عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-04-2013, 09:02 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
29

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبـَرَ الـْـخـَــلـْـق،

رُفــِــعَــتْ لــَـهُ بــِـالـصَّـــبْــر أشـْـرَفُ رَايـَـةٍ فــَـوْقَ الأنــَـام ِ لـِـمِــثـْـلِـــهِ لـَـمْ تـُـرْفــَـع ِ

صَـبَـرَ عـلى أذى المنافقين، و الصبر عليهم مُرٌّ و لكن لا حيلة معهم غيرُ الصبر،لأنهم يزعمون الإسلامَ و يُظهـِـرون الولاء، و هم عيونُ الأعداء، يتربصون بالمسلمين، و يتتبـَّـعون عورات المؤمنين، و يُخطـِّـطون في السِّــرِّ و يمكرون.

لا خـَـيـَـرُ مـَـا فــِــيْ الـْـكـَـلـْــبِ فـِـيْــهـِـمْ و لا مَـــا فِـيْ ابـْـن ِ حَـوَّا من نـَقــَاءِ الصَّمِـيْـم

كـَـمْ شـَـمَّ الـْـمُـسْـلِـمون رائحة النفاق في لـَـحـْـن ِ قول ِ أحَدِهِم، فاستأذنوا النبيَّ صلى الله عليه و سلم في قتله، فقال في صبر لا مـُـتــَـنـَـفـَّسَ فيه: "لا يتحدَّثُ الناسُ أنَّ محمدا يَـقـْـتــُـلُ أصحابَه".

تـَــزْهــُــو بـِــحُــسْــنِــهــــا و بـــــالـجـَــمَــال ِ تــُــضِــــيءُ مِــثــْـــلَ أنـْــجُــم ِ الـلــَّـيال ِ

و ها هو صلى الله عليه و سلم قد ركـِـبَ حمارَهُ و أردف وراءَه أسامة، قاصدا عِـيَـادَة َ سَعْدِ ابنَ عُبادة، فمرَّ بمجلس ٍ فيه أخلاطـٌ من مسلمينَ و مشركينَ و يهود، و فيهــِـمُ ابنُ رَوَاحَـة َ رضي الله عنه شامـَـة ٌ زاهِــيَـة، و فيهم الجـِـلـْـفُ ابنَ أ ُبَيّ، ثــَـاغـِـيَـة ٌ دَنِــسُ الحاشية في جـِـنـْـس ِ الـْـمَاشِـيَـة، تغشاهُ مِنَ الـْـمَخازيْ غاشِـيَـة ٌ إثـْـرَ غـَاشِـيَـة، تراه يُـعْــطـِـيْ الــْـفــِــعْــلَ حَـرْفَ جَـرٍّ و لا يَرَى للـْـمَــصْـدَرِ انـْــتــِـصَــابـا. فـَـلـَـمَّا غـَـشِــيَــتِ الـْـمَـجْـلِـسُ عَـجَـاجَـة الدَّابــَّــةِ خـَـمَّــرَ ابـْـنُ أ ُبَيٍّ أنـْـفــَـه،

بـِــسُــوءِ مَــقــَـالِــهِ شــَـهــِـدَ الـزَّمَـــانُ
لــَـهُ صـُـوَرُ الــــرِّجــَــال ِ و مَــا رَأيْــــنــَـــا لــَــــــهُ قــَـدْرا ً و لا وجْـهــا ً يُـــصَــانُ

يقول: "لا تــُــغــَـبِّـرُوا عــَــلــَـيْــنا"!

و لما دعاه الرسولُ صلى الله عليه و سلم و من معه و قرأ عليهم القرآن قال: "لا أحْسَنَ مِنْ هذا، إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجالسنا، و ارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصُصْ عليه"!

أتــَـــعْجَـبُــون.... لا عَـجَـبْ

إنَّ الــْــحـُــمَــيِّـــرَ لــَـمْ يـَــمِــزْ بـَــيْــنَ الــتــِّـــلاوةِ و الـنــَّـهــِـيْــقْ

فقال ابن رواحة: "بل اغشَـنا في مجالسنا فإنا نـُـحِـبُّ ذلك"

فــَـمَــا سَــعِــدَتْ بــِـغــَـيْــرِ هــُــدَاكَ نــَـفـْـسٌ و لـَـوْ مـَـلــَـكـَـتْ كــُــنــُوزَ الـْعَـالـَمِــيْـنَ

بـُـلـْـبُــلٌ غــَــــنــَّــى و ثــَـــــوْرٌ خــَــــــــــارَ هلْ تـُـرْفـَـضُ النـَّغـْمَـة ُ حُـبًّا فِيْ الـْخـُوار

فاسْـتـَـبُّــوا و هَـمُّوا أنْ يـَـتــَـواثــَـبُوا، فــَـخــَـفــَّـضَهُم صلى الله عليه و سلم حتى سكتوا، ثم قام عنهم.

ثابتَ الـْجَـأش ِعلى ما اشتدّ مِنْ كـُبْرى البلايا إنَ فـَقـْدَ الصبرِ للإنسان مِنْ أعلى الرَّزايا

و لم يزَلْ رأسُ النفاق يتجرَّأ و ينتقصُ و يصُدُّ عن دعوته،

لـلـْــــخِــزْي ِ أرْأى مِـنْ غـُــــرَابٍ و عَـــــنْ سَـنـَا الـْـهُـدَى اعْـمَى مِنْ رُكــَـام ِ السَّــدِيْـم

قيل للنبي صلى الله عليه و سلم: "لو أتـَـيْـتَ ابنَ أ ُبَيّ"، فانطلق إليه و قد ركِبَ حِمارَه، و انطلق المسلمون معه في أرض ٍ سَـبَـخـَة. فلما أتاه النبيُّ صلى الله عليه و سلم، قال: "إليك عنـِّـي، فقد آذاني نـَـتـَـنُ حِـمَـارِك"!

سَـمِــجُ الـْـجـِــبـِـلــَّــةِ بالنــَّــذالــَـةِ مُـفـْرِطـُ و يـَـدُورُ مِـثـْـلَ أبـِـيْ الرِّيـَاح ِ و يَـلـْبـِـطـُ

فقام رجلٌ من الأنصار و قال: "واللهِ لـَـحِمَارُ رسول ِ الله صلى الله عليه و سلم أطـْـيَـبُ رِيْحا ً منك!!!". فغضب له زُمرة ٌ من أصحابه، و غضب للأنصاريِّ أصحابُه، فكان بينهم ضربٌ بالـْـجَـرِيْـدِ و النــِّــعال و الأيْــدِي، و رسول الله صابرٌ صَبْرا ً لا يقدِرُ على مثله أ َحَـدٌ بـِـيَـدِهِ القــُــدْرة ُعلى عِقـَـابِ مِــثـْــل ِ هذا البـَـغــْـل ِ غيرُه.

أبـَـتْ معارفُ صبره صلى الله عليه و سلم أن تـَـتــَـنــَـكــَّـر، و صَـبَـاحُ ثـَـبَـاتِهِ أنْ يُـجْـحَـدَ أو يُـنــْــكــَـرْ، يَسْـتوقِـفُ صبرُه الطيرَ و رزق بـَـنـِـيْـهِ في مِــنـْـقــَـارِهِ، و لا يـَـذهَـبُ وقــَـارُه.

فحقق اللهُ مرادَه و نشرَ دِينـَه، و قلــَّــلَ أعداءَه و حُسَّـادَه،

فــلـَـمْ نــَـعْــرِفْ لــه فـِـيْ الـصـَّـبـْــرِ قــَـبْــلا ً و لمْ نـَـعْــرِفْ لــهُ فــِـيْ الـْفـَـضـْـل ِ بـَعـْــــدا
حـَـوَى هـِـمَــمَ الـرِّجــَـال ِ فـَـكــان جـَـمْــعــا ً و أ ُفـْــــرِدَ بــالــثــَّــبـَاتِ فـكــانَ فـــــــــردا

عــَـلـيْــهِ كــَـوامــِـــلُ الـصَّــلـَـواتِ تـَـتـْـرى فــَـلا لــَـــــــيْــلا ً تـَـطـِــيـْــشُ و لا نــَـهارا

-----------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبـَرَ الـْـخـَــلـْـق،

دهـَـــــتـْــــهُ نــَـوَازِلٌ لــوْ زُرْنَ رَضـْــــوى لـَـمَــا أبـْــقــَــيْــنَ رَضْــوَى أوْ شــَـمــَـامــا

صـَـبـَرَ عليه الصلاة و السلام على المشركين في العهد المَـدَنـِيِّ صبرا مختلفا عن صبره في العهد المَـكـِّـيّ. لأن صبره في العهد المدني صبْرٌ في ميادين القتال و المُـنازلة، صبرٌ على كــُـلـُوم ِ الرِّماح ِ و السُّـيوف ِ و المُـجَـالــَـدَة، صَـبْـرٌ يـَـنـْـفــُـد مَـعَـهُ صبرُ أوليْ العزم و القوة و المجاهدة.

و الــصَّـــبْـرُ أمْــضـَـى سِــلاح ٍ لـَـه ُ و أوْقــَـى مـِـجَــنِّ

ساوَرَهُ الباطلُ بسلطانه و أيـْـدِه، و كاثــَـرَهُ بجمعه و حشده، و دمْـدَمَ بـِـهَـزيمِهِ و رَعْـدِه، فوقف عند شرع الله و حَـدِّه، يُـعِـدُّ لـِـعَــدُوِّهِ الـْـعُـدَّة و يَـفــُــلُّ حَـدَّه، في ثباتِ أ ُحُدٍ و حِرَاء و حَرَكـَـةِ الـْـبـِـنـَاء. لم يَـنفدْ صبرُه، و لم يـَـنــْــثـَـن ِ عزمُه، و هو يقود معركة ً إثـْـرَ معركة، و يُرسِلُ سَرِيَّة ً إثـْرَ سَرِيَّة، حتى آتاه اللهُ الفتحَ المُبين و العِـزَّ و الـتـَّـمْــكين.

و كــُــلُّ شــِــرْكٍ تــَـوَلــَّـى و انـْمـَــــحَــــــــى و غـَـدَتْ رايــَـاتُ ذا الـدِّيـْـن ِ أيـْـنـَـمَا ذهَـبُوا
و جــاءَهُ الــنــَّــصْرُ نـَـصْـرُ اللهِ و اكـْـتــَـمَـلـَتْ بــِـهِ الـــرِّســــالاتُ و انـْـقــَـادَتْ له الـْحِـقـَبُ

صـَـلـــــَّـــــى عَـلـَـيْــهِ بَـارِئُ الـْـعِــــــبَـــــــادِ مَــا أمـْـــــطـَــــرَتْ سُــــحْــبٌ و سـال وادي

--------------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبَـرَ النــاس،

تـَـقــَـعُ الـشـَّـوامِـخُ و هـُـوَ رَاس ٍ رَاسِـخُ

لـِــلـصَّــبْـرِ بَــابٌ فِــيْ الأنـَـام ِ و لـَـمْ تـَـزَلْ يـُــمْـــنــَــاهُ مِــفـْــتــَـاحا ً لِــــذاكَ الـْـبَــابِ

صَـبَـرَ على اليهود أ ُوْلـِيْ المكرِ و الحِقد صبرا عظيما لا نظير له.

غيـَّروا صفاتِه، و جحدوا نـُـبـوَّ تـَه، و حاولوا التخلــُّص منه، و ألــَّــبُوا عليه الأحزاب، و أغرَوا المشركين به، و قالوا: "نحن معكم حتى نستأصِـلـَه".

هــَــمَــجٌ مـِـنَ الأوْبــَــاش ِ و الــْجـُـرْذان ِ

"يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا"
"أولئك الذين لعنهم الله"

لـَـوْلا خِــدَاع ُ ثـِـيَــابـِـهـِـمْ كــَـسَــدُوا بـِــأسْــواق ِ الــْـحَــمِــيْــرْ

صَــدُّوا عن دينه، و شجعوا على عداوته، و ظاهروا عليه أعداءَه، و بـَـثــُّـوا الفتنة بين أتباعه، و حاولوا قتله غـَـيْـرَ مَـرَّة، غـَـيْـرَ مُـبالين بعهد أعطوه و لا مقيمين وزنا لميثاق أبرموه. و هو صابرٌ على خيانتهم و على ما يتوقــَّــعُـه كلَّ لحظة من غدرهم و مكرهم،

فــَـمِــثـْــلــُـهـُــم لــَـمْ تــَـعْــرِفِ الـْـعُــصُـــور فِــيْ الـْـغــَــدْرِ و الـْـخِــسَّـةِ و الـْفـُـجُـــــــور

و الـْـعَـيْـشُ لا يطيبُ مع خـُبـْـثِ الكلاب السُّـود و الذئاب السُّـحْم ِ لا يطيب... لو أنّ عيشا في الحياة طاب.

و مَــنْ حـَـارَبَ الـْـجـَــبـَّــارَ أوْدَتْ بــِـهِ الـْحِرَب،
و مـَـنْ رَامَ يـُــطـْـفـِــيْ نـُـورَهُ مـَـسَّـهُ الـْـعَـطـَبْ.

أجلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أجلى منهم، و أبقى مَنْ أبقى منهم، إلى أن حـَـكـَـمَ سعدُ ابنُ معاذ فيهم بحُـكـْـم ِ الله مِنْ فوق سَـبْـعَـةِ أرْقـِـعَــة، بـِـقــَـتــْــل ِ المُـقـاتـِـلــَة، و سَـبْـي ِ الذ ُّرِّيــَّــة، و قِـسْـمَـةِ المال، جزاءَ نقض ِ العهدِ المُـبْـرَم ِ بينهم وبينه.

"و لا يَـحِــيْقُ الـْـمَــكــْـرُ السَّــيِّءُ إلا بـأهــلــه"

فطأطؤوا رؤوسَهم كالحُمُرِ المُـسـْـتـَـنـْـفِــرَة، بل كالدُّمى المُسَخـَّـرَة، مُـندَحِـرَة مُـعـَـفــَّــرَة، قائلة ًلو نـَـطـَـقــَـتْ:

إنَّ لـلــْــغـَـدْرِ و الــدَّســَــائِــس ِ حَـدًّا و عـَـلى الـْـباغِــيْ تــَـدُورُ الـدَّوائِــرْ

و أ ُسْـقِــطـَتْ قواعِدُ عُدْوان ِ اليهودِ في خـَـيـْـبـَرَ على يدِ رسول الله صلى الله عليه و سلم، و سقط معها قادتــُـها قــَـتــْــلى،

أشـــائـِــبُ حـَــمْـــقــى لا رِجَــالٌ أكــَـايــِــسُ فــَـذلــَّــتْ بــِـحَــمْــدِ اللهِ مِــنـْـها الـْـمَــعَــاطِسُ

و تـَـمَّ تصفية ُ آخِرِ مَـعْـقِــل ٍ لليهودِ في الجزيرة، و لم يـَـقـُـمْ بعدها لليهودِ سُـلـْـطــَـانٌ فيها و لـَـنْ يـَـقــُــومَ بإذ ْن ِ اللهِ ربِّ العالمين.

مــا جـــاءهـــا غـــازٍ يُــرِيــْـــــدُ هـَـوَانـَـهــَــا إلا يـُـرَدُّ عـــَــلــَى الــْــهـَـــــــوَان ِ و يُــهـْــزَمُ

و إنْ عَــــدا فــِــيْ سـُــوحِــهَـــــا أجْـــــــــرَبُ قـُـلـْــنــَــا لــَـهُ فِــيْ الـْـبَــحْـــرِ طِــبُّ الـْـجَــرَبْ

-----------------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبَرَ الناس،

تــلــَــفــَّـــتْ إلـى الآفـــاق ِ شـرقا و مَـغـربــا فـــلــن تــَـرَ فــي أنــحــائـــها مــن يُـمـاثـِـلـُه ْ
حــثـا مِنْ بـُـذور الـصَّــبْـــرِ فِيْ كـُـلِّ مُـهْـجـَةٍ فـــتـلـك الــتـــي تــَــهـْــفــُــوا إليـْــهِ سـنابـِلـُه ْ

لم يُسْمَعْ بأحدٍ كان أصبرَ و أرفقَ و أرحمَ بأهل بيته منه، مع سُمُـوِّ مَـنزلته عند الله و عند خــَـلــْــقِـه.

جُــمـِـــعــَـتْ لـه مِــنْ عِــقـْـدِ كـُــلِّ فـَـضِــيلةٍ دُرر تـَـــرُوق لــِــغــَــيْـــرِهِ لــَـمْ تــُــجْــمَــع ِ

في الصحيح أنّ عُـمـَـرَ رضي الله عنه قال: "كـُـنــَّــا معشر قريش نـَـغـْــلـِـبُ النساء، فلما قدِمْـنا على الأنصار إذا قومٌ تـَـغـْـلـِـبُـهم نساؤهم، فطفِـقَ نساؤنا يأخـُـذن مِنْ أدَبِ نساء الأنصار"، قال: "فصَـخـَـبْـتُ على امرأتي يوما ً فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني! فقالت: (و لِمَ تـُـنـْـكِــرُ ذلك؟ّ! و لِمَ تـُـنـْـكِــرُ ذلك؟ّ! فوالله إنّ أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ليُراجـِـعْــنـَـه، و إنّ إحداهن لتــَـهْــجُـرُهُ الـْـيَــوْمَ إلى الليل)". قال: "فأفزعني ذلك، و قلت: قد خاب من فعل ذلك منهن". قال: "ثم جمعت ثيابي عـَـلـَـيَّ و نزلتُ إلى حفصة فقلتُ لها: أيْ حفصة: أتــُـغاضِبُ إحداكن النبيَّ صلى الله عليه و سلم اليومَ حتى الليل؟ قالت: (نعم). قال: خِـبْـتِ و خــَـسِـرْتِ، أفـتـأمـنـيـن أن يَـغـْـضـَـبَ اللهُ لـِـغــَـضـَـبِ رسولِه فـتهلكين".

أرأيتَ كيف انزعج عُـمَـرُ من مراجعةٍ يسيرةٍ راجعـَـتـُـه بها زوجتـُـه، و النبيُّ صلى الله عليه و سلم يـَـقــْــبـَـلُ مراجعة نسائه و يتحمل غضبهُنّ حتى يهجـُـرْنــَــه اليومَ كـُـلــَّــه. و ما ذلك واللهِ إلا لعظيم صبره و خـُـلـُـقـِــهِ الذي لا يَـحتاج إلى دليل و لا يـُـتـَـطـَــرَّقُ إليه بتعليل و لا يُخـَـافُ على مُحـْـكـَـمِـهِ واردُ نسخ ٍ و لا عارِضُ تأويل، فقد صحَّ مِنْ كــُــلِّ سبيل.

هاهو ذا يُلاطِفـُـهُـنّ في القول و كأن لم يصدر منهن شيءٌ ذو بال،

يقول لعائشة: "إني لأعلم إذا كنتِ راضية ً عنـِّـي و إذا كنتِ غضبى"، قالت: "كيف؟"، قال: "إذا كنتِ عنـِّي راضية ً تقولين لا وربِّ مُحمّـد، و إذا كنتِ غضبى قـُـلــْـتِ لا وربِّ إبراهيم"، قالت: "أجَـلْ، واللهِ يا رسولَ اللهِ ما أهجُــرُ إلا اسْـمَـك".

الــقـــلـــبُ مـنـزلـك الـقــديـــمُ فـإنْ تـَـجـِـدْ فــِـــيــهِ سِـوَاك مــِـــنَ الأنــَـام ِ فـــَـــنــَـحِّـهِ

كان صلى الله عليه و سلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهاتِ المؤمنين بصَحـْــفة فيها طعام، فضَرَبـَـتِ التي كان النبيُّ في بيتها يدَ الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم فــِــلــَـقَ الصحفةِ و جَعَلَ يَجْمَعُ فيها الطعام و يقول: "كـلــوا، غارَتْ أمــُّـــكـم". ثم حـَــبَسَ الخادمَ حتى أ ُتِــيَ بصحفة مِـنْ عِـنـْـدِ التي هو في بيتها فدفع الصحيحة َ إلى الخادم، و أ َمْسَكَ المكسورة في بيت التي كسرتها. صحفة ٌ بصحفةٍ و كأنْ لم يـَـكــُـنْ شيء!

أحــلى و أعـْــذبُ منْ رحِــيْــق ِ السَّــلـْـسَـل ِ تـُـهْدِي إلى الـمَــلـْـهـُــوفِ عـَـرْفَ الـْمَــنـْـدَل ِ

جاء أبو بكرٍ فوَجَـدَ الناسَ جلوسا بـِـباب رسول الله صلى الله عليه و سلم لـَـمْ يُـؤْذ َنْ لأحد، فاستأذن فأ ُذِنَ له، و استأذن عمر فأ ُذِنَ له، فوجدوا النبي صلى الله عليه و سلم جالسا واجـِما ً حولـَهُ نساؤه. فقال عمر: "لأقولــــــنَّ شيئــا أ ُضْحِكُ به النبيَّ صلى الله عليه و سلم"، ثم قال: "يا رسول الله لو رأيتَ بـِـنـْـتَ خارجة َ و قد سألــَــتــْــنِيْ النفــَـقــَـة... فقــُـمتُ إليها فوَجَـأتُ عُـنــُـقــَــها". فضحِكَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم و قال: "هـُـنَّ حولي كما ترى يسألـْــنـَـنِـيْ النفقة". فقام أبو بكر إلى عائشة يَـجـَـأ ُ عُـنــُـقــَـها، و عُـمـَـرُ إلى حفصة َ يَـجـَـأ ُ عُـنـُـقـَـها، كِلاهما يقول: "تـَـسْـألـْــنَ رسولَ الله ما ليس عنده!"، فــَــقــُـلــْــنَ: "واللهِ لا نسأل رسول الله شيئا ليس عنده أبدا".

مُــــعـَـــبـَّــــقــَـة ً بــِـأرِيْـــــج ِ الـْــــــوُرُود مُــسَـــرْبــَــلــَــة ً بــالــْـــحَـــيـَـا و الـنــَّـــدى

هذا خيْــرُ البـَـرِيَّــة يصْبــِــرُ على أذى أهل بيته، تظلُّ إحداهن هاجرة ً له اليوم كله، تهجُرُ اسمه، و تستطيل إحداهن بـِـيَــدِها بين يَـدَيــْـه و تـَـكـْـسِـرُ الصحفة، و هو قادر على أن يـُـفارقــَـهُـنَّ فيـُـبْــدِلــَـهُ الله خيرا منهن كما وعَـدَه ربُّه. و إنَّ كـُـلَّ لـبـيـبٍ سيَـظهرُ له بجلاء لو أنه مكانُ رسول الله صلى الله عليه و سلم ماذا سيفعل في مثل هذه المواقف. لكنه صلى الله عليه و سلم خيرُ الناس للناس و خيرهم لأهله، شعاره: "خيرُكـُـمْ خيرُكـُـمْ لأهله، و أنا خيرُكـُـمْ لأهـْـلـِـي".

فــَــلــَــه ُ الـْـمَــحَــامِـدُ فـِــيْ الـْـمَــلا كــَـالآي ِ تــُــتــْـــلــَـى لا تــُــمـــَــــلّ
و يـُــمَـــلُّ وَجْـــه ُ الـْــبَـــــــدْرِ فِــيْ تــَـــــــــم ٍّ وَ هــــــذي لا تــُــمـــَــــلّ

حـُــثــُّــوا الـْـمَـطِـيَّ فقدْ قضَـتْ أوْطـَارَها و احْـدُوا إلـى هــَــذِيْ الـْـخِـلال ِ قـِطـَارها

"لقد كان لكم في رسول اللهِ أ ُسْـــوَة"

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الــْـــجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

-------------------------------------------------

كان صلى الله عليه وسلم أصْــبـَـرَ الناس،

فــلـِــغــَـيْــرِ الله لــَـمْ يــَـحـْـن ِ الـْـجَــبـِـيْــن و لـِـغـَـــــــيْــرِ اللهِ مــَــا مَـدَّ اليــمــيـــن
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59