عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-27-2015, 01:08 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي مرجع حول الارتقاء بالكتابة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، والصلاة والسلام على أفضل العرب لهجة، وأصدقهم حجة، وعلى آله الأمجاد، وصحبه الذين فتحوا البلاد، ونشروا لغة التنزيل في الأغوار والأنجاد، وحببوها إلى الأعجمين حتى استقامت ألسنتهم على النطق بالضاد، أما بعد:
فإن شأن القلم لجلل، وإن أمر الكتابة لعظيم؛ كيف لا، والله _ عز وجل _ قد علم بالقلم، وأقسم بالقلم.
قال _ جل ثناؤه _: [اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] العلق.
وقال: [ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)] القلم.
كفى قلم الكُتَّاب مجداً ورفعة



مدى الدهر أن الله أقسم با لقلم


ولا ريب أن الحديث عن الكتابة متشعب طويل, والمقام ههنا لا يسمح بالتفصيل، وإنما هي إشارات عابرة هي أشبه بالمعالم العامة للكتابة الرصينة النافعة، وليست بالضرورة حديثاً عن البحث، وطرائقه.
وقد أَفَدْتُها من خلال التجربة اليسيرة، ومن خلال ما مرَّ بي من كلام العلماء وأكابر الكتاب الذين حاموا حول هذا المعنى([1])؛ فأحببت تقييد شيء من ذلك ونشره؛ رغبة في عموم النفع.
وإن من أعظم البواعث إلى ذلك كثرةَ الأسئلة عن طريقة الكتابة، وأدواتها، وسبل الترقي فيها.
ومن البواعث _ أيضاً _ ما يراه المتأمل من نفسه ومن غيره من كثرة الأساليب المتخاذلة، والكتابات الركيكة أو المتكلفة.
وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع يحسن التنبيه على أن صناعة الكتابة ليست كغيرها من الفنون لها قواعدها المضبوطة، ومسائلها المدوَّنة يتدارسها الكتاب، فتنتهي بهم إلى إمداد اليراعة بالبراعة.
وإنما هي تنبيهات ترشد إلى الجهات التي تنمو بها قوى التفنن في تصاريف الألفاظ، والتأنق في تحسين هيئاتها التأليفية.
أما أسلوب المرء فهو الذي يخترعه صاحبه؛ فيكون عليه طابعه؛ فهو ابن مزاجه وتربيته، وبيئته، وذوقه, وفنه.
فالمعاني مطروحة، والألفاظ مطروقة، وإنما العبرة بالتراكيب، والتراكيبُ ابنةُ مَنْ يصوغها؛ فيزيدها جمالاً علمُ الكاتب، ووفرة اطلاعه، وأدب نفسه، واستكمالُه أدواتِ الكتابة.
ولا تجود الكتابة إلا بما تحمل من الألفاظ، وبما تنطوي عليه من المعاني، وبالتلطف في أدائها، واطراح التكلف في إحكام نسجها.
وملاك ذلك كلِّه _ كما يقول ابن الأثير _ الطبع؛ فإنه إذا لم يكن ثَمَّ طبع فإنه لا تغني الآلات شيئاً.
ومثال ذلك كمثل النار الكامنة في الزناد، والحديدة التي يُقدح بها؛ ألا ترى أنه إذا لم يكن في الزناد نارٌ لا تفيد تلك الحديدة شيئاً؟!
وعلى هذا فإذا رَكَّبَ الله _ تعالى _ في الإنسان طبعاً قابلاً لهذا الفن _ فإنه يحتاج إلى الأخذ بعدد من الأسباب التي ترتقي بكتابته، وتجعلها مؤدية لغرضه.
فهذه _ في الجملة _ أصول الكتابة، وعوامل كونها نافعة خالدة _ بإذن الله _.
وفيما يلي من صفحات شيء من البسط والتفصيل في ذلك، والله المستعان، وعليه التكلان.





مرَّ في المقدمة شيء من ذلك، وفيما يلي ذكر لبعض ما جاء في وصف القلم، وتعظيم شأن الكتابة نثراً وشعراً، ومما جاء في ذلك ما يلي:
1_ قال أحمد بن يوسف: =القلم لسان البصر يناجيه بما استتر عن الأسماع، إذا نسج حلله، وأودعها حكمه+.
2_ وقال ابن المقفع: =القلم بريد القلب+.
3_ وقال أبو دلف: =القلم صائغ الكلام، ويفرغ ما يجمعه العلم+.
4_ وقال الجاحظ: =الدواة منهل، والقلم ماتح، والكِتَاب عطن+.
5_ وقال سهل بن هارون: =القلم أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره+.
6_ وقال عمرو بن مسعدة: =الأقلام مطايا الفطن+.
7_ وقال المأمون: =لله در القلم كيف يحوك وشْي المملكة+.
8_ وقال جالينوس: =القلم طبيب المنطق+، فوصفه من جهة صناعته.
9_ وقال أحمد بن عبدالله: =القلم راقد في الأفئدة، مستيقظ في الأفواه+.
10_ وقيل: =عقول الرجال تحت أقلامها+.
11_ وقال العتابي: =الأقلام مطايا الأذهان+.
12_ وقال عبدالحميد الكاتب: =القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة+.
13_ وقيل: =برِيّ القلم تروى القلوب الظمئة+.
14_ وقال آخر: =مساق أمر الدنيا بسين وقاف، فيقال: سق+ يريد السيف والقلم.([2])
15_ وقيل: إن أفضل ما قيل في وصف القلم من الشعر قول أبي تمام في مدحه لمحمد بن عبدالملك الزيات:
لك القلمُ الأعلى الذي بِشَبَاته



تُصاب من الأمر الكُلى والمفاصلُ([3])


له الخلواتُ اللاءِ لولا نَجِيُّها



لما احتفلت للمَلْكِ تلك المحافلُ([4])


لُعَابُ الأفاعي القاتلاتِ لُعابُه



وأَرْيُ الجَنَى اشتارتْه أيدٍ عواسلُ([5])


له ريقَةٌ طَلٌّ ولكنّ وَقْعَها



بآثاره في الشرق والغرب وابلُ([6])


فصيحٌ إذا استنطقْتُه وهو راكبٌ



وأعجمُ إن خاطبتهُ وهو راجلُ


إذا ما امتطى الخمس اللطافوأفرغت



عليه شعاب الفكر وهي حوافل([7])


أطاعته أطراف الرماح وقوضت



لنجواه تقويض الخيام الجحافل([8])


إذا استغزر الذِّهْنَ الذكيَّوأقبلت



أعاليه في القرطاس وهي سوافل([9])


وقد رفدته الخنصران وسددت



ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل


رأيت جليلاً شَأْنهُ وهو مرهف



ضنىً وسميناً خطبه وهو ناحل([10])([11])


16_ وقال الفضفاضي:
في كفه أَخْرَسُ ذو منطقٍ



بقافه واللام والميم


شبرٌ إذا قيس ولكنه



في فعله مثل الأقاليم


مُحَرَّفُ الرأَسِ ومُسَوَدُّه



كإبرة الروس من الريم([12])


17_ وقال غيره في وصف كُتَّاب:
ولأقلامهم زئير مهيب



يُزدرى عنده زئيرُ الأسود([13])


أَرْغَبَتْهُمْ عن القَنا قصَبَات



مغنيات عن كل جيش مقود


والقراطيسُ خافقاتٌ بأيديـ



هِمْ كمرهوبِ خافقاتِ البنود([14])([15])




[IMG]file:///C:/Users/MOI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG]




هناك أسباب عديدة تنهض بصناعة الكتابة، وتجعلها محمودة مستطابة؛ وترفع الكاتب مكاناً عَلِيَّاً، وتبلغ به في البراعة أمداً قصياً؛ فإلى تلك الأسباب التي ربما يدخل بعضها ضمن بعض.

1_ حفظ القرآن الكريم، والإكثار من تلاوته وتدبره

فعلاوة على كون ذلك عبادة _ فهو كذلك يقوي ملكة البيان؛ لما جاء به من صور النظم البديع، والتصرف في لسان العرب على وجه يملك العقول؛ فإنه جرى في أسلوبه على منهاج يخالف الأساليب المعتادة للفصحاء قاطبة؛ وإن لم يخرج عما تقتضيه قوانين اللغة؛ فهو الذروة في البلاغة، وفيه اللفظ الجزل، والأسلوب الذي لا يدانيه أسلوب، وفيه الجمال، والجلال، والبهجة، والرهبة، والعصمة من الخطأ.
ولقد اتفق كبراء الفصحاء على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه اللائق به، وإن تفاضل الناس في الإحساس بلطف بيانه تفاضلهم بسلامة الذوق، وجودة القريحة.
قال ابن الأثير × في معرض حديثه عما يحتاجه الكاتب: =حفظ القرآن الكريم، والتدرب باستعماله، وإدراجه في مطاوي الكلام+([16]).
ثم قال × معللاً ذلك: = فإن صاحب هذه الصناعة _ يعني الكتابة _ ينبغي له أن يكون عارفاً بذلك؛ لأن فيه فوائد كثيرة، منها أنه يُضَمِّن كلامه بالآيات في أماكنها اللائقة بها ومواضعها المناسبة لها.
ولا شبهة فيما يصير للكلام بذلك من الفخامة والجزالة والرَّوْنَق.
ومنها أنه إذا عرف مواقع البلاغة وأسرار الفصاحة المودَعَة في تأليف القرآن اتّخذه بَحْراً يستخرج منه الدرر والجواهر، ويودعها مَطَاوي كلامه، كما فعلته أنا فيما أنشأته من المكاتبات، وكفى بالقرآن الكريم وحده آلة وأداة في استعمال أفانين الكلام؛ فعليك أيها المُتَوشِّح لهذه الصناعة بحفظه، والفحص عن سره وغامض رموزه وإشاراته؛ فإنه تجارة لن تبور، ومنبع لا يغور، وكنز يُرجع إليه، وذخر يُعَوّل عليه+([17]).

2_ الإكثار من مطالعة كتب السنة
كالكتب الستة وغيرها من الصحاح والمسانيد؛ فهي تمد الكاتب بالأساليب البيانية الراقية، وترفد مادته اللغوية والشرعية، فالنبي " أوتي جوامع الكلم، ودانت له نواصي البلاغة، ودنت له قطوف الحكمة، وتفجرت من أقواله ينابيع الفصاحة؛ فهو يتكلم بالسهل الممتنع، وبالألفاظ المعبرة المأنوسة المشتملة على الرقة، والمتانة، والإبانة عن الغرض بدون تكلف.
والأمر في ذلك يجري مجرى القرآن الكريم _ كما تقدم _.

3_مطالعة دواوين العرب في الشعر، وحفظُ ما تيسر منها
كأشعار الجاهليين وخصوصاً أصحاب المعلقات، وكأشعار المخضرمين كحسان وغيره، وأشعار الذين نشأوا في عصر صدر الإسلام كعمر بن أبي ربيعة، والأخطل، والفرزدق، وجرير، والراعي النميري، وذي الرمة.
وأشعار العباسيين كبشار وأبي تمام، والبحتري، والمتنبي، وأشعار الأندلسيين كابن زيدون، وابن دراج القسطلي، وغيرهما.
ومما يفيد في هذا قراءة كتابي المفضليات للمفضل الضبي، والأصمعيات للأصمعي عبدالملك بن قريب، فهما مليئان بالقصائد الرائعة الرائقة.
وكذلك جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، والشعر والشعراء لابن قتيبة.
وكذلك دواوين المعاصرين كالبارودي، وشوقي، وحافظ، وغيرهم.

4_ العلم بالنحو والصرف

فالنحو: هو ما يبحث في الجملة العربية، وفي تركيبها.
والصرف: هو ما يبحث في بنية الكلمة العربية.
فالعلم بالنحو والصرف يضمن فصاحة الكتابة، وينأى بالكاتب عن إيراد لفظة خاطئة في بُنيتها، ويجنبه اللحن والخطأ في التراكيب.
ومما يكون الكلام به فصيحاً سلامة مفرداته وتراكيبه من الخطأ، وخطأُ الكاتب ولحنه أقبح من خطأ الخطيب ولحنه.
ثم إن الإعراب مَعْلَمٌ من معالم اللغة، ومفخرة من مفاخرها.
وإليك هذه النبذة عن معنى الإعراب وبيان أهميته:
أولاً: معنى الإعراب:
أ_ الإعراب في اللغة: أصل هذه المادة: (عرب) قال ابن فارس ×: =العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها: الإبانة([18]) والإفصاح، والآخر: النشاط وطيب النفس، والثالث: فساد في جسم أو عضو.
فالأول أعرب الرجل عن نفسه: إذا بين وأوضح+([19]).
وقال: =إعراب الكلام _أيضاً_ من هذا القياس؛ لأن بالإعراب يفرق بين المعاني في الفاعل، والمفعول، والنفي، والتعجب، والاستفهام، وسائر أبواب هذا النحو من العلم+([20]).
ب-الإعراب في الاصطلاح: =أثر ظاهر أو مقدر ي***ه العامل في آخر الكلمة+([21]).
والمراد بالأثر ما يحدثه العامل من الحركات الثلاث أو السكون، وما ينوب عنها.
وبالظاهر: ما يلفظ به نحو جاء زيدٌ، وأكرمت زيداً، ومررت بزيدٍ، وبالمقدر: ما يُنوى من ذلك كالضمة، والفتحة، والكسرة من نحو: الفتى، والنون في مثل: (لتبلون)([22]).
ويراد بالكلمة: الاسم والفعل المعربان.
والمراد بآخر الكلمة: أحوال أواخرها، وما يعتريها من تغيُّر.
ج-معنى البناء: هو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة مثل: هلْ، وقامَ، وأمسِ، ومنذُ([23]).
ثانياً: أهمية الإعراب وأقوال العلماء فيه:
يرى علماء العربية وجميع النحاة إلا من شذ منهم أهمية الإعراب، وأن لعلاماته وألقابه دلالاتٍ معينةً، وأغراضاً معنوية؛ فهي تدل على المعاني المختلفة التي تَعْتَوِر الأسماء من فاعلية، أو مفعولية، أو غير ذلك.
وأقوالهم في ذلك كثيرة جداً، وهذه نبذة من أقوال بعض العلماء:
_ قال ابن قتيبة ت 213×: =ولها _ يعني العرب _ الإعراب الذي جعله الله وشْياً لكلامها، وحليةً لنظامها، وفارقاً في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، والمعنيين المختلفين، كالفاعل والمفعول، لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما _ إلا بالإعراب.
ولو أن قائلاً قال: (هذا قاتلٌ أخي) بالتنوين، وقال آخر: (هذا قاتلُ أخي) بالإضافة _ لدل التنوين على أنه لم يقتله، ودل حذف التنوين على أنه قد قتله+([24]).
-وقال أبو القاسم الزجاجي ت337هـ ×: =فإن قال قائل: قد ذكرتَ أن الإعراب داخل في الكلام فما الذي دعا إليه، واحتيج إليه من أجله؟
فالجواب: أن يقال: إن الأسماء لما كانت تعتورها المعاني، وتكون فاعلة ومفعولة، ومضافة، ومضافاً إليها، ولم يكن في صورها، وأبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل كانت مشتركة _ جُعِلَتْ حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني، فقالوا: ضرب زيد عمراً، فدلوا برفع زيد على أن الفعل له، وبنصب عمرو على أن الفعل واقع به.
وقالوا: ضُرب زيدٌ؛ فدلوا بتغيير أول الفعل، ورفع زيد على أن الفعل ما لم يسمَّ فاعلُه، وأن المفعول قد ناب منابه.
وقالوا: هذا غلامُ زيدٍ؛ فدلوا بخفض زيد على إضافة الغلام إليه.
وكذلك سائر المعاني جعلوا هذه الحركات دلائل عليها؛ ليتسعوا في كلامهم، ويقدموا الفاعل إذا أرادوا ذلك، أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه، وتكون الحركات دالةً على المعاني+([25]).
ويقول ×: =وأصل الإعراب للأسماء، وأصل البناء للأفعال والحروف؛ لأن الإعراب إنما يدخل في الكلام؛ ليفرق بين الفاعل والمفعول، والمالك والمملوك، والمضاف والمضاف إليه، وسائر ذلك مما يعتور الأسماء من المعاني.
وليس شيء من ذلك في الأفعال ولا في الحروف+([26]).
وقال: =ويسمي النحويون الحركات اللواتي تعتقب في أواخر الأسماء والأفعال الدالة على المعاني إعراباً؛ لأنها بها يكون الإعراب أي: البيان+([27]).
_ وقال ابن فارس ×: =من العلوم الجليلة التي خُصت بها العربُ الإعرابُ الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الكلام.
ولولاه ما مُيِّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجُّبٌ من استفهام، ولا صَدْر من مصدر، ولا نعتٌ من تأكيد+([28]).
وقال ×: =فأما الإعراب فبه تميز المعاني، ويوقف على أغراض المتكلمين؛ وذلك أن قائلاً لو قال: (ما أحسنْ زيدْ) غير معرب، أو (ضرب عمرْ زيد) غير معرب لم يوقف على مراده.
فإذا قال: (ما أحسنَ زيداً) أو (ما أحسنُ زيدٍ) أو (ما أحسنَ زيدٌ) أبانَ الإعراب عن المعنى الذي أراده.
وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها؛ فهم يفرقون بالحركات وغيرها بين المعاني+([29]).
_ وقال ابن جني ×: =باب القول على الإعراب: هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ؛ ألا ترى أنك إذا سمعت: أكرم سعيدٌ أباه، وشكر سعيداً أبوه _ علمت برفع أحدهما، ونصب الآخر الفاعلَ من المفعولِ، ولو كان الكلام شَرْجاً([30]) واحداً لاستبهم أحدهما من صاحبه.
فإن قلت: فقد تقول ضرب يحيى بُشْرَى، فلا تجد هناك إعراباً فاصلاً، وكذلك نحوه _ قيل: إذا اتفق ما هذه سبيله مما يخفى في اللفظ حاله، أُلزِم الكلامُ من تقديم الفاعل، وتأخير المفعول ما يقوم مقام بيان الإعراب.
فإن كانت هناك دلالة أخرى من قِبَل المعنى وقع التصرف فيه بالتقديم والتأخير؛ نحو أكل يحيى كمثرى _ لك أن تقدم وأن تؤخر كيف شئت، وكذلك ضربتْ هذا هذه، وكلم هذه هذا، وكذلك إن وضح الغرض بالتثنية أو الجمع جاز لك التصرف نحو قولك: أكرم اليحييان البُشرَييْنِ، وضرب البُشَريين اليحيون، وكذلك لو أومأت إلى رجل وفرس، فقلت: كلم هذا هذا، فلم يجبه لجعلت الفاعل والمفعول أيهما شئت؛ لأن في الحال بياناً لما تعني.
وكذلك قولك: ولَدَتْ هذه هذه، من حيث كانت حال الأم من البنت معروفة، غير منكورة.
وكذلك إن ألحقت الكلام ضرباً من الإتباع جاز لك التصرف لما تُعقِب من البيان، نحو ضرب يحيى نفسَه بُشرى، أو كلم بشرى العاقلَ مُعلَّى، أو كلم هذا وزيداً يحيى.
ومن أجاز قام وزيد عمرو لم يُجِزْ ذلك في نحو (كلم هذا وزيد يحيى) وهو يريد كلم هذا يحيى وزيد، كما يجيز (ضرب زيداً وعمرو جعفر)+([31]).
وهكذا يتبين لنا أن العلماء القدماء يتفقون على أهمية الإعراب، وضرورته، ويبينون أن الجملة لو كانت غُفْلاً من الإعراب لاحتملت معاني عدة؛ فإن أُعْرِبَتْ نصَّت على معنى واحد([32]).
وقد تبعهم في ذلك أكثر المُحْدَثين، ومنهم المستشرقون؛ فكثير منهم أقرَّ بأنَّ الإعراب هو المميز للغة.
وبهذا يتبين أنه لا بد للكاتب من معرفة النحو والصرف وإلا كانت كتابته مشتملة على الخطأ، والخلل.
وإن من أعظم ما يعين على ذلك دراسةَ كتب النحو والصرف وفهمها.
ومن أنفعها للمبتدئ متن الآجرومية، ومن أحسن شروحها شرح الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد المعروف بالتحفة السنية، وكذلك حاشية الشيخ عبدالرحمن بن قاسم _ رحمهما الله _.
ثم يرتقي إلى كتاب قطر الندى وبلّ الصدى لابن هشام، وشرحه لابن هشام _أيضاً_ ثم ينتقل إلى ألفية ابن مالك وشروحها، ومن أنفع تلك الشروح شرح ابن عقيل، وشرح ابن الناظم، وشرح ابن هشام المعروف بـ:أوضح المسالك.
وإذا أراد التعمق فعليه بكتاب مغني اللبيب لابن هشام، وشرح التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهري، وشرح الرضي على الكافية.
ومن الكتب الميسرة في النحو: القواعد الأساسية للسيد أحمد الهاشمي، وجامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني.
وأغلب الكتب الماضية تجمع بين النحو والصرف.
ومن الكتب الخاصة بالصرف شذا العَرْف في فن الصرف للحملاوي، والصرف للمراغي، والتطبيق الصرفي للدكتور عبده الراجحي.

5_ العلم بفقه اللغة

فهو فن عظيم، وفرع شريف من فروع اللغة، يطلق على العلم الذي يعنى بدراسة قضايا اللغة، ويتناول كثيراً من الموضوعات المهمة فيها كالقول في أصل اللغة، والخلاف في ذلك، وكمعرفة سنن العرب في كلامهم، والوقوف على خصائص اللغة، وما تنطوي عليه من أسرار وجمال.
ويتناول _ كذلك _ علم الأصوات اللغوية، ولهجات العرب واختلافها، ودلالة الألفاظ، وتطورها، وانحطاطها.
ويتناول الاشتقاق، والمشترك، والمترادف، والمتضاد، والنحت، والمُشَجَّر، والتعريب وضوابطه، والمعاجم العربية، ومدارسها، ومناهج أصحابها.
ويتناول _أيضاً_ مواكبة اللغة العربية للجديد، واستيعابها للمصطلحات الجديدة، كالمصطلحات الطبية، والصناعية وغيرها.
ويتناول جهود العلماء في اللغة قديماً وحديثاً.
ويتناول العناية بالدراسات التي تقوم بها المجامع اللغوية، وما يتمخض عنها من نتائج وقرارات.
ويُعنى _كذلك_ بما تواجهه العربية من عقبات، وما يُحاك ضدها من مؤامرات.
ويُعنى بقضايا الدعوة إلى العامية، وترك الإعراب، وإصلاح الخط العربي.
وما إلى ذلك مما يتناوله عِلْمُ: فقه اللغة.
ولا ريب أن الكاتب بحاجة إلى هذا العلم؛ إذ به يعرف سنن العرب في كلامها، ويتمكن من الكتابة السليمة، ويكون معتزاً بلغته متمكناً من معرفة أسرارها.
هذا وإن من أهم المؤلفات في هذا العلم مما يعد نواةً له كتابين:
أولهما: كتاب (العين) للخليل بن أحمد: وهو أول معجم عربي، بناه مؤلفه على طريقة مبتكرة من الترتيب الصوتي ؛ إذ استطاع الخليل أن يرتب مخارج الأصوات من أقصى الحلق إلى الشفتين، ويقيم معجمه على نظام التقاليب الصوتية.
كما أنه × استطاع أن يحدد المهمل من كلام العرب، والمستعمل.
ولعظم هذا العمل صعب على كثير من أعداء الإسلام والعربية أن ينسبوه إلى الخليل؛ فراحوا يكيلون التهم، ويدَّعون أن الخليل اقتبسه عن غيره من الأمم السابقة التي عرفت النظام الصوتي والمعجمي.
_ أما الكتاب الآخر فهو (كتاب سيبويه): وهو عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ: سيبويه.
وكتابه يعد _ بحق _ دستور النحو العربي، وقد اتخذه العلماء بعد سيبويه أساساً لمؤلفاتهم شرحاً وتحليلاً.
وكل ما أضيف إلى النحو العربي بعد هذا الكتاب لا يقارن بالكتاب.
وقد عالج سيبويه × في كتابه القضايا النحوية، والصرفية.
كما تحدث عن الأصوات: مخارجها، وصفاتها في آخر الكتاب.
كما أنه اشتمل على مسائل في التقديم والتأخير، ومعاني الحروف، ومحاسن العطف، ونحوها؛ فكان عمدة علماء البلاغة من بعده، فهو يعد عملاً لغوياً متكاملاً؛ ولقد كان كتابه محل القبول، والثناء، وكان له منزلة مرموقة.
ومما ذكره ابن جني في الثناء عليه وعلى علمه قوله: =ولما كان النحويون بالعرب لاحقين، وعلى سمتهم آخذين، وبألفاظهم مُتَحلِّين، ولمعانيهم وقصودهم آمِّين _ جاز لصاحب هذا العلم _ يعني سيبويه _ الذي جمع شَعَاعه، وشرع أوضاعه، ورسم أشكاله، ووسم أغفاله، وحَلَج أشطانه، وبعج أحضانه، وزمَّ شوارده، وأفاد نوادره _ أن يرى فيه نحواً مما رأوا+ا_هـ([33]).
وقال الزمخشري مثنياً على سيبويه:
ألا صلى الإلهُ صلاةَ صدقٍ



على عمرو بنِ عثمانَ بنِ قنبرْ


فإنَّ كتابه لم يغْنَ عنه



بنو قلمٍ ولا أعواد منبرْ


هذه نبذة موجزة عن جهود العلماء في التأليف في اللغة، تلك التآليف التي كانت كالمقدمات، والإرهاصات لظهور (فقه اللغة) كعلم مستقل.
أما البداية الحقيقية لفقه اللغة وظهوره علماً مستقلاً _ فكانت على يد عالمين من علماء اللغة الكبار في القرن الرابع؛ حيث كان لهما أكبر الأثر في التأليف في (فقه اللغة) وتعد مؤلفاتهما البداية الحقيقيَّة لإفراد هذا العلم بكتب خاصة.
الأول: أبو الحسين أحمد بن فارس ت395هـ: الذي ألَّف مجموعة من الكتب اللغوية وغيرها، ومنها كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها).
وترجع أهميةُ هذا الكتاب إلى أمور عديدة لعل أهمَّها كونُه أولَ كتابٍ في العربية يحمل اصطلاح (فقه اللغة).
وبه تأثر المؤلفون من بعده، واتخذوا هذا الاصطلاح فناً لغوياً مستقلاً.
وقد عالج ابن فارس × في كتابه (الصاحبي) عدداً من الموضوعات التي تعد من صميم فقه اللغة، وجمع في كتابه ما تفرق في كتب من سبقه.
قال × في مقدمة كتابه: =والذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرق في أصناف العلماء المتقدمين _ رضي الله عنهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء _.
وإنما لنا فيه اختصار مبسوط، أو بسط مختصر، أو شرح مشكل، أو جمع متفرق+([34]).
ثم بعد ذلك شرع × في أبواب الكتاب التي تعد النواة الأولى في فقه اللغة، وذلك كحديثه عن نشأة اللغة، والخط العربي، وعن خصائص اللغة، ومزاياها.
وكحديثه عن اختلاف اللغات، وأقسام الكلام، ومعاني الحروف.
وكحديثه عن الخطاب المطلق والمقيد، وعن الحقيقة والمجاز، والقلب، والإبدال، والعموم، والخصوص، والحذف والاختصار، والإتباع، والنحت، والإشباع، وغيرها.
وبالجملة فإن الكتاب يحتوي على 207 من الأبواب.
كل ذلك مع أن الكتاب في مجلد واحد، ويقع بعد التحقيق في 238 صفحة.
وقد طبع عدة طبعات، ولعل من آخرها طبعة دار الكتاب العلمية 1418هـ_1998م.
وقد علق عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج.
كما أن ابن فارس × أمدَّ المكتبة العربية بمعجم سماه (مقاييس اللغة).
وهو من أضخم المعاجم العربية.
وله معجم آخر اسمه (مجمل اللغة).
وهذه الكتب تدل على عقلية جبارة، وموهبة فذة مبتكرة.
الآخر: أبو الفتح عثمان بن جني: كان أبوه جنيٌّ مملوكاً رومياً لسليمان ابن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي.
وجِنِّي بكسر الجيم وتشديد النون مكسورة، وسكون الياء _ معرَّب كِنِّي.
ولد في الموصل سنة 300هـ، وقيل 322هـ وتوفي في بغداد عام 392هـ.
كان ابن جني رجل جدٍّ، وامرأَ صدقٍ في فعله وقوله؛ فلم يعرف عنه اللهو، والشرب، والمجون.
وكان المتنبي يجله، ويقول فيه: =هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس+([35]).
وكان إذا سُئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره يقول: =سلوا صاحبنا أبا الفتح+.
وكان يقول: =ابن جني أعرف بشعري مني+([36]).
وكان ابن جني يعجب بشعر المتنبي، ويستشهد بشعره في المعاني، وهو أول من شرح ديوانه، وله في ذلك شرحان: كبير وصغير.
ويعد ابن جني من كبار علماء العربية وأفذاذها.
وكان محل الثناء من قبل كثير من العلماء، قال عنه الثعالبي: =هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة في الأدب+([37]).
وقال عنه الفيروز أبادي: =الإمام الأوحد، البارع المتقدم+([38]).
وله كتب كثيرة في فنون مختلفة لم تعرف العربية لها نظيراً.
وله فيما يعد من صميم فقه اللغة كتابان جليلان.
أولهما: كتاب (الخصائص): حيث عالج فيه كثيراً من قضايا فقه اللغة، وقدم نظريات وآراء تجاري أو تفوق أحدث ما قال به العلماء في العصر الحديث.
وقد تحدث في كتابه المذكور عن موضوعات كثيرة تعد من صميم فقه اللغة.
ومنها حديثه عن أصل اللغة، ومقاييس العربية، وتداخل اللغات، والاشتقاق الأكبر، والإدغام، والعلاقة بين الألفاظ والمعاني، والتقديم والتأخير، واستخلاص معاني الأوصاف من المعاني، والإبدال.
وقد طبع عدة طبعات كطبعة الشيخ محمد بن علي النجار، وطبع أخيراً بتحقيق د. عبدالحميد هنداوي، ونشرته دار الكتب العلمية 1421هـ _ 2001م
وهذه الطبعة تتميز بحسن إخراجها، ودقة فهارسها، حيث يستطيع الباحث من خلالها الوصول إلى آراء ابن جني عبر الفهارس بدون كلفة.
أما كتابه الثاني فهو: (سر صناعة الإعراب): وقد خصه ابن جني لدراسة الأصوات؛ فكان أول عالم في العربية يفرد هذا البحث بكتاب مستقل؛ حيث كان قبله يُدْرَسُ ضمن بحوث النحو كما في كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد.
وقد قدم ابن جني في كتابه مباحث قيمة في علم الأصوات مستفيداً من سابقيه، ومضيفاً إليه الكثير؛ فهو في مقدمته يتحدث عن الفرق بين الصوت والحرف، وهو يُشَبِّه الحلق والفم بالناي، ويذكر أن الحركات أبعاض حروف المد.
ثم يتحدث عن الحروف، ومخارجها، وأجناسها، ومدارجها، وفروعها المستحسنة، والمستقبحة، وذكر خلاف العلماء فيها مستقصىً مشروحاً.
وبعد ذلك يعقد لكل حرف من حروف العربية مرتبة على الحروف الألفبائية باباً يتكلم فيه على صفاته، ومخرجه، وما يعرض له من قلب، أو إبدال، أو إدغام، كما يتعرض لكثير من القضايا النحوية.
كما تحدث عن تصريف حروف المعجم، واشتقاقها، وجمعها، كما تحدث عن مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض، وما يجوز من ذلك وما يمتنع، وما يحسن وما يقبح إلى غير ذلك مما حفل به ذلك الكتاب.
والناظر في هذا الكتاب يلحظ فيه مزايا عديدة منها على سبيل الإجمال: غزارة المادة، والوضوح، والسهولة، والشمول، والاستقصاء.
وقد طبع هذا الكتاب مؤخراً في مجلدين طبعة طيبة معتنىً بها كثيراً، حيث درسها وحققها د. حسن هنداوي، وقد قدم للكتاب بمقدمة رائعة بيَّن فيها شيئاً من سيرة ابن جني، وأردفها بحديث ماتع عن الكتاب، وعن سبب تسميته، وعن بعض مزاياه.
هذا وقد ظهر بعد الكتب السالفة كتب كثيرة في فقه اللغة منها على سبيل المثال:
أ_ فقه اللغة وسر العربية لأبي منصور الثعالبي430هـ: ويعد الكتاب الثاني الذي وصل إلينا حاملاً مسمى (فقه اللغة) بعد كتاب (الصاحبي) لابن فارس.
وعنوان هذا الكتاب لا يطابق مسماه تماماً؛ إذ هو معجم للمعاني في مجمله، وفيه بعض الفصول في فقه اللغة، كحديثه عن أساليب العربية في التعبير من حقيقة ومجاز، وتقديم وتأخير، وحذف واختصار.
وفيه حديث عن الإبدال، والقلب، والنحت، وغيرها.
وقد طبع طبعات عديدة، منها طبعة دار الكتب العلمية بيروت، وطبعة دار مكتبة الحياة، وجاء عنوان الكتاب فيها (فقه اللغة وأسرار العربية)، ولعل أجود الطبعات طبعة دار الكتاب العربي، تحقيق ومراجعة د. فائز محمد، و د. إميل يعقوب.
ب_ المخصص لابن سيده ت458هـ: وهو معجم قَيِّم ضمَّنه بعض المباحث في نشأة اللغة، والترادف، والتضاد، والاشتراك، والتعريب، والتذكير، والتأنيث، والمقصور، والمنقوص.
ج_ المُعَرَّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم لأبي منصور الجواليقي ت540هـ: وقد قدَّم له بالحديث عن الألفاظ المُعَرَّبة، ومذاهب العرب في استعمال الأعجمي، وكيف نتعرف على ذلك.
د_ المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي ت911هـ.
وهذا الكتاب موسوعة في علوم اللغة، وقد ضمَّنه موضوعات لغوية عديدة اقتبسها من كتب السابقين، ورتبها وعرضها عرضاً جيداً؛ حيث جعل مُؤَلَّفهُ في خمسين نوعاً: ثمانية في اللغة من حيث الإسناد، وثلاثة عشر من حيث لطائفها ومُلَحها، وواحد راجع إلى حفظ اللغة وضبط مفاريدها، وثمانية راجعة إلى حال اللغة ورواتها، ونوع لمعرفة الشعر والشعراء، والأخير لمعرفة الأغلاط.
وفي ضمن هذه الأنواع مادة واسعة حول نشأة اللغة، والمصنوع والفصيح، والغريب، والمستعمل والمهمل، واللغات، واللهجات، والإبدال، والقلب، والنحت، والاشتقاق، والمجاز والمترادف، والمشترك، والمتضاد وغيرها من البحوث اللغوية.
وقد طُبع عدة طبعات منها طبعة دار الجيل بيروت، شرح وتحقيق محمد أحمد جاد المولى، وعلي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم.
وفي عصرنا الحاضر ألَّف كثير من العلماء والأساتذة المختصين في الدراسات اللغوية كتباً في اللغة وعلومها.
ومن أشهر تلك الكتب كتاب: (دراسات في العربية وتاريخها) للعلاَّمة الشيخ محمد الخضر حسين، وقد احتوى هذا الكتاب على عدد من الرسائل، والموضوعات في اللغة.
ومن تلك الكتب: تاريخ آداب العرب لمصطفى صادق الرافعي حيث تَضمَّن كثيراً من مباحث فقه اللغة خصوصاً الجزء الأول منه.
ومن الكتب في هذا الباب: فقه اللغة د. علي عبدالواحد وافي، وعلم اللغة د.علي عبدالواحد وافي، وفقه اللغة في الكتب العربية د. عبده الراجحي، وفصول في فقه اللغة د. رمضان عبدالتواب، والمعاجم العربية د. أمين فاخر، ومقدمة لدراسة علم اللغة د. حلمي خليل، ومقدمة لدراسة فقه اللغة د. محمد أحمد أبو الفرج، والوجيز في فقه اللغة العربية عبدالقادر محمد مايو، وفقه اللغة المقارن د. إبراهيم السامرائي، وفقه اللغة العربية وخصائصها د. إميل يعقوب.
هذه نبذة عن علم فقه اللغة، وإنما أطلت في هذه الفقرة؛ لمسيس حاجة الكاتب إلى هذا العلم ، ولقلة من ينبه عليه، وينوِّه به.([39])

6_ معرفة البلاغة، والوقوف على أسرار البيان العربي

فلا غنى للكاتب عن علم البلاغة؛ فهو علم جليل ينهض بأسلوب الكاتب، ويرتقي بفصاحته وبلاغته درجات؛ فيتمكن من الإتيان بالكلام الخالي من التعقيد، الخالص من تنافر الكلمات وضعف التأليف، المطابق لمقتضى الحال الذي يتمكن في النفوس، ويُعْرَض في صورة مقبولة حسنة.([40])
قال أبو هلال العسكري × متحدثاً عن فضل هذا العلم ومسيس الحاجة إليه: = اعلم _ علَّمك الله الخير، ودلَّك عليه، وقَيَّضه لك، وجعلك من أهله _ أنَّ أحق العلوم بالتعلم، وأولاها بالتحفظ _ بعد المعرفة بالله جل ثناؤه _ علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله _ تعالى _ الناطق بالحق، الهادي إلى سبيل الرشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحة النبوة، التي رفعت أعلام الحق، وأقامت منار الدين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حجب الشك بيقينها.
وقد عَلِمْنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخلَّ بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإعجاز البديع، والاختصار اللطيف؛ وضمَّنه من الحلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمهِ وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيرت عقولهم فيها.
وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه، وقصورهم عن بلوغ غايته، في حسنه وبراعته، وسلاسته ونصاعته([41])، وكمال معانيه، وصفاء ألفاظه.
وقبيحٌ _لعمري_ بالفقيه المؤتم به؛ والقارئ المهتدَى بهديه، والمتكلم المشار إليه في حسن مناظرته، وتمام آلته في مجادلته، وشدة شكيمته في حِجَاجه([42]) وبالعربي الصليب([43])، والقرشي الصريح([44]) _ ألا يعرف إعجاز كتاب الله _تعالى_ إلا من الجهة التي يعرفه منها الزنجي([45]) والنبطي([46])، أو أن يستدل عليه بما استدل به الجاهل الغبي+([47]).
إلى أن قال ×: =ولهذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة، ومناقب معروفة؛ منها أن صاحب العربية إذا أخل بطلبه، وفرَّط في التماسه، ففاتته فضيلته، وَعَلقَتْ به رذيلةُ فَوْتِهِ _ عفّى على جميع محاسنه، وعمَّى([48]) سائر فضائله؛ لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيد، وآخر رديء؛ ولفظٍ حسن، وآخر قبيح؛ وشعر نادر، وآخر بارد _ بان جهله، وظهر نقصه.
وهو _أيضاً_ إذا أراد أن يصنع قصيدة، أو ينشئ رسالة _وقد فاته هذا العلم_ مزج الصفو بالكدر، وخلط الغُرر بالعرر([49])، واستعمل الوحشي العكر؛ فجعل نفسه مهزأة([50]) للجاهل، وعبرةً للعاقل؛ كما فعل ابن جحدر في قوله:
حلفتُ بما أرقَلَتْ حَوْلَهُ



هَمَرْجَلَةٌ خَلْقُها شَيْظَمُ([51])


وما شَبْرَقَتْ من تَنُوفيَّةٍ



بها مِنْ وَحَى الجنِّ زِيزَيَمُ([52])


وأنشده ابن الأعرابي، فقال: إن كنت كاذباً فالله حسيبك.
وكما ترجم بعضهم كتابه إلى بعض الرؤساء: مُكَركَسَة تَرَبُوتَا ومحبوسة بِسَرِّيتا.
فدلَّ على سخافة عقله، واستحكام جهله؛ وضرَّه الغريب الذي أتقنه ولم ينفعه، وحطه ولم يرفعه لمَّا فاته هذا العلم، وتخلف عن هذا الفن.
وإذا أراد _ أيضاً _ تصنيف كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطى هذا العلم ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه؛ فأخذ الرديء المرذول، وترك الجيد المقبول، فدل على قصور فهمه، وتأخر معرفته وعلمه.
وقد قيل: اختيار الرجل قطعة من عقله؛ كما أن شعرَه قطعةٌ من علمه+([53]).
ومن خلال ما مضى يتبين لنا أهمية علم البلاغة للكاتب؛ فحقيق على مَنْ يمارس صناعة الكتابة أن يكون ذا دراية، واطلاع على هذا العلم.
وإنَّ مما يعينه على ذلك أن يقف على ما كُتب فيه؛ فَعِلْم البلاغة كان مندرجاً في جملة علم الأدب، وكانت مسائله شُعْبَةً من شعب النحو والأدب؛ وكانت مبثوثة في تضاعيف مؤلفات العلماء ككتاب سيبويه، وكطبقات الشعراء لابن سلام، والبيان والتبيين للجاحظ، والبديع لابن المعتز، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، والموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي، والوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني.
ثم ألَّف أبو هلال العسكري ت 395هـ كتابه العظيم (كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر) فعرض زبدة تلك الكتب، وصار كتابه من أمهات البلاغة.
ثم جاء الشيخ عبدالقاهر الجرجاني ت 471هـ فخصَّ علم البلاغة بالتدوين في كتابيه: (كتاب دلائل الإعجاز) و(كتاب أسرار البلاغة) فأعطى ألقاباً للمسائل، وأخرج الكلام في الإعجاز عن الصفة الجزئية إلى قواعد كلية مسهبة مبرهنة.
ولم يَصِرْ علم البلاغة فناً مهذباً إلا منذ صنف يوسف السكاكي ت 626هـ القسم الثالث من كتابه (مفتاح علوم العربية).
حيث جمع زبدة ما كتبه الأئمة قبله في هذه الفنون، ونظم لآلئها المتفرقة في تضاعيف كتبهم، وأحاط بكثير من قواعدها المبعثرة في الأمهات، ورتبها أحسن ترتيب، وبوَّبها خير تبويب، وفَصَل فنونَ البيان الثلاثة بعضها من بعض؛ لما كان له من واسع الاطلاع على علوم كثيرة.
وقد اختصر مؤلَّفه في كتاب آخر سماه (التبيان) ولخَّصه بعض المتأخرين في أمهات مشهورة كما فعل ابن مالك في كتابه (المصباح) والخطيب جلال الدين محمد بن عبدالرحمن القزويني المتوفى سنة 739هـ في كتابيه (تلخيص المفتاح) و(شرح الإيضاح).
والأخير مؤلف جليل جمع فيه مؤلفه خلاصة (المفتاح) و(دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) و (سر الفصاحة) لابن سنان الخفاجي.
ثم طفق المؤلفون من القرن الثامن وما بعده يوسعون الشروح والحواشي على المفتاح وتلخيصه للقزويني، وصرفوا جلَّ همتهم في تفسير ما أشكل من عبارات المؤلفين، والجمع بين ما تناقض من أرائهما.
ومن أجلِّ تلك الشروح شروح مسعود سعد الدين التفتازاني ت 791هـ، وشروح السيد الجرجاني ت 816هـ، ثم تتابعت التقارير، والحواشي توضح ما انبهم من تلك التراكيب المجملة، والعبارات الغامضة.
ومما يحسن التنبيه عليه أن أساليب التأليف في تلك العصور قد ملكت عليها العجمةُ أمرَها، ومن ثم لم يكن للقارئ أن يجعلها قدوة في أساليبها؛ فهي أحرى أن تكون أساليب اصطلاحية علمية لا لغوية أدبية، تشرح كلام العرب، وتبين مزاياه.
ثم أنشئت في العصر الحديث المدارسُ العالية والثانوية في مصر، فألفت المختصرات التي تناسب تلك البرامج المدرسية، ومن جملة ذلك ما أُلِّفَ في البلاغة، فهي _ وإن اختلف ترتيبها، وتبويبها _ تنحو في الجملة منحى ما كتبه صاحب التلخيص وشراحه.([54])
ومن أهمها كتاب: بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة لعبدالمتعال الصعيدي.
ومن الكتب التي أُلِّفت فيها _ زيادة على ما ذكر آنفاً _ المثل السائر لابن الأثير، هذا في القديم.
أما في العصر الحديث فهناك كتب كثيرة منها: موجز البلاغة لابن عاشور، والبلاغة الواضحة لعلي الجارم، ومصطفى أمين، وهو كتاب سهل ميسور، وسلسلة (في البلاغة العربية) د.عبدالعزيز عتيق، والبلاغة تطور وتاريخ د. شوقي ضيف، ومعجم البلاغة د. بدوي طبانة، والبلاغة العربية د. بكري شيخ أمين.
فهذه نبذة عن علم البلاغة، وبيان أهميته والتأليف فيه.

7_ معرفة الإملاء، ومراعاة علامات الترقيم

فذلك من أهم ما يجب على الكاتب؛ فإذا كان عالماً بالإملاء سلمت كتابته من الأخطاء الإملائية.
وإذا كان مراعياً لعلامات الترقيم ساعد ذلك على توضيح مراده؛ فعلامات الترقيم تبين المعنى، وتزيل بعض الإشكال.
والمقصود بالترقيم هنا: علامات اصطلاحية توضع في أثناء الكلام، أو في آخره كالفاصلة، والنقطة، وعلامتي الاستفهام والتعجب، وكالفاصلة المنقوطة، وكعلامات التنصيص، والشرط وهكذا....
ومن أحسن ما كُتب في الإملاء: كتاب الإملاء للشيخ حسين والي.
ومن أحسن ما كُتب في الترقيم: كتاب الترقيم وعلاماته في اللغة العربية للعلامة أحمد زكي باشا، وكتاب كي لا نخطئ في الإملاء وعلامات الترقيم لحسني شيخ عثمان.
8_ الاطلاع على الكتب التي تعنى بصناعة الكتابة

والمقصود بها الكتب التي تتناول أدب الكتابة، وتضع لها القواعد العامة، والمعالم البارزة؛ فتتناول الألفاظ، والتراكيب، وتعنى بطرائق الكلام، وملاءمته، وإعطاء كل مقام حقه، وتضرب الأمثلة على ذلك كله.
ومن الكتب المؤلفة في هذا: أدب الكاتب لابن قتيبة، وأدب الكتاب للصولي، وكتاب الفرْق لابن فارس اللغوي، وكتاب الفَرْق لثابت بن أبي ثابت اللغوي، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، وجواهر الألفاظ لقدامة ابن جعفر، والمثل السائر لابن الأثير، والألفاظ الكتابية للهمذاني الكاتب، وسحر البلاغة وسر البراعة للثعالبي، والمنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء لأبي العباس الجرجاني، وكتاب الكناية والتعريض للثعالبي، وكتاب الكتَّاب لابن درستويه، وشرح أدب الكاتب لأبي منصور الجواليقي، ومعالم الكتابة ومغانم الإصابة لعبدالرحيم بن علي القرشي.
ويدخل في هذا القبيل كتب المعاجم؛ فهي تمد الكاتب بثروة لغوية هائلة، كمعجم العين للخليل، والمقاييس لابن فارس، والجمهرة لابن دريد، والمحكم لابن سيده، وتهذيب اللغة للأزهري، وأساس البلاغة للزمخشري، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزأبادي([55]).
ويدخل في ذلك الكتبُ التي تعنى بأكابر الكتاب، وتقوم على دراسة أساليبهم وطرائقهم ككتاب أمراء البيان لمحمد كرد علي، حيث تعرض في هذا الكتاب لدراسة عشرة من أكابر كتاب العربية.
*
9_ الوقوف على أمثال العرب

فمما يحسن بالكاتب أن يكون ذا معرفة واطلاع على أمثال العرب؛ وهي أقوال موجزة مرسلة تشبِّه حالاً مشاهدة بأحوال منظورة.
والذي يجمع بين الحال السابقة والحال القائمة هو المماثلة.
وللأمثال أثر في النفوس، وسيرورة في الناس؛ فهي خفيفة الظل، سريعة الحفظ، تمزج الهزل بالجد، وتشير إلى ما تريد بطرف خفي؛ فهي كالرموز والإشارات التي يُلَوّح بها على المعاني تلويحاً.
وحيث هي بهذه المثابة فلا ينبغي الإخلال بمعرفتها.
قال عبدالرحمن بن هذيل ×: =وليس يكمل أدب المرء حتى يعرف المثل السائر، والبيت النادر، وما يحكى عن أهل العصور من الأخبار العجيبة، وما وقع لهم من الألفاظ البليغة، والمعاني الغريبة؛ ففي ذلك العلمُ بالأمور، والعقل المكتسب، والأدب الصادر عن ذي المروءة والحسب+([56]).
وإليك هذا النموذج النثري من كلام الإمام الشوكاني× في كتابه أدب الطلب حاثاً على طلب العلم، محذراً من الكسل، مبيناً عواقبه الوخيمة.
وفي هذا المثال يتبين لك كيف وظَّف الأمثال لما يريد أن يصل إليه.
يقول ×: =فإن من أرسل عنان شبابه في البطالات، وحل رباط نفسه فأجراها في ميادين اللذات _ أدرك من اللذة الجسمانية من ذلك بحسب ما يتفق له منها، ولا سيما إذا كان ذا مال وجمال.
ولكنها تنقضي عنه اللذة، وتفارقه هذه الحلاوة _ إذا تكامل عقله، ورجح فهمه، وقوي فكره؛ فإنه لا يدري عند ذلك ما يدهمه من المرارات التي منها الندامة على ما اقترفه من معاصي اللَّه، ثم الحسرة على ما فوته من العمر في غير طائل، ثم على ما أنفقه من المال في غير حله، ولم يفز من الجميع بشيء، ولا ظفر من الكل بطائل.
وتزداد حسرته، وتتعاظم كربته _ إذا قاس نفسه بنفس مَنْ اشتغل بالمعالي مِنْ أترابه في مقتبل شبابه؛ فإنه لا يزال عند موازنة ذاته بذاته، وصفاته بصفاته _ في حسرات متجددة، وزفرات متصاعدة، ولا سيما إذا كان بيته في العلم طويل الدعائم، وسلفه من المتأهلين لمعالي المكارم.
=

فإنه حينئذ تذهب عنه سكرة البطالة، وتنقشع عنه عماية الجهالة _ بكروب طويلة، وهموم ثقيلة، وقد فات ما فات، وحيل بين العَيْر والنَزَوَان([57])، وحال الجَرِيْضُ دون القريض([58]) وفي الصيف ضَيَّعتِ اللبن([59])+([60]).
هذا وإن عند العرب رصيد ضخم من الأمثال لا يحويه كتاب، ولا يستوفيه مصنف.
ومن الكتب المصنفة في ذلك أمثال العرب للمفضل الضبي، وكتاب الأمثال لأبي عبيد، ومجمع الأمثال للميداني، والمستقصي من أمثال العرب للزمخشري، ومعجم الأمثال العربية د.محمود صيني وناصف عبدالعزيز، ومصطفى سليمان وغيرها.

10_ معرفة أيام العرب والوقائع

فيحسن بالكاتب أن يكون ذا بصر بأيام العرب، ومعرفة بالوقائع التي وردت في حوادث خاصة بأقوام؛ فإن أيام العرب تتنوع، وتتشعب؛ فمنها أيام فخار، ومنها أيام محاربة، ومنها أيام منافرة، ومنها غير ذلك.
ومن الأيام المشهورة عند العرب يوم حليمة، ويوم خزاز، ويوم بعاث، وغيرها من الأيام سواء في الجاهلية أو الإسلام.
وهناك كتب مصنفة في هذا الصدد، كأيام العرب في الإسلام لمحمد أبو الفضل إبراهيم وغيره، كما أن هذه الأيام ترد ضمناً في كتب العلماء، والأدباء، والتواريخ.
ولا يخلو الناظر أو الناثر من الانتصاب لوصف يوم يمر به في بعض الأحوال، ومماثلٍ له؛ فإذا جاء بذكر بعض الأيام المناسبة لمراده الموافقة له، وقاس عليه _ فإنه يكون في غاية الحسن والرونق _ كما يقول ابن الأثير _.([61])
وأما الوقائع التي وردت في حوادث خاصة بأقوام فإنها كالأمثال في الاستشهاد بها.([62])

11_ الحرص على الأخذ من كل فن بطرف

فبالجملة فإن صاحب صناعة الكتابة _ كما يقول ابن الأثير _: =يحتاج إلى التشبث بكل فنٍّ من الفنون، حتى إنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء، والماشطة عند جَلْوَة العروس، وإلى ما يقوله المنادي في السوق على السلعة؛ فما ظنك بما فوق هذا؟
والسبب في ذلك أنه مؤهل لأن يهيم في كل واد؛ فيحتاج إلى أن يتعلق بكل فن+([63]).
هذا وإن للعرب قِدْحاً مُعلَّى في التأليف والتفنن فيه؛ فمن أراد تنمية مداركه، وتوسيع نطاق علمه _ فليقف على ما ألفوه في أي فن يريده، وسيجد ما يشبع نهمته، ويروي غلته؛ فالذي يقف على ما شاده الأوائل، وكتبوه يأخذه العجب، ويذهب به كل مذهب.
يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور × في أثناء حديث له عن تاريخ العلوم، وما وصلت إليه في بعض مراحل التاريخ الإسلامي: =ومما تقدم إلى هنا: تعلم أن العلوم التي كانت تدرس وتدون يومئذ تنتهي إلى اثنين وثلاثين علماً هي: التفسير، الحديث، السيرة، اللغة، النحو، الصرف، التصوف، العَروض، الفقه، أصوله، التاريخ، الطب، آداب العرب، البلاغة، الفلك، المنطق، الفلسفة، الهندسة، الحساب، الهيئة، الجغرافيا، الموسيقى، علم الحيوان، الطبيعة، الرواية والقصص، الكلام، الصيدلة، الكيمياء، الفلاحة، المساحة، الجبر، جر الأثقال والتحرك، وتتبعها علوم تتفرع عن بعضها مثل مصطلح الحديث، والجدل، وآداب البحث، ونقد الشعر+.([64])
هذا بالنسبة للفنون والموضوعات، أما ما يندرج تحتها من أفراد ومؤلفات فلا يمكن حصره.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59