عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-21-2012, 05:44 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي الفروق الجوهرية بين الاقتصاد الإسلامي و الرأسمالية


بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة الكويت
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
2008/2009
موضوع البحث :
الفروق الجوهرية بين الاقتصاد الإسلامي و الرأسمالية

إعداد وبحث / علي فيصل علي الأنصاري




المقدمة

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد, للنظام الاقتصادي الإسلامي ذاتيته المميزة والخاصة، والتي تختلف في كثير من الجوانب عن النظم الاقتصادية الوضعية سواء أكانت رأسمالية أو اشتراكية، ولذلك فأنه من أفدح الأخطاء من يظن أن النظام الاقتصادي الإسلامي يأخذ بالمنهج الاشتراكي أو يأخذ بالمنهج الرأسمالي ، أنه ساء ما يظنون جهلا وتجاهلا، فشتان بين نظام اقتصادي يقوم على أسس مستنبطة من شرعية الله الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وبين نظم اقتصادية تقوم على أسس من وضع البشر المخلوق الذي لا يعلم ماذا يكسب غدا ولا يعلم بأي أرض يموت .
فقلت كيف سولت لي نفسي باختيار هذه المقارنة المحسومة والمنتهية بل وأن هناك من فقهاء الاقتصاد الإسلامي من يرون أنه لا يجوز المقارنة بين النظام الاقتصادي الإسلامي وبين النظم الاقتصادية الوضعية لأنه لا وجه للمقارنة على الإطلاق، بين شرع البشر وشرع رب البشر .... ولديهم الأدلة الكثيرة على رأيهم، وهناك من فقهاء الاقتصاد الإسلامي من يرون أنها ليست مقارنة بمفهوم المناظرة والمقابلة، ولكن بقصد إبراز عظمة النظام الاقتصادي الإسلامي وبيان الفروق بينه ويبين النظم الاقتصادية الوضعية لكي يزداد المسلمون إيمانا مع إيمانهم بأن الإسلام نظام شامل لجميع نواحي الحياة وأن فيه اقتصاد وإدارة وحكم وسياسة، وليس من المنطق أن نقترض من الشرق والغرب وخزائن المسلمين مليئة بالذخائر العلمية، لذلك رأينا في هذه البحث أن نورد نبذة عن تعريف وتاريخ وخصائص النظام الاقتصادي الإسلامي وكذلك النظام الرأسمالي , و أهم الفروق الجوهرية بين النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام الرأسمالي, حتى لا يظن البعض أن الاقتصاد هو الاقتصاد وأنه لا فرق بين النظم الاقتصادية المختلفة ... وبالله التوفيق .
كتبه الفقير إلى الله
علي فيصل الأنصاري
15/5/2009
المبحث الأول
تعريف الاقتصاد:
قبل الشروع بالمباحث والموضوعات الخاصة في البحث لا بد من معرفة معنى كلمة (اقتصاد) لنصل إلى تعريف للاقتصاد الإسلامي .

الاقتصاد – كلمة مشتقة من لفظ إغريقي معناه تدبير أمور البيت بحيث يشترك أفراده القادرون في إنتاج الطيبات الاقتصادية والقيام بالخدمات، ويشترك جميع أفراده بالتمتع بما يحوزونه.
" ثم توسع الناس في مدلول البيت حتى أطلق على الجماعة التي تحكمها دولة واحدة، وعليه فلم يعد المقصود من كلمة اقتصاد المعنى اللغوي وهو التوفير، ولا معنى المال فحسب، وإنا المقصود المعنى الاصطلاحي لمسمى معين وهو تدبير شئون المال ، إما بتكثيره وتأمين إيجاده، وإما بكيفية توزيعه".[1]
ولو شئنا تصفح كلمة اقتصاد في مختلف المصادر لوجدنا أنه :
أ- في القرآن :
(1)لم ترد كلمة اقتصاد في مصطلحه الحديث، بل وردت بعدة صور إذ جاءت : بلفظ المصدر في وقوله تعالى ) وعلى الله قصد السبيل [ [2]
(2) ووردت بلفظ اسم الفاعل في ثلاث آيات هي قوله تعالى ) فمنهم مقتصد [[3] وقوله تعالى ) وسفرا قاصدا [ [4] وقوله تعالى ) ومنهم مقتصد [ [5].
(3) وردت بصيغة الأمر في قوله تعالى ) واقصد في مشيك[ [6] والمعنى الذي دارت حوله هذه الكلمات الاعتدال بين المنزلتين ، منزلة الإفراط ومنزلة التفريط. وفسرت هذا آية الوسطية وهي قوله تعالى ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا [ [7] .
ب- في السنة :
جاءت أيضا بألفاظ متعددة نختار منها حديث " ما عال واقتصد " [8] - وحديث " الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة " [9]
جـ - عند الصحابة:
وردت أيضا بألفاظ متعددة ، فقد ورد نص عن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين خاطب أبا ذر عند نفيه للربذة [10] يقول فيه " يا أبا ذر علىّ أن أقضي وأخذ ما عليّ من الرعية ، ولا أجبرهم على الزهد ، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد" [11] ووصف صحابة رسول الله r صلاته عليه السلام بأنها ( قصد )[12]، ووصفا خلقته ومحياه بأنه كان أبيض قصداً [13].
د – في كتب اللغة :
فيقول الجوهري[14] في الصحاح " يقال فلان مقتصد النفقة ، والقصد العدل ، والقصد بين الإسراف والتقتير" [15]. ويقول الراغب الأصفهاني [16] عند قوله تعالى )والذين لم يسرفوا ولم يقتروا [ [17] وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله: ) والذين إذا أنفقوا .. [ وهو النوع الأول من أنواع الاقتصاد وهو الاستقامة على الطريق [18].
والفيروزا بادي [19] صاحب القاموس يوضح النوع الثاني لكلمة اقتصاد وهو الاتجاه والأم – بفتح الهمزة – حيث يقول " القصد : الأم ، والقصد استقامة الطريق " [20] وهذا شاعر عربي أموي يمدح غلاماً له حيث يقول [21]: ومنفق مشفق إذا أسرفت وبذرت فهو مقتصد.
هـ - عند علماء المسلمين:
استمروا بسليقتهم اللغوية فألفوا كتبهم في كل فن مستعملين أحيانا هذه الكلمة بداية وعلامة لكتبهم كدليل على الاعتدال فيما هدفوا إليه من تأليف .....فالإمام الغزالي سمى أحد كتبه " الاقتصاد في الاعتقاد" ، والإمام أبو عمرو الداني [22]سمى أحد كتبه "الاقتصاد في رسم المصحف"
ز- عند علماء الاقتصاد الوضعيين : عرفه الاقتصادي ماريشال [23] بأنه " العلم الذي يدرس تصرفات الفرد في نطاق أعمال حياته اليومية ، وأنه يتناول ذلك الجزء من حياة الإنسان الذي يتصل بكيفية الحصول على الدخل وكيفية استخدامه لهذا الرجل".
وأما آدم سميث [24] فيرى " أن الاقتصاد هو علم الثروة أو هو العلم الذي يختص بدراسة وسائل إغناء الأمم مع التركيز بصفة خاصة على الأسباب المادية للرفاهية كالإنتاج الصناعي أو الزراعي [25] " .
ي – ونرى أن لعلم الاقتصاد عدة تعريفات كلها تدور حلو النشاط الإنساني في أموره المادية. ويمكن تعريف الاقتصاد بأنه "العلم الذي يبحث محاولة إشباع الحاجات المادية بكل وسيلة ممكنة متاحة بأقل وقت ممكن[26]".
المبحث الثاني:
الاقتصاد الإسلامي
المطلب الأول:
تعريفه :
أولا:- تعريف المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عبد الله العربي:
يعرف المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عبد الله العربي الاقتصاد الإسلامي بأنه: "مجموعة الأصول العامة التي نستخرجها من القرآن والسنة لبناء الاقتصاد الذي نقيمه على أساس تلك الأصول حسب بيئة كل عصر".[27]

ثانياً: تعريف الدكتور عبد الكريم عثمان:
بينما يعرفه الدكتور عبد الكريم عثمان بأنه: " علم يعتني بقواعد النشاط الإنساني في الحصول على حاجاته المتعددة الضرورية والكمالية وعناصر الإنتاج والتداول والتوزيع وحقوق الأفراد الاقتصادية وحدود مصلحتهم تجاه مصلحة الجماعة".[28]



ثالثاً : تعريف الدكتور محمد شوقي الفنجري:
وعرفه الأستاذ الدكتور شوقي الفنجري بأنه: " مجموعة الأصول والمبادئ الاقتصادية التي جاء بها الإسلام في نصوص القرآن والسنة ، والأساليب أو الخطط العلمية والحلول الاقتصادية التي تتبناها السلطة الحاكمة". [29]

رابعاً:تعريف الدكتور مسفر بن علي القحطاني وهو :
الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وأوجه تنميته.[30]

خامساً : التعريف الذي أختاره الدكتور وليد الشايجي وهو :
مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية التي وردت في نصوص القرآن الكريم والسنة والتي يمكن تطبيقها بما يتلائم مع ظروف الزمان والمكان.[31]

المطلب الثاني :
تاريخه :
الإسلام قرر أصول الاقتصاد منذ بداية التشريع الإسلامي ، وكانت حياة الرسول نموذجا حياً لتطبيق هذا التشريع الذي استمر على نهجه الخلفاء الراشدون من بعده.
1- عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
كان النظام الاقتصادي للدولة الإسلامية في مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أساس إشباع حاجات فقراء المسلمين، وكان يستلزم الأمر في ذلك الحين ضرورة الحصول على الأموال اللازمة للإنفاق من أجل تحقيق هذا الهدف وكان يكتفي في ذلك الوقت بالأموال التي يتبرع بها الصحابة للإنفاق منها على فقراء المسلمين ، ولم تكن الزكاة إجبارية بل كانت طواعية واختياراً وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ شكل الدولة الإسلامية يظهر بوضوح، وازداد عدد المسلمين، ونزلت الآيات التي أوجبت على المسلمين الزكاة في أموالهم، وتولت السنة النبوية بيان الشروط التي يجب توافرها في المزكي وفي المال نفسه.
2- خلافة أبي بكر رضي الله عنه :
لم يختلف النظام الاقتصادي في عهد أبي بكر عنه في عهد رسول الله.
حيث نجد :
· نفس الموارد المالية ( الزكاة ، الغنائم ، الفئ ، الجزية ).
· نفس السياسة المالية ( اتخاذ قرارات الإنفاق).
· حارب المرتدة.
3- خلافة عمر رضي الله عنه:
إن عمر رتب شئون الدولة ، وأحكم مواردها ، وحارب الانحراف ، وأعلى كلمة الحق، وكثرت الأموال في عهده ( خراج ، جزية )
لم يكن هدف عمر جمع المال فحسب، بل كانت هناك سياسة حكيمة في الإنفاق تعود على ما ينفع المسلمين.
واهتم عمر بتعمير البلاد وإصلاحها (حفر الترع – إقامة الجسور- تشجيع الزراعة).
يعتبر عمر أول من أمر بسك النقود ، ولكنها لم تأخذ الشكل الرسمي إلا في عهد عبد الملك بن مروان (الخلافة الأموية).
4- خلافة عثمان رضي الله عنه :
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية ، وإن كان سمح للمسلمين باقتناء الثروة، وامتلاك الأراضي كما كان عهده يتسم بالرخاء ، وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار ولقد كثرت الأموال في عهده وزادت الإيرادات.
وقد فرق بين الأموال الظاهرة، والأموال الباطنة.
حيث عهد إلى أصحاب الأموال وعروض التجارة في إخراج زكاتهم بأنفسهم ودفعها إليه ولم يجعل لها جباة مخصوصين حيث اعتبرها من قبيل الأموال الباطنة ، واكتفى بجباية الأموال كانت تعرف بالأموال الظاهرة.
5- خلافة علي رضي الله عنه:
إن علي كان أقرب إلى عمر في سياسته المالية من شدة تقتيره على نفسه وعلى أقرب الناس له.
كما كانت سياسته تشتمل على أسس عظيمة في فرض الضرائب وتنظيمها، وتدعيم النظام المالي للدولة بقواعد متينة تزيد من عمرانها، وحفظ أموالها، وتحول دون خرابها أو إفلاسها.
المطلب الثالث:
خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي:
إن خصائص الاقتصاد الإسلامي التي يذكرها الباحثون كثرة وقلة، فهي مجرد اجتهاد منهم بمحاولة تمييز الاقتصاد الإسلامي عن غيره من أنظمة الاقتصاديات الأخرى ، فالبعض فصل بالخصائص والبعض أجملها.
1. نظام رباني[32]: إن الاقتصاد الإسلامي نظام رباني ، ليست أصوله من وضع البشر، بخلاف الأنظمة الأخرى من رأسمالية أو شيوعية ، وطالما هو نظام رباني فإن مصادر استمداده محصورة بالقرآن والسنة والإجماع ومقاصد الشارع التي تحدثنا عنها في فصل مستقل.
2. اقتصاد عقدي[33] : لأنه منبثق من أصل العقيدة الإسلامية ، ويتحاكم فيه إلى العقيدة يلتزم ببعض الالتزامات كالزكاة، والصدقات ونحوها.[34]
3. فيه طابع تعبدي[35] : لقد قلنا : إن الاقتصاد الإسلامي نظام رباني وكل طاعة لبند من بنود هذا النظام هو طاعة لله تعالى، وكل طاعة لله هي عبادة، فتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي عبادة ، يقول الله تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [36] أي يطيعون.
4. الموضوعية[37] : فرد الأمانات مثلاً خيرٌ يجب أن يتمسك به، سواء كان هذا الخير نائلاً المسلم أو الكافر ، الصديق أو العدو، وسواء تحقق على يد مسلم أو كافر ، عدو أم صديق ، يقول الله عز وجل ]إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها[[38]
5. الهدف السامي[39] : إذا كان هدف الاقتصاد في المذاهب الاقتصادية غير الإسلامية زيادة الرفاهية المادية ، فإن هدف الاقتصاد الإسلامي زيادة على ذلك: تحقيق السمو الروحي والتهذيب النفسي للإنسان ، قال تعالى ]وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى[[40]فالإنفاق هنا لتحقيق هدف تزكية النفس ، وقال جل شأنه ]وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم[[41]وليس الجهاد بالضرورة أن يكون قتالاً ، بل قد يكون إصلاحا اجتماعيا ، أو فكرياً ، أو تهذيب نفسياً ، أو سموا روحياً.
وإنما جعل الإسلام هدف الاقتصاد الثراء المعنوي إلى جانب الثراء المادي ، لأن سعادة الإنسان لا تتحقق إلا باجتماع الأمرين معاًً ، المادي والمعنوي، وبذلك يتم التوفيق بين حاجات الروح والبدن.[42]
6. اقتصاد بناء[43]: يحرم كل ما هو ضار بالفرد والمجتمع ، فهو يحرم الربا والغش، فهو يحرم الكسب عن طريق الجريمة ، والبغاء ، والاتجار بالخمر والمخدرات ، والأصل في ذلك قولهr (لا ضرر ولا ضرار)[44]
7. ترشيد استخدام المال[45]: والحديث في ذلك طويل ومتشعب ونكتفي بأن نذكر من ذلك:
أ. الاعتدال في الإنفاق، وقد تقدم في قوله تعالى]والذين إذا أسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً[46][فلا إسراف]وكلوا واشربوا ولا تسرفوا[47][ولا تبذير]إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين[48][ولا بخل]الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً[49][.

ب. عدم تمكين السفهاء من المال ، فالله تعالى خلق المال ليبني به الكون والنفوس، ولذلك فإنه لا يمكن منه من لا يحسن فيه، ولذلك شرع الحجر على السفيه الذي لا يحسن التصرف بالمال [50]، قال تعالى ]ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً[51][.

ج- عدم استعماله لترويج الباطل: ولذلك حرم الرشوة ونحوها، فقال تعالى ]ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون[52][.
د- عدم استعماله استعمالا مضراً بالغير: فلا يحل لمن ملك مذياعاً أن يعلي صوته بشكل يمنع غيره من النوم أو المذاكرة أو العمل.
8. الجمع بين الثبات والتطور[53]: إن مهمة الثبات هو ضبط الحركة البشرية والتطورات الحيوية فلا تمضي شاردة على غير هدى.. مهمته وجود ميزان ثابت يرجع إليه الإنسان بكل ما يعرض له من تطورات ، وبكل ما يجد في حياته من ملابسات وظروف وارتباطات فيزنها بهذا الميزان الثابت ليرى أنها قريبة أو بعيدة من الحق والصواب، ومن ثم يظل في الدائرة المأمونة لا يشرد إلى التيه ... قيمة الثبات وجود مقوم للفكر الإنساني ، مقوم منضبط بذاته فلا يتأرجح في الشهوات والمتأثرات ، وإذا لم يكن هذا الضابط بذاته فلا ينضبط شيء إطلاقاً.. إنها ضرورة من ضرورات البشرية أن تتحرك داخل إطار ثابت" [54] .
9. الجمع بين المصلحتين العامة والخاصة[55]: ينفرد الإسلام بسياسة اقتصادية متميزة وذلك لجمعه بين المصلحتين العامة والخاصة، أي اعتبار مصلحة الفرد مع عدم إهدار مصلحة الجماعة فهو دين الوسطية والاعتدال يقول تعالى ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[56][وهي وسطية نسبية لا تعني الوسط بمعنى البينية المعروفة ، فالاعتدال سمة الإسلام وأسلوبه في كافة نواحي الحياة فقوام السياسة الاقتصادية هي حفظ التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة يقول تعالى ]لا تظلمون ولا تظلمون[ [57] ، ويقول الرسول r" لا ضرر ولا ضرار" [58] ويقول في مناسبة أخرى "إن قوما ركبوا سفينة فاقتسموا لكل منهم موضع فنقر رجل منهم موضعه بفأسه فقالوا له ماذا تصنع؟ قال مكاني أصنع فيه ما أشاء فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا وإن تركوه هلك وهلكوا" [59].
فالنظام الاقتصادي الرأسمالي : ينظر إلى الفرد على أنه محور الوجود والغاية منه، ومن ثم فهو يهتم بمصلحته الشخصية ويقدمها على مصلحة الجماعة كلها، وهذا هو سر منحه الحق الكامل والمطلق في الملكية والحرية الاقتصادية، ويعلل النظام الرأسمالي موقفه هذا من الفرد بأنه لا يوجد ثمة تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ، وأن الأفراد حين يعملون على تحقيق مصالحهم الخاصة فإنهم في الوقت نفسه يحققون مصالح الجماعة، ولكن هذا التقديم مصلحة الفرد آثار سيئات أهمها : كثرة الأزمات الاقتصادية ، وانتشار البطالة والتفاوت الكبير بين الدخول وظهور الاحتكارات [60].
10- الجمع بين المصالح المادية والحاجات الروحية[61]:
يمتاز الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد روحي ومادي، فجميع تصرفات الإنسان المادية لابد أن تتصف بمراقبة الله وابتغاء وجهه فالمسلم حين يعامل الناس معاملة اقتصادية فلابد أن يتذكر حديث "العمل عبادة[62]" وحديث "إنما الأعمال بالنيات[63]" وحين يقرر هذه الفكرة لا يريد من وراء ذلك أنها مقصودة لذاتها وإن قيمة هذه التوجيهات حماية للفرد نفسه.
11 – الواقعية[64]:
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي لا يميل إلى الخيال ، فهو واقعي في غاياته وطريقته لأنه يستهدف في مبادئه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية، فلا يكلف الإنسان مالا طاقة به.

12 – الإنسانية[65]:
الاقتصاد الإسلامي إنساني حيث أن الحلول التي يضعها لمشاكل الحياة الاقتصادية ترتبط بفكرته ومثله في العدالة، فكل أنواع النشاط في الحياة الاقتصادية في الإسلام خاضعة لقضية الحلال والحرم بما تعبر عنه هذه القضية من قيم ومثل وبامتدادها أيضا إلى جميع الأنشطة الإنسانية ، وألوان السلوك الإنساني حاكماً أو محكوماً ، مشترياً أو بائعاً ، مؤجراً أو مستأجراً، عاملاً أو متعطلاً، كل وحدة من هذه السلوك فيها إما حلال أو حرام ، وإما عدل أو ظلم، فمن ثم نستطيع القول بأن التوجيهات الإسلامية تقدم لنا تصوراً عاما للاقتصاد الإسلامي كما تضع لنا أصولاً كلية نهتدي بها حين التنفيذ [66].
والاقتصاد الإسلامي إنساني لأنه لا يهمل العوامل غير الاقتصادية ، كالعوامل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.
فهو يشمل هذه الموارد في المجتمع البشري على هدى المفهوم الأخلاقي للرفاهية في الإسلام في دائرة الحلال [67].
13. الرقابة المزدوجة[68]:
عندما يضع أي نظام بشري مبادئه وقوانينه فإن التطبيق يحتاج إلى جهاز الرقابة ، ويستطيع الناس مخالفة هذا النظام ما داموا بعيد عن أعين الرقباء ، أما في الإسلام النشاط الاقتصادي يخضع لرقابتين: رقابة بشرية ، ورقابة ذاتية. والرقابة البشرية وجدناها بعد الهجرة، فالرسول r كان يراقب الأسواق بنفسه ، وعندما فتحت مكة أرسل من يراقب أسواقها. ومن هنا ظهرت في الأسواق بنفسه ، وعندما فتحت مكة أرسل من يراقب أسواقها. ومن هنا ظهرت وظيفة المحتسب لمراقبة النشاط الاقتصادي إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحساس المسلم أن الله – عز وجل – أحل كذا وحرم كذا، يفرض رقابة ذاتية، لذلك رأينا سلوك المسلم في نشاطه الاقتصادي كسلوكه في عبادته، وعندما سئل الرسول r عن الإحسان قال: " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" . حديث صحيح.
14- العالمية[69]: من الخمس التي خص بها خاتم الرسل r أنه بعث للناس كافة ، وكان كل نبي يبعث لقومه خاصة .
ونص القرآن الكريم على هذا في عدد من سوره ، في قوله ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً[[70]و ]وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً[71][و] وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [72][ و ] قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً [[73] و ] إن هو إلا ذكرٌ للعالمين [74][ .
ولهذا جاء الإسلام صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان.
والاقتصاد جزء من هذا الدين الخاتم، ولهذا جاء بأحكام كلية ، ومبادئ عامة تناسب كل مكان وزمان، وجمع بين الثبات والمرونة أو التطور، واتسع لاجتهادات المجتهدين، وجعل الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يوجد ما يعارض نصاً، أو أصلاً ثابتا أو مقصدا من مقاصد التشريع الإسلامي.
فالاقتصاد الإسلامي لم يكن لبيئة مكة وحدها ، أو المدينة ، أو الجزيرة العربية ، ولم يقتصر على بيئة تجارية ، أو زراعية ، أو صناعية.
ولعل الأديان السابقة لم تأت بنظام اقتصادي عالمي متكامل ، لأنها كانت محددة الزمان والمكان.
المطلب الرابع .
شبهات حول الاقتصاد الإسلامي .
إن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد رباني فهو مستمد كماله من الرب جل وعلا ، ولكن عندما جاء الاستعمار إلى بلاد المسلمين فترة من الزمان، وترك آثار سيئة على حياة المسلمين بعد ما رحل منها[75]:
1. تشتيت الدراسات الإسلامية وإبعادها عن مناهج التعليم.
2. منع الفقه الإسلامي من التطبيق داخل المحاكم، واستبدال القوانين الوضعية.
3. سن الأنظمة والقوانين التي تخدم الاتجاه الاشتراكي والرأسمالي.
ولقد ترتب على إغفال تطبيق الاقتصاد الإسلامي في واقع حياة المسلمين آثار سيئة منها:
1. انتشار الربا – بكافة صوره وألوانه – في بلاد المسلمين.
2. التوسع في انتشار المعاملات المحرمة الأخرى بين المسلمين كعقود التأمين مثلاً.
3. مخالفة حكم الله ، والعمل بغير ما أنزل، مما يكسب المسلمين المعاصي والآثام المستمرة.
4. عدم إفساح المجال للاقتصاد الإسلامي ، ليحل المشكلات الاقتصادية القائمة ، وبالتالي حرمان العالم من سن أنظمة وتشريعات تحقيق الخير والرفاهية للناس.









المبحث الثالث
النظام الرأسمالي:
المطلب الأول :
تعريفه:
النظام الرأسمالي هو النظام الذي يقوم على الملكية الفردية لعناصر الإنتاج والحرية الاقتصادية للأفراد في إدارة وتيسير وممارسة النشاط الاقتصادي والتنافس فيما بينهم بهدف تحقيق المكسب المادي.
ويتمتع النظام الرأسمالي إلى هذه اللحظة بقدرته على التجديد والاستمرار وقابليته للإصلاح ، الأمر الذي جعل أغلب دول العالم تتوجه نحو الاتجاه الرأسمالي.
المطلب الثاني :
تاريخه:

بدأ هذا النموذج في الغرب، كرد فعل للضغط والكبت الذي كانت تمارسه كل السلطات الحاكمة أو المتحكمة في المجتمع ضد الفرد، وازدهر هذا النموذج نتيجة لاتصال الغرب المتخلف بالشرق الإسلامي المتحضر، ووقوف الغربيين على نواحي الحياة المختلفة التي يحياها الإنسان في الشرق تحت الحكم الإسلامي.
ومن هنا كان النموذج الرأسمالي فكرة إنسانية ، قبل أن يكون مجرد نظرية اقتصادية، وكان محور هذا النموذج هو الإيمان بالفرد والإيمان بقدراته وإمكانياته. وقد كان لهذه الفكرة الإنسانية صداها في الفكر الديني فكانت حركة الإصلاح البرتستنتي التي تضع الخلاص في يد الإنسان بعد أن كانت الكنيسة تحتكره وتجعل العلاقة بين الإنسان وربه علاقة مباشرة ، بعد أن كان رجل الدين المسيحي يتوسط تلك العلاقة.
وكان لهذا النموذج الإنساني صداه في الفكر الاقتصادي ،فكانت الحرية الاقتصادية ،وكانت المنافسة ،وكان الصراع بين الأفراد والهيئات ،بعيداً عن تدخل الدولة ،إلا في صورة قوانين تسنها لتنظيم العلاقة بين المتنافسين .وحينما اتجهت دول الغرب إلى الاستعمار في القرن التاسع عشر ،صار تدخل الدولة ضرورياً من ناحية الأمن القومي لأن الأمر ارتبط بفكرة القومية ،وصراع الدول الأوروبية القومية للحصول على المستعمرات ،تحصل منها على المواد الخام ،وتستعملها كأسواق لمنتجاتها.

ومنذ القرن التاسع عشر ،وتدخل الدولة في المجتمعات الرأسمالية في الشؤون الاقتصادية موجود ،ولكن بدرجات تختلف من مجتمع رأسمالي إلى آخر ،حسب الظروف الخاصة بكل مجتمع رأسمالي ،وما تفرضه هذه الظروف من تحديد حجم هذا التدخل .ورغم هذا التدخل ،ظل الأساس كما كان هو حرية الفرد ،والمغامرة الفردية ،والدولة لا تتدخل إلا للضرورة وبمقدار.
وكان لهذه الفكرة الإنسانية صداها في الفكر الاجتماعي ،وفي الفكر الأخلاقي ،وقد انتشر روح الإصلاح في كل مجال .لقد وجدت روح جديدة في السياسة وفي المجتمع ،وفي العلم والفلسفة والدين ،وفي الأدب والفن.
وبدأ الجانب الاقتصادي في الحرية يطغى على بقية الجوانب في الأيديولوجيا الرأسمالية ،بعد أن كان مجرد جانب واحد من هذه الحرية ،التي حققتها ثورة الإصلاح الديني في أوروبا ،بحيث صارت الرأسمالية لا توحي في الذهن إلا هذا الجانب الاقتصادي ،وما يؤدي إليه من صراع على الكسب والربح ،ومن تنافس في الحصول على المواد الخام والأسواق والخبرات الفنية ،ومن حروب لحماية المصالح الرأسمالية في خارج الحدود ،ومن صراع بين العمال وأصحاب الأعمال ،ومن مكتشفات علمية لزيادة الإنتاج وخفض تكلفته ،ومن بحوث علمية للوصول إلى هذه المكتشفات ،وغير ذلك مما يعتبر هذا الجانب الاقتصادي مداره ومحوره.
وفي إطار هذه الحرية الاقتصادية التي طغت على سائر الحريات في الأيديولوجيا الرأسمالية ،تحركت الحرية السياسية والحرية الدينية والحرية الأكاديمية ،وسائر الحريات الأخرى،واقترن الاستعمار بالرأسمالية التجارية ،والرأسمالية الصناعية ،والرأسمالية التجارية هي التي سادت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر ،وكانت فيها التجارية هي محور النشاط الاقتصادي ،وفي مرحلة الرأسمالية الصناعية ،ظهرت تنظيمات إنتاجية جديدة ،وعلى رأسها الشركات المساهمة ،وانتقلت الرأسمالية من رأسمالية الوحدات الصغيرة أو رأسمالية المنافسة ،إلى رأسمالية الوحدات الكبيرة ،أو رأسمالية الاحتكارات ،وبظهور الاحتكارات اتسع نطاق الاستعمار ،وتطورت الأسماليسة الأوروبية إلى الأسمالية الإمبريالية[76] .

المطلب الثالث:
أهم خصائص النظام الرأسمالي:

1. الملكية الفردية لعناصر الإنتاج[77]:
حيث يقوم النظام الرأسمالي على ملكية الأفراد لعناصر الإنتاج, ويعترف القانون بهذه الملكية ويحميها, فالمالك له مطلق الحرية في التصرف فيما يملك بالبيع وخلافه, وله الحق في استغلاله في أي مجال طالما لا يتعارض مع القانون. فيمكن أن يوظف أمواله وما لديه في النشاط الزراعي أو الصناعي أو يتركه عاطلاً, فهو له مطلق الحرية فيما يملك، ومن أهم الوظائف التي يؤديها حق الملكية الخاص لعناصر الإنتاج أنه يوفر الباعث على الادخار، فمن يملك يستهلك جزءًا مما يملكه ويدخر الباقي, وبذلك يكون هناك مدخرات لأغراض الاستثمار وزيادة الدخل، فبدون الباعث على الادخار الذي يتيحه نظام الملكية الفردية لا تتوافر الأموال التي توجّه إلى الاستثمار.
ويترتب أيضًا على حق المستقبل أو ليتمتع بها أبناؤه وبقية ورثته، وبذلك يتوفر المزيد من دافع الادخار, ومن ثم المزيد من حوافز الاستثمار.
وبالطبع فهذه الحرية الاقتصادية المتاحة للأفراد ليست حرية مطلقة تمامًا, بل في داخل الإطار القانوني والاجتماعي للمجتمع، فهناك أنشطة غير مشروعة تمارس بما يعرف بالاقتصاد الخفي مثل بيع المخدرات مثلاً، فالحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي مكفولة لكل الأنشطة المشروعة فقط.

2- حافز الربح[78]:
يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي هو الدافع الأساسي لزيادة الإنتاج, وهو المحرك الرئيس لأي قرار يتخذه المنتجون, فكل فرد في هذا النظام إنما يتصرف بما تمليه عليه مصلحته الشخصية بما يتفق مع تحقيق أهدافه الخاصة، وبما أن الربح هو الفرق بين الإيرادات والتكاليف, فإن المنتجين في النظام الرأسمالي يختارون النشاط الاقتصادي الملائم لاستغلال الموارد بأفضل طريقة ممكنة, وحين يحدث ذلك في جميع الأنشطة الاقتصادية فإن كل الموارد الاقتصادية تكون قد استخدمت ونظمت بحيث تعطي أقصى أرباح ممكنة, وبالتالي يحصل المجتمع على أقصى دخل ممكن من موارده.
وهذا الربح في النظام الرأسمالي يسمى عائد المخاطرة؛ لأن الشخص صاحب المشروع يخاطر ويغامر؛ فقد يربح أو يخسر, هذا, وقد أشار آدم سميث إلى وجود يد خفية توقف بين المصلحة الخاصة للفرد وبين المصلحة العامة للمجتمع، فالفرد الذي يسعى لتحقيق أقصى ربح ممكن إنما يقوم بإنتاج السلع التي يزداد الطلب عليها, وبذلك فهو يلبي حاجة المجتمع لهذه السلعة. كما أنه يحقق المزيد من الأرباح, وهكذا نجد أن الربح في النظام الرأسمالي ليس مجرد عائد يحصل عليه المنظمون فحسب، ولكنه يعتبر أيضًا أحد العناصر الأساسية المسيرة للنظام الاقتصادي وتعمل دائمًا على تنميته؛ حيث إن مزيدًا من الأرباح يعني في النهاية مزيدًا من الإنتاج.







يتبع .......................

المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59