وفي إحدى تلك الرسائل كتب قائلاً:
إن ساعة من ساعات هذا الضعف الإنساني الذي نسميه ( الحب ) تُنشىء للقلب تاريخاً طويلاً من العذاب ، إن لم تكن آلامه هي لذاته بعينها فهي أسباب لذاته ، ومن ثم يشتبه الأمر على المحبين إذا استفزتهم قوة الغضب ممن أحبوا ،فلا تجد في البغضاء عندهم أبغض من طريقة إظهارها ، حتى أن نيران قلوبهم لتخلق منها الشياطين ، ولقد كان في هذه الرسائل كلام يدوي كهزيز السحابة الحمراء تنطلق من الرصاص في معركة حامية لتمطر مطر الموت والألم والوجع ، فلم أثبت منه إلا كما ترى من ضبابة البخار فوق المرجل الذي يغلي ، ومن ألوان البرق تلمح من صواعقها لمحاً .
ليس ببعيد أن تكون هذه القلوب الإنسانية ينظر بعضها في بعض أحياناً على شعاع الروح كما يتراءى الوجه للوجه في سراج العين ، ومن ثم يكون اختلاف كل عاشق مع الناس أجمعين في تقدير الجمال الذي يعشقه واعتباره ، إذ لا يقدر بعينه ولا بعقله ولكن بقلبه . ولقد حاورت الصديق يوماً في جمال صاحبته تلك فقال إني أرى ما لا ترى ، فإن قلبي ينظر في قلبها كما تنظر أنت في وجهها ، ومتى جادلت محباً في هواه صارت ******ة في جدالكما كالفلسفة تراها عند أهلها إيضاحاً لشيء معقد ، فإذا تناولها غير أهلها انقلبت تعقيداً لشيء واضح ...وإن المرأة الجميلة في رأيي هي تلك التي أرفع روحي أليها ، إذ لستً أفهم من معنى الحب إلا أن الروح اهتدت إلى شيء من سر الإنسانية في إنسان جميل قد استطاع بجماله أن يهديها إلى هذا السر.
ولما يبس ما بينه وبينها ، ولجّ في غضبه منها ، سألته رأيه في" إيضاح المعقّد ...." ( أي حبيبته التي شبهها بالفلسفة ) ، فقال: أيها الرجل ! إذا امتدحت امرأة جميلة فلا تقل ما أجملها بل قل : ما أجمل الشرّ!
آهِ من الدنيا ومن *** قدر على الدنيا حكم
البغضُ شيء مؤلم *** والحب شيء كالألم
تحياتي لكل من مر من هنـــــــا