الموضوع: مكافحة التدخين
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 11-09-2014, 08:39 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,212
ورقة التدخين

التدخين
ــــ

(الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي)
ــــــــــــــــــ

16 / 1 / 1436 هــ
9 / 11 / 2014 م
ــــــــــــ




الحمد لله الذي أَباح لعِباده الطيِّبات، وحرَّم عليهم الخبائث والمضرَّات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أكرَمَ الإنسان بمكارم لا تُحدُّ، وأنعَم عليه بنِعَم لا تُعدُّ، وأشهَد أنَّ سيِّدنا وحبيب قلوبنا، وضياء أبصارنا، ونور بصائرنا، محمدًا عبدُه ورسوله، نبيُّ الهدى، وإمام أهل الطاعة والتُّقى، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحابته، واجزِه عَنَّا خيرَ ما جزيت نبيًّا عن أمَّته، ويسِّر لنا اتِّباع نهجه والتِزام سنَّته، ولا تحرِمنا يومَ القيامة من قربه وحوضه ونيل شفاعته.

أمَّا بعد - إخوةَ الإيمان والعقيدة -:
فما أسعَدَنا بخالقنا الكريم، وما أحوَجَنا إلى ربِّنا الرحيم! فهو الذي خلَقَنا فأبدَعَ ما خلق، وهو الذي كرَّمَنا من غير حدٍّ، وهو الذي أنعَمَ علينا بنِعَمٍ لا تُحصَى ولا تُعَدُّ، دلَّنا بفضله على الهداية فاهتدينا إلى شرائع دينه العظيم؛ فنحن الموحِّدون ولا في الدنيا من غيرنا موحِّد، فمن أعظم النِّعَم أنَّنا عرَفنا الله، ومن أعظم النِّعم أنَّنا اتَّبعنا مَن أرسَلَه بنوره وهُداه؛ يقول الله - جلَّ في علاه -: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 - 16].

جاءَ ****** المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحمل رسالةَ الله إلى الناس كافَّة، أمَرَه الله - جلَّ جلالُه - أن يُنادِي في الناس؛ فقال له - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]؛ لأنَّه خاتم المرسلين، وما جاء به هو الدين الحقُّ، ولا دين سواه؛ قال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

هذه الرسالة العَصماء أساسُها أنَّ الله خلَق خلقَه ليكونوا سُعَداء في الدنيا والآخِرة، ما خلَق الله ليُعذِّب؛ إنما خَلَق ليُنعم، ومهَّد لعباده طُرُق الحقِّ ليسلكوها بأمانٍ واطمئنان، بَناها على الطهارة؛ طهارة الأنفس والأبدان، وفرَض عبادته على عباده ليطهروا وليزكوا؛ يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، من أجل ذلك لا يقبَل الله عملاً أو قولاً إلا من طاهِر، إلا من نقيٍّ في النفس، زكيٍّ في السَّرِيرة، وأَنار الله طريقَ الطُّهر بفوانيس الحلال، وحصَّنَها بالطيِّب من كلِّ قول وعمل، فقال - جل جلاله - لحبيبه ومُصطَفاه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [المائدة: 4]، فالخمرة خبيثة؛ من أجل ذلك حرَّمها الله، والدم يحمل فضلات البدن وزوائده إلى الكبد، الذي يحوِّلها إلى موادَّ قابلةٍ للذوبان في الماء، ثم يدفعها الكبد إلى الكليتين، لتتخلَّص منها عبر البول، من أجل ذلك حرَّمه الله، وهكذا كلُّ الحرام حرَّمه الله؛ لأنَّه يحمل الأذى والمضرَّة للإنسان، فليس هناك حرام نافع، كما لم يُعْطِ الله للإنسان حقَّ التصرُّف في جسده كيف يَشاء؛ لأنَّ الجسد أمانة الله، ووديعته عند عبده، أجازَ له أن يتصرَّف فيه بما جعَلَه الله حلالاً، ومنَع عليه أن يستعمله في الحرام، فلا يجوز للإنسان قتلُ نفسه؛ لأنه تصرُّف أحادي لم يأذن به الله؛ قال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29 - 30]، من أجل ذلك تجلَّت رحمة الله على المؤمنين، فأحلَّ لهم كلَّ طيب، وحرَّم عليهم كلَّ خبيث؛ يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 156 - 157].

فيا أيُّها المؤمن المدخِّن، أين تضع السيجارة: تحت الطيِّبات أم تحت الخبائث؟ اسأل ابنك الصغير، اسأل زوجتك، اسأل أيَّ عابرٍ في الطريق: أين يضع السيجارة؟ فليس في الوجود مَن يضعها تحت الطيِّبات.
ودعني أسألك: هل حين تُشعِل السيجارة تقول: بسم الله؟ هل حين تُنهِيها تقول: الحمد لله؟

ستقول: لا، وأقول لك السبب: لأنَّها ليست نعمة؛ لأنها نقمة، قد يختَفِي أثرُها إلى حينٍ ليظهر في أشكال مُخِيفة من الأمراض والأسقام، يعرِف الجميع خطورتها ونهايتها المُحزِنة.

وأنت أيُّها الشابُّ المدخِّن، دعني أسألك أيضًا: لماذا لا تدخِّن أمامَ الوالد، أو أمام العم؟ لماذا لا تدخِّن أمامَ مَن تُكِنُّ له التقدير والاحتِرام؟
والجواب: لأنَّك تعلَم أنَّك على خطأٍ، وأنَّ الذي بين أصابعك وفمك ضررٌ يُهدِّد كيانك، فتَخاف أن يَراك الوالد ومَن تحتَرِم.

وإذا قلت: إنَّ التدخين عادةٌ يَصعُب تركُها، والإنسان على ما تعوَّد، أقول لك: أين عزيمة المؤمن؟ وأين الإرادة التي بثَّها فيك يا عبدالله؟ أتصغر أمام وسوسات واهِيَة، قد يصوِّر لك الشيطان أنَّ الإقلاع عن التدخين مستحيل، ويخنس عند دَواخِل نفسك، ليهمس في أعماقك: كيف تعيش بلا دخان؟ كيف يمرُّ اليوم؟ كيف تحتَسِي الشاي والقهوة؟

كلُّ ذلك يَتلاشَى حين تقرِّر، حين تفتَح باب الإرادة، حين تعلَم أنَّك مسؤول، وأنَّك حرٌّ في اتِّخاذ القرار، وأنَّ الله الذي خلَقَك جعلك المكرَّم والمفضَّل، وسخَّر لك الوجود بأَسرِه، وبثَّ فيك الإرادة لتقهر الصعاب؛ فتصرع الدخان والتدخين، وتراه حقيرًا، لا قدرةَ له ولا قيمة أمام صِدق العزيمة.

ومع ذلك احذر، احذر أن تُقلِع عن التدخين خوفًا وهلعًا من الموت، نعم، احذر أن تلغي الدخان حِفاظًا على الصحَّة؛ إنما تخلَّص منه بإرادتك، انتَصِر على الدخان والتدخين طاعةً لله، اتركه خضوعًا ورجوعًا إلى الله.

تضرَّع إليه في سكنات الليل، فمَن لك غير الله؟ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، نادِ في الأسحار: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث من "صحيح الترغيب" -: ((فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلم في شيءٍ قطُّ، إلا استَجاب الله له))، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، توجَّه بها إلى الله في خشوع وإنابة، يفرِّج الله لك بها كلَّ هَمٍّ وغَمٍّ.

اللهم فرِّج كربنا، واغفر ذنبنا، واجعَل قوَّتنا فِي طاعتِك، ونَشَاطَنا فِي عبادتِك، واكتُبنا من عبادك الصالحين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم.

الخطبة الثانية
-----------

الحمد لله حمدَ الطائعين، نحمده ونستغفره وبه نستعين، ونشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا رسول الله النبي الصادق الأمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمَّا بعد معشرَ المؤمنين والمؤمنات، عبادَ الله:
فقد فتَح الله بابَ الحلال، وجعَلَه للمؤمنين مدخلاً لرحابه، فطريق الحلال هو طريق الله، وأغلق الله باب الحرام، وحرَّم على المؤمنين الدخول منه؛ لأنَّ طريق الحرام يؤدِّي إلى النار، وأمَرَنا أن نتناوَل الحلال الطيِّب في كلِّ شيء؛ فقال - جل جلاله -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [البقرة: 168].

وأمَرَنا أن نتعامَل بيننا بالطيبات؛ فقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 267]؛ ولذلك أسَّس الله التِّجارة على الحلال؛ فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275]، فيا أيُّها التاجر، لا تخلط تجارتك بأيِّ شبهة، فالدُّخان الذي ثبَت ضرره لا تُدخِله في مكاسبك، فالله الذي خلَقَك ورزقك أمَرَك بما أمَر به كلَّ المؤمنين؛ فقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]، فهل بيعك للدخان فيه تعاونٌ على البر والتقوى؟ هل بيعك للدخان فيه إحسانٌ للمدخن، أو فيه إثمٌ عند الله وعدوان على بدن المدخن؟

إذًا طهِّر تجارتك من الآثام والشبهات، ولا تَبِع إلا الحلالَ الطيب، واترُك - أيُّها المؤمن - الدخان والتدخين طاعةً لله ومحبة لرسوله، تفُز في الدنيا بحياة طيبة، وتَنعَم في الآخرة مع الطائعين.

اللهم افتَح مسامع قلوبنا على طاعتك، ونوِّر بصائرنا بحسن عبادتك، اللهم تولَّ أمرنا، واجمع على الخير شملنا، وألهِمنا رشدنا، اللهم عمِّر قلوبنا بتقواك، وعمِّر بيوتنا بعبادتك ونجواك، واجعَلنا نخشاك كأنَّنا نراك، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتَلانا، وارحم موتانا، واجعلنا لنعمك من الشاكرين، واكتبنا من عبادك الطائعين، واهدنا للعمل بشرائع هذا الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

يا خالق الخلق أجمعين، يا غافر الذنب للمذنبين، يا كاشف الغمِّ عن المكروبين، يا مُجِيب المتضرِّعين والسائلين، نسألك اللهم أن تحفَظنا بحفظك المتين، وأن تجمعنا وأهلَنا وجميعَ المسلمين في حصنك الحصين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ أهل الكفر والمشركين، وأعلِ رايةَ الحق والنصر فوق أرض فلسطين.

اللهم أمِّنَّا في دُورِنا، ووفِّق إلى الخير والصلاح وُلاةَ أمورنا، واجعَل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

وآخِر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59