عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-02-2017, 02:45 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة تأملات في النصرانية... بولس الرسول (3)

تأملات في النصرانية... بولس الرسول (3)
ـــــــــــــــــــــــ

(نبيل محمد سعيد عبدالعزيز)
ــــــــــــــ

6 / 8 / 1438 هـ
2 / 5 / 2017 م
ــــــــــــ







"أيها الإخوة والأخوات الأعزاء.. يضعنا عيد اهتداء القديس بولس من جديد بحضرة هذا الرسول العظيم، الذي اختاره الله لكي يكون “شَاهِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ” (أع 22، 15). لقد شكل لحظة اللقاء بالمسيح القائم على طريق دمشق، بالنسبة لشاول الطرسوسي، نقطة التحول الحاسمة في حياته. فقد تم حينها التحول الجذري في حياته، وكان اهتداءًا حقًا وفعليًا. بتدخل إلهي، وجد مضطهد الكنيسة الشرس نفسه في برهة أعمى يتلمس خطواته في الظلام، ولكن في الوقت عينه أضاء نورٌ في قلبه سيحمله بعد قليل لكي يكون رسول الإنجيل المتقد".

كانت تلك الكلمات افتتاحية العظة التي تلاها البابا بندكت السادس عشر (بابا الفاتيكان السابق) مساء الجمعة الموافق 25 يناير 2008م بمناسبة عيد اهتداء بولس الرسول (أي اعتناقه النصرانية) وختام أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس، بحضور ممثلين عن مختلف الكنائس والجماعات النصرانية المتواجدة في مدينة روما، وفي العظة نفسها أعلن بندكت السادس عشر عن تكريس (تخصيص) عام كامل (بدءاً من 28 يونيو 2008م(*)) وللمرة الأولى بالتاريخ للاحتفال والاحتفاء بمرور ألفي عام على مولد بولس الرسول، وكانت أبرز مظاهر هذا العام التوسع في عمليات التبشير، بالإضافة إلى السعي لاتخاذ المزيد من الخطوات في اتجاه توحيد الكنائس العالمية تحت مظلة واحدة.
جديرٌ بالذكر فإن رواية حادثة اهتداء بولس ودخوله النصرانية تكاد تحظى _في الفكر النصراني_ بنفس الاهتمام الذي تحظى به رواية صلب المسيح وقيامته من الأموات، كما كان لها نفس التأثير في تطور عقائد النصرانية.

وكان رجم إستفانوس قد أشعل فتيل صدام دامي " وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ( أي يوم مقتل إستفانوس) اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ. " (أع 8: 1) . وكان بولس وقتها يقوم بدور رئيسي في الأحداث "وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ." (أع 9: 3). ويروي بولس عن هذه الفترة ومدى مساحة وعمق اضطهاده للنصارى الأوائل بقوله:
-"فَقُلْتُ: يَا رَبُّ، هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفًا وَرَاضِيًا بِقَتْلِهِ، وَحَافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ.. (أع 22: 19 _20)

- "وَاضْطَهَدْتُ هذَا الطَّرِيقَ حَتَّى الْمَوْتِ، مُقَيِّدًا وَمُسَلِّمًا إِلَى السُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً،" (أع 22: 4)
-"فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُورًا كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَفَعَلْتُ ذلِكَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ الْقِدِّيسِينَ، آخِذًا السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذلِكَ. وَفِي كُلِّ الْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي فِي الْخَارِجِ" ( أع 26: 9_11)

-"أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. " (1 تي 1: 13)
-"فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا." ( غل1 :13)
ويصف القمص متى المسكين أعمال بولس هذه بــ"الجنونية"، ويصف صاحبها بقوله: "إن أعظم وصف لبولس القتَّال هو أنه كان قد طمع فيه الشيطان واستغلَّه وسلَّمه عقله وسلطانه!".(1)، وتثير تلك الأعمال العديد من التساؤلات، وعلى رأسها منذ متى بدأ بولس في الإقدام على تلك الأفعال الإجرامية تجاه النصارى الأوائل؟! وهل بعض أفعاله الجنونية طالت المسيح نفسه ؟! .وهل كان له دور ما في الوشاية بالمسيح وما تبعها من أحداث دامية؟!.
غير أنه وباتساع رقعة الاضطرابات الدامية، فر غالبية النصارى الأوائل إلى خارج أورشليم (القدس) وانتشروا في البلاد المحيطة وصولاً لأنطاكية وفينيقية وقبرص، "أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ اسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَدًا بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ الْيَهُودَ فَقَطْ." (أع 11: 19)، فما كان من بولس إلا أن عقد العزم على اللحاق بهم وتعقبهم، "أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ." (أع 9 : 1_2) . وهنا يبرز سؤال آخر عن طبيعة وظيفة بولس في تلك الفترة وماهية دوافعه الحقيقية؟!.
وهكذا بدأت رحلة بولس إلى دمشق لتعقب أثر النصارى الأوائل الفارين بيد أن الرحلة حدث (أو أُحدث) فيها ما اهتزت له حياة بولس وبدل مجراها، ونقلها من نقيض إلى نقيض، فبحسب وصف بولس نفسه الذي ينقله لوقا في سفر أعمال الرسل:" فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهِبٌ وَمُتَقَرِّبٌ إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ النَّهَارِ، بَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ. 7 فَسَقَطْتُ عَلَى الأَرْضِ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا قَائِلاً لِي: شَاوُلُ، شَاوُلُ،! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ 8 فَأَجَبْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. 9 وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي. 10 فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ. 11 وَإِذْ كُنْتُ لاَ أُبْصِرُ مِنْ أَجْلِ بَهَاءِ ذلِكَ النُّورِ، اقْتَادَنِي بِيَدِي الَّذِينَ كَانُوا مَعِي، فَجِئْتُ إِلَى دِمَشْقَ." (أع22: 6_11 ).

. وفي موضع أخر في نفس السفر ينقل لوقا على لسان بولس قوله: " وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِبًا فِي ذلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ، 13 رَأَيْتُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، نُورًا مِنَ السَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ الشَّمْسِ، قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ الذَّاهِبِينَ مَعِي. 14 فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى الأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتًا يُكَلِّمُنِي وَيَقُولُ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ . 15 فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. 16 وَلكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، 17 مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، 18 لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ." (أع 26: 12_ 18)

ويقص لوقا هذه القصة في موضع ثالث، فيقول: " أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 3 وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، 4 فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» 5 فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». 6 فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ». 7 وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَدًا. 8 فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ الأَرْضِ، وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَدًا. فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ. 9 وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ.". (أع 9: 3_9)

ومن ابتلع هذه الرواية وصدق بها وآمن، لن يرى في حبكتها تهافت، أو في تفاصيلها تباين وتفاوت، وعلى الأرجح لن يلتفت للاختلاف الوارد في النصوص الثلاثة السابقة لردود أفعال المرافقين لبولس، بالرغم من كونه سبباً كافياً لرد الرواية وتكذيبها والطعن في صدق حدوثها. بيد أننا إذا تجاوزنا هذه الإشكالية نجد أن هذه الرواية في الواقع تحمل بين جنباتها مجموعة من التساؤلات التي لا يمكن غض الطرف عنه، فعلى سبيل المثال لماذا لم يُذكر اسم شخص ممن حضروا الواقعة أو سُجلت شهادة أحد منهم، بالرغم من أنهم كانوا مع بولس ونظروا النور وارتعبوا ولم يسمعوا الصوت الذي كلم بولس وتركوه يسقط وحده (في النص الأول) !!!، وتفاعلوا وسقطوا معه على الأرض (في النص الثاني)!!!. وفقدوا حماستهم ولم يُستثاروا (لسبب لا أعلمه) فوقفوا صامتين، يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً (في النص الثالث) !!!. ولماذا وقعت تلك الحادثة خارج أورشليم (القدس)؟ .

على كل حال بتلك الرواية وثب بولس من طرفٍ إلى طرف، وبدأت مرحلة جديدة من حياته، سنكشف عن تفاصيلها في مقالنا القادم بإذن الله تعالى .
__________________
(*) يحتفل النصارى يوم 29 يونيو من كل عام بذكرى "استشهاد" بولس الرسول.
(1) متى المسكين، القديس بولس الرسول: حياته. لاهوته. أعماله، مطبعة دير القديس أنبا مقار _ وادي النطرون، 1992م، ص 69.





ـــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59