الموضوع: نبـي الـرحمة
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-30-2012, 12:35 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,412
افتراضي

المطلب الخامس: العلم من وظائف رسالته:
يقول آتيين دينيه:
".. إن الإسلام منذ البداية في أيامه الأولى قد أخذ في محاربة الخرافات والبدع، وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا هذا"[1] ..
وبالتالي فإن "المنجزات العلمية تتفق تمامًا مع مبادئ الإسلام، لأن الإسلام هو دين العلم"[2]، على حد قول فيلويز[3] .
ومن هنا يذكر جوستاف لوبون أن:"الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم"[4].
وعلى هذا الأساس يعرّف "جارودي "[5] الإسلامَ، فيقول :"إنما الإسلام هو تلك الرؤية لله .. وللعالم وللإنسان، التي تنيط بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم إلهي وإنساني لا انفصام فيه باقتضاء البعدين الأعظمين، المفارقة والجماعة، التسامي والأمة"[6] ..
ويبين روم لاندو العلاقة بين الدين والعلم في الإسلام، فيقول :
".. في الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني"[7] .
ويُفصِّل روم لاندو القول في هذه العلاقة، قائلاً : "العلم الإسلامي لم ينفصل عن الدين قط ! والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية) ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها.. إن المسلمين وفّقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين ...وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح لا عامل تعويق وإحباط"[8] ..
ومن ثم بلغوا مبلغاً عظيماً في ميادين العلوم الإنسانية والطبيعية، وظهر منهم مسلمو إسبانيا " الذين أهدوا إلى الغرب اللاتيني هباتهم النفيسة في ميادين العلم والفلسفة.. وكان الطب كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة"[9] على حد قول سرارنست باركر (1874-1960).
وكانت هذه العلوم التي نبغ فيها المسلمون في عصورهم الذهبية – كما يقول الدومييلي – هي "حلقة الاتصال والاستمرار بين الحضارة القديمة وبين العالم الجديد"[10] .
وهنا يحذر "الدومييلي" من شبهة، فيقول: "ينبغي ألا نظن أن العرب لم يضيفوا شيئًا جديدًا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه ! بل على النقيض من ذلك ."[11]

وعن رسالة المسلمين في هذه العلوم يقول "أرنست بانرث" [12] : إنهم – أي المسلمين - " لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية، بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها. ونرى هنا أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية ... بواسطة المترجمين، وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية الإسلام بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الأفكار العليا والتي لا تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا. ولا أراني بحاجة إلى ذكر أسماء الفلاسفة[ المسلمين ] الذين فتحوا آفاقًا جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود، ...ولا شك أن الحضارة الإسلامية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينتبه إليه قوم آخرون. ولا يخفى أن هذا الاعتلاء كان ثمرة الاجتهاد في كل نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية. أما الغرب الأوروبي فلم يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها. وكذلك دولة بيزنطية فقد تجمدت، والآن نرى كيف تعجبت الأقوام الأوروبية من جمال الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال البرانس"[13] .
المطلب السادس : من توجيهات النبي r:
وهذه باقة من توجيهات نبينا العظيمr، وحثه على طلب العلم، ونشر المعارف والثقافات، وأمره بمحو الأمية والخرافات:
فيقول – صلوات ربي وسلامه عليه - :
"طلب العلم فريضة على كل مسلم"[14] ..
" .. و إن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر"[15]
"إن الله أوحى إلي : أنه من سلك مسلكاً في طلب العلم سهلت له طريق الجنة، و من سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة، و فضل في علم خير من فضل في عبادة، و ملاك الدين الورع"[16] .
"ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع"[17] .
"من علم علماً، فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل شيء"[18] ..
"إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه..."[19]
وعن صفوان بن عسال المرادي t قال:
أتيت النبي r وهو في المسجد متكىء على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم .
فقال: " مرحبًا بطالب العلم .. إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضًا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب"[20] .
وعن أبي أمامة قال: ذُكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلان : أحدهما عابد والآخر عالم.. فقال - عليه أفضل الصلاة والسلام - : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "..ثم قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم -:
"إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"[21]
قال ابن عباس:
كان ناس من الأسارى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول- الله صلى الله عليه وسلم - فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة[22]؛ وبذلك شرع الأسرى يعلمون غلمان المدينة القراءة والكتابة، وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه. وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة، وإزالة الأمية[23]..
هذه كانت توجيهات محمدفي العلم والمعرفة ...
صور رائعة وتعاليم رفيعة، يقف أمامها العاقل المتبصر وقفة خشوع وإجلال، لاسيما لهذا المظهر العظيم من مظاهر الرحمة من النبيr، ألا وهو رعاية العلم والمعرفة.. وفي ذلك رحمة للبشر من زعيم كبير ونبي جليل ..
مما دفع "لبيب رياشي" أن يرفع قبعته تقديراً لهذه التعاليم قائلاً : "حقاً يا محمد ... إنك (السوبرمان)[24] الأول العالمي، رسول الثقافة والعلم، رسول الهداية والتضحية، رسول الفلسفة الجديدة، رسول الإنسانية الجديدة"[25]..
"بدّل الضلال بالهدى ، والجهل بالعلم ، والهمجية بالمدنية"[26]..
"علمه الله العلم والحكمة ، فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل شيء !"[27]..

المبحث الخامس
الخطاب التربوي
لم يكن خطابه rإلى الناس خطابًا دكتاتوريًا مستبدًا، أو براجماتيًا نفعيًا، إنما كان خطابه إلى الناس خطابًا تربويًا .. لم يكن يغلب عليه طابع الحاكم بقدر ما غلب عليه طابع المعلم الوقور الذي يتحدث إلى تلاميذه .. وهذا من تجليات رحمته r..
المطلب الأول : المعلم الرحيم :
كان النبيr هو المعلم الرحيم والمصلح الكبير لإبناء الإنسانية، علمهم الحياة ، والحضارة، فأصلح شؤونهم بعد فساد، يقول الباحث الهولندي وث ( 1814 – 1899م) :
"لقد جاء قرآن العرب[28] على لسان نبيهم محمد العظيم [r]! ، وعلمهم كيف يعيشون في هذه الحياة ، وقد وحد صفوفهم وجمع كلمتهم وأدبهم حتى لا ترى أمة من الأمم أحسن منهم، وبالنهاية اعتمدوه في كل أمورهم ، وكان يتلقى الوحي من ربه الذي يوحي إليه ، ثم ينقله إلى الناس ، بعد أن يكتبه له الكتاب الذين انتدبهم لذلك"[29] ..

كما كان النبيrفي سائر مراحل حياته القدوة الإنسانية والمثل الأعلى والنموذج الأمثل للمعلم الكبير، وقد جاء في القرآن الكريم:]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [[ الأحزاب : 21]
"فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا ،حتى نقتفي أثره"[30]
وهذه القدوة التي تمسك بها المسلمون، عادت عليهم بانتشار هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة في الأرض كما يقول توماس آرنولد، و"وقفوا حياتهم على الدعوة إلى الإسلام، متخذين من هدي الرسول [r] مثلاً أعلى وقدوة صالحة"[31].
المطلب الثاني: نماذج رحمته بالمتعلمين :
فمن نماذج رحمته r في التربية ما رواه مُعَاوِيَةَ بنِ الْحَكَمِ السّلَمِيّ قال: صَلّيْتُ مَع رسولِ الله rفَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله, فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَيّاهُ! مَا شَأْنُكُم تَنْظُرونَ إلَيّ؟ ! قال:
فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أنّهُمْ يُصَمّتُونِي، فَلَمّا رَأيْتُهُمْ يُسكّتُونِي سكَتّ، فَلَمّا صَلّى رسولُ الله r - بِأبِي وَأُمّي - مَا ضَرَبَني وَلا قهَرَني وَلا سَبّنِي. ثُمّ قال:"إنّ هَذِهِ الصّلاَةَ لا يَحِلّ فيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النّاسِ هَذَا. إنّمَا هُوَ التّسْبِيحُ وَالتّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"[32].
ومن أعاجيب المواقف التي تدل على سعة صدره ورحمته للمتعلمين، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد.. فعن أنس t قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله r إذ جاء أعرابي[33] فقام يبول في المسجد وأصحاب الرسول r يصيحون به: مه مه! (أي اترك)، فقال رسول الله r: "لا تزرموه دعوه!" (لا تقطعوا عليه بولته)، فترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله، ثم دعا الرسول r الأعرابي، فقال رسول الله r للأعرابي: " إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن". وهنا قال رسول الله r لإصحابه: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء". فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا!!! فقال الرسول r: "لقد تحجرت واسعًا، (أي ضيقت واسعًا)"[34] .

وهكذا نرى نبي الرحمة r في مثل هذه المواقف، التي يغلب عليها الجانب التربوي السمح، لا الجو العسكري الصارم . وإن كان رسول اللهr هو "الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد"[35] في آن واحد .
المطلب الثالث : أساليبه في الخطاب التربوي :
وأساليبه r في الخطاب التربوي والتعليم، رحمة للمتعلمين، رحمة لكل من يستمع إليه ..
فتراه r وهو يحدث الناس، يمهد لحديثه ليفهموه، ويكرر المعلومة ويوكدها ليعقلوها، ويضرب الأمثلة ليصل المعنى إلى السامعين، ويتخولهم بالموعظة مخافة الملل، ويرسم بيده على الأرض، ويستخدم أصابعه ممثلاً...كل هذا رفقًا ورحمة بالمستمعين والمتعلمين[36] .
أولاً: التمهيد والتهيئة:
كان النبي r يمهد للمعلومة قبل إيصالها للمتعلم، بحيث يستوعبها السامع، بسهولة ويسر، ومثال ذلك :
1- ما رواه أبو هريرة t عن النبي r قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا.. ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يارسول الله قال: " إسباغ الوضوء على المكاره.. وكثرة الخطى إلى المساجد... وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط.. فذلكم الرباط... فذلكم الرباط "[37].
2- وعن أبي هريرة أن رسول الله r قال: " أتدرون من المفلس؟".
قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا.. وقذف هذا.. وأكل مال هذا.. وسفك دم هذا... وضرب هذا... فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته... فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم.. فطرحت عليه ثم يطرح في النار "[38] .
ففي المثال الأول مهد للمستمعين قائلاً : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا.. ويرفع به الدرجات..؟" ، ليتهيىء السامع، ويتجاوب مع السؤال، ويُعمل عقله، في محاولة الإجابة، ومن ثم يقوم النبي بالإجابة على السؤال بنفسه وقد استثار عقل السامع نحو فكرة الموضوع . فتدخل المعلومة إلى العقل، وقد اشتاق إلى المعلومة، كما تشتاق الأرض العطشى للمطر !
وبالمثل في المثال الثاني، فالسامع في اشتياق لمعرفة هذا المفلس وصفاته، بعدما تحرك العقل يمينًا وشمالاً لمعرفة الجواب الصحيح . فلا يزال العقل في حيرة حتى تصل إليه المعلومة الشافية، فتحصل الفائدة وترسخ المعلومة.

ثانيًا: التكرار والإعادة:
فعن أنس بن مالك t عن النبي r أنه " كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه.. "[39].
ومثال ذلك:
1- قوله r: " ألا وقول الزور " فما زال يكررها...
2- ويقول ابن عمر: قال النبي r : " هل بلغت؟ " ثلاثًا .
3- وعن عبد الله بن عمرو عن النبي r قال: " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثاً.
والتكرار في هذه النماذج للتفهيم والحفظ. وهذه من قبيل رفقه وتنبيهه للمستمع.

ثالثًا: التأني أثناء العرض:
فتصف عائشة طريقة عرض النبي r فتقول : " ما كان رسول الله r يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن، فصل، يحفظه من يجلس إليه "[40] .
والنبي r بطريقة عرضه هذه، إن دلت على شيء فإنما تدل على رفقه ورحمته بالمستمعين..

رابعًا: مراعاة طاقة المتعلمين:
فلقد كان النبي r، يقتصد في دروسه وخطبه ومواعظه، حتى لا يمل المتعلمين من تعاليمه r، وحتى ينشطوا لحفظها ويسهل عليهم فهمها ..
فقد كان النبي r يحسن اختيار أوقات النشاط الذهني، والاستعداد النفسي لدى المتعلمين.. ومباعدته بين الخطبة وأختها، والموعظة وأختها.. حتى تشتاق النفوس، وتنشرح الصدور لتلقي العلم..
فعن عبد الله بن مسعود t قال: " كان النبي r يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا "[41].

خامسًا: ضرب الأمثال:
وقد كان هذا الأسلوب هو المعتاد والمفضل في منهج النبي r في العرض والتفهيم، ومثال ذلك قوله r :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد... إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "[42]
وفي ذلك أثر كبير في إيصال المعنى إلى المتعلم، ذلك أنه يقدم القيمة المعنوية في صورة حسية ملموسة، فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن .
سادسًا: استخدام الوسائط المتعددة:
كان النبي r يستخدم ما يسمى اليوم بالوسائل التعليمية أوالوسائط التوضيحية، لتبيين المعنى، وتوضيح المغزى في عقول السامعين، وشغل كل حواسهم بالموضوع:
ومن هذه الوسائط:
1- التعبير بحركة اليد والأصابع:
كتشبيكه r بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلاقة بين المؤمن وأخيه. فعن أبى موسى الأشعري t... عن النبي r قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان.. يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه[43].
2- التعبير بالرسم والمجسمات:
أ) أما الرسم : فعن عبد الله بن مسعود t قال: " خط النبي r خطًا مربعًا.. وخط خطًا في الوسط خارجا منه ـ وقد أحاط به ـ وهذا الذي هو خارج أمله... وهذه الخطوط الصغار الأعراض.. فإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا. وإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا"[44] .
ففي هذا الحديث بين لهم النبي r بالرسم على الأرض كيف يحال بين الإنسان وبين آماله الكثيرة الواسعة بالموت .. وفيه حض على الاستعداد للموت قبل هجومه المفاجئ.
ب) وأما المجسمات : فعن علي بن أبي طالب t قال: " إن نبي الله r أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله: ثم قال: " إن هذين حرام على ذكور أمتي... حل لإناثهم "[45].
3- التعليم التطبيقي العملي:
ولقد انتهج الرسول r هذا الأسلوب في التعليم عندما كان يعلم الصحابة الصلاة حيث قال بعد ما فرغ من الصلاة ذات يوم : " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي "[46] .
كل هذه الوسائط والأساليب من قبيل الرحمة بالمتعلمين، تبين لك عظيم رحمة النبيr، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على عظم قدر العلم والمعرفة والثقافة في نفس محمدr، وتقديره البالغ لرسالة التربية والتعليم، وممارسته الماهرة لشتى الوسائل التي تفيد المنظومة التربوية ..


المبحث السادس
خدمة الإنسانية
المطلب الأول : محمد rخادم الإنسانية:
وفي رعايته للإنسانية وحقوق الإنسان مظهر آخر من مظاهر رحمته r ..
لقد عاش النبيr حياته يخدم الإنسان، ويهذب الإنسان، ويعلم الإنسان، ويدافع عن الإنسان.. !
لقد كان إنسانًا بكل ما في الكلمة من معان. وكانت سعادة نفسه ورضاها، في كونه إنسانًا، يأكل كما يأكل العبد، ويلبس كما يلبس العبد، يسأل ربه دومًا أن يحيه مسكينًا وأن يمته مسكينًا، وأن يحشره في زمرة المساكين .. و لا يأنف أن يطمئن رجلاً دخل علي حضرته – صلوات الله وسلامه عليه - ، وقد ارتعدت أوصال الرجل، من شدة هيبة النبي r، ظنًا منه أنه إنما دخل على جبار أو ملك، والنبي يهدىء من روعه قائلاً :
" هون عليك ! فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد !"[47].
"لقد كان محمد [r] أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته... وما حياة الرسول [r] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية "[48] ..
تقول "اللادي ايفلين كوبولد":
".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر محمد [r] روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية"[49].
ويؤكد القس "دافيد بنجامين كلدانى" في مؤلفه : " محمد في الكتاب المقدس " هذه الحقيقة بأن النبي r "خادم الإنسانية" بقوله :
"إن الخدمة الجليلة العظيمة المدهشة التي قدمها محمد [r] لله .. ولصالح البشر، لم يقدمها أي مخلوق من عباد الله ملكاً كان أو نبياً... فإنه [r] أقلع جذور الوثنية من جزء كبير من الأرض، وأما خدمته للإنسان فقد قدم له أكمل دين وأفضل شريعة لإرشاده وأمنه "[50].
ويتابع القس كلدانى القول :
" أقام دين الإسلام الذي وحد في أخوة حقيقية ، جميع الأمم والشعوب التي لا تشرك بالله شيئاً . إن جميع الشعوب الإسلامية تطيع رسول الله[r] وتحبه تحترمه! لأنه مؤسس دعائم دينها، ولكنها لا تعبده أبداً ولا ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه"[51]..
ويقول الباحث السويسري ماكس فان برشم ( 1863 _ 1921 ) :
" إن محمداً [r]نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، وإن ظهور محمد[r]للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ، وإن افتخرت آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم .."[52] ..
و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول r واجتهاده في خدمة الإنسانية عربياً وعالمياً فتقول :
"إن محمداً [r]، اجتهد في الله .. وفي نجاة أمته ، وبالأصح : اجتهد في سبيل الإنسانية جمعاء" [53]..
و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم [r]:(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.).. "[54]
المطلب الثاني: خطبة الوداع : الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان :
وقد جاء في هذه الخطبة الجامعة :
"أيها الناس ! إني والله لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا، بمكاني هذا، فرحم الله من سمع مقالتي اليوم فوعاها، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"[55] .
‏" ‏إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏.‏ ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هُذَيْل ـ وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله‏"[56] .
"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يُؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه!"[57] .
" واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث إخلاص العمل لله ومناصحة أولي الأمر وعلى لزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم "[58]
‏"‏فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏..وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ..كتاب الله[59] .
"أيها الناس ! إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم واعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنة ربكم.‏ "[60] .
"‏وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏" ‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت‏.‏
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس‏:‏ ‏"‏اللهم اشهد‏!!"ثلاث مرات‏[61].
ويعلق "هربرت جورج ولز "على هذه الخطبة فيقول :
"إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها"[62] .
ويعلق العلامة إميل درمنغم ، على هذه الرحلة العظيمة، وهذه الخطبة البليغة، قائلاً:
".. تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي [r]الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة.."[63]
المطلب الثالث: توجيهات إنسانية :
وإلى جانب خطبة الوداع الجامعة هناك توجيهات وتعاليم أخرى للنبي r، تعنى بحقوق الإنسان، لاسيما في مسألة الدماء :
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قُتِلَ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r لا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ، فَصَعِدَ مِنْبَرَهُ ، فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! أَيُقْتَلُ قَتِيلٌ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ؟ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِلا عَدَدٍ وَلا حِسَاب"[64]
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ سَرِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ r غَشُوا أَهْلَ مَاءٍ صُبْحًا فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا النَّبِيَّ r بِذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي مُسْلِمٌ" فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا. فَصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ r وَجْهَهُ وَمَدَّ يَدَهُ الْيُمْنَى فَقَالَ : " أَبَى اللَّهُ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ[65]..
و"مثل هذه الأقوال وهذه الأفعال ترينا في محمد[r] أخا الإنسانية الرحيم ، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق ، وابن أمنا الأولى وأبينا الأول"[66] .


الفصل الثالث
رحمته للعالمين في مجال الأخلاق
المبحث الأول : الرفق واللين
المبحث الثاني : العفو
المبحث الثالث : العدالة والمساواة
المبحث الرابع : الحب والإخاء
المبحث الخامس : السماحة في المعاملات المالية






















المبحث الأول
الرفق واللين واللطف
المطلب الأول: طريق محمد .. طريق الرفق :
ماهي طريقة محمد r في دعوة الناس إلى منهج الله القويم ؟
يجيب عن هذا السؤال توماس أرنولد ، ويقول :
" قد جاءهم محمد [r]من طريق الرفق"[67] !
أما لويس سيديو، فيفصل في الإجابة، ويقول :
"كان[r] يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. "[68].
ويقول " برتلي سانت هيلر ": "كان محمد [r]أزكى العرب في عهده وأكثرهم تقوى وديناً، وأرحبهم صدراً ، وأرفقهم بأعدائه"[69] ..
ولهذا قال هنري دي كاستري: " هكذا جذب الإسلام قسمًا عظيمًا من العالم... بما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر حيث أتاح للناس شيئًا مما يشتهون !"[70] .. فهو دين واقعي، يتعامل مع حاجات الإنسان بفهم ورفق، أو بعبارة كويليام :" ليس بين الأديان أقرب للفهم من الدين الإسلامي للذين يفقهونه، كما أنه ليس بينها أثبت ولا أرفق منه."[71]
ويقول "هربرت جورج ولز": "هذا الإلحاح على الرفق والرعاية في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل الإسلام الكبرى بيد أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه"[72].، ولا زال الغرب يتعلم أخلاق الرفق من الإسلام ونبي الإسلام، كما يقول "ريشار وود" حتى صار النصارى يتعلمون من الدولة الإسلامية، و"ما يرمي إليه الدين [ الإسلامي ] من الحضّ على الرفق واللين"[73] ..!
ومن ثم يدعو "سوسة"[74] أتباع موسى وعيسى [عليهما السلام] " أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة عامة. ويثبت لنا التاريخ... أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم مس الأطفال والنساء والشيوخ، بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين"[75]..
المطلب الثاني : حثه على الرفق :
أولاً : الرفق يحبه الله :
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"[76]
و عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أن النَّبِيِّ r قال:
"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ..."[77].
ثانيًا: الرفق جمال وذوق:
عَنْ عَائِشَةَ:
أن النَّبِيِّ r قَالَ : "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"[78] ..
ثالثًا: الرفق ي*** الخير:
و عَنْ جَرِيرٍ:
عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : "مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ !"[79] .
المطلب الثالث: من نماذج رفقهr:
أولاً: الرفق بالمتعلمين:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ ( ليضربوه )، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"لَا تُزْرِمُوهُ !"
ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ[80] .
ثانياً: الرفق بالسفهاء :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . فَقَالُوا: السَّامُ[81] عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا. فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " مَهْلًا يَا عَائِشَةُ ! ! إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ".
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "قَدْ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ"[82] ..
وهذا وهو خلق رسول الله r دومًا إذا سابه أحد أو شاتمه..
ثالثًا : الرفق بالعصاة :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا !! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا : مَهْ مَهْ !!!
فَقَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ادْنُهْ " ..
فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.. فَجَلَسَ
قَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ !
قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ."
"أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ "
قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ
" أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ..
قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ "
" أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ "
"أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " .
قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ" .
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ :
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" ..
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ[83].
رابعًا: الرفق بالشعب والرعية :
عن حَرْمَلَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ عَائِشَةَ، أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ ..
فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟
فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ
فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ
فَقَالَ : مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ ..
فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ - فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر-ٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي بَيْتِي :
"هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ، عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ "[84] .
خامسًا : الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة :
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ قَالَ
كُنْتُ امْرَأً أَسْتَكْثِرُ مِنْ النِّسَاءِ لَا أَرَى رَجُلًا كَانَ يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُصِيبُ! فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ، فَبَيْنَمَا هِيَ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ انْكَشَفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَوَاقَعْتُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي ، وَقُلْتُ لَهُمْ : سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!!
فَقَالُوا : مَا كُنَّا نَفْعَلُ إِذًا يُنْزِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا كِتَابًا أَوْ يَكُونَ فِينَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلٌ فَيَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهُ، وَلَكِنْ سَوْفَ نُسَلِّمُكَ لِجَرِيرَتِكَ، اذْهَبْ أَنْتَ فَاذْكُرْ شَأْنَكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -..
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَنْتَ بِذَاكَ ؟ "
فَقُلْتُ : أَنَا بِذَاكَ، وَهَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَلَيَّ .
قَالَ: " فَأَعْتِقْ رَقَبَةً" .
قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ إِلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ !
قَالَ : " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" .
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ دَخَلَ عَلَيَّ مَا دَخَلَ مِنْ الْبَلَاءِ إِلَّا بِالصَّوْمِ !
قَالَ: " فَتَصَدَّقْ أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا " .
قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ مَا لَنَا عَشَاءٌ !!
قَالَ : " فَاذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، وَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَانْتَفِعْ بِبَقِيَّتِهَا !!!" .
فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ :
وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ !
قال : فَادْفَعُوهَا لِي[85] .
سادسًا: الرفق بالحيوانات :
نهى النبي r عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، فقد مَرَّ أنس بن مالك فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة فَقَالَ أَنَسٌ: " نَهَى النَّبِيُّ r أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ."[86]
أي تحبس أوتعذب أوتقيد أوترمي حتى الموت.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى؛ رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ r نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ."[87] .
وقال" إنَّ النَّبِيَّ r لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا"[88] .

وقال : " إن رسول الله r لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا .."[89]
أي :هدفًا يُتدرب عليه ونحو ذلك .
و عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ"[90].
وفيه دلالة على حرمة إيذاء الحيوان حيًا أو ميتًا، ألإ لضرورة أو منفعة .
وقد بين النبي r أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش .
فبّين " أن رجلاً رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له، فأدخله الجنة ."[91].
بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت !
فقال : " عُذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار "[92] .
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي r:
"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ [أي: في الحروب والمعارك]، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ.وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ [السكينة التي يذبح بها الطير ونحوه]وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"[93].
ويروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول الله r، ثم قام بين يديه، فذرفت عيناه، فقال رسول الله r: "من صاحب هذا البعير؟" قالوا: فلان. فقال "ادعوه، فأتوا به"، فقال له رسول الله r"يشكوك" فقال: يا رسول الله، هذا البعير كنا نسنو[94] عليه منذ عشرين سنة، ثم أردنا نحره.
فقال رسول الله r: "شكا ذلك، بئسما جازيتموه، استعملتموه عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه، ورق جلده أردتم نحره بعينه" قال: بل هو لك يا رسول الله. فأمر به رسول الله r فوجه نحو الظهر، أي الإبل [95] .
و عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله r في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ، فجاء النبي rفقال:
" من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ! "
ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال :
"من حرق هذه ؟ "
قلنا: نحن ..
قال : "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" [96].

المبحث الثاني
العفو
العفو ترك المؤاخذه بالذنب[97]، وقد ضرب النبي r المثل الأعلى في الصفح عن محاربيه ومعانديه ومن له عليهم قصاص . وذلك من تجليات رحمته r.
المطلب الأول : النبي rالعفو
يذكر مارسيل بوازار عفو محمدr فيقول:
" وبالرغم من قتاليته ومنافحته ، فقد كان يعفو عند المقدرة "[98] .
ويتناول الكاتب الهندي "مولانا محمد علي"[99] مظهر العفو في أخلاق الرسولr، كمظهر من مظاهر رحمة محمدr للبشر ، بشيىء من التفصيل والتدليل ويقول :
"وكان العفو جوهرة أخرى بالغة الإشعاع في شخصية الرسول r. لقد وجدت فيه تجسدها الكامل . ولقد أوصاه القرأن الكريم بـأن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين .
ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى . على هذا النحو : ( صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، واغفر لمن أساء إليك )... لقد عاش [r] وفقها حتى في أحرج المواقف . وفي معركة أحد [ شوال 3هـ/إبريل624 م] ، عندما جُرح وسقط على الأرض ، سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة على العدو، فأجاب : ( أنا لم أبُعث لعاناً للعالمين ، ولكن بعثت هاديًا ورحمة . . اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون !). وذات مرة جذبه بدوي طارحاً دثاره حول عنقه ، وحين ُسئل الرسول r لمِ َلـم ْيعامله بالمثل أجاب قائلاً : إنه لا يرد على الشر بالشر أبداً ."[100]..
ويقول : "إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح الكريم الذي أغدقه الرسول [r] على أمثال أولئك المجرمين الكبار . إن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح والغفران لا يكلف المرء شيئاً كثيراً ، ولكن عفو المرء عن معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم ، و بخاصة حين يكون أولائك المعِذبون تحت رحمته"[101].
ولا غرو أنْ وجدناه r أحسن الناس عفواً، وألطفهم عشرة، يعفو عن المسيء، ويصفح عن المخطئ حتى وصفه الخالق سبحانه وتعالى : ] لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ] [التوبة : 128].
فقد أمره الله تعالى بانتهاج نهج العفو في دعوته .. قال الله تعالى :]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ [المائدة : 13] .
المطلب الثاني : نماذج عفوه r:
أولاً: عفوه عن مشركي مكة عام الفتح( رمضان ـ/ يناير 630 م ):
يضرب الكاتب الهندي " مولانا محمد علي"، مثالاً بعفو النبي r عن مشركي مكة بعدما فعلوا به ما فعلوه.. فيقول:
"والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ، دائماً وأبداً ، لأشد التعذيب بربرية؛ منحهم عفواً عاماً"[102]!
ويقول " اللورد هيدلي" ، معقباً على عفو النبي rفي فتح مكة:
"عفا بلا قيد ولا شرط عن كل هؤلاء الذين اضطهدوه وعذبوه ! آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ! وأغنى فقراءهم، وعفا عن ألد أعدائه ؛ عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت رحمته...!"[103]..
يقول "كولن" :
"تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة، ومعلقين بنود هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة، وكانت تقضي بعدم التعامل معهم بيعًا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج بناتهم لهم.
وقد دامت هذه المقاطعة ثلاث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل العشب والجذور وأوراق الأشجار، حتى هلك منهم الأطفال والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة، أو تتحرك عندهم عاطفة رحمة. ولم يكتفوا بهذا، بل اضطروهم لترك بيوتهم وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة. ولم يدعوهم في راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة والاطمئنان.
وفي غزوات بدر وأُحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك ضارية، وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة، وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية. ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم.
فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضًا؟ لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء" .. "[104]

ولو كان محمد r من ملوك الدنيا لسالت دماء أهل مكة ولكنه قابله صنيعهم بالعفو فما كان منهم إلا أن دخلوا في دين الله أفواجا ..
ثانيًا: عفوه عن أهل الكتاب :
يقول "مولانا محمد علي" :
"ولقد أسبغ عفوه على أتباع الأديان جميعاً - يهود ، ونصارى ، ووثنيين، وغيرهم - إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب"[105]..
ومثال ذلك عفوه عن قبيلة بني قينقاع اليهودية الذين ناصبوه العداوة، وقد كان في استطاعته أن يفنيهم عن بكرة أبيهم في معركته معهم، في 15 شوالسنة 2 هـ/9 إبريل624. رغم ما صدر منهم من جريمة نكراء، قد تواطئوا فيها على كشف عورة سيدة مسلمة في مكان عام. وتواطئهم في قتل رجل مسلم، دافع عن عرض السيدة المسلمة وحاول رد العدوان ..
ومثال آخر ، عفوه عن قبيلة بني النضير اليهودية، بعد أن خططوا لعملية اغتيال فاشلة للنبي r، وقد كان باستطاعته أن ينفذ فيهم حكم الإعدام في من شرعوا في محاولة اغتياله كما هو الحال في الأعراف والأدبيات الدولية، وقد كانوا جميعًا تحت رحمتهr بعد هزيمتهم في معركتهم ضد المسلمين (في ربيع الأولسنة 4 هـ/ أغسطس 625م)،ولكنه – صلوات الله وسلامه عليه – أصدر عفوًا عامًا لهم، مقابل أن يرحلوا خارج حدود الدولة.

ثالثًا: عفوه عن الضعفاء أثناء الحروب:
"إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء، والمسنين، والأطفال، والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة"[106].
وقد كان محمد r ينبه على هذه التعليمات، ويوصي بها جنوده، ويأخذ عليهم العهود في ذلك، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة .

[1] آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 18

[2] هذه الكلمة لفيلويز، انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 6 / 61 .

[3] ح. ف. فيلويز : ضابط بحرية بريطاني، شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، نشأ في بيئة نصرانية، تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق، ومع ذلك فقد هداه الله إلى الإسلام بعد أن اطلع على القرآن الكريم وقرأ عددًا من المؤلفات الإسلامية، وذلك عام 1924.

[4] فيلويز : حضارة العرب ، ص 126

[5] روجيه جارودي : المفكر الفرنسي المعروف، وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي، سابقًا، تتميز ثقافته بالعمق والشمولية، والرغبة الجادة في البحث عن الحق. أتيح له منذ مطلع الأربعينات أن يحتك بالفكر الإسلامي والحياة الإسلامية. وازداد هذا الاحتكاك بمرور الوقت، وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى خط الإيمان، الأمر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي، كما قاده في نهاية الأمر (أواخر السبعينات) إلى اعتناق الإسلام، حيث تسمى بـ(رجاء جارودي). كتب العديد من المؤلفات منها: (حوار الحضارات)، (منعطف الاشتراكية الكبير)، (البديل)، (واقعية بلا ضفاف)، وبعد إسلامه أنجز سيرة ذاتية خصبة وعددًا من المؤلفات، أبرزها: (دعوة الإسلام)، فضلاً عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد.

[6] روجيه جارودي: دعوة الإسلام ، ص 22

[7] روم لاندو : الإسلام والعرب، 246

[8]روم لاندو: الإسلام والعرب ، ص 280 – 281

[9] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام ، ص105

[10]الدومييلي: العلم عند العرب ، ص 10 – 11 .

[11] الدومييلي : العلم عند العرب،144

[12] أرنست بانرث : ولد في مدينة ليبزج، سنة 1895، نال الدكتوراه في اللغات الإسلامية من جامعة فينا. وعين أستاذًا للفلسفة والتاريخ والآداب الألمانية. من آثاره: (الإسلام اليوم وغدًا) (1958)، (التفاهم بين الشرق والغرب) (بتكليف من اليونسكو)، وله دراسات عن الفلاسفة المسلمين.

[13] أرنست بانرث : تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي ، ص 8 – 9 .

[14] صحيح – رواه ابن ماجة عن أنس( 1\ 81) ، برقم 224، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم 7360

[15] صحيح – رواه ابن عبد البر في العلم عن أنس ، برقم 24، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم 7361

[16] صحيح – رواه البيهقي عن عائشة، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم2607

[17] صحيح – رواه أحمد والبيهقي وابن حبان والحاكم، عن صفوان بن عسال وصححه الألباني الجامع الصغير، برقم 10639

[18] حسن لغيره - رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب 1\19، برقم 80

[19] حسن - رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1 \ 18 )، برقم 77

[20] حسن – رواه رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد وروى ابن ماجه نحوه باختصار، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1 \ 17 ) برقم 71.

[21] حسن لغيره - رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب 1\19، برقم 81

[22] ابن كثير : السيرة النبوية،2\ 512

[23] على محمد الصلابي : السيرة النبوية 2\46

[24] لا بأس بها ! فهي تعنى الرجل الأفضل أو الأعظم. أو ذو القدرات الخارقة !

[25] لبيب رياشي : نفسية الرسول العربي، نقلاً عن: محمد شريف الشيباني 100

[26] ميخائيل طعمة : جريدة الكرمل، نقلاً عن: محمد شريف الشيباني 150

[27] توماس كارلايل: الابطال ، ص 60، 70

[28] بل هو قرآن البشر كلهم !

[29] وث : محمد والقران ، ص 78.

[30] هذه الكلمة للقس السابق الدكتور دُرّاني، انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .

[31] توماس آرنولد :الدعوة إلى الإسلام ، ص 27

[32] صحيح - أخرجه مسلم في الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ماكان من إباحة.

[33] هو ذو الخويصرة اليماني رضي الله عنه.

[34] متفقٌ عليه، صحيح البخاري، باب صب الماء على البول في المسجد، رقم 217

[35] هذه العبارة لفيليب حتي: الإسلام منهج حياة ، ص 56

[36] انظر: سعيد رفعت راجح: الوسائط التعليمية في الأحاديث النبوية، بحث منشور على موقع alukah.net

[37] صحيح - رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم 251

[38] صحيح - رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم 2581.

[39] صحيح – رواه البخاري في كتاب العلم ، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه، رقم 95

[40] صحيح - رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم 191، وقال الألباني : صحيح .

[41] صحيح - رواه البخاري في كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة، رقم 68.

[42] صحيح - رواه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم 5665.

[43] صحيح - رواه البخاري، بَاب تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، رقم 459

[44] صحيح - رواه البخاري في كتاب الرقاق. باب في الأمل وطوله، رقم 5938

[45] صحيح - رواه أبو داود في كتاب اللباس، كتاب في الحرير للنساء، رقم 3535، وقال الألباني: صحيح.

[46] صحيح - رواه البخاري في كتاب الصلاة، بَاب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، رقم 866.

[47] صحيح - رواه الحاكم عن أبي مسعود، رقم 3692، قال الألباني في السلسلة الصحيحية (1876) : صحيح .

[48] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ص 1 / 174 – 175.

[49] اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص52.

[50] دايفد بنجامين كلداني (عبد الأحد داوود ) : محمد في الكتاب المقدس ، 82.

[51] المصدر السابق.

[52] ماكس فان برشم : العرب في آسية، 57

[53] الموسوعة البريطانية

[54] جان ليك : العرب ، ص 43. والاستشهاد بالحديث من جان ليك. وحديث :(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.) هو حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم 9891، وفي رواية البيقهي في شعب الإيمان، « الخلق كلهم عيال الله ، وأحب الخلق أنفعهم لعياله » برقم 7193، ولقد ضعف الألباني هذه الصيغة في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " 4 / 372، لكنه صحح الصيغة الآخرى في حديث: " الخلق كلهم عيال الله ، و تحت كنفه ، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله " في الصحيحة " ( 427 ).

[55] صحيح - سنن الدارمي1\ 86 ، برقم 227، قال حسين سليم أسد : إسناده حسن والحديث صحيح.

[56] صحيح – رواه ابن حبان، عن جابر، 1457 ، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[57] صحيح - السلسلة الصحيحة، رقم 1974

[58] صحيح - سنن الدارمي 1\ 86 ، برقم 227، قال حسين سليم أسد : إسناده حسن والحديث صحيح

[59] صحيح – رواه مسلم 2 \886 ، برقم 1218

[60] صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير 8 \ 136 ، برقم 7617، عن أبي أمامه . وقال الألباني : صحيح (ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم رقم 1061)

[61] صحيح – رواه ابن حبان، عن جابر، 1457 ، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[62] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 640 – 641

[63] اميل درمنغم :حياة محمد، ص 359

[64] رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم 12513

[65] رواه أحمد في مسنده، برقم 16395

[66] هذه الجملة لتوماس كارلايل : الابطال ، ص 84-85

[67] توماس كارلايل: الابطال ، ص 75 – 76

[68] لويس سيديو : تاريخ العرب العام ، ص103

[69] برتلي سانت هيلر: مع الشرق، 77.

[70] هنري دي كاستري : الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 13

[71] عبد الله كويليام: العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 62

[72] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، ص 3 / 642 .

[73]ريشار وود: الإسلام والإصلاح ، ص 21 .

[74] أحمد سوسة : كاتب عراقي ، كان يهودياً، ومن مؤلفاته: "مفصل العرب واليهود في التاريخ " و في طريقي إلى الإسلام " الذي تحدث فيه عن سيرة حياته وكيف أسلم .

[75] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 94

[76] صحيح- رواه مسلم ، باب الرفق، برقم 469

[77] صحيح - موطأ مالك، برقم 1551 ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير، رقم 2651

[78] صحيح- رواه مسلم ، باب الرفق، برقم 4698

[79] صحيح – رواه مسلم، باب الرفق، رقم 4694

[80] صحيح- رواه البخاري، برقم 5566

[81] السام : يعني الموت، والسام عليكم : يعني الموت لكم .

[82] صحيح- رواه البخاري، باب الرفق في الأمر كله، رقم 5565

[83] صحيح - رواه أحمد - (21185) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني وقال:
رجاله رجال الصحيح 1/129، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 370 .

[84] صحيح – رواه مسلم - كتاب الجهاد، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (3407)

[85] صحيح - رواه ابن ماجه (2052) أحمد(15825) ، وأبو داود (1892) ، والترمذي( 1121)، ،وصححه الألباني في الإرواء ( 2091 ) ، صحيح أبي داود ( 1917 ) وصحيح وضعيف سنن ابن ماجة - (2062) وغير ذلك من الكتب التي حققها .

[86] صحيح – رواه البخاري، برقم 5089

[87] صحيح – رواه البخاري، برقم 5090

[88] صحيح – رواه البخاري، رقم 5091

[89] صحيح – رواه مسلم، باب النهي عن صبر البهائم، برقم 3617

[90] سنن النسائي 4366، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.

[91] صحيح – رواه البخاري (1 /75 )، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، برقم 171

[92] صحيح – رواه البخاري ( 2 / 834 )، حديث رقم 2236، وأخرجه مسلم في السلام، باب تحريم قتل الهرة . وفي البر والصلة والآداب باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، رقم 2242

[93] صحيح – رواه مسلم، عن شَدَّاد بْنِ أَوْس، بَاب الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ ، رقم 3615

[94] أي نستقي

[95]حسن – رواه الطبراني في الأوسط (11245) ، والهيثمي : مجمع الزوائد (14166) 9/9؛ السيوطي : الخصائص الكبرى 2/95 ، ورى أحمد بمثله عن عائشة بإسناد جيد . وقال الهيثمي : ورواه البزار بنحوه وفي إسناد الأوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة

[96] سنن أبي داود (2675 )، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[97] أحمد عبد الرحمن إبراهيم : الفضائل الخلقية في الإسلام، 180

[98] مارسيل بوزار : انسانية الاسلام ، ص 46.

[99] زعيم هندي كبير، معروف بنشاطه في خدمة الإسلام، وصاحب ترجمة معروفة لمعاني القرآن إلى الانجليزية ومن مؤلفاته " الدين الإسلامي "، و" حياة محمد و رسالته" و" ساعات حاسمة في حياة الرسول".

[100] مولانا محمد علي، حياة محمد و رسالته : 273-274.

[101] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 207.

[102] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[103] انظر: آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص-27

[104] محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية ، 2/100

[105] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[106] إميل درمنغم: حياة محمد، 350
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59