بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)
بقلم/ الشيخ رائد بن حمد السليم
الحمد لله الفرد الواحد النصير ، والصلاة والسلام على نبيه محمد بن عبد الله الهادي البشير ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن الماء حياة الأحياء ، وهبة رب الأرض والسماء ، ونعمةٌ كبرى تخرج به ثمراتٍ مختلفاً ألوانها ، وحباً متراكباً ، وزرعاً مفترِقاً أُكُلُه .
وعلاقة الناس بالماء والمطر علاقةٌ حميمة ، مَصِيريَّة ، وقد سمّاه الله رحمة ، ونَدَب إلى النظر والتفكر في آثاره .
فمن آثاره تسوم أنعام الناس التي منها يأكلون ، ويشربون ، وينتفعون ، ويتّجرون.
ومن آثاره ترتوي آبارهم التي منها يستقون لأنفسهم ، ولدوابهم ، ولحرثهم .
ومن آثاره حصول العبودية ، وذلك بإنابة العباد إلى ربهم ، وشعورهم بالافتقار إلى رحمته ، وأنه لا غنى لهم عنه طرفة عين ، ثم شكر الله تعالى لما يرونه من تنـزّل رحمة ربهم ، وقرب غِيَره ، وواسع فضله ، وجزيل كرمه .
ومن آثاره زيادة اليقين بحقيقة الحياة الآخرة ؛ لما يراه العباد من إحياء الله تعالى لأراضيهم البُور الهامدة ، فالقادر على ذلك هو القادر على إحياء الأجساد بعد موتها ، في يوم البعث والنشور .
وفي الأحاديث القادمة بعض الوقائع التي قَحَطت فيها الأمطار ، فأجدبت الديار ، وهلكت الزروع والثمار ، أو كادت ، فهُرِع المسلمون إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم شاكين له ما أصابهم ، وقد كان بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ، فكان هديه في ذلك اللجوءُ ، والدعاءُ ، والتضرّعُ إلى الله تعالى - كاشفِ الضُّر والنِّقم ، مُسبِغ الخير والنِّعم - ، والبشارةُ بقرب الفَرَج ، وتبدّل الحال .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة ، قام أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه ، وما نرى في السماء قزعة ، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن منبره ، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم ، فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد ، وبعد الغد ، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى ، وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره - ، فقال : يا رسول الله ، تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه ، فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت ، وصارت المدينة مثل الجوبة ، وسال الوادي قناة شهرا ، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
وعن جابر بن عبد الله قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي ، فقال : اللهم اسقنا غيثاً ، مغيثاً ، مريئاً ، مريعاً ، نافعاً ، غير ضار ، عاجلاً ، غير آجل ، قال : فأطبقت عليهم السماء.
وعن شرحبيل بن السمط : أنه قال لكعب : يا كعب بن مرة ، حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحذر ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، استسق الله ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، فقال : اللهم اسقنا غيثأ ، مريئاً ، مريعاً ، طبقاً ، عاجلاً ، غير رائث ، نافعاً ، غير ضار ، قال : فما جمعوا حتى أجيبوا ، قال : فأتوه فشكوا إليه المطر ، فقالوا : يا رسول الله تهدمت البيوت ، فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، قال : فجعل السحاب ينقطع يميناً وشمالا ً.
وعن ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ، ولا يخطر لهم فحل ، فصعد المنبر ، فحمد الله ، ثم قال : اللهم اسقنا غيثا ، مغيثا ، مريئا ، طبقا ، مريعا ، غدقا ، عاجلا ، غير رائث ، ثم نزل ، فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ، قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر صلى الله عليه وسلم ، وحمد الله عز وجل ، ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين ، ثم رفع يديه ، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره ، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين ، فأنشأ الله سحابة ، فرعدت ، وبرقت ، ثم أمطرت بإذن الله ، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله.
وعن أبي ذر ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أكلتنا الضبع ، قال : غير ذلك أخوف عندي عليكم من ذلك ، أن تصب عليكم الدنيا صباً ، فليت أمتي لا يلبسون الذهب.
الضَّبُع : يعني السنة المجدبة ، وهي في الأصل الحيوان المعروف ، والعرب تَكني به عن سنة الجدب .
دمتم برعاية الرحمن وحفظه