عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2013, 06:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ثانياً ـ الجهـل بالإســلام:
وفقاً لمقولة دارجة لا تخلو من الصحة، يميل الإنسان في العادة إلى معاداة ما يجهل، بوصفه يشكل خطراً غامضاً يحسن الاحتراس منه وتجنبه. وهذا ما قد يفسر خوف الكثيرين من الإسلام وميلهم إلى معاداته والنفور منه، حتى بين بعض أبناء المسلمين أنفسهم، الذين يملكون معرفة سطحية بالإسلام!. والواقع إن هناك جهلاً صارخاً بحقيقة الإسلام، وبخاصة في العالم الغربي، الذي يستقي معلوماته عن الإسلام من مصادر قد تفتقر في كثير من الحالات إلى الموضوعية والنزاهة والتجرد، أو الإحاطة الكافية بحقيقة الإسلام وجوهره. فالمناهج المدرسية وحتى الجامعية في العالم الغربي، ما تزال مثقلة بكم هائل من المعلومات المغلوطة والمضللة عن الإسلام، التي تعود في جذورها إلى نتاجات المدرسة الاستشراقية، إحدى الأذرع التقليدية الرئيسة للاستعمار الغربي. التي يوجد من الشواهد ما يؤكد انطلاقها من مرجعيات قروسطية مصطبغة بروح الحروب (الصليبية)، لا ينقصها الكثير من التعصب والتحيز وتزييف الوقائع وليّ أعناق الحقائق لإثبات مزاعم وافتراضات قبلية عارية عن الصحة(2).
وفي هذا الإطار، يشير أحد الباحثين إلى "أن القليل من إنتاج المستشرقين الجدد، وهو كثير في حد ذاته، يذهب إلى صانعي السياسة والقرار في الغرب. بينما يذهب الكثير من إنتاجهم إلى الرأي العام عن طريق أجهزة متطورة للإعلام والدعاية ليؤكد صوراً نمطية أو يشوهها"(3). وحول النوايا العدائية للاستشراق وسعيه إلى المزيد من اختلاط الأوراق وتوتير العلاقات بين الإسلام والغرب يتابع الباحث نفسه القول: "إن الاستشراق الجديد الساعي قولاً وفعلاً إلى صدام (حضاري) مع الشرق الإسلامي حريص أيضاً على فتح حوار على مستويات متعددة يختلط فيه الدين بالسياسة والفاهمون بغير الفاهمين"(4).
ويشكل الجهل بالإسلام وحمل تصورات مغلوطة عنه، مع ما يترتب عن ذلك من الحيلولة دون تشكل أرضية ملائمة لفهمه وتفهمه والتواصل الإيجابي مع معتنقيه، معلماً بارزاً من معالم الحياة في العالم الغربي. وربما كان هذا هو ما دفع عضو مجلس النواب الأمريكي السابق (بول فندلي)، الذي خبر العالم الإسلامي عن قرب، إلى أن يأخذ على عاتقه السعي إلى كسر حاجز الجهل الغربي بالإسلام، والعمل على تصحيح المفاهيم والصور النمطية الخاطئة المتصلة به، ودحض الأضاليل التي تستوطن أذهان الغربيين بشأنه، وبخاصة في المجتمع الأمريكي. ويجمل (فندلي) الأسباب التي تقف خلف جهل الأمريكيين، والغربيين عموماً، بالإسلام وتبنيهم صوراً نمطية مضللة عنه فيما يلي من أسباب(5):
1ـ دور اللوبي اليهودي في تقديم صورة سيئة عن المسلمين، وتصوير (إسرائيل) على أنها دولة ضعيفة يهدد العرب والمسلمون أمنها ووجودها.
2ـ الاقتصار على الحديث عن الأخلاق اليهودية والمسيحية في المجتمع الأمريكي، بوصفها الأخلاق العالية المقبولة الجديرة بالاتباع، مع تجنب الإشارة إلى الأخلاق الإسلامية، وتصويرها بشكل سلبي منفر في حال الحديث عنها. بحيث غدت اليهودية والمسيحية في نظر الأمريكي أنموذجاً للتقدم والحضارة والأخلاق، وأصبح الإسلام تعبيراً عن القوة المتخلفة والخطرة.
3ـ وسم الإسلام بالإرهاب والتعصب، واحتقار المرأة، والافتقار إلى التسامح مع غير المسلمين، ورفض الديمقراطية، وعبادة إله غريب وانتقامي.
4ـ تخوف الغربيين من خطر إسلامي متصاعد، وخشيتهم من الحرب الإسلامية ـ الغربية القادمة، وتغذية الهيئات الصهيونية لتلك المخاوف، حتى لا يتراجع الدعم الغربي للكيان الصهيوني في فلسطين.
5ـ تركيز وسائل الإعلام الغربي على تصوير الحركات الإسلامية، وبخاصة حركات المقاومة، على أنها حركات إرهابية لا تحترم الديموقراطية وحقوق الإنسان. وعمل تلك الوسائل في بعض الأحيان على فبركة برامج يتم عن طريقها تضخيم دعوات بعض المسلمين إلى محاربة أمريكا و (إسرائيل) والغرب، وإخراج تلك الدعوات عن سياقها الأصلي.
ثالثاً ـ تضارب المصالح واختلاف المنطلقات القيمية:
على الرغم من أن الجهل بالإسلام قد يشكل سبباً أساسياً للخوف منه ومعادته، إلا أنه ليس السبب الوحيد بكل تأكيد. فقد سجل التاريخ أن معرفة الكثيرين بالإسلام لم تحل دون الخوف منه ومناهضته، بل ربما يمكن القول إن تلك المعرفة قد كانت المدخل الرئيس لاتخاذ موقف سلبي منه. فقد جاء الإسلام ليشكل مشروع رؤية تجدد ما دأبت تعاليم السماء على الدعوة إليه والمناداة به مذ وجد الإنسان على الأرض، رؤية تقوم على تدمير معاقل التظالم بين البشر، ونشر قيم العدالة والأخوة والمساواة والفضيلة فيما بينهم. وبطبيعة الحال، كان من المحتم أن يصطدم ذلك المشروع بمصالح كثير من الفئات الانتهازية التي كانت تحرص على استمرار الأوضاع المختلة القائمة، بكل ما فيها من استغلال وظلم واعوجاج. فاليهود في الجزيرة العربية على سبيل المثال، وهم الذين احترفوا العمل بالمراباة والدعارة وتجارة الخمور... الخ، كانوا متأكدين من صدق النبي محمد (عليه السلام) وصدق رسالته، حسب ما جاء في أسفارهم المقدسة من نبوءات. إلا أنهم أصروا على معاداة الإسلام والكيد له، استناداً إلى رفضهم التضحية بالمكاسب غير المشروعة التي لا يقرها الإسلام، التي كانوا يجنونها جرّاء استغلال الناس وإشاعة الرذيلة بينهم، وانطلاقاً من استكبارهم عن اتباع رسول ليس من أبناء جلدتهم، بعد أن انحصر كل الأنبياء المعروفين ضمن نطاق بني إسرائيل منذ عهد النبي إسحق (عليه السلام). وقد فضح القرآن الكريم مكر اليهود وإنكارهم معرفة الرسول تبعاً للنبوءات التي تبشر به في كتبهم المقدسة بقوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"(6).
هذا، وقد انسحب الحال نفسه على كثير من زعماء قريش والعرب في بداية الدعوة الإسلامية، الذين رفضوا اتباع الرسالة المحمدية، ليس من منطلق عدم تصديقها، بل من باب الاستكبار والحرص على مكتسبات الزعامة ورفض النزول عنها. فقد ورد عن (أبي جهل) أحد أشهر أعداء الإسلام عبر التاريخ في معرض تفسيره الإصرار على عدم الإيمان بالرسول ومعاداة رسالته قوله: "والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكنيمنعني شيء. إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا نعم، ثم قالوا: فيناالسقاية، فقلنا نعم، ثم قالوا: فينا الندوة، فقلنا نعم، ثم قالوا: فينااللواء، فقلنا نعم، ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، فلا والله لا أفعل"(7).

(2) للوقوف على الدور الخطير الذي لعبته المدرسة الاستشراقية في تزييف الوعي الغربي بحقيقة الإسلام، أنظر: سعيد، إدوارد. الاستشراق: المعرفة/ السلطة/الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 2001، ط5.

(3) مطر، جميل. "حوار الحضارات .. السياسي أولاً"، المستقبل العربي، العدد 325 (آذار 2006)، ص 57.

(4) المرجع السابق، ص 57.

(5) فندلي، بول. لا سكوت بعد اليوم، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2001. نقلاً عن مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني (ثمرات المطابع) على الرابط التالي:
http://www.thamarat.com/TourPage3.htm

(6) القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 146.

(7) البيهقي، الإمام أحمد بن الحسين. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي، بيروت: دار الكتب الجامعية، 1985، 2/207.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59