عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-21-2013, 09:18 PM
الصورة الرمزية مطر وقمح
مطر وقمح غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: سوريا
العمر: 61
المشاركات: 379
27

مقدمة ما قبل القصيدة للمطالعة
بلغت شهرة البوصيري الأفاق في نظم الشعر في المدائح النبوية، فظهرت قصائده مغلفة بالروح العذبة والمعاني الصادقة مع روعة التصوير والتعبير والتي أستلهمها من حبه للنبي الكريم "صلى الله عليه وسلم"، فجاءت ألفاظه دقيقة بديعة السبك والنظم، فكانت قصائده بمثابة مدرسة لشعراء المدائح النبوية.

وأمتاز شعر البوصيري بالرصانة والجزالة وأجاد في استعمال البديع، والبيان وغلبت على قصائده المحسنات البديعية، كما تميز شعره بالقوة والرصانة، وتأتي قصيدة البردة للبوصيري على رأس قصائد المدائح النبوية، والتي عارضها أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته "نهج البرده".


انكب البوصيري على مذهب الصوفية، فاطلع على سير عدد من أربابها قديماً وحديثاً وغاص فيها، وتلقى الصوفية على يد أبي الحسن الشاذلي، ومدح الشاذلية في شعره، وقد غلب على الشعر في العصر المملوكي والذي ينتمي إليه البوصيري، المدائح النبوية والموضوعات الدينية، ومنظومات الزهد والتصوف.



أعْـنِي أَبـا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى مِـــنْ هَــاشِـمٍ والـشَّـاذِليَّ الـمَـوْلِدِ

إنَّ الإِمـــــامَ الــشَّـاذِلـيَّ طَــرِيـقُـهُ فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فـانْـقُـلْ ولـــوْ قَـدَمـاً عَـلَـى آثــارِهِ فـــإذَا فَـعَـلْـتَ فَـــذاكَ آخَـــذُ بـالْـيَدِ


قصة البردة

يقال عن سبب تسمية هذه القصيدة "بالبردة" لأن المرض كان قد أشتد على البوصيري، وفي إحدى المرات عندما كان نائماً رأى النبي "صلى الله عليه وسلم" وقد غطاه ببردته - عباءته – فأصبح وقد شفي مما هو فيه، وسميت هذه القصيدة أيضاً بالبرأة، والميمية لأنها تختتم قافيتها بحرف "الميم"، وفي هذه القصيدة يجمع كل أدواته الشعرية ويجمع همته لمدح خير خلق الله "محمد" صلى الله عليه وسلم، وقد شرح وعارض هذه القصيدة العديد من الشعراء.


ويبدأ البوصيري "البردة" بالأبيات التالية:




أمِــــنْ تَــذَكُّــرِ جِــيـران بِـــذِي سَــلَـمٍ

مَـزَجْـتَ دَمْـعـاً جَــرَى مِـنْ مُـقْلَةٍ بِـدَمِ
أمْ هَـبَّـتْ الـريـحُ مِــنْ تِـلْـقاءِ كـاظِمَةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فــمــا لِـعَـيْـنَيْكَ إنْ قُــلْـتَ اكْـفُـفـاهَمَتا
وَمـــا لِـقَـلْـبِكَ إنْ قُـلْـتَ اسْـتَـفِقْ يَـهِـمِ
أَيَـحْـسَـبُ الــصَّـبُّ أنَّ الــحُـبَّ مُـنْـكتِمٌ
مـــا بَــيْـنَ مُـنْـسَجِمٍ مـنـهُ ومُـضْـطَرِمِ
لـولاَ الـهَوَى لَـمْ تُـرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أَرِقْــــتَ لِــذِكِــرِ الــبَــانِ والـعَـلَـمِ
فـكـيـفَ تُـنْـكِرُ حُـبّـاً بـعـدَ مــا شَـهِـدَتْ
بـــهِ عـلـيـكَ عــدولُ الـدَّمْـعِ وَالـسَّـقَمِ
وَأَثْـبَـتَ الـوجِـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةِ وضَـنىً
مِــثْـلَ الـبَـهـارِ عَــلَـى خَـدَّيْـكَ وَالـعَـنَمِ
نَـعَمْ سَـرَى طَـيفُ مَـنْ أهـوَى فَأَرَّقَنِي
والــحُــبُّ يَــعْـتَـرِضُ الــلَّـذاتِ بــالألَـمِ



ويستمر في مدح الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" في نفس القصيدة قائلاً:



مُــحَـمَّـدُ سَــيِّـدَ الـكَـوْنَـيْنِ والـثَّـقَـلَيْنِ

والـفَـرِيقَيْنِ مِــنْ عُـرْبٍ ومِـنْ عَـجَمِ
نَـبِـيُّـنَـا الآمِـــرُ الـنَّـاهِـي فـــلاَ أَحَـــدٌ
أبَّـــرَّ فِـــي قَـــوْلِ لا مِــنْـهُ وَلا نَــعَـمِ
هُــوَ الـحَـبيبُ الـذي تُـرْجَى شَـفَاعَتُهُ
لِــكـلِّ هَـــوْلٍ مِــنَ الأهــوالِ مُـقْـتَحَمِ
دَعــا إلــى اللهِ فـالـمُسْتَمْسِكُونَ بِــهِ
مُـسْـتَـمْسِكُونَ بِـحَـبْلٍ غـيـرِ مُـنْـفَصِمِ
فــاقَ الـنَّـبِيِّينَ فـي خَـلْقٍ وفـي خُـلُقٍ
وَلَـــمْ يُــدانُـوهُ فـــي عِــلْـمٍ وَلا iiكَــرَمِ
وَكـلُّـهُـمْ مِـــنْ رَسُــولِ اللهِ iiمُـلْـتَمِسٌ
غَـرْفاً مِـنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِـــفُــونَ لَـــدَيْــهِ عــنــدَ حَــدِّهِــمِ
مِـنْ نُـقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فــهْـوَ الـــذي تَــمَّ مـعـناهُ وصُـورَتُـه
ثــمَّ اصْـطَـفَاهُ حَـبـيباً بــارِىءُ الـنَّسَمِ
مُــنَـزَّهٌ عَــنْ شَـرِيـكٍ فــي مـحـاسِنِهِ
فَـجَـوْهَرُ الـحُـسْنِ فـيه غـيرُ مُـنْقَسِمِ
دَعْ مــا ادَّعَـتْهُ الـنَّصارَى فـي نَـبيِّهِمِ
وَاحْـكُمْ بـما شْـئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ
وَانْـسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ iiعِظَمِ
فـــإنَّ فَـضْـلَ رســولِ الله لـيـسَ iiلــهُ
حَــــدُّ فــيُـعْـرِبَ عــنــه نــاطِـقٌ بِــفَـمِ


أجاد البوصيري الخط، وتعلم قواعد هذا الفن على يد إبراهيم بن أبي عبدالله المصري وكان واحداً ممن اشتهروا بتجويد الخط في مصر، شغل البوصيري عدد من الوظائف في القاهرة والأقاليم، فعمل في صناعة الكتب خلال فترة شبابه، ثم عمل ككاتب للحسابات بمدينة بلبيس بالشرقية، ووقعت بعض المصادمات بينه وبين المستخدمين المحيطين به فضاق بهم وبأخلاقهم فنظم عدد من القصائد هجاهم فيها وذكر فيها عيوبهم مما قاله:



ثَـكِـلْتُ طـوائِـفَ الـمُـسْتَخْدَمِينا

فَــلَـمْ أَرَ فِـيـهـمُ رَجُـــلاً أَمِـيـنـا
فَـخُـذْ أَخْـبَـارَهُمْ مَـنِّـي شِـفـاهاً
وَأنْــظِـرْنـي لأُخْــبِـرُكَ الـيَـقِـينا
فَـقَـدْ عَـاشَـرْتُهُمْ وَلَـبِـثْتُ فِـيهمْ
مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَـوَتْ بُـلْبُيْسُ طـائِفَةً لُـصُوصاً
عَــدَلْـتُ بِــوَاحِـدٍ مِـنْـهُمْ مِـئِـينا
فُـرَيْـجِي والـصَّـفِيَّ وَصـاحِـبَيْهِ
أبَــا يَـقْطُونَ والـنَّشْوَ الـسَّمِينا
فَـكُـتَّـابُ الـشَّـمالِ هُــمُ جَـمِـيعاً
فــلا صَـحِـبَتْ شِـمالُهُمُ الـيَمِينا
وَقَـدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما عَلِمْنا
كـما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا


غادر بعد ذلك البوصيري الشرقية إلى القاهرة، وافتتح كتاباً لتعليم الأطفال ثم مالبث أن غادره إلى الإسكندرية، وظل بها حتى أخر حياته، وبها تعرف على الشيخ أبا العباس المرسي، وتتلمذ على يديه وأقبل على طريقته الصوفية، وظل بالإسكندرية حتى وفاته.


المدح النبوي
أنكب البوصيري على قراءة السيرة النبوية الشريفة، ومعرفة أخبار ومواقف في حياة الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، ثم انطلق ينشد العديد من القصائد المميزة التي تجلى فيها حبه للرسول وبالإضافة لقصيدته الشهيرة "البردة" قدم القصيدة الهمزية التي لا تقل روعة عن "البردة" ويقول فيها:


كــيـف تــرقَـى رُقِــيَّـك الأَنـبـياءُ

يــا سـمـاءً مــا طـاوَلَتْها سـماءُ
لَـمْ يُـساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حالَ
ســنــاً مِــنــك دونَــهـم وسَــنـاءُ
إنّــمـا مَـثَّـلُـوا صِـفـاتِـك لـلـناس
كــمــا مــثَّــلَ الــنـجـومَ الــمــاءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصدُرُ
إلا عــــن ضــوئِــكَ الأَضــــواءُ
لـكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيبِ
ومــــنـــهـــا لآدمَ الأَســـــمــــاءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَارُ
لــــــــك الأُمــــهـــاتُ الأَبـــــــاءُ
مـا مـضتْ فَـترةٌ مـن الرُّسْلِ إِلّا
بَــشَّـرَتْ قـومَـهـا بِـــكَ الأَنـبـياءُ
تـتـباهَى بِــكَ الـعـصورُ وَتَـسْمو
بِــــكَ عــلْـيـاءٌ بــعـدَهـا عـلـيـاءُ
وَبَــــدا لــلـوُجُـودِ مــنــك كــريـمٌ
مــــن كــريــمٍ آبَــــاؤُه كُــرمــاءُ
نَــسَـبٌ تَـحـسِـبُ الــعُـلا بِــحُـلاهُ
قَــلَّـدَتْـهَـا نـجـومـهَـا الْــجَــوزاءُ
حــبــذا عِــقْــدُ سُــــؤْدُدٍ وَفَــخَـارٍ
أنـــتَ فــيـه الـيـتيمةُ الـعـصماءُ
وُمُـحَيّاً كـالشَّمس مـنكَ مُـضِيءٌ
أسْــفَــرَت عــنـه لـيـلـةٌ غَـــرّاءُ
لـيـلةُ الـمـولدِ الـذي كَـان لـلدِّينِ
ســـــرورٌ بــيــومِـهِ وازْدِهــــاءُ
وتـوالَتْ بُـشْرَى الهواتفِ أن قدْ
وُلِــدَ الـمـصطفى وحُــقّ الـهَناءُ
وتَـدَاعَـى إيــوانُ كِـسْرَى ولَـوْلا
آيـــةٌ مِـنـكَ مــا تَـدَاعَـى الـبـناءُ
وغَـــدَا كـــلُّ بــيـتِ نـــارٍ وفــيـهِ
كُــرْبَـةٌ مِـــنْ خُـمـودِهـا وَبـــلاءُ


وعارض قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير فقال البوصيري في قصيدته:


إلـى مـتى أنـتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ

وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غدا
وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ


كما قدم بائياته الثلاثة والتي قال في إحداها:



وقَــفَــتْ بِــجــاهِ الـمـصـطـفى آمــالُـه

فــــكـــأَنـــه بـــذنـــوبـــه يَـــتَـــقَـــرَّبُ
وَبَـــــدا لـــــه أنَّ الـــوُقُــوفَ بِــبـابِـهِ
بــــابٌ لِــغُـفْـرانِ الــذُّنــوبِ مُــجَــرَّبُ
صــلَّــى عــلـيـه الــلَّـهُ إنَّ مَـطـامِـعي
فـــي جُــودِهِ قــد غــارَ مـنـها أشـعَـبُ
لِــــم لا يــغــارُ وقــــد رآنــــي دونَـــه
أدركْــتُ مِــنْ خَـيْرِ الـوَرَى مـا أطـلُبُ
مـــــاذا أخــــافُ إذا وَقَــفْــتُ بِــبـابِـهِ
وصَـحـائِـفي سُـــودٌ ورأْسِــيَ أشْـيَـبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي
يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ




توفى البوصيري بالإسكندرية عام 1296م – 696هـ، وقد ترك إرثاً قيماً للأجيال اللاحقة تمثلت في عدد كبير من قصائده والتي ضمها ديوانه الشعري، بالإضافة لقصيدة البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في الصلاة على خير البرية"، والقصيدة "الهمزية"، و"المحمدية"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود".
...
قصيدة البردة
...
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم


أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم

أَمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم

فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا
وما لقلبك إن قلت استفق يهم

أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم

لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ

فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت
به عليك عدول الدمع والسقمِ

وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى
مثل البهار على خديك والعنم

نعم سرى طيف من أهوى فأرقني
والحب يعترض اللذات بالألمِ

يا لائمي في الهوى العذري معذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ

عدتك حالي لا سري بمستتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحسم

محضتني النصح لكن لست أسمعهُ
إن المحب عن العذال في صممِ

إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت
من جهلها بنذير الشيب والهرم

ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
ضيف ألم برأسي غير محتشم

لو كنت أعلم أني ما أوقره
كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ

من لي برِّ جماحٍ من غوايتها
كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوي شهوة النَّهم

والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على
حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصم

وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ
وإن هي استحلت المرعى فلا تسم

كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة
من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم

واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع
فرب مخمصةٍ شر من التخم

واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حمية الندمِ

وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم

ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ
لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقُم

أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به
وما استقمت فما قولى لك استقمِ

ولا تزودت قبل الموت نافلةً
ولم أصل سوى فرض ولم اصم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضر من ورم

وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى
تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم

وراودته الجبال الشم من ذهبٍ
عن نفسه فأراها أيما شمم

وأكدت زهده فيها ضرورته
إن الضرورة لا تعدو على العصم

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ

محمد سيد الكونين والثقلي
ن والفريقين من عرب ومن عجمِ

نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبر في قولِ لا منه ولا نعم

هو ****** الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم

دعا إلى الله فالمستسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم

فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم

وكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم

فهو الذي ت م معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم

منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم

دع ما ادعثه النصارى في نبيهم
واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم

وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم

لو ناسبت قدره آياته عظماً
أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم

لم يمتحنا بما تعيا العقول به
حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ

أعيا الورى فهم معناه فليس يرى
في القرب والبعد فيه غير منفحم

كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ
صغيرةً وتكل الطرف من أمم

وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ

فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ
وأنه خير خلق الله كلهمِ

وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم

فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم

أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ
بالحسن مشتمل بالبشر متسم

كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ
والبحر في كرمٍ والدهر في همم

كانه وهو فردٌ من جلالته
في عسكر حين تلقاه وفي حشم

كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ
من معدني منطق منه ومبتسم

لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ
طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

أبان موالده عن طيب عنصره
يا طيب مبتدأ منه ومختتم

يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم
قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم

وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم

والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ
عليه والنهر ساهي العين من سدم

وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها
ورُد واردها بالغيظ حين ظمي

كأن بالنار ما بالماء من بلل
حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ

والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ
والحق يظهر من معنى ومن كلم

عموا وصموا فإعلان البشائر لم
تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم

من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ
بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ

وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب
منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم

حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ
من الشياطين يقفو إثر منهزم

كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ
أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى

نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما
نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم

كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت
فروعها من بديع الخطِّ في اللقم

مثل الغمامة أنَّى سار سائرة
تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم

أقسمت بالقمر المنشق إن له
من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ

وما حوى الغار من خير ومن كرم
وكل طرفٍ من الكفار عنه عم

فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما
وهم يقولون ما بالغار من أرم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحم

وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ
من الدروع وعن عالٍ من الأطُم

ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به
إلا ونلت جواراً منه لم يضم

ولا التمست غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستلم

لا تنكر الوحي من رؤياه إن له
قلباً إذا نامت العينان لم ينم

وذاك حين بلوغٍ من نبوته
فليس ينكر فيه حال محتلم

تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ
ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم

كم أبرأت وصباً باللمس راحته
وأطلقت أرباً من ربقة اللمم

وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته
حتى حكت غرة في الأعصر الدهم

بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها
سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

دعني ووصفي آيات له ظهرت
ظهور نار القرى ليلاً على علم

فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ
وليس ينقص قدراً غير منتظم

فما تطاول آمال المديح إلى
ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم

آيات حق من الرحمن محدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم

لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا
عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم

دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ
من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ

محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ
لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم

ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ
أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ

ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها
ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم

لها معانٍ كموج البحر في مددٍ
وفوق جوهره في الحسن والقيمِ

فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها
ولا تسام على الإكثار بالسأمِ

قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم

إن تتلها خيفةً من حر نار لظى
أطفأت حر لظى من وردها الشم

كأنها الحوض تبيض الوجوه به
من العصاة وقد جاؤوه كالحمم

وكالصراط وكالميزان معدلةً
فالقسط من غيرها في الناس لم يقم

لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها
تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

يا خير من يمم العافون ساحته
سعياً وفوق متون الأينق الرسم

ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ
ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم

سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ
كما سرى البدر في داجٍ من الظلم

وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً
من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الأنبياء بها
والرسل تقديم مخدومٍ على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم
في مركب كنت فيه صاحب العلم

حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ
من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم

خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ
نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم

كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ
عن العيون وسرٍ أي مكتتم

فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ
وجزت كل مقامٍ غير مزدحم

وجل مقدار ما وليت من رتبٍ
وعز إدراك ما أوليت من نعمِ

بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا
من العناية ركناً غير منهدم

لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

راعت قلوب العدا أنباء بعثته
كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ

ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ
حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم

ودوا الفرار فكادوا يغبطون به
أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم

تمضي الليالي ولا يدرون عدتها
ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم

كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم
بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم

يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ
يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم

من كل منتدب لله محتسبٍ
يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ

حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم
من بعد غربتها موصولة الرحم

مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ
وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ

هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
ماذا رأى منهم في كل مصطدم

وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحداً
فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم

المصدري البيض حمراً بعد ما وردت
من العدا كل مسودٍ من اللممِ

والكاتبين بسمر الخط ما تركت
أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ

شاكي السلاح لهم سيما تميزهم
والورد يمتاز بالسيما عن السلم

تهدى إليك رياح النصر نشرهم
فتحسب الزهر في الأكمام كل كم

كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً
من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم

طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً
فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ

ومن تكن برسول الله نصرته
إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ

ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ
به ولا من عدوّ غير منفصم

أحل أمته في حرز ملته
كالليث حل مع الأشبال في أجم

كم جدلت كلمات الله من جدلٍ
فيه وكم خصم البرهان من خصم

كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً
في الجاهلية والتأديب في اليتم

في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم


مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

خدمته بمديحٍ استقيل به
ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم

إذ قلداني ما تخشي عواقبه
كأنَّني بهما هديٌ من النعم

أطعت غي الصبا في الحالتين وما
حصلت إلا على الآثام والندم

فياخسارة نفسٍ في تجارتها
لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

ومن يبع آجلاً منه بعاجلهِ
يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ

إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض
من النبي ولا حبلي بمنصرم

فإن لي ذمةً منه بتسميتي
محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم يكن في معادي آخذاً بيدى
فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ

حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه
أو يرجع الجار منه غير محترمِ

ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
وجدته لخلاصي خير ملتزم

ولن يفوت الغنى منه يداً تربت
إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم

ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت
يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
***
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم

يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت
إن الكبائر في الغفران كاللمم

لعل رحمة ربي حين يقسمها
تأتي على حسب العصيان في القسم

يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ
لديك واجعل حسابي غير منخرم

والطف بعبدك في الدارين إن له
صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم

وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ
على النبي بمنهلٍ ومنسجم

ما رنّحت عذبات البان ريح صبا
وأطرب العيس حادي العيس بالنغم

ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ
وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم

والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم
أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهي لكل المسلمين بما
يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم

بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ
واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم

وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت
والحمد لله في بدء وفي ختم

أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ
فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم


...
أحمد شوقي
رائعته نهج البردة
...
ريم على القاع بين البان والعلَم
أحَل سفكْكَ دمى فى الأشهر الحُرُم
لما رَنا حدثتني النفسُ قائلة
يا ويح جنبِكَ بالسهم المُصيبِ رُمى
جحدتُها وكتمتُ السهم فى كبدي
جٌرْحُ الأحبة عندي غير ذي ألــــم
يا لائمي فى هواهُ والهوى قدَرٌ
لو شفك الوجد لمْ تعذلْ ولم تلــــــُم
لقد أنلتك أذْنا غير واعية
ورب منتصبٍ والقلبُ فى صَمَـــــم
يا ناعس الطرف لا ذُقت الهوى أبدً
أسهرت مضناك فى حفظ الهوى, فنم
يا نفس دنياكٍ تُخفى كل مبكية
وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتســـــــــــم
صلاحُ أمرِك للأخلاق مرِجعُه
فقوم النفسَ بالأخلاقِ تستقِــــــــــــــمِ
والنفسُ من خيرِها فى خير عافيةٍ
والنفس من شرّها فى مَرْتع وخــــم
تطغى إذا مُكنتْ من لذة وهوًى
طَغى الجِيادِ إذا عضت على الشُكم
إذا جَل ذنبى عن الغفران لي أملٌ
فى اللهِ يجعلني فى خير معتصـــــم
ألقى رجائي إذا عز المُجيرُ على
مفرج الكرْب فى الداريْن والغُمَـــم
إذا خفضت جَناحَ الذل أسألٌهٌ
عزِ الشفاعِة لم أسألْ سوى أمَــتــم
وإن تقدم ذوى تقوى بصالحةٍ
قدّمتُ بين يديه عَبرةَ النـــــــــــــدَم
لزِمتُ باب أمير الأنبياء ومن
يُمْسِكْ بمِفتاحِ باب الله يغتنـــــــــــــمِ
محمد صفوة الباري ورحمتُه
وبغُيَة الله من خلْقٍ ومن نَسَـــــــــم
ونودىَ اقرأ تعالى الله قائلُها
لم تتصِلْ قبلَ مَن قيلتْ له بفــــم
هناك أذنَ للرَحمن فامتلأت
أسماعُ مكة من قُدسِيةِ النغَــــــــــم
فلا تسلْ عن قريشٍ كيفَ حيْرَتُها
وكيف نُفرتها فى السهل والعلــــم
تساءلوا عن عظيمٍ قد ألم بهم
رمَى المشايخ والولدَن باللمَــــــم
سَرَت بشائِر بالهادي ومولِده
-فى الشرق والغرب مَسْرَى النور فى الظلم
تخطفتْ مُهَج الطاغين من عربٍ
وطيرت أنفسَ الباغين من عجم
يُعذبان عباد الله فى شُبهٍ
ويَذبَحان كما ضحيتَ بالغَنــــــم
والخلق يفتِك أقواهم بأضعفِهم
كالليثِ بالبٌهْم أو كالحوتِ بالبَلَـم
أسرَى بك الله ليلاً إذ ملائكهُ
والرسلُ فى المسجد الأقصى على قدم
لما خطرْتَ به التفوا بسيدهم
كالشهبِ بالبدر أو كالجند بالعلــــم
صلى وراءك منهم كل ذي خطرٍ
ومن يفُزْ بحبيبِ الله يأتمـــــم
جُبْتَ السماوات أو ما فوقهنّ بهم
على منورة درية اللُجُـــتـــــم
مشيئة الخالق الباري وصنعتُه
وقدرة الله فوق الشك والتُهَــم
حتى بلغتَ سماءً لا يطارُ لها
على جناحِ ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رُتبته
ويا محمدُ هذا العرشُ فاستلـم
يا رب هبت شعوب من منيتها
واستيقظت أمم من رقدة العـدم
رأى قضاؤك فينا رأى حكمته
-فالطُف لأجل رسول العالمين بنا
ولا تزد قومه خسفا ولا تسُـم
يا رب أحسنت بَدْءَ المسلمين به
فتمِم الفضل وامنح حُسن مختتـم
__________________

آخر تعديل بواسطة مطر وقمح ، 02-22-2013 الساعة 12:50 PM
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59