عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-12-2013, 06:30 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة أزمة الرأسمالية والليبرالية كنظام غير قابل للدوام


أزمة الرأسمالية والليبرالية كنظام غير قابل للدوام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

(د. صلاح عبد الكريم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الرأسمالية والليبرالية
----------


... يرى الفكر المادي أن الكون مادي أبدي آلي لا يستلزم وجود إلهٍ، وأن الكائنات ظهرت بتطوراتٍ عشوائية. وهدف الوجود هو البقاء، والحصول على الغذاء عن طريق صراع متناحر يفوز فيه الأقوي والأقدر. وعليه فإن نشاط إنتاج السلع والخدمات وتداولها محكوم بقوانين ميكانيكية آلية. والآلية في الاقتصاد تعني إبعاد الدين والأخلاق عنها حيث يسعى الجميع لتحقيق مصالحهم الذاتية؛ لأنها تقيد العمل.

وتدخل السلطة في الأنشطة والعلاقات المحكومة بتلك القوانين الطبيعية يفسدها ويعود بالضرر على المجتمع. لأن التنافس والصراع قيم تفرز الضعفاء وغير القادرين على المنافسة، وتخلص المجتمع والسوق منهم مما يؤدي إلى مصلحة المجتمع وقوته.

ولهذا فكل وسائل الإنتاج ومصادر الثروة بما فيها العمل البشري يجب أن تكون مملوكة ملكية مركزة يتم استغلالها بكفاءة لإنتاج وتراكم الثروة وتحقيق الربح. وعلى الإنسان أن يسعى إلى نمو لا نهائي ليحقق السيطرة والربح دون قيود، ففي هذا صالح المجتمع. وهذا النظام الطبيعي أفرز ما سمي بالرأسمالية التي تعني التوزيع غير المتساوي للدخل والثروة وتركيزها في أيدي أكثر أعضاء المجتمع كفاءة في صراع البقاء والاستحواذ على الثروة[1]. وهي تستلزم جعل غالبية السكان لا ينتجون ما يستهلكون، وإرغامهم على العمل كأجراء (لأنهم الأقل كفاءة في صراع البقاء الذي فاز فيه من كانت لديهم القدرة على تحقيق التراكم الرأسمالي) وبيع السلع لهم وخلق ثقافة الاستهلاك لتحقيق النمو الاقتصادي المستمر. ولهذا يعرف الإنسان المعاصر بثروته، وبمردوده إنتاجا واستهلاكا، وليس بهويته الثقافية وكرامته.

والليبرالية (أي التحررية) التقليدية هي لب الأيديولوجية الرأسمالية. وهي تصور العالم على أنه مكونٌ من أفرادٍ يسعون دائمًا إلى مصالحهم الأنانية متحررين من كل قيود. وهي تعني أن ترك الحرية لقوى السوق وآلياته سيؤدي إلى استغلال أمثلٍ وتوجيهٍ أحسن للطاقات والثروات، يحقق النمو الاقتصادي والتقدم المنشود، وأن آليات السوق هي منظومة أخلاقية قادرة على إرشاد سلوك الإنسان، والحلول محل كل المعتقدات الأخلاقية السابقة.

ورغم أن وجود البشر سبق وجود الشركات، إلا أن نظام اقتصاد السوق ونظام التعليم الذي يؤهل الأجيال الجديدة للالتحاق بالسوق، هو الذي قضى على إمكانية أن يعمل الإنسان خارج مؤسسات النظام الرأسمالي.

وفي القلب من مشكلة الرأسمالية نجد عقيدة لاتـُناقش هي أن الاقتصاد علم مادي طبيعي يعمل بآلية صماء. وأن الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية هي مجرد نواتج ذهنية، وأن السياسات هي أساساً خبرة فنية وتفضيلات شخصية، يضعها الاقتصاديون وصناع السياسات أصحاب البصيرة والنوايا الحسنة، والمتسلحين بالأفكار النيرة عن الرأسمالية.

ويقول مفكروا الرأسمالية أن السوق حسب العقيدة الآلية يجب أن يترك حراً لقوى السوق دون تدخل حكومي، وهو سينتج أكثر النظم كفاءة. ولكن الأسواق يتم تشكيلها بواسطة قوانين الضرائب وعقود الملكية ونظم الدعم الحكومي وتحديد الأسعار ونظم التعليم والمرافق. ودون تدخل حكومي في الأسواق، فإنها تصبح فريسة للجشع والسلب.



ومع التطور التكنولوجي، ارتفعت التكاليف الرأسمالية وانخفض عدد العمالة المطلوبة. وواجهنا لأول مرة في تاريخ البشرية تركيزا متزايداً في الثروة والأرباح وزيادة في الطاقة الإنتاجية ونشاطا صناعيا متزايداً لا يحتاج إلى البشر. بحيث أصبح الإنسان مجرد عنصر من عناصر الإنتاج يمكن الاستغناء عنه.

ومع العولمة، بدأت هجرة الصناعة المستمرة إلى المناطق ذات التكاليف الأقل من ناحية العمالة والنقل وتوافر الخامات. بحيث بدأ العالم الغربي يعاني جراء هذا النظام الذي أوجده. لقد خسرت أمريكا ثلث فرص العمل الصناعية في العقد الأول من هذا القرن فقط.



الرأسمالية تتعارض مع الديمقراطية
----------------------

ومع استهداف الربح دون غيره، والفصل بين الملكية والإدارة، أصبح المعيار الوحيد لنجاح الإدارة في نظر الملاك هو تحقيق الأرباح والتملص من الأعباء. ودون وجود وازع داخلي، تصبح اللعبة بين المشرع والمُشرع له مثل القط والفار. فإذا ما صدر تشريع، سارعت الشركات إلى الاستعانة بالمستشارين من كل تخصص لإيجاد الطرق للالتفاف حوله، بما في ذلك رشوة المكلفين بتنفيذه. كما سعى الرأسماليون إلى التأثير على الساسة ورشوتهم لإصدار القوانين المناسبة لمصالحهم والحصول على مزايا مربحة لهم؛ لأن هناك سياسات معينة تزيد من أرباح الشركات، مثل إلغاء قوانين حقوق العمال وحل الاتحادات العمالية وضغط الإنفاق الاجتماعي الحكومي على الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والخصخصة وخفض الضرائب على الشركات والأغنياء.

ولهذا يصل كثير من المحللين إلى أن الرأسمالية تتعارض في حقيقتها من الديمقراطية. لقد تطورت الرأسمالية عملياً لتصبح شركات ضخمة تحتكر الإنتاج والأسواق وكذا الحكومات، إما بالضغط عليها أو برشوتها. ولهذا تتعاون الشركات في الضغط على الحكومات لتنفيذ هذه السياسات. ولكن كل هذه السياسات تتعارض مع المصالح العامة التي يجري تطبيقها من خلال الديمقراطية. ولهذا تتعارض الرأسمالية في الحقيقة مع الديمقراطية. لقد صُدم ساسة الاتحاد الأوربي عندما قرر باباندريو رئيس وزراء اليونان السابق طرح خطة الإنقاذ الأوربية للاستفتاء العام واتهمه بعضهم باللعب بالنار، وقالت أنجيلا ميركل أن اليورو أهم من اليونان. لقد ظهروا جميعا بمظهر من لا يريد أن تعرقل الديمقراطية مسيرة الرأسمالية الأوربية. وهكذا تغلبت الرأسمالية على الديمقراطية وأرغم باباندريو وبيرليسكوني على الاستقالة ولم يستفتى شعبا اليونان وإيطاليا في عملية تحميلهم بخسائر مضاربات البنوك، وفرضت عليهم سياسات تقشف وخصخصة ستفقرهم بنسبة 30% دون جريرة ارتكبوها، ودون استشارتهم.



الرأسمالية نظام غير قابل للدوام
-------------------

الرأسمالية إذن تعني التركيز الدائم الثروة ووسائل الإنتاج في أيدي قلة متناقصة، وتنمية مستمرة لمجتمع الاستهلاك، ووضع سياسة تعليم للوفاء بمتطلبات السوق.

ولكن التطور التكنولوجي يقلل الحاجة للعمالة ويؤدي لحدوث نمو اقتصادي بلا وظائف، كما أن عولمة الإنتاج تؤدي إلى البحث الأبدي عن أماكن العمالة الأرخص ونقل الإنتاج إليها لخفض تكلفة العمالة وهذا يؤدي إلى البطالة وتآكل الطبقة المتوسطة حتى في الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

والحل في نظر الماديين هي الداروينية الاجتماعية والإيوجينية (أي السياسات العلمية لتحسين السلالة البشرية ولو بالمجاعات والأوبئة والتعقيم) والحرب. ولكن هذا لا يعني أحداً لأن الرأسمالية الليبرالية لا علاقة لها بالمسؤولية الاجتماعية أو بالعدالة الاجتماعية أو حتى بحق الحياة حسب التعريف الإنساني لها. فكل هذا يهون في سبيل نمو وتطور "البشرية"!

ولهذا فلا مناص إنسانياً من تعديل هذا النظام الفردي الرأسمالي الليبرالي اللا إنساني المدمر.









ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ




[1] إن نظام الرأسمالية جعل حوالي 145 ألف أمريكي يتحكمون في 80% من الدخل القومي في دولة تعدادها 312 مليون منهم 46 مليون يعيشون تحت خط الفقر. وفي الستينات من القرن الماضي كان 1% من الأمريكان يستأثرون بـ 11% من الدخل بينما يصل 65% منه إلى الـ 90% الأفقر ويبقى 24% من الدخل للـ 9% الوسطى. والآن يحصل 1% على 65% من الدخل و 23% يذهب إلى الـ9% التي تليه ولا يبقى سوى 12% من الدخل للـ 90% الباقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(م:الوسط)
ـــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59