروا بنا ذهلوا == الآن قد وجدوا من فاق في الرهب
بل إن نيرون لو يصحو لأخبرنا == أن الذي صنعتْ لم يأت في الكتب
تلك الصروح تهاوى ركنها فهوت == أخلاقُ من عرفوا بالعلم والأدب
واستبدلَت علناً ما كان من قيمٍ == حتى غدت أسفاً راساً على عقب
بات الحصيف سفيهاً في مناقبِها == والمقسطون غدوا ذكرى من الخُطب
ساد العنيف وأبدى كلَّ سطوته == أما الحليم فقد أرغى من الغضب
هذا يشدُّ إلى رأي ليفرضه == والآخرون إلى فكر ومغتَرب
ما بين ملتزمٍ هذا ومعترض == تجري البلاد إلى نزفٍ ومُحتربِ
أمّا شقيق وقد أودى بأخوته == والأمهات هنا يندبن في التُرب
هل هذه قيم يعتد ممسكها == في يوم مفتَرقٍ يودي إلى اللهب
لا خير في قيم أرست ثقافتٌها == سفك الدماء بما فيها من الخرب
هذي البلاد بلاد الشام قد رُزئت == يا ضيعة المجد بل يا فرحة العرب
أبكي المنازل لا أبكي حجارتها == لكنما ألمي من ضاع في الصخب