عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-04-2013, 08:57 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,184
29

و لـَـمْ يـَـزلْ صـَـابــِـرا يـَـرْجُـو هِـدايـَـتـَـهُـمْ يــَــزدادُ وُدًّا و يَــزْدادونَ فِــيْ الـلــَّــدَدِ

آذوه أبلغ الأذى فصبر، استهزؤوا به و سخروا و هـَـمَـزوا و لـَـمَـزوا و سَـبُّـوا و شـَـتـَـمُـوا، و اتــَّـهَـمُـوه بالشعر و ***** و الكهانة و الجنون و جميع أنواع الزور و الـبُهتان، فما انثنى و لا فـَـتــَـرْ.

و ضعوا سلا الجزور على ظهره ساجدا و استضحكوا، و خنقوه بردائه، و طرحوا الشوك على طريقه و نثروا التراب على رأسه، و أخذوا بتلابيبه حتى سقط على ركبتيه، فصبر و ما ضَـجـِـر.

أغـْرَوْهُ بالمال و السِّيادة و النساء فما التفت إلى ذلك و لا نظر.

و استعملوا معه سلاح المقاطعة الاقتصادية لثلاث سنين في الشـِّــعْـبِ، حتى جَـهــِـدَ و مَنْ مَـعَـهُ، و خرج منها و انتصر، و خاب صنيعهم و اندحر.

حاولوا أن يضغطوا عليه بعمه أبي طالب فما أثــَّــرَ فيه و لا انكسر.

لاحقوه في النوادي يـُـثــَـبِّــطـُـونَ عن دعوته و يـُـخـَـذ ِّلــُـون الناس عنه، فخـَـيـَّــبَـهُـمُ اللهُ بـِـبَــيْـعة الأنصار الغــُـرَرْ.

حاولوا قتله بمشورة إبليس بعد يأسهم من نجاح محاولاتهم السابقة، فأقـْـمَـأهم الله و نجا و فاز بالظــَــفــَـرْ.

و كــَـمْ رمـَـاهُ الـْــعِــدا يـَـوما ً بـِـداهِــــيـةٍ قــَــدْ أبــْــرَمـَـتــْــها مِـنَ الأمْـلاءِ آراءُ
لِــيُــطـْـفــِــئـوا نــُـورَهُ و اللهُ مـُـظـْــهـِـرُهُ بــِــرُغـْـمِــهـِـمْ فـإذا الإطـْـفــَـاءُ إذكـاءُ

لم تكن هذه الحوادث التي مرَّت في مكة َ حديثَ يوم و ليلة، لكنها ظلت ثلاثة َ عشرَ عاما، لم تــَــفـْـتــُـرْ قريشُ لحظة و لم تتراجع غـَـمْـضَـة، يزدادون كفرا و عِنادا و يزداد مُحَـمَّـدٌ بالحق صبرا و ثباتا.

يُــقــاوِمُ الــــرِّيـْـحَ و الأنـْـوَاءَ مُــهِْــتـَـدِيا ً بالحَـقِّ لـَـمْ يـَـنحَـرِفْ عنـْه و لمْ يَـحِـدِ

صـَــبُــورٌ عَــلى اللأواءِ مَـا لانَ عُــودُه ُ و لا مَـسَّـهُ فِيْ الـْــمُــعْـضِلاتِ عـَـناءُ

و اشـْـتــَــدَّ مـا يـَـلــْــقــَـاهُ مِــنْ قــُـرَيْــش ِ فـِـيْ نـَــفــْــسِــهِ و أهـْــلـِـهِ و الـْـعَــيْش ِ

و لما يئس من استجابة قومه طـَـمِـع في أن يـَـنصُـرَه قومٌ غيرُ قومِه،

فـعَـــرَضَ الأمـر عـــلــــى الـقـــبـــائــــل ِ عـلى كــــبــــارهـِم و في الـــمــحافـــل ِ
و الـْــتـــمَــــسَ الــنـُّــصْرَة مِنْ ثـَـقِــيْــفِ لــــكـــنــه قــُـوبـِـلَ بالـــــتــَّــعْــنِــيْــفِ

عَـمَـدَ إلى الطائفِ رجاءَ نـُـصْـرته و إيوائه و مَــنـْـعِــهِ لتبليغ رسالة ربِّه، فهُمْ أخواله مِنَ الرَّضاعة و ليس بينهم و بينه عداوة. فكلــَّــمهم في الأمر دون تبرُّم ِ،

فـَــلـَـمْ يَــرَ مَــنْ يـُـــؤوي و لا ناصرا ً لــهُ و لمْ يَكُ فِـيْــهـِــمْ مــُــقـْــبـِـلٌ يَـتــَـبَـسَّـمُ

رَدُّوا عليه أقبح ردٍّ و أشَـدَّه، أغـْـرَوا به الأوباشَ و الصبيانَ،

و قـامــوا له صـَـفـَّـيْـن ِ يَـرْمـُـــــون نـَـحْــوَهُ حِـجَـارا إلى أنْ خـَضَّـبُـوا الرِّجْـلَ بالـدَّم ِ

أدْمَـوا عقِــبَـيْـه، و ما أتى عليه يومٌ كان أشدَّ مِنْ يوم ِ الـْــعَــقــَــبَــة.

بلاءٌ متلاطم، و عناءٌ متراكم، إغراءٌ للسفهاء، إشاعة ُ أمره للأعداء،

و ذي مِــحْــنــَـة ٌ أرْبَــتْ على كــُـلِّ مِـحْـنـَـةٍ و قــَـارِعَــة ٌغـَـابَــتْ لـَـدَيْـهَـا الـْقـَـوَارِع ُ

و مع هذا كلـِّـهِ لم يتبرَّم من أذيتهم، و لم يَـدَع ْ دعوتهم، ظلَّ صابرا يدعو إلى الله لا يصده صادّ، و لا يَـحُـولُ بينـَـه و بين دعوته ناد. حالـُه:

تــِــلـْـكــُـمُ غــَــايَــتِــيْ و هـذي طـَـريــقي
هـــدفـِـي واضحٌ و إنْ كـان دَرْبــِـي مــُــفـْـعَــما ً بالصِّــعَـاب و الـتــَّــعْــويْـق ِ
و يـَـقـِــيْــنِــي هـُـوَ الـْـيَــقِــيْـنُ و إنْ ضَـاقـَـتْ حَـياتِــيْ و غـَصَّ حلـْـقي بريْقي

يُـرَاوَدُ على استئصالهم و تعجيل نكالِهم و إهلاكهم فـيأبى، راجيا أن يُخرِجَ اللهُ مِنْ أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا.

و قد حقق الله له ما رجاه، فلم يَطـُـل ِ الزمنُ حتى أضحت مكة ُ دارَ إسلام، و آمن قومُه أجمعون إلا من حقت عليه كلمة ُ العذاب، و غدا من كان عدوًّا له بالأمس ِ اليومَ وَلـِـيًّا و جُـنديـًّا وفيـَّـا.

فخرج مِنْ صُـلـْـبِ الـْـوَلـِـيْـدِ عَــدُوِّ الله، خـَـالــِــدُ سيفُ الله.

و مِنْ أبي جهل ٍ فرعون ِ الأمَّـة، عِـكـْـرِمَـة ُ فـَـرْدٌ بأمَّة.

حـَــيْــثُ مـا شِـئــتَ مِـنْ هـُــداهـُـمْ مـَــنــَــارُ أيْــنــَــما سِـرْتَ مِــنْ نـَـداهــُــمْ شُـهُـودُ
كـُـلــَّـما شابَ فـــي الـــمَـعـَـاركِ كـَـهْـــــــــلٌ شـَـبَّ فِــيْ السـَّـاح ِ لـلـْــجـِــهَــادِ ولـِـيْـدُ

إنه درسٌ للدعاة و المُصلحين أنْ لا ييأسوا من النصر و التمكين، فهو آتٍ لا مَحالة و لو بعد حين،

"إنا لننصر رسُـلـَـنا و الذين آمنوا"

وعدٌ من رب العالمين.

قد يستعصي الإصلاحُ على جيل ٍ بأسره، و يُخـْـرِجُ الله من أصلاب ذلك الجيل من يعبده، فما مِنْ بذرة طيبة إلا و لها أرضٌ خِـصْبـَـة. فابذل جُهْدَك و مَهِّدِ الطريق لغيرك، و أعِـدَّه لمن بعدك، و عليك بَـذرُ الحـَـبِّ،

"إنْ عليك إلا البلاغ"،

"ولكل قوم هاد"،

و قـُـدوتك خيرُ العباد.

صـَـلــَّـى عَـلـَـيْــهِ بَـارِئُ الـْـعِــبَــادِ مَــا أمْــطـَـرَتْ سُــحْــبٌ و سال وادي

---------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصبر الناس،

فـِـي كـُـلِّ رابــيــةٍ شــَـــذى مِـنْ صَـبْـرهِ رَفَّ الــــنــَّـسِــيـمُ به و نـَمَّ و نـَمْـنـَما

و الــرِّيــحُ تـــزداد اعــتـــلالا كـُـلــَّــمــا هـَــبَّـــتْ و لا تـَـزْدادُ إلا طـِــيْـــبـــا ً

صبر على فِراق الوطن و الأهل و المصالح و صِلاتِ الصداقة و المودة و أسبابِ الرزق و تخلى عن ذلك كله في سبيل عقيدته و دعوته.

لما أجمع المشركون أمرهم على قتله و توزيع دَمِهِ لم يَـجـِـدْ في أحب البلاد إليه ملجأ ً من الله إلا إليه. نظر فلم يَرَ إلا عَدُوًّا مُـتـَرَبِّصا، و سهما مُصَوَّبا، و مكرا كـُـبــَّــارا. تـَـنـَـكــَّــرَ له مَنْ كان يُـلــَــقــِّــبُه بالصادق الأمين، و ضاقت عليه البلدُ الأمين، فـيـَـمَّــمَ وجهه لربِّ العالمين.

إنْ هــَــاجــَــرَ الإنـْــسَــانُ عـنْ أوطـَـانِـه فـالله أولـــى مـَــنْ إلـَـيــْــهِ يـُـهَـاجـَرُ

إذ ْ أذِنَ الله له بالهجرة، و شرح الله تعالى صدره، و قررت قريشٌ أنْ تمنعَه من الخروج أو ترى مصرعه، و لم يخافوا من عقاب ربهم، بل مكروا و مكر الله بهم.

و مـَـرَّ بــَــيْــنـَـهُــمْ و هُـمْ يـَـنــْــتـَـظِــرُون خـُـرُوجَــهُ لــَـكـِــنـَّـهُـم لا يـُـبْــصِــرُونْ

مضى صلوات الله و سلامه عليه ثم و قف ينظر إلى مكة و لـَـعَـلــَّـه يتذكر ماضياتِ أيامِه، و مراتِعَ صِبَاه، و ملاعِبَ طفولته، و أفانين شبابه. تلـُوْحُ أمامَ ناظِـرَيْه أبنية ٌ في فــُـرْجَـةِ الـْـوادي، و الكعبة الشمَّـاءُ من حولها النادي. و قف يودِّع ُ حبيبته مكة بأوديتها و سهولها و جبالها، حالت الجاهلية بينه و بينها. فحَمَلها في قلبه صابرا و ارتحل و هو يقسم بالله أنه مازال يحبها:

"والله إنك لخيرُ أرض الله، و أحب أرض الله إليّ، و لولا أني أ ُخـْرِجْـتُ منكِ ما خرجت".

و لو أجابته لأبكـَـتْ من حولها لو سمعها، ترك الروض لأن الروض لم يحتضن بالـْـحُــبِّ ألـْـحَـانَ الـْـهَــزَار.

لم يستبدل حُبـًّا بـِـحُـبّ، بل أضاف حُبـًّا إلى حُبّ. و الحال:

سـَــيِّــرَنْ نــَــفــْــسَــكَ حـُــرّا كـالـصَّــبا ثـُــمّ عـَــانِــقْ كــُــلَّ أزهـــــــــارِ الرُّبا

و اسْـتـَعْـبَـرَتْ أعْـيُـنٌ كـَادَتْ لـِـفـُرْقــَـتِـهِ تـَـبْــيَـضُّ حُـزْنا ً و أوْلاها الـبُـكا كـَمَدا

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الـجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

---------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصبر الناس،

طـَـلــْـقُ الـْـمُـحَـيَّا و الـْـخـُـطـُـوبُ عَـوَابـِـسُ صَـافِــي الـمَــوارِدِ و الـــزمانُ مُـكــَـدَّرُ

لما هاجر إلى المدينة تكالب عليه الأعداء، من يهودٍ و منافقين و مشركين ألـِـدّاء، جاوزوا في عدائه حدّا، و ناصَرُوا سُواعا ً و وُدّا، و كادوا له و لدعوته كيدا إدّا، تكاد تخر له الجبال هدّا، و كان بإيمانه جبلٌ لا نظير له و لا ندّا.

إنْ أفـْــطــَــرَتْ أفـكــارُهـُـم بـِـالـْـغــُـثا فـهـو امْرُؤ ٌ بــَــاق ٍ عـَـلـَـى صَــوْمِــهِ
لأنــه الــْــبَــحْـــرُ مـَــا أثــَّــرَتْ كــُــلُّ الـرِّيــَــاح ِ الـْــهُــوْج ِ فـِــي حـَـجــْـمـِه

نالَ البـِــغــَـالُ المنافقون من عِــرْضِـهِ و عَـابُـوا،

و لــَــمَّــا لــمْ يــُــلاقــُـوا فــِــيْــهِ عـَــيْــبـــا ً كــَـسَــوْهُ مِــنْ عُــيُــوبـِـهـِـمُ و عَـابُـــــوا

بــِــغـَـالٌ لهم فِـي كــُـلِّ يـَـوم ٍ رَزِيَّـــــــــــة ٌ و لـيْـسَ لهـــم مِـنْ خــَــشْــيَــةِ اللهِ وازِع ُ
لـَــهُـــم كــَــلِــمٌ رنــَّــانــَـة ٌ لـو وَصَـفـْـتـَـها لــَــنـَـزَّهْــتَ عَـنـها ما تـَقـول الضـَّـفادِع ُ

وهذي فِـرْيـَـة ٌ بَـلـْـهاءْ سَــيِّــدُها أبو مُـرَّة، و لا واللهِ لا أ َشَقَّ على المرء من أن يُطعَنَ في عِرْضِه، و العربُ أغـْـيَرُ الأمَم ِ على الأعراض، و كلمة العـِـرْض ِ في لسان العرب لا يـُـقابـِـلـُها كلمة في ألسِـنـَة الأمم الأخرى تـُـتـَـرْجـِـمُ عنها. و رسولُ الله صلى الله عليه و سلم أغـْـيَـرُ الـْخــَــلـْـق،

"لأنا أغـْــيَــرُ مِـنْ سَـعْــد، و الله ُ أغـْـيَـرُ مـِـنــِّي".

لـقـدْ جـَـلَّ عـَـنْ أنْ يُــزْدَرَى بـنـَـقـِـيْـصَـةٍ و هيْهَاتَ أنْ تـَغـْشى الـنـَّـبـِيَّ النـَّـقائِصُ

في حادثة الإفـْـكِ مَـرَّ صلى الله عليه و سلمَ بـمِحْـنة عظيمة، و نازِلة شاقة مُضْــنـِـيـَـة، تحمل فيها شهرا كاملا مِنَ الألم ما تـَـنـْهَـدُّ له الجبال. و أ ُضِـيْـفَ لهذه النازلة أن ِ انـْـقـَـطـَـعَ الـْـوَحـْـيُ عنه تلك المدة ليَسْرِيَ عليه البلاءُ و الامتحان و يَعْـظـُمَ الزلزال.

ظل القلب النقيُّ الكبيرُ مقرونا بآلام ٍ أخـَـفُّ منها طعنُ الرِّماح و وَقـْـعُ السُّيوفِ على الـْـهَـامْ،

حُــمِّـــلـْــتَ مِــنْ ألـَـم ٍ ما لو تـَـحَـمَّـلَ مِـنْ أمــْــثـَــالِـــهِ جَــبَـلٌ لانـْـدَكَّ تـَـفـْـتـِـيـْـتا

و صاحِــبُه الصِّـدِّيقُ و آلُ بيته يالـَـهُـمْ... عـَـقـَـدَ هـَـوْلُ الـْــفــَـاجـِـعَـةِ ألـْـسـِــنــَــتــَـهُـمْ،

يـــا إلـــهــــي مِــنْ هـُــمُـــوم ٍ تـَـتــَـوالـَـى و هــَـجـِــيْــرٍ لــــم نـَـجـِـدْ فـِـيْـهِ الظـِّـلالا
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59